أيام القصب – قصة : كروم محمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
Anfasse.orgحين التحقت أمي كعادتها متأخرة بالجارات المجتمعات أمام البيت كنت منهمكا في التسلي بمطاردة نملة كبيرة أحاول أن أسدي لها خدمة جليلة لكنها تأبى وتتأفف ثم ترفض مهرولة في كل اتجاه .كنت أحول جروح رجلي ألى مصائد أصطاد بها الذباب الملعون الذي يحاول جاهدا امتصاص دمي .أقدمه أطباق طرية ولذيذة بين يدي النملة الكبيرة ,لكنها تغير طريقها متضجرة.
كنت مثل أقراني لا نملك لعبا فنكتفي بما تجود به الآرض. جزء كبير من صبار القرية حطمناه أجل صنع شاحنات أو جرارات تجر شقاوتنا وشيطنتنا . تكومت النساء في عباءاتهن كسرب حجل يستمتع بحمام شمس ربيعية.يطرزن ما شئن من كلام.
كانت فطومة لا تكل من الحديث أبدا ,وإذا سكتت فلكي تستجمع لعابها وتواصل حكيها عن الغزل الذي لا ينتهي أبدا .وعنما تمل من الشكوى والبوح تتنهد بعمق وهي تقول "الجرية كثيرة والرزق قليل بحال النملة " عندما تتنهد تدرك فاطنة أن دورها قد حان  وأنها لابد أن تحكي وتحكي حتى تروي الآذان المشدودة إليها ,ولو أنها تدرك أن بعضهن يستمع لها في تشف, ولكن لا يهم ما دامت تجد لذة لا تعدلها لذة وهي تحكي عن اليوم الذي زارت فيه المدينة مع زوجها لتبيع ما نسجته أناملها من قبعات خلا ل سنة كاملة. لكنها حين تكاد تنهي كلامها كان صوتها يخفت شيئا فشيئا حتى إذا كاد لا  يسمعه أحد ,لطمت وجه الأرض بما تحمله في يدها مهما كانت قيمته وإن لم تحمل يوما شيئا ذا قيمة وقبل أن ينفض الغبار من حولها تقول بصوت كأنه ما تعب "سر يا ابراهيم كلت لي رزقي وكلت عليك الله....ّ
فطومة وفاطنة وحدهما كانتا تجدان من يستمع لهما , أما إذا تكلمت غيرهما , تكلم الجميع وعلا الصخب و النقاش حتى يظن الرائي أن لا كلام بينهن بعد اليوم .لكن سرعان ما يخفت الحديث ويتحول إلى همس تطفح له الوجوه بشرا وتنفرج له الآسارير ,خاصة إذا جادت عليهن واحدة بكأس قهوة سوداء مثل حظهن العاثر.
وبينما أنا غارق أومتظاهر بالغرق في  تعقب  النملة الملعونة إذا بأمي تقدفني بحذاء جارتنا المثقوب . قفزت كالملسوع ففهمت أن أنها تنبهني إلى صوت دجاجتنا اليتيمة الذي يدأ يتعالى من الزريبة سمعت جارتنا تحذر أمي من تمزيق حذائها الذي جاد به عليها أحد أقاربها ولولاه لكانت تمشي حافية .
لم تبض الدجاجة بعد.
في المساء عدت من الشعاب والتلال مهدودا من كثرة الجري والصراخ .أتكئ على القصبة الخضراء التي كنت امتطيها قبل قليل فرسا أملس جامحا . من أجل الحصول عليها حطمت أعدادا كبيرة من القصب ,لم تكن تروقني أو تطربني لكونها معوجة أو رقيقة أو مسنونة ...أقراني كلهم حطموا أفراسهم وطوحوا بها في اتجاه السماء.
كانت الدجاجة قد باضت وكان علي أن أذهب إلى دكان القرية الوحيد لأشتري علبة كبريت . نبهتني امي إلى ضرورة الحفاظ على البيضة وصيانتها لأننا لا نملك غيرها . وقبل أن تتم كلامها كنت قد انطلقت أعدو فوق فرسي الأخضر وصور الليالي الماضية تعبر مخيلتي بقساوتها ورعبها كاشفة كيف كنا نطلب النار من الجيران وكيف كنا ننتقل عبر الدهاليز الطويلة الفاصلة بين حجرات البيت على ضوء قصبة مهترئة يتلوى مع سياط الريح الذي لا يرحم قبل أن ننام على رعب حكايات الأغوال والعفاريت... و كان أبي يكاد يشعل البيت نارا بصراخه عندما لا يجد فطور الصباح معدا فبل بزوغ قرن الشمس لأن جيراننا لم يستيقظوا باكرا حتى نطلب منهم نارا.
أخذت العلبة ووضعتها في جيبي بعناية ثم عدت أمتطي الفرس الأخضر . أمام الباب كان أبي يجلس القرفصاء حين وقفت أمامه تحسست جيبي فلم أجد العلبة , ولم اجد جوابا مقنعا ولا منفذا للنجاة . ومن غير سؤال أو جواب وفي رمشة عين بدأت القصبة الخضراء تغزو ظهري وراسي فتضيء البيت كله .
 
كروم محمد/ تارودانت/ جنوب المغرب

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة