أربع وعشرون ساعة ـ قصة : وئام روين

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

24HEUR-ABSTR10  و30 دق (صباحا)
حركت شدقيها بعصبية ليدور الدم فيهما قبل أن تعيدهما إلى الوضعية الأولى. لترسم على شفتيها ابتسامة تتسع مع انفتاح الباب المقابل لها كل مرة. تستقبل الوافدين على الشركة تحييهم  و تجيبهم عن أسئلتهم تهديهم نحو الوجهة الصحيحة لاعبة دور الدليل في ذاك المبنى.

11 و و 15دق (صباحا)
مر وقت طويل لم يلج فيه احد ذاك الباب فانتهزت الفرصة لتتجه نحو الحمام لتبلل وجهها  ولتخلو إلى نفسها و ترتاح قليلا. دفعت الباب ببطء لتجد زميلاتها منتشرات أمام المرايا الأربع يعدلن من جمالهن. خرجت فلا مكان لها بينهن.
خرجت إلى الحديقة. كانت الشمس تقترب شيئا فشيئا من كبد السماء تبالغ في إرسال أشعتها. بحثت عن مكان ظليل في مقعد خشبي كان تحت شجرة توت وافرة الأوراق. لمحت "ادم" يدخن سيجارة غير بعيد منها. سرت رعشة في أوصالها. تزايدت دقات قلبها. كانت ستولي هاربة لولا سماعه يناديها.


اقترب منها و حدثها عن أشياء عدة لم تع منها شيئا في غمرة شعور غريب أصابها بالجمود. خيل إليها انه دنا منها  حتى اختلط نفسه بنفسها.  لا تذكر من كلامه إلا انه قال من بين ما قال انه بصدد تحضير رسالة الدكتوراه في لا تدري ماذا وانه يستسمحها أن تقدم له يد العون لترجمة بعض المراجع نظرا إلى أنها حاصلة إجازة في الترجمة. و حددا موعدا للقاء غدا في فسحة الغداء ليريها المراجع و يناقشا المطلوب منها.

11 و 40 دق(صباحا)
عادت إلى مكتبها في البهو الفسيح أمام الباب لتجد زميلة تنتظرها لتخبرها بان المدير يطلبها.
طال وقوفها أمام الباب قبل أن تطرقه. دخلت بحذر. وقف المدير و مد يده مصافحا يدا مبللة عرقا. سمح لها بالجلوس و طفق ساعة يتحدث عن الشركة و أهدافها و استراتيجياتها و خططها. ثم هو الذي لم يرها قبل هذه المرة اخذ يشكرها و يعدد خصالها. و في الأخر اعلمها بأنه تم اختيارها لنيل جائزة الموظفة المثالية. ابتسمت في صمت و كانت بصدد المغادرة حين اخبرها بأنه ستقام حفلة على شرفها غدا في حدود الساعة الثامنة مساءا في فرع الشركة الذي يبعد شارعين من هناك.
عادت إلى مكانها خلف ذاك المكتب توزع ابتساماتها على الوافدين.

5 و 31 دق (مساءا)
حملت حقيبتها و انصرفت تفكر في الغد.  فغدا ستتغدى هي و ادم. سيحتفلون بها كموظفة مثالية. و غدا أيضا اليوم الموعود الذي وعدت أن تسدد فيه معلوم كراء الشقة. كيف السبيل لصرف شر العجوز عنها غدا على الأقل.

في طريقها إلى المنزل شدتها واجهة محل تزخر بصور فتيات جميلات. قررت ولوجه علها تصيب شيئا من ذاك الجمال المعروض خارجا. استقبلتها فتاة حسناء و قدمت لها كتيبا يحوي صورا لمعروضات المحل. توغلت بين الرفوف بحثت عن صبغات الشعر فلم تجد ما يرضيها.
9 و 10 دق(ليلا)
أفنت السهرة في تقليب وريقات ذاك الكتيب. تداعب قطتها السوداء على حجرها. كتيب تزخر صفحاته جمالا يشتتها ماركات وتصاميم باريسية و لندنية و ايطالية. ملابس و أحذية و عطور  وساعات و قبعات... و كلها موزعة بين الخريف و الشتاء الربيع و الصيف. المقسمة بدورها بين حاجيات الليل و حاجيات النهار.
رمت الكتيب من يديها صفحاته تحبطها. تفقدها الثقة في نفسها. تشعرها بحاجة ملحة لامتلاك أشياء لا حاجة لها بها.

9 و 40 دق (ليلا)
كانت تنظف أسنانها حين تفرست في قسمات وجهها و في شعرها في المرآة. شعرها  ذاك الذي سيطرت عليها رغبة ملحة بان تغير لونه.
 اتجهت نحو المطبخ أخرجت كيسا صغيرا من درج السكاكين. إنها الحناء سبيلها الوحيد الآن لتغيير لون شعرها دون ان يكلفها ذلك مليما واحدا. خلطتها بالماء. نزعت الرباط عن شعرها فتمرد و تناثر. نظرت إلى الخليط في الوعاء الحديدي و تحسست بيدها خصلاتها الهائجة لن يكفيها الخليط.
وقفت أمام المرآة و فكرت هي أن هذا الشعر يجب أن يقل. جلبت المقص الذي سرعان ما اخذ يعلو و يهبط. استمتعت بمرأى الخصلات تتناثر فوق الأرضية. تمادت في فعلتها. و عندما انتهت نظرت في المرآة. هالها ما رأت. سقط المقص من يدها.
حامت قطتها السوداء حولها تحرك ذيلها و كأنها تعزيها.
لطخت شعيراتها المتبقية بالحناء غطتها بمنديل. جمعت الشعر المتناثر لتخبأه إلى أن تتسنى لها الفرصة لتحرقه أو تدفنه كما توصيها أمها. نظفت الحوض الملطخ بأوراق كتيب المحل و ذهبت إلى فراشها.
 لم يغمض لها جفن إلا مع تباشير الصبح الأولى. يشغلها ادم و عجوز الكراء و الحفلة وشعرها...
8 و30  دق (صباحا)
  أفاقت مرعوبة من حلم رأت فيه عجوز الكراء تفتك منها شعرها المخبأ و ترميه في المرحاض.     بحثت عن كيس الخصلات.  وجدته في  مكانه. وضعت الحليب لقطتها. ثم اتجهت نحو المرآة. لترى ما فعله الخليط بشعرها. سارعت و رمت برأسها تحت الحنفية تدعكه بالشامبو متأملة المياه المحمرة تنساب عبر مشبك الحوض. لم تصدق ما آلت إليه خلقتها كيف ستخرج بهذا المنظر.  
8 و 55دق (صباحا)
تصعد العجوز البدينة السلم لاهثة متهالكة. تقف لترتاح بعد كل درجة تجتازها. تقف لتحيي كل من يصادفها. تقف لتذكر بموعد تسديد ما خلد بذمة هذا وذاك مستمتعة بملامح الذل البادية على الأوجه.

9و 11دق(صباحا)
وقفت  العجوز أمام الشقة تسترد أنفاسها. تطرق الباب بقوة. فتحت الفتاة الباب. فهجمت العجوز  ترغي و تزبد تسب و تشتم. تلعن اليوم الذي سلمت لها فيه مفاتيح الشقة.
9و19 دق(صباحا)
نظرت الفتاة في ساعتها. ستصل متأخرة إلى عملها. في يومها المثالي لن تكون مثالية. هاهو الصراخ يحتد. هاهم الجيران يهبون ليتفرجوا على كرنفال العجوز...

9و30 دق(صباحا)
خرجت القطة من الشقة لتحوم حول الفتاة. ارتعش صوت العجوز عندما رأتها و بدا عليها الارتباك. حملت الفتاة القطة   و  تقدمت  بخطى ثابتة نحو العجوز... هبت الأخيرة فزعة مولولة لمرأى القطة السوداء تقترب من وجهها...فاخذت  تستعوذ و تقرا أدعية طالبة إبعادها عنها. قفزت متراجعة إلى الوراء ...حتى استقبلها السلم. فتتدحرجت على درجاتة دون توقف...
10و30 دق(صباحا)
رفع رجال ذوو بدلات بيضاء ذاك الجسد الضخم و مر موكبهم بصعوبة بين الحشود ... قاد رجال الشرطة  الفتاة ممسكين اياها من ذراعيها. اما هي فقد  طاطات رأسها كي لاترى نظرات الفضوليين تتابعها و هي تساق نحو سيارة كانت رابضة  أمام باب العمارة.

- انتهت -


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة