1- تقديم:
لقد أخذ الحديث عن المكان في الشعر العربي أبعادا مختلفة، بحسب زوايا الرؤية التي عالجته من جهة، وبحسب الفهم الذي أنيط به من جهة ثانية،وبحسب المعارف الرافدة التي تؤثث الدراسة. وكل مقاربة للمكان من هذه المنازع إنما قدمت نتائجها الدقيقة التي أعطت للمكان ثقله الفني في البناء الشعري شكلا ومضمونا، حتى غدت مقولة المكان من الخطورة ما يجعلها موضوعة تتشعب إلى رؤى ذات طبيعة ميتافيزيقية، بعدما كانت تدرك فقط في الحدود الجغرافية والاجتماعية والنفسية. ذلك أن المكان في صلته بالذات المبدعة والمتلقية، يتخذ من الصفات المتشابكة ما يجعله من المقولات الأكثر تعقيدا على مستوى المعنى والمبنى. وأن فك هذه العلاقات يقتضي من الدرس التحليلي أن يسترفد سائر المعارف التي أنتجتها العلوم الإنسانية لفك ألغازه، حتى تفضي إلى الحقيقة التي من أجلها سيق المكان في الشعر موضوعا، أو إشارة، أو رمزا.
2-الموضوع، النداء والتلقي:
فإذا كانت الدراسات الواقعية قد رأت في المكان " شيئا " يتحدد وجوده في إطار الواقع، بعين المواصفات الخارجية التي تمتلكها الأشياء، فإنه في الدرس النفساني يستحيل إلى " تمثيل" و " تصور " وكأن المسألة عند هؤلاء تفترق عن الشيء الغفل ذي المادة الصلبة، إلى لون من التصور الذي يحدث على مستوى النفس فقط، حين يجعلها تتمثل من خلال المكان جملة من الأحاسيس والمشاعر التي ربما أثارها المكان بمحمولاته التذكُّرية، التي لها صلة بالذات في لحظة من لحظاتها السالفة. والتمثيل يحيل المكان على عملية القلب التي ترتفع بالمكان من الوجود الفعلي إلى الوجود المتصور في أعماق الذات. فليس القصد من ورائه عرضه موضوعا جماليا، بل الغرض في اعتباره محولا يمكِّن الذات من التقاط المشاعر والأحاسيس، مما يفيض عن المكان، وهو يندرج ضمن البناء الفني عموما. فإذا آنسنا من الموقف الواقعي تطرفا في التعامل مع المكان، تطرفا يجعله شبيها بأي شيء آخر.فإن التطرف عينه نلحظه عند النفسانيين وهم يحاولون جعل المكان مجرد تمثيل، تُسلب منه خاصية الموضوع المستقل بذاته، ليكون أيقونا على إحساس ما يعتم في أعماق الذات.
إن ما عابه " سارتر" على الاتجاهين معا، جعله يلتمس للموضوع الجمالي وجودا يقع بعيدا عن الشيئية المادية، والتمثيل الباهت. فهو عنده موضوع "متخيل" "IMAGINAIRE" يمكن إعادة بنائه انطلاقا من النص،واعتمادا على المعطيات التي يحملها القارئ في ذاته للموضوع. فالمكان مثلا، تعاد صياغته في الذات استنادا إلى اللغة الواصفة، ولكن اعتمادا على قدرات الذات وهي تتملى هذه اللغة،وتعيد من خلالها تشكيل المكان بحسب المقاييس التي تراها مناسبة له في تخييلها .فالصياغة إذا خلق مستمر للموضوع عند كل قراءة. وليس المكان مكان واحد بل أمكنة تتعدد كلما تعددت القراءة، وتجددت أدواتها، واغتنت بالجديد من المعرفة والمقاييس. فالتخييل إذا، مسألة لا تسلب المكان وجوده الفعلي الجغرافي/ التاريخي، بل تكسبه عند كل محاولة جديدا ينضاف إليه عند كل قراءة. هذه العملية المستمرة هي التي تجعل قارئ الرواية يعيد بناء المكان الموصوف على الهيئة التي يراها تناسب فهمه الخاص للنص، استنادا إلى المعرفة التاريخية المتعلقة بالعمران في الزمن الذي تتناوله الرواية.وقد يأتي آخر له من سعة الاطلاع العمراني ما يجعله يقرأ الرواية التي تتحدث عن أمكنة القرن التاسع عشر مثلا، فلا يفوته من هيئاتها شيئا. بل تكون الرواية بالنسبة إليه سياحة في عالم يعرف عنه دقائقه..وعين الأمر نلحظه فيما يتعلق بالثياب والعادات والأواني وغيرها..ذلك أن:« الوظيفة التخييلية..تلقائية إبداعية، يستطيع الوعي عن طريقها أن يهب لنفسه موضوعه الخاص، بحيث أن الموضوع المتصور ليبدو وكأنه لا يملك من التحديدات إلا ما أضفاه عليه الوعي. وعلى حين أن موضوع الإدراك الحسي هو موضوع يلتقي به الوعي، نجد أن موضوع التخيل إنما هو موضوع يقدمه الوعي لنفسه وبنفسه.» (1) فالمكان حينما يكون موضوعا جماليا متخيلا يكتسب خاصية الأثر المبدع الذي تؤول ملكيته إلى القارئ أولا وأخير. فالشاعر لا يقدم سوى الإشارة إليه في إبداعه، يعمل الاقتصاد الشعري على اختزالها،وحذف أجزائها. بيد أن التخييل يعيد إليها المحذوف، ليس بالطريقة الآلية التي يمكن أن نتصورها سريعا، وإنما بالإضافة الجديدة التي لم تكن للمكان من قبل. فالصورة المتخيلة:« إنما تتجلى في كون الموضوع يظهر غائبا " ABSENT" بوجه من الوجوه في صميم حضرته "PRESENCE" نفسها. وما يميز الصورة المتخيلة عن الصورة المتذكرة، إنما هو بناؤها اللاعقلي، فإن موضوع الذاكرة له واقعيته في صميم الماضي، وهو يتمتع بفردية الشيء المعطى " DONNE".» (2).
3-المكان الحضور والغياب:
إن تأرجح الموضوع الجمالي بين الحضور والغياب، يجعلنا أمام نصين متوازيين: نص الغياب،وهو النص الذي يقدمه الشعر والرواية وغيرهما..وهو مكان الشاعر الذي أراد له أن يحتل مكانا في بنائه الفني، ومواصفاته الواقعية أو المتخيلة في ذهن صاحبه، لا يسعفه الفن في بسطها في جملتها كليا. وإنما يعمل على أن يتخير منها ما يمثل المكان الذي يريد أحسن تمثيل.أما النص الثاني: نص الحضور، فهو النص الذي يعمل التخييل على بنائه تباعا. فهو نص الإبداع الذي تتولى القراءة بسط مشكِّلاته المختلفة، وإكسابه من القيم التعبيرية ما يرفعه عن المكان الحسي المادي. لأنه ليس من غرض التخييل أن يختلق مكانا وحسب، بل الغرض كله في الارتفاع بالموضوع من الهيئة المادية إلى التعبير الجمالي انطلاقا من موقف إستيطيقي خاص بالمتلقي.
ولا يتسنى للتخييل أن يبني المكان إذا لم يسترفد المعرفة الخارجية، التي تكون عونا له في إنشاء الأبعاد الواقعية للموضوع، والتي لا يستغني عنها الموضوع الجمالي مهما أوتي من دقة ومهارة إبداعية. بيد أن المعرفة الخارجية قد تشوش التلقي الجمالي، وتصرف الانتباه من الموقف الجمالي إلى غيره من المواقف المعرفية الأخرى. فإذا أردنا للمعرفة الخارجية أن تكون مثمرة، أوقفناها على الشروط التالية: « إذا لم تكن تضعف الانتباه الجمالي إلى الموضوع، أو تقضي عليه.وإذا كانت متعلقة بمعنى الموضوع وطابعه التعبيري. وإذا جعلت لاستجابتنا الجمالية المباشرة للموضوع طابعا أرفع، ودلالة أقوى.» (3) وهي الشروط التي تحد من هيمنة المعرفة الخارجية وتسلطها على الموضوع. فالغرض الأولي الذي يكون للذة التقبل قد يتلاشى تحت مفعول المعرفة وقوتها. بيد أن المزج الحكيم بين عناصر المعرفة والتقبل الجمالي يكفل للموضوع أوفر قسط من العطاء التعبيري المثمر.
إن الموضوع الجمالي نداء يوجهه الفنان إلى المتذوق :« مهيبا بتخيله أن يعمل عمله من وراء المدرك الحسي. وليست مخيلة المتذوق أو المتأمل مجرد وظيفة تنظيمية تقتصر على تنسيق الإدراكات الحسية، بل هي وظيفة تركيبية تقوم بعملية إعادة تكوين الموضوع الجمالي ابتداء من تلك الآثار التي خلفها الفنان.» (4) والفرق بين التنظيم والتركيب يتجلى في عملية الخلق التي تقوم بها المخيلة، لأنها إذا عمدت إلى التنظيم اقتصر همها على إعادة بناء الموضوع على الهيئة التي خلفها الفنان دون تجاوز أو إضافة، ومن ثم البقاء في دائرة الحسي المعطى كما عبر عنه "سارتر" من قبل. في حين أن التركيب وظيفة مختلفة كل الاختلاف، لأنها تنطلق من الآثار الحسية البسيطة التي يحملها العمل الفني إلى رحابة الإبداع والحرية. فيكون لها مجال الإضافة والبناء الحر، واختلاق الشكل الذي يتناسب مع الفهم العام للمواقف التي يثيرها الأثر الفني في جملته. وكأن العمل الفني في جملته مجرد وسيلة تتيح للخيال فرصة الظهور والتحقق في أشكال متعددة، تتناسب طردا ومستويات التلقي والقراءة.
2-جماليات التركيب:
يرى "روبرت شولتز " أن العالم الذي يخلقه الخيال :« سواء أكان قصة، أم مسرحية، أم قصيدة، هو سياق ندركه، وأكاد أقول نخلقه حول الرسالة التي توجه أفكارنا. ولكن وراء هذا العالم أو حوله يكمن العالم الظاهري .» (5) فالمسألة قائمة إذا على مبدأ التراكب بين عالمين: عالم متخيل، ينشئه التلقي استنادا إلى المعادل الحسي الذي يقدمه النص. وعالم قائم بذاته معطى، يحتفل به السياق الخارجي، والمعرفة الخارجية. بيد أن العالم الذي يخلقه التلقي، ليس عالما صرفا، وإنما هو تعبير قبل كل شيء. لأنه يتضمن رسالة تحمل على عاتقها خطابا معينا، هو خطاب الأدب، أو الفن.
وعندما نقبل على الأثر الفني نحلله إلى عناصره التركيبية، ومن ثم إلى عناصره الجمالية، تعترضنا عقبة أولى، مفادها أننا لا نستمتع بالعمل، ولا نكون محيطين بالرسالة الفنية التي يبثها، إلا من خلال تناول الأثر في جملته وكليته. وعزل العناصر عن بعضها بعض للدرس والتأمل يفقدها خاصية الوحدة التي تفقد الأثر انسجامه الكلي الذي يقوم عليه الموضوع الجمالي. إن التحليل وهو يقتل الوحدة، يقضي من ناحية ثانية على التجربة الإستيطيقية التي يعانيها المتلقي.فإن كان التحليل شر لابد منه، لمباشرة الأثر الفني، فإننا نزعم أن المتذوق الجمالي يجتهد في أن لا تغيب عن ذهنه الوحدة المتلاحمة الأثر في كليته. وكأنه إزاء كل صورة من الصور التي ينشئها الفن، يراعي الإطار الذي يحفظ له كمالها، وهو عاكف على التفرس في أجزائها.
إننا إذا عاملنا المكان من منظور الجماليات، وفق هذه الرؤية، سهل علينا تقصي عناصره من جهة، وفهم التداخل الذي يؤسس وحدته من جهة ثانية.ذلك أن العمل الفني: » شديد التعقيد، وهذا ما يثبته تحليل بناء العمل الفني، فإذا ما شئنا أن نتحدث عنه على أي نحو، فلا بد لنا من أن نحلل تعقده إلى أجزائه المكونة له، وليس في استطاعتنا أن نتحدث إلا عن شيء واحد في المرة الواحدة. فالتحليل إذن محتوم، وإلا كان علينا أن نظل خرسا إزاء العمل.« (6)
وتتأتى شدة التعقيد من التكثيف الذي يلجأ إليه الفن عادة، ومن اقتصاد اللغة. ذلك أن الفنان لا يلجأ إلى عناصر الموضوع جميعها، يدرجها على نسق واحد في العمل الفني، وإنما يتخير منها ما كان أكثر تعبيرا عن دواخل التجربة الجمالية التي يعانيها أولا. ومن ثم تغدو العملية أشبه شيء بعملية تصفية للموضوع من الشوائب الزائدة التي تثقله، والتي قد تشوش عطاءه الدلالي الذي ينتظره منه الفنان. فيغدو العنصر المكون للموضوع أقرب إلى الأيقون الذي لا يحيل على ذاته، وإنما يشير إلى ترابطات دلالية من الكثرة والتعدد، ما يجعل العنصر الواحد أكثر فاعلية في القراءات المتوالية. وعبقرية الاختيار، عبقرية تقع مسئوليتها على عاتق الفنان الذي يعرف من موضوعه ما لا يعرفه المتلقي ابتداء. وإذا شئنا لذلك تمثيلا، قدمنا قصيدة للأمير عبد القادر الجزائري.والتي تناول فيها المفاضلة بين البدو والحضر. بيد أن هذه القصيدة تحتاج إلى سياق خاص حتى يضبط التلقي القناة التي تسلكها اللغة في تعاملها مع عناصر المكان. وتلك معرفة ضرورية لفتح منافذ التقبل عند القارئ، لأنها ستجعل الشاعر والقارئ على وتيرة واحدة من البث. تنتظم فيها الإشارات والدلالات انتظاما محكما يفضي إلى نتيجة جمالية واحدة. ولا نزعم أن النتيجة التي وصفناها بالواحدة، هي واحدة عند الجميع، ولكننا نقصد من الواحدية ذلك الهدف الذي يحمله قصد الشاعر، وإن تعدد القصد الذي يحمله النص.والقصد الذي تتكفل به الرسالة الجمالية.
4-لوحات الشعر الجمالية:
قال الأمير عبد القادر الجزائري في قصر " أمبواز" بفرنسا، لما تناهت إليه وفي حضرته،مناظرة بين مثقفين يفضل أحدهم الحياة البدوية ورومنسيتها، بينما يفضل الآخر حياة المدن وبرجوازيتها. وعلى عادة العربي ينتصر الشاعر للبداوة التي نسجت خصال العربي، وأملت عليه قيمه الخَلقية والخُلقية. فالإطار العام للنص، يأخذ فاعليته من هذا الموقف الذي تتقابل فيه حضارتان: حضارة شرقية حافلة بالمروءة والشهامة، والعدل، والانشراح..وحضاره عامرة بالكبرياء والهيمنة والقهر. وليست المسألة إذن، مسألة بدو وحاضرة، كما نتوهم سريعا ونحن نتناول النص. إنما يمتد الموقف بعيدا في أغوار الصراع بين حضارتين، والفارق بينهما في هذا المقام، فارق جمالي في مظهره، سياسي/ حضاري في خطابه العميق.
يا عاذرا لامرئ قد هـام في الحضر وعـاذلا لمـحب البـدو والـقفـر
لا تذمـمـن بيـوتا خـف محملها وتمدحـن بيـوت الطـين والحجر
لـو كنت تعلم ما في البدو، تعذرني لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
قـال الألى قـد مضوا قولا يصدقه نقـل وعقـل، ومـا للحق من غير
» الحسـن يظهر في بيتـين رونقه بيت من الشعر، أو بيت من الشعر «.(7)
استطاع الشاعر في هذه المقدمة نسج السياق الخاص للقصيدة، الذي يمكن المتلقي من التموقع داخل الموقف. ذلك أن الموقف يملي فيما يمليه على الشاعر، لون اللغة، ولون العرض الذي يساير اللغة. فالتكثيف الذي نشاهده في هذه الأبيات، تكثيف ينزع إلى حركة تريد التفلت سريعا من الموقف العام الذي أملى النص، إلى الموضوع الجمالي الذي هو مثار الجدل بين المتعارضين. بيد أن الشاعر لا يخفي موقفه من المسألة التي هو طرف فيها. وانتصاره للبداوة واضح من الوهلة الأولى، مما سيعطي للموقف الجمالي صفة المرافعة التي تؤكد تفوقه وحسنه. وكأن الأمير في هذه القضية لا يقف بين متعارضين من الغرب، وإنما يقف بمفرده في جهة، ويقف الآخرون في الجهة المقابلة. لذلك كان الخطاب بضمير المفرد حين يتوجه إلى الآخر، وبضمير المخاطِب حين ينقل عن نفسه. إننا نلحظ ذلك جليا في ( لو كنت تعلم) و(تعذرني). فالشاعر في هذا الموقف لسان الحضارة العربية، ومنافحها الذي يتوقف على براعته نقل الحسن من الخفاء إلى التجلي، وإرغام المتلقي على تقبل الحسن في مظهره الذي ستعرضه القصيدة.
إن هذه المهمة ستلقي على الشاعر ثقل اختار المشاهد المعبرة عن الحسن، وتخيرها من بين غيرها، وتصفية عناصرها من الشوائب التي قد تشوش جمالها، وتقديمها في أطر زمانية ومكانية تجعل الحواس تستيقظ لتلمس ما فيها من سحر وجاذبية. إن دور الإطار مهم في هذه العملية. إنه المنظم لشعث الصورة، والموزع لعناصرها على مساحة المشهد. فإذا كان الإطار ضيقا، أو فضفاضا أفسدت السعة، أو الضيق جمال العناصر وأفقدتها فاعليتها الدلالية الموقوفة عليها. ذلك أن الإطار :» ينظم الموضوع الفني ويوحده، وأن هذا أمر له قيمته، لأنه يربط بين أطراف تجربتنا التي لن تكون بغير هذا الإطار إلا مشوهة، لا شكل لها.« (8) وكأن الشاعر بحاسته الدقيقة يدرك خطورة هذا الموقف، فيمهد له تمهيدا حضاريا يشمل السياق العام للنص، وتمهيدا جماليا ينتظم الموضوع الجمالي في كليته.ولذلك رأيناه يستنجد بآراء من سبقوه في المسألة. وحضور" المعري" في البيت الأخير من القطعة دليل على أن الشاعر، لا يجد للجمال منفذا واحدا، يقصره على الذوق الذاتي المتقلب، المرهون بالمزاج المتحول. بل يجعل قضية الجمال تحتكم إلى النقل والعقل معا،فإذا وافق النقل والعقل في مسألة من المسائل، كان ناتجهما الحق الذي لا تعدد له، لأنه أبدا واحد. والشاعر حين يجنح لمثل هذا التخريج لا يريد أن يكون موضوعه الجمالي قائما على رومنسية فيها من الشذوذ الذاتي القسط الذي يفسد عليها كل موضوعية، إنما يريدها – وإن تشبعت بنوستالجيا الوطن والأهل – تحتفظ في ذاتها بكثير من الحق الذي يعطي للمناظرة وجهها الجاد والجدلي.
كانت الصورة الأولى التي قدمها الشاعر إلى خصمه، صورة عن الصحراء. وللصحراء من الصور ما يجعلها مثار خوف وضياع، ومبعث فقد وهلاك، ومنزع فقر وشظف عيش..بيد أن الخبير بها يختار منها أروع المشاهد وأحسنها، في ألطف الأزمنة وأرقها. وانظر إلى عبقرية الشاعر حين يدعو مناظره إلى الصحراء صبحا كان ليله ماطرا..إنه الإطار المكاني والزماني الذي يقدم فيه الموضوع الجمالي في أبعاده المختلفة: صباح رقّ نسيمه، وابتلت رماله، فإذا هي بساط من الدرر المتوقدة في عين الشمس..واسمعه يقول:
لو كنت أصبحت في الصحراء مرتقيا بسـاط رمـل به الحصباء كالـدرر
أو جلت في روضة ،قد راق منظرها بـكل لـون جمـيل شـيق عـطر
تستنشقـن نسـيما ،طـاب منشـقه يزيـد في الروح، لم يمرر على قذر
أو كنت في صـبح ليل، هاج هاتنه عـلوت في مرقب ، أو جلت بالنظر
رأيـت في كـل وجه في بسـائطها سربا من الوحش يرعى أطيب الشجر.(9)
يأخذ الموضوع الجمالي عند الأمير حركته التأثيرية من فعل لا يمكن للغربي الذي لا يعرف الصحراء إدراكه بسهولة، لذلك يعمد الشاعر إلى تكراره، تأكيدا عليه، حتى يأخذ حظه من المثول بين يدي المتلقي. فالمطَّلع على الصحراء لا يدرك جمالها إلا إذا كان في مقدوره اشتمالها في نظرة بانورامية، يستشرف منها المناظر كلها في جملة واحدة. وهو الأمر الذي استدعى حضور الألفاظ التالية ( مرتقيا) (علوت) (مرقب) (جلت بالنظر) ( رأيت في كل وجه) ( في بسائطها)
وهي الحركة التي ترفع المشاهد إلى القمة التي تجعله يطل على المناظر في جملتها وتمامها. وإذا عدنا إلى أساليب تأمل اللوحات الفنية، وخاصة عند الجشطالت، وجدناهم يؤكدون على النظرة العامة التي تستقطب اللوحة في جملتها، فتدرك فيها عناصرها في تعاقدها وتجاورها، وتوزعها في فضلاء اللوحة، ثم تتيح للمتلقي أن يقترب قليلا لتفرس العناصر، وكشف تلاحمها في البناء الكلي للأثر. كذلك صنع الأمير بحاسة الشاعر العارف بالصحراء. إنه يضعك أمام ذهول السعة، ويترك نفسك تتشرب المجال في شساعته وامتداده، ويضعك على الشارف من المكان ليتيح لك إجالة النظر، ثم يدفعك في رفق إلى العناصر التي تخيرها، فيجعلك بين المتناهي الكبر، والمتناهي الصغر..بين البسائط وبين الحصباء. إنه مشهد الهدوء والسكون والأمن والاسترسال.
ومن حيل الشاعر في المقارعة، أن لا يترك مُناظِرَه يسترسل حالما مع المشهد الهادئ الذي عرض عليه. إنما يريد أن يرجّه رجا. أن يدخل عليه بالحركة التي تزعزع اعتقاده الجديد. فإذا كان قد آنس من قبل سرب الوحش يرعى أطيب الشجر، فإن هذه الصورة عند البدوي لا تستقر على حالها أبد الدهر.إنها هدنة وحسب. لابد لها أن تتحول إلى الحركة السريعة الخاطفة. واسمعه يقول:
نبـاكر الصـيد أحيانا، فنبغـته فالصيد منا مدى الأوقات في ذعر
ونحن فوق جياد الخيل، نركضها شليلـها زينة الأكـفال والخصر
نطـارد الوحش،والعزلان نلحقها على البعاد وما تنجو من الضرر. (10)
يتغير الإطار الجديد للصورة، فإذا هي صورة متحركة، مليئة بالأصوات وحمحمة الخيول وهي تعلك ألجمتها. إن الغربي يرى فيها الصورة الزيتية لحملات الصيد التي كان الأرستقراطيون يعدونها لضيوفهم.تتعالى فيها أصوات الأبواق التي تستحث الكلاب للطراد..غير أنها هنا تختلف في كثير من مشاهدها. وأول اختلاف في زمنها البكور. فالبكور يجعل الصيد مقبلا على الكلأ، بعد هدأة الليل وطوله. وهو تقليد عربي بعيد. نجد حضوره عند امرئ القيس في الجاهلية. وهو من ناحية أخرى أنسب الأوقات للخيل والفارس، وأنشطها على الإطلاق.
أن الزمن في الصيد، يأخذ أبعاده من طبيعة العربي أولا، ومن طبيعة أرضه ثانيا. ولا تستوي الأزمنة بالنسبة الصيد والصائد، وإنما هو زمن واحد. إذا فاته، فاته الخير كله. وإذا كانت حملات الصيد عند الغربي تقوم على نفخ الأبواق ونباح الكلاب، فإنها عند العربي حركة سريعة صامتة هدفها المباغتة التي تجعل الصيد يدرك طرادا وملاحقة..فصيد الصحراء لا يعتمد التخفي والتستر والتمويه، شأن وحش الغابات، وإنما اعتماده على العدو وسرعته في الفضاء الواسع للصحراء. لذلك كان الضجيج عند الغربي مبعثا على إثارة الطريدة. وكان الطراد والملاحقة دركا للصيد عند العربي. وفي هذا المقام يكون المعول الأول على أصالة الفرس، ومهارة الفارس. فالفروسية في الموقف العربي ضرب من الأخلاق قبل أن تكون ضربا من القدرة. لأنها مرتبطة بالحياتي اليومي للعربي. فإذا كانت هناك تسلية وزينة، فإنها هنا ضرورة ومعاش.
ولم يفت الشاعر التركيز على الجزئيات التي تصنع خصوصية الصورة. فلم يذكر الخيل ويتركها عاطلة من كل جمال، بل بلتفت إلى الشليل الذي يزين الكفل والخصر.وكأن الخيل وهي تستعد للطراد، تلبس من زينة القوم ما يجعلها تبدو في أبهى الحلل وأقشبها. إن الفارس وهو على صهوة الجواد لا يشكل إلا قطعة واحدة من فرسه.وكأنه امتداد له..يمتد به في الخفة والرشاقة، كما يمتد به في الزينة والحلة. وأي عيب يلحق الفرس، لابد لاحقا صاحبه. لذلك كانت العناية بهذا الجانب الجمالي أدخل في آداب الفروسية التي قلنا عنها أنها من أخلاق الفارس وآدابه. وقد يكفيك النظر إلى الجواد لتميز سمات صاحبه فتعرفه قبل أن تراه. ولهذا السبب لم يجد الشاعر بدا من إلحاق حديث الحرب والنجدة بحديث الصيد والطراد. وكأن حديث الصيد ومهارته استعداد فطري للحرب. وتجانس الفارس وجواده في الملاحقة، تجانس في الحرب والمصاولة. إن تقارب الصورتين في المعنى والهدف، حتم على الشاعر أن يقرن بينهما في صورة واحدة. قد نفهم من ذلك التعريض بالغربي، وقد نفهم منه فقط التلاحم الكلي بين الفراس والفرس. يقول الأمير:
فخيـلنا دائما للحرب مسـرجة مـن استغـاث بنا بشره بالظفر
لنا المهاري، وما للريم سرعتها بها وبالخيل نلـنا كـل مفتخر. (10)
إن الشاعر العربي لا ينتج شعره في غنائية الذات المفرطة..أي أنه لا يترك للذات سلطة التملك الكلية التي تنسيه الموقف الذي من أجله ينشد شعره. وكأني بالأمير وهو يسترسل من صورة إلى أخرى، يبقي طيف المُناظِر حاضرا أمامه كل حين. هذا المُناظِر الذي ينتظر منه الهفوة التي تبيح له نقد الرؤية الجمالية التي يقدمها خصمه. صحيح أن الموقف: موقف الصيد والحرب، والنجدة والإغاثة. موقف رجولي لا حضور فيه للمرأة. ولكنت الشاعر يدمجها في الصورة في ظرف من اللين والرفق. فيجعل لها المهاري التي تحملها هوادج مزينة تتهادى بها يمينا ويسارا، بعيدا عن السرعة التي تخضها خضا.إنه يستثنيها حفاظا عليها، وصونا لها من الضرر.
إنها الصورة التي أثارها قبلا، حين قدم لوحة الرحيل والظعن، لما قال:
يوم الرحـيل إذا شدّت هوادجنا شقائـق عمّـها مزن من المطر
فيها العذارى، وفيها جعلن كوى مرقعات بأحداق من الحور. (11)
لقد كانت لوحة الهودج مما يستملح العربي، كما كانت مثار الأسى والحزن الذي ظل ملازما له حين الوقوف على أطلال الديار التي تحول عنها أهلها. إن الرحيل بالنسبة له تغيير للأفق، وتجديد للمناظر، وانفتاح على مجالات جديدة. بيد أنه من ناحية أخرى مفارقة للإلف والعادة. فقد تفترق القبيلة إلى شعب وبطون.. وفي افتراقها تصرم لحبال الحب والوجد. إن فيها من الحرمان ما يؤرق الفتى العربي، ويحدث في قلبه الصدع الذي لا يرأب، والكسر الذي لا يجبر. لذلك كانت الرحلة دائما ذلك الهاجس الذي يعمر حياة العربي بالخوف والرجاء. ويملأها بالأمل والترقب. غير أن كثرة الأطلال تشهد على الفاجعة التي أضحى الشعر العربي ينشدها أبد الأزمنة، وعلى ألسنة الشعراء جميعهم.
إن الغربي لا يدرك حقيقة الرحلة التي يثيرها الشاعر..إن له منها ذلك المشهد الذي عرفت عبقرية الشاعر كيف تقدمه، وكيف تتخير منه العناصر التي تقع في النفس موقع الاستحسان..الهوادج التي تبدو في زينتها كالشقائق بعد أن بللها القطر.الهوادج التي تحتوي على الغذارى خصوصا..الهوادج التي بها كوى التصقت بها العيون السود، وجعلتها رقعا حوراء. ودقة الاختيار لم تنصرف إلى ضخامتها ولاتساعها، وصلابتها..وغير ذلك من آثار النعمة مثلا، وإنما انصرفت إلى تلك النظرات التي يلتقطها فتيان الحي وهم يتبعون رتل القافلة الظاعنة. يقرؤون فيها لغتهم الخاصة، ويتصنتون منها أحاديثهم الحسان.
يبدو أن الأمير، وهو في موقف المناظرة، عرف كيف يجعل من شعره معرضا فنيا للجمال. ذلك المعرض الذي أوجده "إتيان دينيه" في لوحاته الجزائرية، كما أوجده الفنانون المستشرقون الذي جابوا أطراف الصحراء بحثا عن حياة الشرق الساحرة. فرسموا الألوان والظلال، وأثبتوا الملامح والقسمات. وقدموا للغرب صورة الشرق كما شهدت بها ريشاتهم وإبداعاتهم. غير أنها الشرق بعين الغرب، وليس الشرق بعين الشرق. ومهما حاول الغربي نقل المشاهد بأمانة وصدق فإنه لن يفلح أبدا في نقل العواطف التي تصاحبها، والامتدادات التي تتولد عنها في نفسية العربي. لذلك كان الشعر العربي خير فنان، وخير رسول.
هوامش:
1-إبراهيم زكرياء. فلسفة الفن. ص:231.
2-م.س.ص:232.
3-جيروم ستولنيتز. النقد الفني.(ت) إبراهيم زكرياء.ص:79.
4-إبراهيم زكرياء.م.م.س.ص:236.
5-روبرت شولتز. السيمياء والتأويل.(ت) سعيد الغانمي.ص:64.
6-جيروم ستولنيتز.م.م.س.ص:322.323.
7-الأمير عبد القادر الجزائري. الديوان.ص:44.
8-جيروم ستولنيتز.م.م.س.ص:67.
9- الأمير عبد القادر.الديوان.ص:44.45.
10-م.س.ص:48.
أ.د.حبيب مونسي.
كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
جامعة سيدي بلعباس.22000.
3-المكان الحضور والغياب:
إن تأرجح الموضوع الجمالي بين الحضور والغياب، يجعلنا أمام نصين متوازيين: نص الغياب،وهو النص الذي يقدمه الشعر والرواية وغيرهما..وهو مكان الشاعر الذي أراد له أن يحتل مكانا في بنائه الفني، ومواصفاته الواقعية أو المتخيلة في ذهن صاحبه، لا يسعفه الفن في بسطها في جملتها كليا. وإنما يعمل على أن يتخير منها ما يمثل المكان الذي يريد أحسن تمثيل.أما النص الثاني: نص الحضور، فهو النص الذي يعمل التخييل على بنائه تباعا. فهو نص الإبداع الذي تتولى القراءة بسط مشكِّلاته المختلفة، وإكسابه من القيم التعبيرية ما يرفعه عن المكان الحسي المادي. لأنه ليس من غرض التخييل أن يختلق مكانا وحسب، بل الغرض كله في الارتفاع بالموضوع من الهيئة المادية إلى التعبير الجمالي انطلاقا من موقف إستيطيقي خاص بالمتلقي.
ولا يتسنى للتخييل أن يبني المكان إذا لم يسترفد المعرفة الخارجية، التي تكون عونا له في إنشاء الأبعاد الواقعية للموضوع، والتي لا يستغني عنها الموضوع الجمالي مهما أوتي من دقة ومهارة إبداعية. بيد أن المعرفة الخارجية قد تشوش التلقي الجمالي، وتصرف الانتباه من الموقف الجمالي إلى غيره من المواقف المعرفية الأخرى. فإذا أردنا للمعرفة الخارجية أن تكون مثمرة، أوقفناها على الشروط التالية: « إذا لم تكن تضعف الانتباه الجمالي إلى الموضوع، أو تقضي عليه.وإذا كانت متعلقة بمعنى الموضوع وطابعه التعبيري. وإذا جعلت لاستجابتنا الجمالية المباشرة للموضوع طابعا أرفع، ودلالة أقوى.» (3) وهي الشروط التي تحد من هيمنة المعرفة الخارجية وتسلطها على الموضوع. فالغرض الأولي الذي يكون للذة التقبل قد يتلاشى تحت مفعول المعرفة وقوتها. بيد أن المزج الحكيم بين عناصر المعرفة والتقبل الجمالي يكفل للموضوع أوفر قسط من العطاء التعبيري المثمر.
إن الموضوع الجمالي نداء يوجهه الفنان إلى المتذوق :« مهيبا بتخيله أن يعمل عمله من وراء المدرك الحسي. وليست مخيلة المتذوق أو المتأمل مجرد وظيفة تنظيمية تقتصر على تنسيق الإدراكات الحسية، بل هي وظيفة تركيبية تقوم بعملية إعادة تكوين الموضوع الجمالي ابتداء من تلك الآثار التي خلفها الفنان.» (4) والفرق بين التنظيم والتركيب يتجلى في عملية الخلق التي تقوم بها المخيلة، لأنها إذا عمدت إلى التنظيم اقتصر همها على إعادة بناء الموضوع على الهيئة التي خلفها الفنان دون تجاوز أو إضافة، ومن ثم البقاء في دائرة الحسي المعطى كما عبر عنه "سارتر" من قبل. في حين أن التركيب وظيفة مختلفة كل الاختلاف، لأنها تنطلق من الآثار الحسية البسيطة التي يحملها العمل الفني إلى رحابة الإبداع والحرية. فيكون لها مجال الإضافة والبناء الحر، واختلاق الشكل الذي يتناسب مع الفهم العام للمواقف التي يثيرها الأثر الفني في جملته. وكأن العمل الفني في جملته مجرد وسيلة تتيح للخيال فرصة الظهور والتحقق في أشكال متعددة، تتناسب طردا ومستويات التلقي والقراءة.
2-جماليات التركيب:
يرى "روبرت شولتز " أن العالم الذي يخلقه الخيال :« سواء أكان قصة، أم مسرحية، أم قصيدة، هو سياق ندركه، وأكاد أقول نخلقه حول الرسالة التي توجه أفكارنا. ولكن وراء هذا العالم أو حوله يكمن العالم الظاهري .» (5) فالمسألة قائمة إذا على مبدأ التراكب بين عالمين: عالم متخيل، ينشئه التلقي استنادا إلى المعادل الحسي الذي يقدمه النص. وعالم قائم بذاته معطى، يحتفل به السياق الخارجي، والمعرفة الخارجية. بيد أن العالم الذي يخلقه التلقي، ليس عالما صرفا، وإنما هو تعبير قبل كل شيء. لأنه يتضمن رسالة تحمل على عاتقها خطابا معينا، هو خطاب الأدب، أو الفن.
وعندما نقبل على الأثر الفني نحلله إلى عناصره التركيبية، ومن ثم إلى عناصره الجمالية، تعترضنا عقبة أولى، مفادها أننا لا نستمتع بالعمل، ولا نكون محيطين بالرسالة الفنية التي يبثها، إلا من خلال تناول الأثر في جملته وكليته. وعزل العناصر عن بعضها بعض للدرس والتأمل يفقدها خاصية الوحدة التي تفقد الأثر انسجامه الكلي الذي يقوم عليه الموضوع الجمالي. إن التحليل وهو يقتل الوحدة، يقضي من ناحية ثانية على التجربة الإستيطيقية التي يعانيها المتلقي.فإن كان التحليل شر لابد منه، لمباشرة الأثر الفني، فإننا نزعم أن المتذوق الجمالي يجتهد في أن لا تغيب عن ذهنه الوحدة المتلاحمة الأثر في كليته. وكأنه إزاء كل صورة من الصور التي ينشئها الفن، يراعي الإطار الذي يحفظ له كمالها، وهو عاكف على التفرس في أجزائها.
إننا إذا عاملنا المكان من منظور الجماليات، وفق هذه الرؤية، سهل علينا تقصي عناصره من جهة، وفهم التداخل الذي يؤسس وحدته من جهة ثانية.ذلك أن العمل الفني: » شديد التعقيد، وهذا ما يثبته تحليل بناء العمل الفني، فإذا ما شئنا أن نتحدث عنه على أي نحو، فلا بد لنا من أن نحلل تعقده إلى أجزائه المكونة له، وليس في استطاعتنا أن نتحدث إلا عن شيء واحد في المرة الواحدة. فالتحليل إذن محتوم، وإلا كان علينا أن نظل خرسا إزاء العمل.« (6)
وتتأتى شدة التعقيد من التكثيف الذي يلجأ إليه الفن عادة، ومن اقتصاد اللغة. ذلك أن الفنان لا يلجأ إلى عناصر الموضوع جميعها، يدرجها على نسق واحد في العمل الفني، وإنما يتخير منها ما كان أكثر تعبيرا عن دواخل التجربة الجمالية التي يعانيها أولا. ومن ثم تغدو العملية أشبه شيء بعملية تصفية للموضوع من الشوائب الزائدة التي تثقله، والتي قد تشوش عطاءه الدلالي الذي ينتظره منه الفنان. فيغدو العنصر المكون للموضوع أقرب إلى الأيقون الذي لا يحيل على ذاته، وإنما يشير إلى ترابطات دلالية من الكثرة والتعدد، ما يجعل العنصر الواحد أكثر فاعلية في القراءات المتوالية. وعبقرية الاختيار، عبقرية تقع مسئوليتها على عاتق الفنان الذي يعرف من موضوعه ما لا يعرفه المتلقي ابتداء. وإذا شئنا لذلك تمثيلا، قدمنا قصيدة للأمير عبد القادر الجزائري.والتي تناول فيها المفاضلة بين البدو والحضر. بيد أن هذه القصيدة تحتاج إلى سياق خاص حتى يضبط التلقي القناة التي تسلكها اللغة في تعاملها مع عناصر المكان. وتلك معرفة ضرورية لفتح منافذ التقبل عند القارئ، لأنها ستجعل الشاعر والقارئ على وتيرة واحدة من البث. تنتظم فيها الإشارات والدلالات انتظاما محكما يفضي إلى نتيجة جمالية واحدة. ولا نزعم أن النتيجة التي وصفناها بالواحدة، هي واحدة عند الجميع، ولكننا نقصد من الواحدية ذلك الهدف الذي يحمله قصد الشاعر، وإن تعدد القصد الذي يحمله النص.والقصد الذي تتكفل به الرسالة الجمالية.
4-لوحات الشعر الجمالية:
قال الأمير عبد القادر الجزائري في قصر " أمبواز" بفرنسا، لما تناهت إليه وفي حضرته،مناظرة بين مثقفين يفضل أحدهم الحياة البدوية ورومنسيتها، بينما يفضل الآخر حياة المدن وبرجوازيتها. وعلى عادة العربي ينتصر الشاعر للبداوة التي نسجت خصال العربي، وأملت عليه قيمه الخَلقية والخُلقية. فالإطار العام للنص، يأخذ فاعليته من هذا الموقف الذي تتقابل فيه حضارتان: حضارة شرقية حافلة بالمروءة والشهامة، والعدل، والانشراح..وحضاره عامرة بالكبرياء والهيمنة والقهر. وليست المسألة إذن، مسألة بدو وحاضرة، كما نتوهم سريعا ونحن نتناول النص. إنما يمتد الموقف بعيدا في أغوار الصراع بين حضارتين، والفارق بينهما في هذا المقام، فارق جمالي في مظهره، سياسي/ حضاري في خطابه العميق.
يا عاذرا لامرئ قد هـام في الحضر وعـاذلا لمـحب البـدو والـقفـر
لا تذمـمـن بيـوتا خـف محملها وتمدحـن بيـوت الطـين والحجر
لـو كنت تعلم ما في البدو، تعذرني لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
قـال الألى قـد مضوا قولا يصدقه نقـل وعقـل، ومـا للحق من غير
» الحسـن يظهر في بيتـين رونقه بيت من الشعر، أو بيت من الشعر «.(7)
استطاع الشاعر في هذه المقدمة نسج السياق الخاص للقصيدة، الذي يمكن المتلقي من التموقع داخل الموقف. ذلك أن الموقف يملي فيما يمليه على الشاعر، لون اللغة، ولون العرض الذي يساير اللغة. فالتكثيف الذي نشاهده في هذه الأبيات، تكثيف ينزع إلى حركة تريد التفلت سريعا من الموقف العام الذي أملى النص، إلى الموضوع الجمالي الذي هو مثار الجدل بين المتعارضين. بيد أن الشاعر لا يخفي موقفه من المسألة التي هو طرف فيها. وانتصاره للبداوة واضح من الوهلة الأولى، مما سيعطي للموقف الجمالي صفة المرافعة التي تؤكد تفوقه وحسنه. وكأن الأمير في هذه القضية لا يقف بين متعارضين من الغرب، وإنما يقف بمفرده في جهة، ويقف الآخرون في الجهة المقابلة. لذلك كان الخطاب بضمير المفرد حين يتوجه إلى الآخر، وبضمير المخاطِب حين ينقل عن نفسه. إننا نلحظ ذلك جليا في ( لو كنت تعلم) و(تعذرني). فالشاعر في هذا الموقف لسان الحضارة العربية، ومنافحها الذي يتوقف على براعته نقل الحسن من الخفاء إلى التجلي، وإرغام المتلقي على تقبل الحسن في مظهره الذي ستعرضه القصيدة.
إن هذه المهمة ستلقي على الشاعر ثقل اختار المشاهد المعبرة عن الحسن، وتخيرها من بين غيرها، وتصفية عناصرها من الشوائب التي قد تشوش جمالها، وتقديمها في أطر زمانية ومكانية تجعل الحواس تستيقظ لتلمس ما فيها من سحر وجاذبية. إن دور الإطار مهم في هذه العملية. إنه المنظم لشعث الصورة، والموزع لعناصرها على مساحة المشهد. فإذا كان الإطار ضيقا، أو فضفاضا أفسدت السعة، أو الضيق جمال العناصر وأفقدتها فاعليتها الدلالية الموقوفة عليها. ذلك أن الإطار :» ينظم الموضوع الفني ويوحده، وأن هذا أمر له قيمته، لأنه يربط بين أطراف تجربتنا التي لن تكون بغير هذا الإطار إلا مشوهة، لا شكل لها.« (8) وكأن الشاعر بحاسته الدقيقة يدرك خطورة هذا الموقف، فيمهد له تمهيدا حضاريا يشمل السياق العام للنص، وتمهيدا جماليا ينتظم الموضوع الجمالي في كليته.ولذلك رأيناه يستنجد بآراء من سبقوه في المسألة. وحضور" المعري" في البيت الأخير من القطعة دليل على أن الشاعر، لا يجد للجمال منفذا واحدا، يقصره على الذوق الذاتي المتقلب، المرهون بالمزاج المتحول. بل يجعل قضية الجمال تحتكم إلى النقل والعقل معا،فإذا وافق النقل والعقل في مسألة من المسائل، كان ناتجهما الحق الذي لا تعدد له، لأنه أبدا واحد. والشاعر حين يجنح لمثل هذا التخريج لا يريد أن يكون موضوعه الجمالي قائما على رومنسية فيها من الشذوذ الذاتي القسط الذي يفسد عليها كل موضوعية، إنما يريدها – وإن تشبعت بنوستالجيا الوطن والأهل – تحتفظ في ذاتها بكثير من الحق الذي يعطي للمناظرة وجهها الجاد والجدلي.
كانت الصورة الأولى التي قدمها الشاعر إلى خصمه، صورة عن الصحراء. وللصحراء من الصور ما يجعلها مثار خوف وضياع، ومبعث فقد وهلاك، ومنزع فقر وشظف عيش..بيد أن الخبير بها يختار منها أروع المشاهد وأحسنها، في ألطف الأزمنة وأرقها. وانظر إلى عبقرية الشاعر حين يدعو مناظره إلى الصحراء صبحا كان ليله ماطرا..إنه الإطار المكاني والزماني الذي يقدم فيه الموضوع الجمالي في أبعاده المختلفة: صباح رقّ نسيمه، وابتلت رماله، فإذا هي بساط من الدرر المتوقدة في عين الشمس..واسمعه يقول:
لو كنت أصبحت في الصحراء مرتقيا بسـاط رمـل به الحصباء كالـدرر
أو جلت في روضة ،قد راق منظرها بـكل لـون جمـيل شـيق عـطر
تستنشقـن نسـيما ،طـاب منشـقه يزيـد في الروح، لم يمرر على قذر
أو كنت في صـبح ليل، هاج هاتنه عـلوت في مرقب ، أو جلت بالنظر
رأيـت في كـل وجه في بسـائطها سربا من الوحش يرعى أطيب الشجر.(9)
يأخذ الموضوع الجمالي عند الأمير حركته التأثيرية من فعل لا يمكن للغربي الذي لا يعرف الصحراء إدراكه بسهولة، لذلك يعمد الشاعر إلى تكراره، تأكيدا عليه، حتى يأخذ حظه من المثول بين يدي المتلقي. فالمطَّلع على الصحراء لا يدرك جمالها إلا إذا كان في مقدوره اشتمالها في نظرة بانورامية، يستشرف منها المناظر كلها في جملة واحدة. وهو الأمر الذي استدعى حضور الألفاظ التالية ( مرتقيا) (علوت) (مرقب) (جلت بالنظر) ( رأيت في كل وجه) ( في بسائطها)
وهي الحركة التي ترفع المشاهد إلى القمة التي تجعله يطل على المناظر في جملتها وتمامها. وإذا عدنا إلى أساليب تأمل اللوحات الفنية، وخاصة عند الجشطالت، وجدناهم يؤكدون على النظرة العامة التي تستقطب اللوحة في جملتها، فتدرك فيها عناصرها في تعاقدها وتجاورها، وتوزعها في فضلاء اللوحة، ثم تتيح للمتلقي أن يقترب قليلا لتفرس العناصر، وكشف تلاحمها في البناء الكلي للأثر. كذلك صنع الأمير بحاسة الشاعر العارف بالصحراء. إنه يضعك أمام ذهول السعة، ويترك نفسك تتشرب المجال في شساعته وامتداده، ويضعك على الشارف من المكان ليتيح لك إجالة النظر، ثم يدفعك في رفق إلى العناصر التي تخيرها، فيجعلك بين المتناهي الكبر، والمتناهي الصغر..بين البسائط وبين الحصباء. إنه مشهد الهدوء والسكون والأمن والاسترسال.
ومن حيل الشاعر في المقارعة، أن لا يترك مُناظِرَه يسترسل حالما مع المشهد الهادئ الذي عرض عليه. إنما يريد أن يرجّه رجا. أن يدخل عليه بالحركة التي تزعزع اعتقاده الجديد. فإذا كان قد آنس من قبل سرب الوحش يرعى أطيب الشجر، فإن هذه الصورة عند البدوي لا تستقر على حالها أبد الدهر.إنها هدنة وحسب. لابد لها أن تتحول إلى الحركة السريعة الخاطفة. واسمعه يقول:
نبـاكر الصـيد أحيانا، فنبغـته فالصيد منا مدى الأوقات في ذعر
ونحن فوق جياد الخيل، نركضها شليلـها زينة الأكـفال والخصر
نطـارد الوحش،والعزلان نلحقها على البعاد وما تنجو من الضرر. (10)
يتغير الإطار الجديد للصورة، فإذا هي صورة متحركة، مليئة بالأصوات وحمحمة الخيول وهي تعلك ألجمتها. إن الغربي يرى فيها الصورة الزيتية لحملات الصيد التي كان الأرستقراطيون يعدونها لضيوفهم.تتعالى فيها أصوات الأبواق التي تستحث الكلاب للطراد..غير أنها هنا تختلف في كثير من مشاهدها. وأول اختلاف في زمنها البكور. فالبكور يجعل الصيد مقبلا على الكلأ، بعد هدأة الليل وطوله. وهو تقليد عربي بعيد. نجد حضوره عند امرئ القيس في الجاهلية. وهو من ناحية أخرى أنسب الأوقات للخيل والفارس، وأنشطها على الإطلاق.
أن الزمن في الصيد، يأخذ أبعاده من طبيعة العربي أولا، ومن طبيعة أرضه ثانيا. ولا تستوي الأزمنة بالنسبة الصيد والصائد، وإنما هو زمن واحد. إذا فاته، فاته الخير كله. وإذا كانت حملات الصيد عند الغربي تقوم على نفخ الأبواق ونباح الكلاب، فإنها عند العربي حركة سريعة صامتة هدفها المباغتة التي تجعل الصيد يدرك طرادا وملاحقة..فصيد الصحراء لا يعتمد التخفي والتستر والتمويه، شأن وحش الغابات، وإنما اعتماده على العدو وسرعته في الفضاء الواسع للصحراء. لذلك كان الضجيج عند الغربي مبعثا على إثارة الطريدة. وكان الطراد والملاحقة دركا للصيد عند العربي. وفي هذا المقام يكون المعول الأول على أصالة الفرس، ومهارة الفارس. فالفروسية في الموقف العربي ضرب من الأخلاق قبل أن تكون ضربا من القدرة. لأنها مرتبطة بالحياتي اليومي للعربي. فإذا كانت هناك تسلية وزينة، فإنها هنا ضرورة ومعاش.
ولم يفت الشاعر التركيز على الجزئيات التي تصنع خصوصية الصورة. فلم يذكر الخيل ويتركها عاطلة من كل جمال، بل بلتفت إلى الشليل الذي يزين الكفل والخصر.وكأن الخيل وهي تستعد للطراد، تلبس من زينة القوم ما يجعلها تبدو في أبهى الحلل وأقشبها. إن الفارس وهو على صهوة الجواد لا يشكل إلا قطعة واحدة من فرسه.وكأنه امتداد له..يمتد به في الخفة والرشاقة، كما يمتد به في الزينة والحلة. وأي عيب يلحق الفرس، لابد لاحقا صاحبه. لذلك كانت العناية بهذا الجانب الجمالي أدخل في آداب الفروسية التي قلنا عنها أنها من أخلاق الفارس وآدابه. وقد يكفيك النظر إلى الجواد لتميز سمات صاحبه فتعرفه قبل أن تراه. ولهذا السبب لم يجد الشاعر بدا من إلحاق حديث الحرب والنجدة بحديث الصيد والطراد. وكأن حديث الصيد ومهارته استعداد فطري للحرب. وتجانس الفارس وجواده في الملاحقة، تجانس في الحرب والمصاولة. إن تقارب الصورتين في المعنى والهدف، حتم على الشاعر أن يقرن بينهما في صورة واحدة. قد نفهم من ذلك التعريض بالغربي، وقد نفهم منه فقط التلاحم الكلي بين الفراس والفرس. يقول الأمير:
فخيـلنا دائما للحرب مسـرجة مـن استغـاث بنا بشره بالظفر
لنا المهاري، وما للريم سرعتها بها وبالخيل نلـنا كـل مفتخر. (10)
إن الشاعر العربي لا ينتج شعره في غنائية الذات المفرطة..أي أنه لا يترك للذات سلطة التملك الكلية التي تنسيه الموقف الذي من أجله ينشد شعره. وكأني بالأمير وهو يسترسل من صورة إلى أخرى، يبقي طيف المُناظِر حاضرا أمامه كل حين. هذا المُناظِر الذي ينتظر منه الهفوة التي تبيح له نقد الرؤية الجمالية التي يقدمها خصمه. صحيح أن الموقف: موقف الصيد والحرب، والنجدة والإغاثة. موقف رجولي لا حضور فيه للمرأة. ولكنت الشاعر يدمجها في الصورة في ظرف من اللين والرفق. فيجعل لها المهاري التي تحملها هوادج مزينة تتهادى بها يمينا ويسارا، بعيدا عن السرعة التي تخضها خضا.إنه يستثنيها حفاظا عليها، وصونا لها من الضرر.
إنها الصورة التي أثارها قبلا، حين قدم لوحة الرحيل والظعن، لما قال:
يوم الرحـيل إذا شدّت هوادجنا شقائـق عمّـها مزن من المطر
فيها العذارى، وفيها جعلن كوى مرقعات بأحداق من الحور. (11)
لقد كانت لوحة الهودج مما يستملح العربي، كما كانت مثار الأسى والحزن الذي ظل ملازما له حين الوقوف على أطلال الديار التي تحول عنها أهلها. إن الرحيل بالنسبة له تغيير للأفق، وتجديد للمناظر، وانفتاح على مجالات جديدة. بيد أنه من ناحية أخرى مفارقة للإلف والعادة. فقد تفترق القبيلة إلى شعب وبطون.. وفي افتراقها تصرم لحبال الحب والوجد. إن فيها من الحرمان ما يؤرق الفتى العربي، ويحدث في قلبه الصدع الذي لا يرأب، والكسر الذي لا يجبر. لذلك كانت الرحلة دائما ذلك الهاجس الذي يعمر حياة العربي بالخوف والرجاء. ويملأها بالأمل والترقب. غير أن كثرة الأطلال تشهد على الفاجعة التي أضحى الشعر العربي ينشدها أبد الأزمنة، وعلى ألسنة الشعراء جميعهم.
إن الغربي لا يدرك حقيقة الرحلة التي يثيرها الشاعر..إن له منها ذلك المشهد الذي عرفت عبقرية الشاعر كيف تقدمه، وكيف تتخير منه العناصر التي تقع في النفس موقع الاستحسان..الهوادج التي تبدو في زينتها كالشقائق بعد أن بللها القطر.الهوادج التي تحتوي على الغذارى خصوصا..الهوادج التي بها كوى التصقت بها العيون السود، وجعلتها رقعا حوراء. ودقة الاختيار لم تنصرف إلى ضخامتها ولاتساعها، وصلابتها..وغير ذلك من آثار النعمة مثلا، وإنما انصرفت إلى تلك النظرات التي يلتقطها فتيان الحي وهم يتبعون رتل القافلة الظاعنة. يقرؤون فيها لغتهم الخاصة، ويتصنتون منها أحاديثهم الحسان.
يبدو أن الأمير، وهو في موقف المناظرة، عرف كيف يجعل من شعره معرضا فنيا للجمال. ذلك المعرض الذي أوجده "إتيان دينيه" في لوحاته الجزائرية، كما أوجده الفنانون المستشرقون الذي جابوا أطراف الصحراء بحثا عن حياة الشرق الساحرة. فرسموا الألوان والظلال، وأثبتوا الملامح والقسمات. وقدموا للغرب صورة الشرق كما شهدت بها ريشاتهم وإبداعاتهم. غير أنها الشرق بعين الغرب، وليس الشرق بعين الشرق. ومهما حاول الغربي نقل المشاهد بأمانة وصدق فإنه لن يفلح أبدا في نقل العواطف التي تصاحبها، والامتدادات التي تتولد عنها في نفسية العربي. لذلك كان الشعر العربي خير فنان، وخير رسول.
هوامش:
1-إبراهيم زكرياء. فلسفة الفن. ص:231.
2-م.س.ص:232.
3-جيروم ستولنيتز. النقد الفني.(ت) إبراهيم زكرياء.ص:79.
4-إبراهيم زكرياء.م.م.س.ص:236.
5-روبرت شولتز. السيمياء والتأويل.(ت) سعيد الغانمي.ص:64.
6-جيروم ستولنيتز.م.م.س.ص:322.323.
7-الأمير عبد القادر الجزائري. الديوان.ص:44.
8-جيروم ستولنيتز.م.م.س.ص:67.
9- الأمير عبد القادر.الديوان.ص:44.45.
10-م.س.ص:48.
أ.د.حبيب مونسي.
كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
جامعة سيدي بلعباس.22000.