اليوم الآخـر - أسامة عطية حسن

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

انفاسلمعان باهت ولّده امتزاج الملح والرمل مع العرق المنداح حول العنق، مسح جبينه بكم القميص المخطط، ووجد نفسه خارج الحفرة بعد أن سمع: اعطني يدك يا صبّار، لقد تعبت. ومرة بعد أخرى، كانوا يتناوبون السقوط في الحفرة بعد السحب، وأصوات المعاول تغزو الرأس وهي تحتك بالأحجار، الأحجار المنتصبة في الأرض على شكل علامات دالّه، أسند رأسه عليها، فأبصر القادمون على شكل خيط ملتو، ملتو لأنه يشبه مكحول، مكحول الممتد أمامه مثل مسبحة، رأسها في الشمال، أطلال قلعة لأسلاف مضوا، ويحضن جسدها لفيف قرى ـ متناثرة ـ لا يفصلها عنه سوى دجلة وجذوع أشجار فضيّة. صعّد من وتيرة زفيره في محاولة لطرد التعب إلى الخارج، فامتزجت أمامه مجموعة من الصور: القادمون على شكل خيط، خيط الحذاء المعقود على شكل فراشة، الفراشة التي طارت عندما أزاح الأشواك عن باب الخندق منذ عام تقريباً. أقول(تقريباً) لوجود مثل هذه الأعوام دائماً!!.


الخندق الملتوي إلى اليمين ثم إلى اليسار، ثم سواد، سواد في وضح النهار رحلة في وجه زنجي أو شعر سعاد!! فتمنى لو أنه بومة!. العيون تتسع لطرد الخوف، الخوف القادم من المفاجئة، المفاجئة التي تتوقعها لدى دخولك لجحر لم يتشرف يوماً بالوقوف في حضرة الشمس منذ اكثر من عقدين من السنين، قصيرة مثل حلم وطويلة مثل كابوس. عفونة، رائحة براز، صوف مهضوم، والقلب ينقر أعلى الصدر فأحس (بالهضيمة). تتصلب اليد بشكل مخيف للدفاع عن النفس ضد أي ظفر أو ناب. فكّر، ملابسي سميكة لا يمكن تمزيقها بسهولة قبل وصول خليل، ثم إن حذائي قوي، وإذا تعقدت الأمور سأستخدم أسناني، فسمع الصرير، صرير أسنانه لا صرير الباب لأنه ليس ثمة باب بالمعنى الفيزياوي إنما هي فتحة في الأرض، جحر أرنب.


تقدّم خطوة أخرى فأحس برخاوة الأرض تحت قدميه، شيء ليّن مثل الوحل.. وغزت الرائحة العطنة أنفه، فأدرك: انه براز!!.

أعواد الثقاب قفزت أمامي مثل فكرة، صوت احتكاك، ثم كرة من النار مثل لسان عصفور ودائرة من الضياء تتسع لتشمل المكان، بقايا سرير، قطع من الكارتون وجدران سبخة. احتكاك وصوت قادم من أصحاب المعاول (.. لم يبق إلا اللحد، افرشوه بالتراب وليخرج أحدكم، انه لا يتسع لأثنين معاً). انه يتسع لأثنين معاً، ادخل يا خليل، لكن على مهل، فالأرض زلقة.. عود ثقاب آخر فأبصر الطريق، يمين ثم يسار ثم سواد و..: انتظر قليلاً ريثما أشعل قطع الكارتون ـ فكّر ـ ما معنى ريثما؟؟؟. احتكاك، واتسعت دائرة الضوء المقسومة بخيط الدخان. سننام على هذا السرير المكسور جنبا إلى جنب وعند صلاة الفجر أيقظني يا خليل، لأني لن أبقى في هذا المكان يوماً آخر، ولتذهب الحرب إلى الجحيم!!.

جسد قرب جسد في محاولة يائسة للنوم، عيون مفتوحة ترقب خيط الدخان الصاعد، ملتو مثل مسيرة جنازة، صف طويل من الرجال، ونساء متشحات بالسواد دليل الحزن. عويل. صراخ. نداء. جلبة. صوت أقدام. عيون دامعة وانغراز الأظافر في الوجه، في محاولة لزيادة الألم أو الحزن، على اعتبار إن أحزاننا غير كافية. تصعيد للمشهد. ضرب ضمن وتيرة واحدة ولحن. نتف الجدائل. سواد الشعر. سواد الوجوه. سواد الليالي. عمامة. عقال. شعر كث. ضباب. ظلام. نوم. حلم. كابوس يجثو على الصدر، ودخان يملأ الصدر، وصوت ينادي: الصلاة.. الصلاة.. صلاة الجنازة يرحمكم الله

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة