ومات منير – قصة : الشاوي محمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse.orgالطقس بارد يبعث على القلق والقرف ولا زال منير يسير في دروب خافتة الضوء بخطى متهادية يتهدده السقوط في كل حين.دماغه مشلول بفعل الجوع وتأثير مخدر"السيلسيون" القوي.في طريقه يتراءى له المارة كالذباب.على عينيه غشاوة جعلته غير قادر على التمييز بين البشر والذباب.وما كان أحد لينتبه إليه لأنهم جميعا ألفوه في تلك الحالة منذ زمن ليس بالقصير لذلك لم يستطع وهو ثمل منهار أن يميز بدقة بين أحاسيسه،فمعدته تكاد تتقلص وأنفه يسيل ورجلاه المقوستان جعلتاه يبدو كغراب أراد أن يقلد مشي الحمام.
منير يشعر بالجوع،بالإنهيار،بالغثيان، لكنه لازال ماضيا في طريقه يقاوم انقراضه ليشهد على سفالتنا وضعتنا،يسير دون هدف.لعنة الجوع جعلته يفكر في استجداء صاحب الدكان  الملتحي المنكمش كالقنفد في جلباب صوفي،كان منهمكا يراجع الفواتير لما وقف منير أمام واجهة دكانه وطلب منه خبزا.على الفور أجابه في كلمتين بأن الخبز قد نفد،لكن منير بقي متسمرا في مكانه أمام الواجهة كأنه تمثال محارب قديم،أخذ نفسا من الخرقة المبللة بالسيلسيون ثم عاد ليطلب من البقال درهما ليشتري شيئا يأكله وعندها ثار عليه البقال ولعن أمه ثم نط إليه يدفعه باحتقار....وتابع منيره طريقه،إلى اللامكان
....


ازدادت الرؤية ضبابية في ناظري منير ورجلاه بدأتا ترتعدان وأحس بنبضه يزداد سرعة كلما مشى أكثر ففهم أن عليه التوقف حتى لا ينهار تماما....
اتكأ على جدار بارد في بقعة خالية جعل منها سكان الحي مزبلة وهو يرتعد ممسكا الخرقة بيمناه واليسرى مندسة في جيبه تبحث عن دفء مثقوب.
استنشق السيلسيون للمرة المئة أو الألف إلى أن بدات تتراءى له والدته والدموع تنسكب من عينيها وحوله أضواء قوية وسيارات فارهة ،في هذه الحالة لم يستوعب أنه بدأ يغيب عن العالم ولكي يقاوم مد يده ليلتقط قطعة لحم وأخذ يمضغ الفراغ وهو يبتسم والرعشة تجتاح كل شبر من جسده المغطى بأسمال بالية لا تقاوم شيئا.

والدته،قطع لحم مشوي،أضواء ودخان ورعشة ثم دموع وجسد يلفظ اخر أنفاسه...صور تنهمر كالمطر  لم يستطع ترتيبها، وبرودة الجدار كشفرات حادة تكاد تمزق أوصاله، تاه حتى استسلم مدليا رأسه إلى الأمام وغاب في دوامة عذابات وألف لعنة وصورة تتراءى بين ناظريه إلى أن فقد وعيه تماما وتهاوى على جنبه الأيسر غير مدرك إلى أي محطة هو ماض.ثم،أنطفأت الصورة تماما تماما....

في كبد الليل مر سكير يتلمس حائطا يفرغ فيه مثانته الملأى ببقايا سوائل رديئة فقام وجه منير مقام المرحاض...زرر السكير سرواله ثم مضى.
في الصباح راه تلامذة المدارس فاندهشوا لكنهم مضوا مسرعين نحو أقسامهم....
راه قاسم وامبارك وعلال وسالم....راوه جميعا لكن لسان حالهم كان يقول : وغا منير هاداك...
حتى شمس ذلك الصباح لم توقظ منير من رقدته فقد فارق الحياة...
تجمهر حوله القوم واصطنعوا نفاقهم الإجتماعي المعتاد،صاحب الدكان كان أول من تكلم وهو يخلل لحيته بأصابعه وكرشه المليئة إيمانا تكاد تنفجر :
-الله أكبر...،مسكين.لو أني رأيته البارحة لأعطيته أكلا وأدخلته إلى بيتي...كنت أعده كواحد من أولادي...الله أكبر وإنا إليه راجعون.

الشاوي محمد الخميسات

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة