الفن الروائي :
هل تعتبر الأشكال السردية الحكائية القديمة أنماطا روائية تراثية بمقياسنا العربي الأصيل، لا بمفاهيم الرواية الأوربية الحديثة ؟ هذا سؤال مؤجل ، إنما تجدر الإشارة إليه للتأكيد على أن السرد ليس غربي الجنسية بالضرورة، بل يمكن تلمس كثير من خصوصيات السرد المعاصر في خطابات الحكي العربي في العصر الوسيط خاصة ، سواء في الشرق أو في الغرب العربي.( كليلة ودمنة ، ألف ليلة وليلة، حي بن يقظان، ، ورسالة الغفران).
ولعل اختلال توازن العلاقة بين قوة وضعف، بين ريادة وتبعية ، على المستوى السياسي والاقتصادي والعلمي ، كانت وراء تنامي الإحساس بالانفصال عن التراث الأدبي والفني القديم ، بما يشكله من مصدر إبداعي و إشعاع ثقافي مرتبط بالهوية والذات ، ومعبر عن الرؤية للعالم والوجود، فحدثت القطيعة الإبداعية والانفصام على مستوى التخييل الحكائي والإبداع السردي.
إلا أن الرواية كفن أدبي ، ما زالت حتى في الغرب نفسه ، تثير خلافات حول تعريفها ، تطورت أكثر مع ظهور نظريات التجنيس الأدبي والتي وصل بعضها إلى إلغاء الحدود بين أشكال النثر الفني ، بل وبين النثري و الشعري أحيانا ، فعادت إلى الواجهة أبسط تعريفاتها ، والتي ظلت تعتبرها عملا أدبيا نثريا ، يستسيغ تقديم صورة دينامية للعلاقات الإنسانية المتشابكة داخل مجتمع ما ، في اتجاه تمثيل الواقع الحقيقي أو المتخيل ، عبر مرآة تفسر ذلك الواقع بقدر ما ترسم ملامح آفاقه ، بعد رصد مختلف مظاهره والنفاذ إلى الخفي من العوامل المتحكمة في وجوده ، بحثا عن الارتقاء بالصراع إلى مستوى التعبير عن حاجات وضرورات التواؤم والتناسب مع الذات والظروف ، من منظور المؤلف الروائي و رؤيته للعالم.
ثمة إجماع أولي على ربط البداية السردية باللغة العربية ، بأوائل القرن العشرين، مع رواية" زينب" لمحمد حسين هيكل، ذلك أنها شكلت في بنيتها الفنية و المضمونية ، امتدادا للرواية التاريخية والرومانسية والواقعية ، كما قدمها الرواد من فلوبير و زولا و بلزاك و دويستفسكي. قبل أن تظهر أعمال قصصية وروائية، متأثرة بالرؤية الغربية للسرد ، ومنشغلة بتياراتها الفنية المرتبطة أساسا بتطور الوعي وتغير المجتمع الأوروبي أو الأمريكي، وما عرفه العالم من تحولات منذ الحرب العالمية الأولى .
وقد تنوعت الكتابات السردية باللغة العربية من المحيط إلى الخليج ، متفاعلة مع ظروفها الموضوعية اجتماعيا وسياسيا ، ومتأثرة بما تحقق لديها من تحصيل معرفي وثقافي ، بمناهج ومعارف تفاعلت معها المجتمعات العربية بين مد و جزر، بين مد فيه رهن الجهود الروائية بالانفتاح المطلق والتبعية في التقليد للأنماط الأوربية خاصة ، وجزر فيه حرص على تفادي الوقوع في الاغتراب الفني بعد الاستلاب الفكري والحضاري ، وذلك بمحاولة خلق صيغ تعبيرية حكائية تنسجم مع الحاجات وتستجيب للتطلعات دون انفصال عن الذات والهوية ، أو قطيعة مع الغرب في بعده الإشعاعي .
وقد يكون نجيب محفوظ، أكثر الروائيين العرب تمثلا لهذا المسار التطوري في العلاقة السردية بين مختلف مراحل التجربة الروائية العربية . لكونه ابتدأ تاريخيا وانتهى تراثيا ، بعدما مر بمراحل روائية ، تعكس وعيه الفني بالشكل القصصي الذي كان يبحث عنه أو يراهن عليه ، على مدى خمسة وتسعين عاما من عمره (1911 - 2006)، وفي هذا الصدد يؤكد جورج طرابيشي أن أعمال نجيب محفوظ ينطبق عليها بشكل خاص، قانون التطور المتفاوت والمركب، فقد بدأ بالرواية التاريخية في "كفاح طيبة" و"رادوبيس" وغيرها، وانتقل إلى الرواية الواقعية متوجا ذلك بالثلاثية ، ثم بدأ انطلاقا من "اللص والكلاب" يطور أشكالا أخرى وصولا إلى توظيف التراث في الرواية.
ولد محفوظ عام 1911 في القاهرة وتخرج من جامعتها في شعبة الفلسفة، فعاصر تبعات التحولات السياسية التي شهدها المجتمع المصري ، بحثا عن الحرية في مواجهة أشكال النفي والتهميش ، سواء مثلها الاستعمار الأجنبي أو جسدتها السلطة المحلية ، وقد وجد في الكتابة السردية أداة للتعبير عن مواقفه ، من خلال التفنن في تصوير الحياة العامة بمختلف طبقاتها الاجتماعية والاقتصادية، وتنوع انتماءاتها الفكرية والدينية والسياسية ، دون أن يعني ذلك انفصاله عما ظل يشغله من هموم وجودية كونية ذات بعد إنساني ، تمثلت خاصة في استدراج القارئ العربي إلى قضايا فلسفية تلامس السؤال الميتافزيقي ، مستفيدا في تشكيل نصوصه القصصية والروائية ، من الاتجاهات الروائية الغربية المعاصرة ، و خاصة منها ما كان يتصل باهتماماته التاريخية و الواقعية والنفسية.
وبعد رحلة استغرقت حوالي ستين عاما من الكتابة الإبداعية السردية ، توجت بالحصول على جائزة نوبل للآداب عام 1988 ، توفي فجر يوم 31/ 8 /2006 في القاهرة ، عن عمر يناهز 95 عاما.
السياق الروائي : يصنف النقاد رواية ''اللص والكلاب '' ضمن تجربة نجيب محفوظ الدرامية أو ما يصطلح عليه عامة بالواقعية الجديدة و قد وجد البعض في هذه المرحلة ما يمكن اعتباره نصوصا روائية ذات عمق فلسفي ، بعدما بدأت تظهر بوضوح ملامح البطل الإشكالي ، وهو يواجه الواقع بوعيه الشقي متأرجحا بين إكراهات الواقع و أحلام التحول والتغيير من منطلقات مثالية شكلت فيها المعرفة مصدر عذابه وشقائه ، بدءاً من '' أولاد حارتنا '' التي ظلت ممنوعة التداول في مصر لزمن قريب ، إلى ''ثرثرة فوق النيل''، سنة 1966 ، مروراً بــ ''اللص والكلاب'' سنة 1961؛ و''السمان'' و''الخريف''، سنة 1962؛ و'' الطريق''، سنة 1964؛ و''الشحاذ''، سنة 1965.
وقد ارتبط ظهور رواية ''اللص والكلاب ''، بالتحولات التي عاشها المجتمع المصري في أعقاب ثورة الضبط الأحرار على الملكية ، إذ رصدت الواقع النفسي للفرد ، بين الثبات على القيم والتحول عنها إلى بدائل ذهنية و سلوكية ذهنية ، تطبعها الانتهازية وسيادة المكر والخديعة ، بين أقرب الناس بعضهم البعض ، وقد تحرك الصراع المحموم من أجل بلوغ أهداف شخصية ضيقة ، في تناقض تام مع مبادئ الثورة و وعودها بإعادة التوازن لحياة المجتمع اقتصاديا وسياسيا ،الشيء الذي سيفسح المجال لبروز قوى فاعلة تمثل مختلف تلك التناقضات ، من مواقع انتماءاتها الاجتماعية والفكرية ، كي تعبر عن نفسها بمنطق الممارسة الفردية ، كانعكاس مباشر أو غير مباشر، لفشل الثورة في تمثل أحلام الناس البسطاء وتطلعاتهم ، فما زالت صورة الغنى الفاحش بموازاة الفقر الفاحش، وما زالت ملامح العوالم السفلية للمجتمع ، تعيش مرارة الطبقية، فتلجأ إلى اللصوصية لاسترداد حقوقها أو إلى الدعارة لتحقيق حاجاتها ، بينما تبقى الطبقة التي تستغل أمثال ''سعيد مهران'' أو تستنزف ''نور'' ، هي نفسها التي كانت مدعاة للتغيير في النظام السياسي بحثا عن توازن النظام الاجتماعي والاقتصادي .
و يمثل نجيب محفوظ ظاهرة متميزة على المستوى الروائي العربي ، بما وفّره لنصوصه السردية من عمق في الوصف والتحليل للواقع والشخصيات ، تجاوز الغوص في عرض تفاصيل معاناة المجتمع المصري المادية والسيكولوجية ، إلى رسم معالم المعاناة الإنسانية في بعدها الوجودي ، حين تكون المأساة ناجمة عن صراع غير متكافئ بين قوى دافعة وأخرى مانعة ، تحول دون التطور الطبيعي للتعبير عن الإرادة الإنسانية فرديا وجماعيا ، تماما كما وقع مع سعيد مهران في اللص والكلاب .
قد تبدو الرواية ممعنة في كلاسيكية بنائها الفني ، من حيث قيامها على المكونات التقليدية في السرد الواقعي ، لكنها لا تبدو حريصة على احترامها لهرمية البناء الثلاثي الأبعاد من بداية وعقدة وحل ، وذلك بانطلاقها من نقطة في الزمان تبحث عن التطور إلى الأمام ، مع ما يستدعيه ذلك من استرجاعات تضيء مسار تنامي الأحداث ، وتغني المعرفة بتكوين الشخصيات الاجتماعي والبيئي والاقتصادي ، اعتمادا على الحوارات الداخلية وما يكشف عنه تيار الوعي ، باعتباره تمثلات ذهنية للقوى الفاعلة ، قد تكون معبرة في كثير من الأحيان عن رؤية السارد / المؤلف .
ولعل ذلك ما يجعل القارئ أكثر ميلا إلى عدم الاطمئنان لتلك التصنيفات النقدية التي وضعت الرواية في خانة الرواية الواقعية تارة والرواية الفلسفية تارة أخرى، إلا إذا كان ذلك مرتبطا بالطابع التحليلي الذي يطغى عليها ، سواء على مستوى الأحداث أو على مستوى الشخصيات ، بتوقفها عند كثير من التفاصيل الجزئية للبنية النفسية المتصلة بتكوين و تركيب الشخصية وما تعيشه من انفعالات تتحكم في مسار الصراع داخل الرواية .
الرواية :
العنوان : يقدم عنوان '' اللص والكلاب '' إمكانيات غنية بالتساؤلات حول الدلالات والإحاءات التي يمكن أن يحيل عليها التركيب الاسمي ، بمفردتيها ''اللص'' و ''الكلاب'' ، ولعل أول تساؤل يستثير القارئ: علاقة عطف الجمع الواوي في الجملة بين اسمين ، أحدهما مرتبط بالإنسان و الآخر بالحيوان ، مما يمكن أن يوهم بحقيقتهما المعجمية في ذهن المتلقي ، فيجد نفسه أمام فرضية للقراءة محدودة الأفق في ضوء ما يحيل عليه المكونان، من منطلق تصور اشتغال الرواية على حدث أو أحداث واقعية وثيقة الصلة بعالم السرقة والمطاردة .
وقد يجد نفس القارئ حاجة لاستعراض ما يتصل باللص من صفات لها علاقة بالجريمة ، دون نفي إمكانية التفكير في الظروف الواردة ، كأسباب للفعل في الواقع ، على اعتبار أن اللص في النهاية قد لا يكون دائما موضوع إدانة ، إن كانت ثمة دوافع موضوعية كالحاجة و الضرورة ، في مجتمع يدفع إلى جنحة اللصوصية تحت الإكراه ، خاصة وأن اللص بصيغة المفرد ، قد يصدر في فعله عن موقف شخصي يعكس ذاته ، دون صيغة الجمع التي يمكن أن توحي بالعمل المنظم ذي الطبيعة الاحترافية ، وبنفس التأمل في دلالة المكون الثاني من العنوان '' الكلاب '' ، يمكن أن يستحضر ما يتصل بهذا الحيوان الصديق التاريخي للإنسان، من صفات الوفاء و الصدق في الملازمة ، لدرجة التضحية من أجل صاحبه في مواجهة ما يتهدده ماديا من طرف الغير، لينتهي إلى حاجته لقراءة المتن الروائي ، كي يحدد للمكونين دلالتهما المقصودة في رؤية الكاتب ، في ضوء ما راهن عليه بتأليفه للرواية .
المتن الحكائي : حين خرج سعيد مهران من السجن ، بعد أربع سنوات مستبقا نهاية الحكم المقرر بعام نتيجة حسن سيرته ، اكتشف متأخرا أن سبب معاناته ، إنما كان تآمر زوجته نبوية مع صديقه عليش عليه، فبعد التنسيق مع عشيقها ، جاءت نبوية التي كانت تعمل في البيت موضوع السرقة ، بخبر كاذب عن سفر سكانه ، صدقها زوجها سعيد مهران ، وراح للتنفيذ ، كي يلقى عليه القبض بعد التبليغ عنه من طرف صديقه ، ومن هنا بدأت المعاناة مع الخيانة ومكابدة التفكير في الثأر والانتقام ، ممن سيشكلون أمامه الصورة الأولى للكلاب بالمعنى القدحي، لما يمثلونه من خداع ومكر وضرب لأعمق القيم التي لا يمكن أن يتنازل عنها حتى اللص في مستوى سعيد مهران ، و مما يزيد في عمق الجرح ، عجزه عن التواصل مع ابنته '' سناء'' التي أنكرته ببراءة ورفضت حتى مصافحته في لقاء بالبيت القديم، مشحون بالانفعالات في حضور الغفير وبعض الجيران. تتأكد لديه ، فلا يجد وجهة غير الشيخ الجنيدي صديق أبيه ، يكاشفه بحزن الصدمة ، قبل البحث عن اسم كان يعرفه أيام العمل ببيت الطلبة ، توصل إلى أنه صار محررا في جريدة ، يتذكر جيدا كيف كان رؤوف علوان ، مدافعا عنه لتبرئته من تهمة سرقة الساعة ، رغم أن سعيد اعترف له بظروف حاجته إليها ، بل يتذكر بالتفصيل ، ما أقنعه به لتبرير ما أقدم عليه من فعل السرقة ، ما دام الأمر يتعلق باسترجاع حق الفقراء من أيدي الأغنياء ، لقد كان رؤوف علوان مرجع سعيد مهران في الوعي الذي تشكل لديه فأصبح لصا ، لكنه ليس كسائر اللصوص''الحرامية''. بعد الفشل في لقائه بالجريدة ، يذهب سعيد مهران إلى السؤال عن صديقه في بيته ، يفاجأ بالنعيم الذي يعيش فيه ، كما يفاجأ بالتحول في شخصيته ، فالرجل ما عاد نفس الرجل الذي يحمل قيم الدفاع عن الكادحين ، وأمام الصدمة ، وبعد الخروج مهزوما بيده عشر جنيهات كأنها صدقة من رؤوف علوان ، تحركت في أعماق سعيد مهران مشاعر الغضب عليه , وتحولت لرغبة في الانتقام منه ، لكنه بعد انتظار الليل للعودة إلى بيته كي يسرقه ، سيجده له بالمرصاد ، فلا يسلمه للشرطة بعد استعطافه ، لكنه يزيد من تعميق جرحه بالإهابة والاحتقار ، مما سيولد لدى سعيد مهران ، حقدا جديدا على الواقع ، تجسده خيانة من مستوى آخر ، لكنه لا يختلف من حيث التأثير النفسي ، عن خيانة زوجته نبوية وصديقه عليش، لتبدأ رحلة السجن الكبير في واقع تحكمه خيانة القيم الاجتماعية والفكرية ، حيث الضحية في النهاية ، هذا الإنسان البسيط الذي صدق زوجته وصديقه كما صدق وآمن برؤوف علوان . من هذه الوضعية تحديدا ، يبدأ التحول ، إنها حالة مكتملة عناصر التحرك نحو الفعل ، بعدما تحققت فيها شروط الصراع في مواجهة إكراهات الظروف ، باتخاذ سعيد مهران موقع الذات إزاء موقع الموضوع الذي يمثله الواقع ،و بينما تشكل المرسِل من مجموع الدوافع المحركة للذات ، أصبح المرسَل إليه هو الرهان الذي يغامر فيه من أجل شرفه بتطهير الواقع / الموضوع ، أما ما يتصل بالذات من الأسباب المساعدة أو المعارضة ، لبلوغ وضعية النهاية مع التحول ، بعد وضعية البداية مع الحالة، فيكفي تتبع التفاصيل التي وظفها الكاتب على امتداد رحلة سعيد مهران من السجن إلى القبر، بين إصرار '' نور '' على انتشاله من الرغبة في الاستمرار ، بالعمل على الاستجابة لحاجاته وتوفير ما تعجز عنه سعيا لإرضائه ، وبين إصرار رؤوف علوان على التخلص من وجوده ، بالعمل على محاصرته ومطاردته ، بالبحث عن كل ما يسهل الإسراع بنفيه وموته .
يبحث سعيد مهران عن مسدس للدخول في مغامرة استعادة الحق في الحياة ، ممن سلبوه كيانه وكينونته، يلجأ أولا إلى البيت الذي يحتله الخائنان العشيقان ، يطرق الباب ، وما أن يستوى خيال الرجل المستعد لفتحه ، حتى يطلق سعيد مهران عيارات عليه ، ليكتشف بعد ذلك ، أنه قد قتل بريئا ، بعدما رحلت نبوية وابنتها مع زوجها الجديد إلى بيت آخر ، ولم يكن القتيل الضحية سوى الساكن الجديد لنفس البيت . يتجه سعيد مهران للانتقام هذه المرة من رؤوف علوان باغتياله ، لكنه يخطئ الهدف، إذ تبين أنه قد أطلق الرصاص على بواب رؤوف علوان فأرداه قتيلا، وتبدأ مطاردة الشرطة لسعيد مهران ، بعد إحكام الطوق عليه بتواطؤ علوان مع الأمن ، والذي توصل إلى عنوان نور من وصفة طبية كان سعيد مهران قد قدمها للصيدلي من أجل دواء لمغص مزمن تعاني منه نور، يضيق الخناق عليه فيتجه الى الشيخ ، لكنه يضطر لمتابعة فراره حتى آخر رمق، رافضا الاستسلام لنداءات الشرطة و توسلات ''نور''،
( وفي جنون صرخ : - ياكلاب ! و واصل إطلاق النار في جميع الجهات )
وما أن يظهر مشهرا سلاحه في الساحة تحت الأضواء الكاشفة ،حتى ينهال عليه وابل من الرصاص لينتهي قتيلا ، بينما بقيت'' نبوية'' مع عشيقها ''عليش سدرة''، ويبقى ''رؤوف علوان'' في خلفية الصورة يستمر في الحياة .
القوى الفاعلة : تستثير القارئ ظاهرة المقابلة بين شخصيات الرواية ، انسجاما مع تقابل التيمات المهيمنة على دلالاتها العامة ، حتى ليبدو كأن نجيب محفوظ يمرر من خلال شخوصه المنتقاة بعناية ، جملة من الصور الذهنية المتصلة بحمولة وعيه عن الواقع الكائن وما يمكن أن يكون عليه، باعتبار تلك الشخوص نماذج اجتماعية تعبر عن مواقف وقضايا المجتمع في صيرورته.
فمن جهة ، نجد سعيد مهران ونور والعتر و الشيخ الجنيدي و طرزان ، ممثلين بقوة لحالات البساطة والبراءة والصدق والنظرة الإنسانية بمشاعر التعاطف والتألف على خلفية علاقة تنطلق من قيم الوفاء والحب والصداقة والتناصح ، و من جهة أخرى ، نجد نبوية و عليش ورؤوف علوان، مجسدين بنفس القوة لحالات التراجع والخيانة والخيانة والمكر والنظرة الحسابية للمصالح الذاتية في بعدها المادي الضيق .
وقد ينسحب هذا التقابل بين القوى الفاعلة على الواقع ، باعتبار ما كان يعيشه من تحولات ، انتهت إلى وضعية كارثية على مستوى القيم ، وتراجيدية على مستوى السلوك الفردي ، في غياب ضوابط التحكم الموضوعية ، والتي تخفي وراءها فقدان التوازن بين رغبات الناس وإكراهات الواقع .
بوقفة أولية مع الشخوص الروائية في ''اللص والكلاب''، يمكن ملاحظة ظاهرتين بارزتين ، أولاهما متصلة بالظهور والاختفاء ، وثانيهما مرتبطة بما يمكن أن تحيل عليه دلالة أسمائها ، فبينما يظهر '' سعيد مهران'' منذ البداية ، ليستمر في الحضور المكثف كشخصية محورية ، يطفو وجود ''نور'' و''رؤوف علوان''برمزيتهما في مسار الرواية ، لمسايرة جل التحولات التي يعيشها '' سعيد مهران'' حتى آخر لحظة من حياته ، وفي المقابل ، نجد اختفاءا سريعا لكثير من الشخصيات رغم تأثيرها القوي في تنامي الأحداث ، لعل أبرزها شخصيتا '' نبوية'' و''عليش'' ومعهما ''سناء'' ابنة ''مهران''، بعد تغيير سكناهم خوفا من انتقام الجريح في وجدانه العاطفي، ويمكن أن يلحق بهم العتر رفيق الزنزانة أو الصيدلاني، بينما ظلت الجارة ''طاهرة'' و المعلم ''طرزان'' و'' الشيخ الجنيدي'' ضمن الذين تواصل وجودهم متأرجحين بين الظهور والاختفاء ، وهي ظاهرة تثري الأسئلة حول أبعاد الظهور والاختفاء لتلك الشخصيات ، فيما يمكن أن تكون له صلة باختيار مسبق للمؤلف، كالإيحاء والدلالة على ما يمكن للقارئ أن يشارك به في الاحتفال بالمشهد الروائي كرسائل مشفرة .
أما الظاهرة الثانية ، والمتعلقة بأسماء تلك الشخصيات ، على افتراض وجود نية مسبقة في اختيارها ، فيمكن رصدها من خلال نماذج موحية بدلالات متصلة بالرواية، حتى لتكاد أن تبدو أقرب إلى التمثيل بالمطابقة أو بالمخالفة ، فسعيد مهران لم يكن بشقه الأول سعيداً ، ولا كان بشقه الثاني موفقا فيما سعى إلى التمهر فيه ، بل ظل تعيسا تتراكم عليه الأزمات ، بقدر ما ظل فاشلا بعجزه عن بلوغ أبسط رغباته في الانتقام ، حين أخذ رصاصه يصيب الأبرياء دون الظلمة ممن انتهى إلى وصفهم بالكلاب .
ولم يكن لرؤوف علوان شيء يمكن أن يتصل باسمه المركب ، فلا هو مثل الرأفة المعبر عنها في اسمه بصيغة المبالغة ، ولا هو بلغ السمو المطلوب في علوان المزيد بألف ونون لمفرد العلو ، بل مثل في الرواية كل ما يناقض القيم التي يحيل عليها اسمه ، من وضاعة وانتهازية و وصولية .
أما الأسماء المفردة للأعلام في الرواية ، فبعضها متصل بمعانيها العامة ، كطرزان والجنيدي وطاهرة ، إذا تحيل في الرواية على الفتوة والصوفية والبراءة على الترتيب ، بينما تقبل الأسماء الأخرى إمكانية الربط بينها وبين دلالاتها ، فنور التي صاحبت سعيد مهران على امتداد تطور الأحداث ، ظلت تجسد النقطة المضيئة في حياته إلى أن أغمض عينيه بين يديها، بالرغم من وضعيتها القاسية اجتماعيا كفتاة يحضنها الليل كي تجد ما تعيل به نفسها في النهار ، ونبوية الزوجة الخائنة ، لم تحمل من معنى النبوة في بعدها الديني أي شيء ، ربما كانت أقرب إلى النبو بمعنى الابتعاد والانفصال ..
لا شك أن تلك الشخصيات كمكون حيوي من مكونات النص السردي ، لا يمكن أن تحيل على إيحاء أو معنى خارج سياقها الروائي ، لأن وجودها ضمن علاقات متشابكة يطبعها الاتصال حينا والانفصال حينا آخر ، وحده الكفيل بمنح تعد القراءات التأويلية لرمزيتها ، في ضوء تنامي الحركة الداخلية للنص ، والتي ظلت محكومة بالتجاذبات الثنائية على التناقض أو التكامل ، بين مظاهر سلوكيات تلك القوى الفاعلة .
الزمان والمكان : يبدو أن انشغال نجيب محفوظ بالهاجس الوجودي في روايته ''اللص والكلاب'' ، قد أجل اهتمامه بالتفاصيل الزمكانية ، رغم إحالتها الظاهرة على الواقع المصري في حقبة معينة ، بحكم انطلاقها في الأصل من حادثة واقعية كما يتحدث عنها المؤرخون لعالم الجريمة في مصر، وقد هيمن الليل بعالمه السفلي على جل أطوار التطور الحدثي فيها ، فاتخذ الظلام بعدا إيحائيا وثيق الصلة بالاكتئاب الداخلي ومعاناة الاختناق اللتين عاشاهما سعيد مهران ، بينما تنوعت الأمكنة بين البيت والزنزانة والجامع والمقهى ، كفضاءات إيواء أو محطات للعبور من حدث لآخر ، دون الشعور بأبعاد حمولتها أو تأثيرها البين في مسار تلك التحولات ، رغم ما يؤشر عليه بعضها كتواضع بيت نور أو فخامة فيلا رؤوف علوان أو نقاء جامع الجنيدي ، ولعل ذلك راجع كما قيل ، إلة اهتمام الكاتب بالقضايا والتيمات التي اشتغل عليها ارتباطا بحركة الشخصيات في وجودها الاجتماعي والنفسي .
الحوار : بالرغم من الطابع الدرامي للحدثية في الرواية ، والذي تحكم في الحوارات الثنائية بين مختلف الشخصيات سلبا أو إيجابا ، فقد كان للحوار الداخلي حضور قوي على مستوى سعيد مهران خاصة ، إذ كان وسيلة استرجاعية لاستعادة الماضي الذي عاشه سعيد مهران قبل دخوله إلى السجن، و بالتالي قدم معرفة مطبوعة بالصدق مع الذات ، حول ما ظل يعتبره خلفية لمأساته الاجتماعية والنفسية ، وتبريرا موضوعيا لما شغله من أمر التفكير في الثأر والانتقام لوجوده الذي هشمه الغدر والخيانة ، فأودى به إلى التمزق والعجز عن التواصل مع ذلك العالم الموبوء . الرؤية السردية : تهيمن على رواية نجيب محفوظ ''اللص والكلاب'' ، تلك الرؤية السردية من الخارج / الخلف ، بدلالة مواصلة الحكي اعتمادا على ضمير الغائب ، فيما لم يكن حوارا يتجاذبه المتكلم والمخاطب ، وكأن الكاتب تقصد نطق الشخصيات وحركة الأحداث وفق منطقها الداخلي ، باعتبارها استجابات طبيعية لمؤثرات موضوعية ، رغم ما يمكن أن يظهره السرد من علم مسبق ومعرفة جاهزة بمصائر التحولات المتعاقبة بعلاقات سببية واضحة ، كأننا بالكاتب يمرر عبر الإيهام بالواقع رؤيته للعالم ، وما يعتمل بفكره و وجدانه من مواقف نقدية وانتقادية لذلك الواقع ، بما يعانيه من اختلالات ، لا تؤشر على أفق مشرق في ظل التفاوت الطبقي أو التناقضات والمفارقات في القيم التي باتت تقوم عليها العلاقات بين الأفراد داخل المجمتع الواحد .
الأسلوب : وإذا تجاوزنا الأساليب السردية المعتمدة في اللص والكلاب بين السرد والوصف والحوار ، إلى التعبيرات اللغوية التي وظفها نجيب محفوظ ، يمكن أن يلاحظ القارئ اهتمامه بتلك اللغة التصويرية المتراوحة بين هيمنة الفصحى على السرد والوصف ، و حضور العامية المصرية في الحوارات الثنائية خاصة ، ذلك أن الكاتب في وضعية السارد ، يسعى إلى تمثل المواقف بصيغتها ولغتها التشخيصية الواقعية ، من خلال الحرص على توظيف المعجم المتداول في الخطاب اليومي ، واستعمال الجمل القصيرة انسجاما مع تقتضيه المقامات ، دونما حاجة للإغراق في التوسع التعبيري من أجل جماليات أسلوبية .
خروج : لم تحاول تلك القراءة الأولية لرواية ''اللص والكلاب'' ، فحص وتحليل مكوناتها على هدى منهج محدد وصارم ، بل اعتمدت على الاستفادة من العام في المناهج المتداولة بخصوص النص السردي ، والدافع دائما ، اتجاه المعالجة إلى الصف التعليمي في مستوى الثانوي التأهيلي ، باعتبار الكتاب ضمن مؤلفات تلامذة البكالوريا ، وإلا لو كان المجال غير المجال ، فقد كان ممكنا استغراق القراءة لكل الجوانب المتصلة بالرواية من الداخل قبل إحالتها على المقارنة بما يرتبط بها في نفس السياق ، سواء من خلال تجربة نجيب محفوظ نفسه ، أو من خلال تجارب الروائيين العرب المعاصرين له .
*****************
*( جورج طرابيشي : في حوار معه:مجلة"دراسات أدبيةلسانيةع3
1988 ص : 11 )
وقد يكون نجيب محفوظ، أكثر الروائيين العرب تمثلا لهذا المسار التطوري في العلاقة السردية بين مختلف مراحل التجربة الروائية العربية . لكونه ابتدأ تاريخيا وانتهى تراثيا ، بعدما مر بمراحل روائية ، تعكس وعيه الفني بالشكل القصصي الذي كان يبحث عنه أو يراهن عليه ، على مدى خمسة وتسعين عاما من عمره (1911 - 2006)، وفي هذا الصدد يؤكد جورج طرابيشي أن أعمال نجيب محفوظ ينطبق عليها بشكل خاص، قانون التطور المتفاوت والمركب، فقد بدأ بالرواية التاريخية في "كفاح طيبة" و"رادوبيس" وغيرها، وانتقل إلى الرواية الواقعية متوجا ذلك بالثلاثية ، ثم بدأ انطلاقا من "اللص والكلاب" يطور أشكالا أخرى وصولا إلى توظيف التراث في الرواية.
ولد محفوظ عام 1911 في القاهرة وتخرج من جامعتها في شعبة الفلسفة، فعاصر تبعات التحولات السياسية التي شهدها المجتمع المصري ، بحثا عن الحرية في مواجهة أشكال النفي والتهميش ، سواء مثلها الاستعمار الأجنبي أو جسدتها السلطة المحلية ، وقد وجد في الكتابة السردية أداة للتعبير عن مواقفه ، من خلال التفنن في تصوير الحياة العامة بمختلف طبقاتها الاجتماعية والاقتصادية، وتنوع انتماءاتها الفكرية والدينية والسياسية ، دون أن يعني ذلك انفصاله عما ظل يشغله من هموم وجودية كونية ذات بعد إنساني ، تمثلت خاصة في استدراج القارئ العربي إلى قضايا فلسفية تلامس السؤال الميتافزيقي ، مستفيدا في تشكيل نصوصه القصصية والروائية ، من الاتجاهات الروائية الغربية المعاصرة ، و خاصة منها ما كان يتصل باهتماماته التاريخية و الواقعية والنفسية.
وبعد رحلة استغرقت حوالي ستين عاما من الكتابة الإبداعية السردية ، توجت بالحصول على جائزة نوبل للآداب عام 1988 ، توفي فجر يوم 31/ 8 /2006 في القاهرة ، عن عمر يناهز 95 عاما.
السياق الروائي : يصنف النقاد رواية ''اللص والكلاب '' ضمن تجربة نجيب محفوظ الدرامية أو ما يصطلح عليه عامة بالواقعية الجديدة و قد وجد البعض في هذه المرحلة ما يمكن اعتباره نصوصا روائية ذات عمق فلسفي ، بعدما بدأت تظهر بوضوح ملامح البطل الإشكالي ، وهو يواجه الواقع بوعيه الشقي متأرجحا بين إكراهات الواقع و أحلام التحول والتغيير من منطلقات مثالية شكلت فيها المعرفة مصدر عذابه وشقائه ، بدءاً من '' أولاد حارتنا '' التي ظلت ممنوعة التداول في مصر لزمن قريب ، إلى ''ثرثرة فوق النيل''، سنة 1966 ، مروراً بــ ''اللص والكلاب'' سنة 1961؛ و''السمان'' و''الخريف''، سنة 1962؛ و'' الطريق''، سنة 1964؛ و''الشحاذ''، سنة 1965.
وقد ارتبط ظهور رواية ''اللص والكلاب ''، بالتحولات التي عاشها المجتمع المصري في أعقاب ثورة الضبط الأحرار على الملكية ، إذ رصدت الواقع النفسي للفرد ، بين الثبات على القيم والتحول عنها إلى بدائل ذهنية و سلوكية ذهنية ، تطبعها الانتهازية وسيادة المكر والخديعة ، بين أقرب الناس بعضهم البعض ، وقد تحرك الصراع المحموم من أجل بلوغ أهداف شخصية ضيقة ، في تناقض تام مع مبادئ الثورة و وعودها بإعادة التوازن لحياة المجتمع اقتصاديا وسياسيا ،الشيء الذي سيفسح المجال لبروز قوى فاعلة تمثل مختلف تلك التناقضات ، من مواقع انتماءاتها الاجتماعية والفكرية ، كي تعبر عن نفسها بمنطق الممارسة الفردية ، كانعكاس مباشر أو غير مباشر، لفشل الثورة في تمثل أحلام الناس البسطاء وتطلعاتهم ، فما زالت صورة الغنى الفاحش بموازاة الفقر الفاحش، وما زالت ملامح العوالم السفلية للمجتمع ، تعيش مرارة الطبقية، فتلجأ إلى اللصوصية لاسترداد حقوقها أو إلى الدعارة لتحقيق حاجاتها ، بينما تبقى الطبقة التي تستغل أمثال ''سعيد مهران'' أو تستنزف ''نور'' ، هي نفسها التي كانت مدعاة للتغيير في النظام السياسي بحثا عن توازن النظام الاجتماعي والاقتصادي .
و يمثل نجيب محفوظ ظاهرة متميزة على المستوى الروائي العربي ، بما وفّره لنصوصه السردية من عمق في الوصف والتحليل للواقع والشخصيات ، تجاوز الغوص في عرض تفاصيل معاناة المجتمع المصري المادية والسيكولوجية ، إلى رسم معالم المعاناة الإنسانية في بعدها الوجودي ، حين تكون المأساة ناجمة عن صراع غير متكافئ بين قوى دافعة وأخرى مانعة ، تحول دون التطور الطبيعي للتعبير عن الإرادة الإنسانية فرديا وجماعيا ، تماما كما وقع مع سعيد مهران في اللص والكلاب .
قد تبدو الرواية ممعنة في كلاسيكية بنائها الفني ، من حيث قيامها على المكونات التقليدية في السرد الواقعي ، لكنها لا تبدو حريصة على احترامها لهرمية البناء الثلاثي الأبعاد من بداية وعقدة وحل ، وذلك بانطلاقها من نقطة في الزمان تبحث عن التطور إلى الأمام ، مع ما يستدعيه ذلك من استرجاعات تضيء مسار تنامي الأحداث ، وتغني المعرفة بتكوين الشخصيات الاجتماعي والبيئي والاقتصادي ، اعتمادا على الحوارات الداخلية وما يكشف عنه تيار الوعي ، باعتباره تمثلات ذهنية للقوى الفاعلة ، قد تكون معبرة في كثير من الأحيان عن رؤية السارد / المؤلف .
ولعل ذلك ما يجعل القارئ أكثر ميلا إلى عدم الاطمئنان لتلك التصنيفات النقدية التي وضعت الرواية في خانة الرواية الواقعية تارة والرواية الفلسفية تارة أخرى، إلا إذا كان ذلك مرتبطا بالطابع التحليلي الذي يطغى عليها ، سواء على مستوى الأحداث أو على مستوى الشخصيات ، بتوقفها عند كثير من التفاصيل الجزئية للبنية النفسية المتصلة بتكوين و تركيب الشخصية وما تعيشه من انفعالات تتحكم في مسار الصراع داخل الرواية .
الرواية :
العنوان : يقدم عنوان '' اللص والكلاب '' إمكانيات غنية بالتساؤلات حول الدلالات والإحاءات التي يمكن أن يحيل عليها التركيب الاسمي ، بمفردتيها ''اللص'' و ''الكلاب'' ، ولعل أول تساؤل يستثير القارئ: علاقة عطف الجمع الواوي في الجملة بين اسمين ، أحدهما مرتبط بالإنسان و الآخر بالحيوان ، مما يمكن أن يوهم بحقيقتهما المعجمية في ذهن المتلقي ، فيجد نفسه أمام فرضية للقراءة محدودة الأفق في ضوء ما يحيل عليه المكونان، من منطلق تصور اشتغال الرواية على حدث أو أحداث واقعية وثيقة الصلة بعالم السرقة والمطاردة .
وقد يجد نفس القارئ حاجة لاستعراض ما يتصل باللص من صفات لها علاقة بالجريمة ، دون نفي إمكانية التفكير في الظروف الواردة ، كأسباب للفعل في الواقع ، على اعتبار أن اللص في النهاية قد لا يكون دائما موضوع إدانة ، إن كانت ثمة دوافع موضوعية كالحاجة و الضرورة ، في مجتمع يدفع إلى جنحة اللصوصية تحت الإكراه ، خاصة وأن اللص بصيغة المفرد ، قد يصدر في فعله عن موقف شخصي يعكس ذاته ، دون صيغة الجمع التي يمكن أن توحي بالعمل المنظم ذي الطبيعة الاحترافية ، وبنفس التأمل في دلالة المكون الثاني من العنوان '' الكلاب '' ، يمكن أن يستحضر ما يتصل بهذا الحيوان الصديق التاريخي للإنسان، من صفات الوفاء و الصدق في الملازمة ، لدرجة التضحية من أجل صاحبه في مواجهة ما يتهدده ماديا من طرف الغير، لينتهي إلى حاجته لقراءة المتن الروائي ، كي يحدد للمكونين دلالتهما المقصودة في رؤية الكاتب ، في ضوء ما راهن عليه بتأليفه للرواية .
المتن الحكائي : حين خرج سعيد مهران من السجن ، بعد أربع سنوات مستبقا نهاية الحكم المقرر بعام نتيجة حسن سيرته ، اكتشف متأخرا أن سبب معاناته ، إنما كان تآمر زوجته نبوية مع صديقه عليش عليه، فبعد التنسيق مع عشيقها ، جاءت نبوية التي كانت تعمل في البيت موضوع السرقة ، بخبر كاذب عن سفر سكانه ، صدقها زوجها سعيد مهران ، وراح للتنفيذ ، كي يلقى عليه القبض بعد التبليغ عنه من طرف صديقه ، ومن هنا بدأت المعاناة مع الخيانة ومكابدة التفكير في الثأر والانتقام ، ممن سيشكلون أمامه الصورة الأولى للكلاب بالمعنى القدحي، لما يمثلونه من خداع ومكر وضرب لأعمق القيم التي لا يمكن أن يتنازل عنها حتى اللص في مستوى سعيد مهران ، و مما يزيد في عمق الجرح ، عجزه عن التواصل مع ابنته '' سناء'' التي أنكرته ببراءة ورفضت حتى مصافحته في لقاء بالبيت القديم، مشحون بالانفعالات في حضور الغفير وبعض الجيران. تتأكد لديه ، فلا يجد وجهة غير الشيخ الجنيدي صديق أبيه ، يكاشفه بحزن الصدمة ، قبل البحث عن اسم كان يعرفه أيام العمل ببيت الطلبة ، توصل إلى أنه صار محررا في جريدة ، يتذكر جيدا كيف كان رؤوف علوان ، مدافعا عنه لتبرئته من تهمة سرقة الساعة ، رغم أن سعيد اعترف له بظروف حاجته إليها ، بل يتذكر بالتفصيل ، ما أقنعه به لتبرير ما أقدم عليه من فعل السرقة ، ما دام الأمر يتعلق باسترجاع حق الفقراء من أيدي الأغنياء ، لقد كان رؤوف علوان مرجع سعيد مهران في الوعي الذي تشكل لديه فأصبح لصا ، لكنه ليس كسائر اللصوص''الحرامية''. بعد الفشل في لقائه بالجريدة ، يذهب سعيد مهران إلى السؤال عن صديقه في بيته ، يفاجأ بالنعيم الذي يعيش فيه ، كما يفاجأ بالتحول في شخصيته ، فالرجل ما عاد نفس الرجل الذي يحمل قيم الدفاع عن الكادحين ، وأمام الصدمة ، وبعد الخروج مهزوما بيده عشر جنيهات كأنها صدقة من رؤوف علوان ، تحركت في أعماق سعيد مهران مشاعر الغضب عليه , وتحولت لرغبة في الانتقام منه ، لكنه بعد انتظار الليل للعودة إلى بيته كي يسرقه ، سيجده له بالمرصاد ، فلا يسلمه للشرطة بعد استعطافه ، لكنه يزيد من تعميق جرحه بالإهابة والاحتقار ، مما سيولد لدى سعيد مهران ، حقدا جديدا على الواقع ، تجسده خيانة من مستوى آخر ، لكنه لا يختلف من حيث التأثير النفسي ، عن خيانة زوجته نبوية وصديقه عليش، لتبدأ رحلة السجن الكبير في واقع تحكمه خيانة القيم الاجتماعية والفكرية ، حيث الضحية في النهاية ، هذا الإنسان البسيط الذي صدق زوجته وصديقه كما صدق وآمن برؤوف علوان . من هذه الوضعية تحديدا ، يبدأ التحول ، إنها حالة مكتملة عناصر التحرك نحو الفعل ، بعدما تحققت فيها شروط الصراع في مواجهة إكراهات الظروف ، باتخاذ سعيد مهران موقع الذات إزاء موقع الموضوع الذي يمثله الواقع ،و بينما تشكل المرسِل من مجموع الدوافع المحركة للذات ، أصبح المرسَل إليه هو الرهان الذي يغامر فيه من أجل شرفه بتطهير الواقع / الموضوع ، أما ما يتصل بالذات من الأسباب المساعدة أو المعارضة ، لبلوغ وضعية النهاية مع التحول ، بعد وضعية البداية مع الحالة، فيكفي تتبع التفاصيل التي وظفها الكاتب على امتداد رحلة سعيد مهران من السجن إلى القبر، بين إصرار '' نور '' على انتشاله من الرغبة في الاستمرار ، بالعمل على الاستجابة لحاجاته وتوفير ما تعجز عنه سعيا لإرضائه ، وبين إصرار رؤوف علوان على التخلص من وجوده ، بالعمل على محاصرته ومطاردته ، بالبحث عن كل ما يسهل الإسراع بنفيه وموته .
يبحث سعيد مهران عن مسدس للدخول في مغامرة استعادة الحق في الحياة ، ممن سلبوه كيانه وكينونته، يلجأ أولا إلى البيت الذي يحتله الخائنان العشيقان ، يطرق الباب ، وما أن يستوى خيال الرجل المستعد لفتحه ، حتى يطلق سعيد مهران عيارات عليه ، ليكتشف بعد ذلك ، أنه قد قتل بريئا ، بعدما رحلت نبوية وابنتها مع زوجها الجديد إلى بيت آخر ، ولم يكن القتيل الضحية سوى الساكن الجديد لنفس البيت . يتجه سعيد مهران للانتقام هذه المرة من رؤوف علوان باغتياله ، لكنه يخطئ الهدف، إذ تبين أنه قد أطلق الرصاص على بواب رؤوف علوان فأرداه قتيلا، وتبدأ مطاردة الشرطة لسعيد مهران ، بعد إحكام الطوق عليه بتواطؤ علوان مع الأمن ، والذي توصل إلى عنوان نور من وصفة طبية كان سعيد مهران قد قدمها للصيدلي من أجل دواء لمغص مزمن تعاني منه نور، يضيق الخناق عليه فيتجه الى الشيخ ، لكنه يضطر لمتابعة فراره حتى آخر رمق، رافضا الاستسلام لنداءات الشرطة و توسلات ''نور''،
( وفي جنون صرخ : - ياكلاب ! و واصل إطلاق النار في جميع الجهات )
وما أن يظهر مشهرا سلاحه في الساحة تحت الأضواء الكاشفة ،حتى ينهال عليه وابل من الرصاص لينتهي قتيلا ، بينما بقيت'' نبوية'' مع عشيقها ''عليش سدرة''، ويبقى ''رؤوف علوان'' في خلفية الصورة يستمر في الحياة .
القوى الفاعلة : تستثير القارئ ظاهرة المقابلة بين شخصيات الرواية ، انسجاما مع تقابل التيمات المهيمنة على دلالاتها العامة ، حتى ليبدو كأن نجيب محفوظ يمرر من خلال شخوصه المنتقاة بعناية ، جملة من الصور الذهنية المتصلة بحمولة وعيه عن الواقع الكائن وما يمكن أن يكون عليه، باعتبار تلك الشخوص نماذج اجتماعية تعبر عن مواقف وقضايا المجتمع في صيرورته.
فمن جهة ، نجد سعيد مهران ونور والعتر و الشيخ الجنيدي و طرزان ، ممثلين بقوة لحالات البساطة والبراءة والصدق والنظرة الإنسانية بمشاعر التعاطف والتألف على خلفية علاقة تنطلق من قيم الوفاء والحب والصداقة والتناصح ، و من جهة أخرى ، نجد نبوية و عليش ورؤوف علوان، مجسدين بنفس القوة لحالات التراجع والخيانة والخيانة والمكر والنظرة الحسابية للمصالح الذاتية في بعدها المادي الضيق .
وقد ينسحب هذا التقابل بين القوى الفاعلة على الواقع ، باعتبار ما كان يعيشه من تحولات ، انتهت إلى وضعية كارثية على مستوى القيم ، وتراجيدية على مستوى السلوك الفردي ، في غياب ضوابط التحكم الموضوعية ، والتي تخفي وراءها فقدان التوازن بين رغبات الناس وإكراهات الواقع .
بوقفة أولية مع الشخوص الروائية في ''اللص والكلاب''، يمكن ملاحظة ظاهرتين بارزتين ، أولاهما متصلة بالظهور والاختفاء ، وثانيهما مرتبطة بما يمكن أن تحيل عليه دلالة أسمائها ، فبينما يظهر '' سعيد مهران'' منذ البداية ، ليستمر في الحضور المكثف كشخصية محورية ، يطفو وجود ''نور'' و''رؤوف علوان''برمزيتهما في مسار الرواية ، لمسايرة جل التحولات التي يعيشها '' سعيد مهران'' حتى آخر لحظة من حياته ، وفي المقابل ، نجد اختفاءا سريعا لكثير من الشخصيات رغم تأثيرها القوي في تنامي الأحداث ، لعل أبرزها شخصيتا '' نبوية'' و''عليش'' ومعهما ''سناء'' ابنة ''مهران''، بعد تغيير سكناهم خوفا من انتقام الجريح في وجدانه العاطفي، ويمكن أن يلحق بهم العتر رفيق الزنزانة أو الصيدلاني، بينما ظلت الجارة ''طاهرة'' و المعلم ''طرزان'' و'' الشيخ الجنيدي'' ضمن الذين تواصل وجودهم متأرجحين بين الظهور والاختفاء ، وهي ظاهرة تثري الأسئلة حول أبعاد الظهور والاختفاء لتلك الشخصيات ، فيما يمكن أن تكون له صلة باختيار مسبق للمؤلف، كالإيحاء والدلالة على ما يمكن للقارئ أن يشارك به في الاحتفال بالمشهد الروائي كرسائل مشفرة .
أما الظاهرة الثانية ، والمتعلقة بأسماء تلك الشخصيات ، على افتراض وجود نية مسبقة في اختيارها ، فيمكن رصدها من خلال نماذج موحية بدلالات متصلة بالرواية، حتى لتكاد أن تبدو أقرب إلى التمثيل بالمطابقة أو بالمخالفة ، فسعيد مهران لم يكن بشقه الأول سعيداً ، ولا كان بشقه الثاني موفقا فيما سعى إلى التمهر فيه ، بل ظل تعيسا تتراكم عليه الأزمات ، بقدر ما ظل فاشلا بعجزه عن بلوغ أبسط رغباته في الانتقام ، حين أخذ رصاصه يصيب الأبرياء دون الظلمة ممن انتهى إلى وصفهم بالكلاب .
ولم يكن لرؤوف علوان شيء يمكن أن يتصل باسمه المركب ، فلا هو مثل الرأفة المعبر عنها في اسمه بصيغة المبالغة ، ولا هو بلغ السمو المطلوب في علوان المزيد بألف ونون لمفرد العلو ، بل مثل في الرواية كل ما يناقض القيم التي يحيل عليها اسمه ، من وضاعة وانتهازية و وصولية .
أما الأسماء المفردة للأعلام في الرواية ، فبعضها متصل بمعانيها العامة ، كطرزان والجنيدي وطاهرة ، إذا تحيل في الرواية على الفتوة والصوفية والبراءة على الترتيب ، بينما تقبل الأسماء الأخرى إمكانية الربط بينها وبين دلالاتها ، فنور التي صاحبت سعيد مهران على امتداد تطور الأحداث ، ظلت تجسد النقطة المضيئة في حياته إلى أن أغمض عينيه بين يديها، بالرغم من وضعيتها القاسية اجتماعيا كفتاة يحضنها الليل كي تجد ما تعيل به نفسها في النهار ، ونبوية الزوجة الخائنة ، لم تحمل من معنى النبوة في بعدها الديني أي شيء ، ربما كانت أقرب إلى النبو بمعنى الابتعاد والانفصال ..
لا شك أن تلك الشخصيات كمكون حيوي من مكونات النص السردي ، لا يمكن أن تحيل على إيحاء أو معنى خارج سياقها الروائي ، لأن وجودها ضمن علاقات متشابكة يطبعها الاتصال حينا والانفصال حينا آخر ، وحده الكفيل بمنح تعد القراءات التأويلية لرمزيتها ، في ضوء تنامي الحركة الداخلية للنص ، والتي ظلت محكومة بالتجاذبات الثنائية على التناقض أو التكامل ، بين مظاهر سلوكيات تلك القوى الفاعلة .
الزمان والمكان : يبدو أن انشغال نجيب محفوظ بالهاجس الوجودي في روايته ''اللص والكلاب'' ، قد أجل اهتمامه بالتفاصيل الزمكانية ، رغم إحالتها الظاهرة على الواقع المصري في حقبة معينة ، بحكم انطلاقها في الأصل من حادثة واقعية كما يتحدث عنها المؤرخون لعالم الجريمة في مصر، وقد هيمن الليل بعالمه السفلي على جل أطوار التطور الحدثي فيها ، فاتخذ الظلام بعدا إيحائيا وثيق الصلة بالاكتئاب الداخلي ومعاناة الاختناق اللتين عاشاهما سعيد مهران ، بينما تنوعت الأمكنة بين البيت والزنزانة والجامع والمقهى ، كفضاءات إيواء أو محطات للعبور من حدث لآخر ، دون الشعور بأبعاد حمولتها أو تأثيرها البين في مسار تلك التحولات ، رغم ما يؤشر عليه بعضها كتواضع بيت نور أو فخامة فيلا رؤوف علوان أو نقاء جامع الجنيدي ، ولعل ذلك راجع كما قيل ، إلة اهتمام الكاتب بالقضايا والتيمات التي اشتغل عليها ارتباطا بحركة الشخصيات في وجودها الاجتماعي والنفسي .
الحوار : بالرغم من الطابع الدرامي للحدثية في الرواية ، والذي تحكم في الحوارات الثنائية بين مختلف الشخصيات سلبا أو إيجابا ، فقد كان للحوار الداخلي حضور قوي على مستوى سعيد مهران خاصة ، إذ كان وسيلة استرجاعية لاستعادة الماضي الذي عاشه سعيد مهران قبل دخوله إلى السجن، و بالتالي قدم معرفة مطبوعة بالصدق مع الذات ، حول ما ظل يعتبره خلفية لمأساته الاجتماعية والنفسية ، وتبريرا موضوعيا لما شغله من أمر التفكير في الثأر والانتقام لوجوده الذي هشمه الغدر والخيانة ، فأودى به إلى التمزق والعجز عن التواصل مع ذلك العالم الموبوء . الرؤية السردية : تهيمن على رواية نجيب محفوظ ''اللص والكلاب'' ، تلك الرؤية السردية من الخارج / الخلف ، بدلالة مواصلة الحكي اعتمادا على ضمير الغائب ، فيما لم يكن حوارا يتجاذبه المتكلم والمخاطب ، وكأن الكاتب تقصد نطق الشخصيات وحركة الأحداث وفق منطقها الداخلي ، باعتبارها استجابات طبيعية لمؤثرات موضوعية ، رغم ما يمكن أن يظهره السرد من علم مسبق ومعرفة جاهزة بمصائر التحولات المتعاقبة بعلاقات سببية واضحة ، كأننا بالكاتب يمرر عبر الإيهام بالواقع رؤيته للعالم ، وما يعتمل بفكره و وجدانه من مواقف نقدية وانتقادية لذلك الواقع ، بما يعانيه من اختلالات ، لا تؤشر على أفق مشرق في ظل التفاوت الطبقي أو التناقضات والمفارقات في القيم التي باتت تقوم عليها العلاقات بين الأفراد داخل المجمتع الواحد .
الأسلوب : وإذا تجاوزنا الأساليب السردية المعتمدة في اللص والكلاب بين السرد والوصف والحوار ، إلى التعبيرات اللغوية التي وظفها نجيب محفوظ ، يمكن أن يلاحظ القارئ اهتمامه بتلك اللغة التصويرية المتراوحة بين هيمنة الفصحى على السرد والوصف ، و حضور العامية المصرية في الحوارات الثنائية خاصة ، ذلك أن الكاتب في وضعية السارد ، يسعى إلى تمثل المواقف بصيغتها ولغتها التشخيصية الواقعية ، من خلال الحرص على توظيف المعجم المتداول في الخطاب اليومي ، واستعمال الجمل القصيرة انسجاما مع تقتضيه المقامات ، دونما حاجة للإغراق في التوسع التعبيري من أجل جماليات أسلوبية .
خروج : لم تحاول تلك القراءة الأولية لرواية ''اللص والكلاب'' ، فحص وتحليل مكوناتها على هدى منهج محدد وصارم ، بل اعتمدت على الاستفادة من العام في المناهج المتداولة بخصوص النص السردي ، والدافع دائما ، اتجاه المعالجة إلى الصف التعليمي في مستوى الثانوي التأهيلي ، باعتبار الكتاب ضمن مؤلفات تلامذة البكالوريا ، وإلا لو كان المجال غير المجال ، فقد كان ممكنا استغراق القراءة لكل الجوانب المتصلة بالرواية من الداخل قبل إحالتها على المقارنة بما يرتبط بها في نفس السياق ، سواء من خلال تجربة نجيب محفوظ نفسه ، أو من خلال تجارب الروائيين العرب المعاصرين له .
*****************
*( جورج طرابيشي : في حوار معه:مجلة"دراسات أدبيةلسانيةع3
1988 ص : 11 )