الجبال – نص : محمد خالص

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

87موقعك وسط حلقة الجبال الهرمة أعطى للمشهد بلاغة الإبداع ،  إيقاع يهتز له بؤبؤ العين إنبهارا ،
الجبل للجبل , تذكرني حلقتهم  بطقس رقصة " أحيدوس"  ألأمازيغي الدائري ، المرأة للرجل ، و الرجل للمرأة،
" للبندير " نغم  به الدائرة تدور كما الشكل الدائري له  ،                                                                  
للبندير دائرته ،

للحيدوس دائرته ،          
للشمس دائرتها ،  
للأرض دائرتها ،     
لجلسة الأكل دائرتها         
و لتيغزى  دائرتها ،

وكأني بها أميرة القرى الرقراقة الفياضة ، جيش عرمرم من الجبال يرابض على جنباتها و مداخلها الكبرى       
نرحل ،
نسافر،
نغادر ،طوعا ، قسرا ، ضرورة ....
لهم فكرة الثبات على عهد الولادة ، الخلق صامدون .
لا يرحلون ،
لا يسافرون ،
لا يغادرون ،
قمة التعلق بالمكان ، دخول عميق في الوفاء ، غوص في باطن المقاومة ، انتصار للبيان الأول ، بيان التكون الأول.....
..............................2..............................

شكل الجبال يمنحك شعور الأمان والطمأنينة ، وقفة واحد منهم تكفي لجعلك تستعيد دروس الجغرافيا ،     
يعاودك درس تزحزح القارات ، تتذكر حركة الأستاذ يوم يشرح خرائط العالم المشتتة بفعل التاريخ ...
ترى هل التاريخ ينتصر دائما على الجغرافيا ؟ ومن يصنع الأخر ؟
لا أعلم  لماذا تطالعني ابتسامة على وجوههم كلما نظرت إليهم ؟
هل هم في حيدوس دائم ؟ 
حتى شيخهم العوّامي هذا، ورغم النبش و الحفر الذي أعياه ، وفيّ لطلعته البهيّة ، ولهمّته الفذّة .
يقال : " إن عوام هو من يقوم بتسخين البنادير من حين لآخر حتى يحافظ الإيقاع على ديمومته و لتستمر رعشة الفطري تنخر مناط الصمت و الموت جاعلة من الحركة الفعل الوجودي ".

كف ممدودة من هذا الجبل، كف ممدودة من ذاك الجبل، كفوف ممدودة من هؤلاء الجبال...لهذا وذاك و هؤلاء بعد إشاري في قواعد اللغة ، لهؤلاء وذاك و هذا براعة احتضان تيغزى ، أخاف أن ينسحب أحد الجبال فيسحب كفه و ينقض العهد الأول ، عهد كتبت حروفه الذهبية على صفحات وصدور الجبال ...
لكل جبل حرف يلمع منه زاهيا ،
لكل جبل توقيعه ، قبيلته ، تداعياته ، ذكرياته ،تجاعيده ، كلومه الموشومة نهار مساء .....


................................3...................................

يا القرية الناعسة قرب إشتعال حوارات حراسك السلاطين ،            
كم من الوقت تتركينه لهذا الإستماع السرابي ؟
كم يلزمهم من الحرف و الكلم كي يسرقوا سمعك الممتد بامتداد مساحات الحلم فيك؟
كم من الوصايا و النداءات لتنخرط تفاصيلك الفاتنة في مجلسهم المدعّم من الشيخ العوّامي و رفيقه "إغرم أوسار" ؟

الجبال:  الحراسة طاقة من الإنتساب و الإنتماء ...إنها الوفاء
تيغزى : وهل وجودي بين آلكم إنتماء ...و وفاء ؟
جبل : للوفاء إنتماء.
جبل آخر : وفاء الإنتماء وفاء .
جبل آخر : إنتماء الوفاء إنتماء .
تيغزى : عفوا ، عفوا ، ...لقد فهمت أن الحوار بين الجبال ....

……….…..  …. 4    ………………….

الاقتراب من المسافة البعيدة يمنح فرصة لقاء مسافة اختزلت عن قصد أو بلا قصد في خانتي المعلوم واللامعلوم ،للمسافة عناقيد من المسافات الموزعة بالتساوي الممل ، متدلية كم عناقيد العنب عند التّشكل الأول ، ُمرّة في هذا الطور ، حلوة في آخر الطور ،  تلك هي طبيعة النضج و الإختمار الكلي  .....            إنها رحلة الإخراج المنتظر ... 
رحلة الإكتمال و الوصول النهائي ... رغم أن النهاية بداية ...

هكذا هي الجبال ... المسافة إليها تاريخ ، و " لهيرودوت " مساحة القول  و الإفصاح عن علوية وهرمية التاريخ ...
التاريخ مسافة ، أ للمسافة تاريخ ؟
حوار يفترض أرضية نقاش مفتوحة يتجاوز ماهو تاريخي ، إنه ينفتح على  ، الرمز ، الأدب ، اللغة ، الإماءة ، الفكر ، الفلسفة ، التصوف ، التاريخ ،   الأنتروبولوجيا ،السوسيولوجيا ، العلوم الإنسانية ....

الصعود للجبل فكرة ، وبعد فكرة الصعود تأتي فكرة المسافة ،كيف هي قمته ؟ كيف هي عروقه وأنسجته الداخلية  ؟  أ للجبل ذاكرة ؟ أ للجبل رواده ، أولياؤه ؟ ترى لماذا الأولياء يرقدون في الأعالي ؟

إن رحلة الصعود هي ذاك اللقاء الصّدفوي للمسافات الأخرى ، ذاك القطف الفجائي المرغوب تحقيقه للعين  و القلب ، الصعود الََقمَميّ  محاولة اختراق فكرة الصعود ، نبش أركيولوجي في المسافة ....

ركوب الجبل مداعبة للسلطة في رمزيتها ،
خوض في مساحات و أبعاد و حدود وقيمة أطروحات مسألة الطبقية  ،
إكتشاف للعلاقات العمودية بعيدا عن التنظير و التقعيد الموجودين بين دفّات  المجلدات و الموسوعات ....


((    جرّب أن تصعد الجبل لتعرف من حولك  ))

بين تيغزى و أنتم يا جبال الأطلس مسامات و عرو ق دقيقة ..
تمنحونها دماء الحياة، دماء الوجود،  
تمنحونها بقاء اسمها تلبسه كل عيد، كل احتفال، كل عام، كل يوم،...                                          
فتمنحكم رجالا، نساء، أطفالا،  شبابا،
تمنحونها دفئ لقاء نفسها على عتبات و أقاصي موقعها القابع بينكم ،
فتمنحكم الضحكة ، الإبتسامة،

تيغزى ....الجبال.....،

توأم يراهن على الإنسجام والتوحد ،
توأم يتساكن، يتهادن ،لإيقاظ المنفي، الغابر،
كي يدخل حلقة التكون الأول في أبهى اكتمالاته وتشكلاته....




الكاتب:  محمد خالص            

نص مقتطف من مشروع كتاب بعنوان "هامش من وطني "_ حلقة التكون الأول _
يحكي الكتاب عن أمكنة في قرية" تيغزى" الواقعة بإقليم خنيفرة و المعروفة بمنجمها التاريخي " جبل عوام "   .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة