البحث عن شبيه ـ نص : ابتسام بواعمر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

abstrait24لم يكن ذاك الصباح شبيهاً بغيره كان صباحاً فوق العادة، فتحت عيني على عالم جديد فكل ما يحيط بي مختلف، رغم أني ظللت مستيقظة حتى وقت متأخر أحاول بكل الطرق أن أعطيَّ لغرفتي الجديدة طابعاً له نكهة الوطن.
ابتعدت عن سريري و صرخت صرخة روح ذاقت طعم الجنة، ثم توجهت رأسا صوب نافذتي المطلة على نهر السين، تأملته بدقة كان له منظرٌ مختلفٌ تماماً عن ليلة أمس فجماله الحقيقي يظهر في الليل عندما تتلألأ أنواره الساطعة في زَهوٍ غريب، أما الآن فقد أذهلني هدوؤه الصامت.
ها أنا ذا أقف أمامك يا نهر السين ها هي أحلامي تتحقق واحداً تلوى الأخر، لم أكن يوما لأكتفيَ من الحياة ولكن بعد هذا اللقاء لا مانع لدي من عشاءٍ مع الموت فبعد لقياك لن يكون هناك لقاءٌ يستحق عناء الحياة.
أتعرف يا عزيزي كم قضيت من  الليالي في مرسمي الصغير لرسمك، لك عندي 170 لوحة  رسمتها في لحظات عري، فلرسمك يا عزيزي طقوس، أقفل بابا غرفتي التي اقتطعت منها جزء صغيراً و جعلته مرسماً و أدير جهازي ليخرج منه صوت كاظم و حليم و نجاة و ماجدة و كلثوم.

 

كنت أنتشي و أدخل عالم اللاوعي، مع الكلمات مع قصائد الجنون، لأتعرى من خجلي أتعرى من ضعفي، من القيود التي كبلت آمالنا و خدرت ثورتنا، و علمتنا لغة الصمت، و جعلتنا بيادق رخامية في لعبة شطرنج يتحكم بها الغيب تحت مسمى القضاء و القدر.
لطالما استفزني عريك الدائم وسط باريس، بينما كنت أختلس لحظاتِ عريٍ في ظلمة الليل لرسمك.
لوحاتيِ وحدها من تعكس جنوني بك و تصرخ دائما معلنةً عن علاقتنا السرية، لتفضحَ عشقيِ الأزليَ لكَ، لم يكن في حياتي حبيب سواك أحببتك خفيةً و علنناً،  حقيقةً وخيالاً، لم تكن تعنيني غرابة الأمر فأكثر ما أحبه في نفسي غرابتي، وخروجي عن المألوف، ودائما و أبداً  كنت أنت المعلن عن تمردي المؤيد لاختلافي رآه الناس جنوناً ورأيته أنت وحدك قمة التعقل.
فبين جنون كنت أنت رمزه و بين قيودٍ كانت هيمنةُ الصَمتُ رمزها، كنت أشتاق إليك و أبحث عنك، أبحث عنك بين هفوات الزمان علني أجد شخصا يشبهك، صامداً في وجه التغيرات المرفوضة، مجنوناً في قمة التعقل، خارجاً عن نطاق التكرار و النسخ؛ ولكني لم أجدْهُ، لم أجْدهُ في زمن التلقين و التقييد، زمن أصبح الرجال فيه بصوت واحدٍ، ووجه واحدٍ و منهج واحد، زمن أصبح فيه الرجال عبيداً لكلمات لا معنى لها، قيدتهم بها الأساطير، فأصبحت كوحي أنزل، رسموا به خطوطا عريضة صار عليها كل الرجال جملة واحدة، و لم يتركوا خلفهم رجلا واحداً، يتقن فن التمرد العاقل، فن النزوح عن منهج القبيلة، رجل له منهج صنعه بنفسه، فقلةٌ هم الذين يصنعون مناهج حياتهم و كثر هم من مشوْا مع القطيع في مناهج، تكدس فوقها الغبار، حتى فقدت بريقها و محتواها معاً، وبقيت كأطلال يتشبث بها رجال كشعراء الجاهلية، و نحن، نحن النساء سئمنا وصف الأطلال، و بتنا في ترقب نبحث عن رجل يبنيها من جديد.!

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة