من موت المؤلف إلى موت القارئ ؟ - حسن الرموتي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasseهل نشهد موت الكتاب قريبا ؟
 مع  رولان  بارط  كأحد  رموز و رواد النقد  البنيوي  سيمنح  للنص  استقلالا  تاما ،  و ذلك عندما أعلن  في مقالته الشهيرة سنة - 1968-  موت الكاتب، أي عدم التركيز على المؤلف ، أوالقصد من النص ، مادام الكاتب  ليس موجودا  بيننا ،  بل  يذهب رولان  بارط  إلى أن  بمجرد أن تتم  طباعة العمل  يفقد الكاتب صلته بالنص ، ولا يصبح  مالكا له ، ولا يتمتع  بأي  حقـوق  فكرية 1. فقد نزع بارت سمة القدسية التي كانت تضفى على المؤلف ولم تعد قيمة النص ترجع إلى عبقرية المبدع بل حلت  السمة التي  تطبع العمل محل الكاتب  ، موت الكاتب عند بارت  سيؤدي   بالضرورة  إلى ميلاد طرف آخر في هذه  المعادلة وهو القارئ  أو الناقد والذي ستصبح  له الحرية  الكاملة  ليستبيح  النص  و يفعل  به ما يشاء ، مادام مبدع  النص هو خارج هذه المعادلة.  و إذا كان النص يظل في ذهن المؤلف بإعتباره أول قارئ  له و ناقد ، فإنه  يتحول إلى ذهن القارئ  و بأشكال  مختلفة تماما ،  ذلك أن الاهتمام  بالمؤلف أو  بالنص لم  يعد هو الأساس كما هو الحال عند رواد نظرية التلقي بل  إن الاهتمام بالقارئ  و شروط القراءة هو ما يهمنا أولا و أخيرا ،هذا القارئ   – أي قارئ - و في أي  عصر يعطي  للنص  تفسيرا أو تفسيرات لا حدود لها  مادام  ليست هناك  مقاييس  يمكن الرجوع  إليها  ليشترشد بها  هذا القارئ ، فقد  أدى هذا الوضع إلى أن النصوص أصبحت  تحتمل أي معنى و لا معنى 2.   فأصبح  بذلك القارئ  أو الناقد هو المبدع الحقيقي ،  يبتدع  معان داخل النص دون أن  يتقيد  بشروط  معينة ،  بذلك غدا هو العنصر الأساس  مادام النص في إدراكه لا يوجد إلا داخل  وعي القارئ ، من  هنا  كان هـذا الاهتمام  بالقارئ  وحده ضربة  موجعة للنص  نفسه ،  و القارئ  نفسه  في  تفسيره  لهذا النص  يصبح هو المبدع  لمعان  جديدة ،  يقدم  نسخته الممكنة  في التفسير ،  نسخته  تتحكم  فيها  سياقات  تاريخية  وإجتماعية  و ثقافية  تختلف  عن  سياقات الآخرين 3   وقد أشار عبد الفتاح كليطو  إلى  ذلك  .«..فالقارئ  يقرأ النص انطلاقا  من إهتمامات  تخصه أو الجماعة التي  ينتمي  إليها ، القارئ   يهدف دائما  إلى غرض... يسعى إلى إثباته .. . »  4  هكذا  تصبح  علاقة  القارئ   بالنص علاقة  متينة  ،  يطبعها  التوحد ، علاقة  متداخلة  يصعب  التمييز بين  الطرفين ،  فيغدو بذلك  القارئ  هو النص ،  و النص هو القارئ ، ومن خلال هذا الانصهار و الذوبان ، أي  ذوبان  كل منهما داخل الآخر  ، هو ما عبر عنه  بارت  بلذة  النص ، أي  متعة  القراءة  و ذلك  من خلال  انتهاك  النص و إفتضاض  بكارته  ،  و ذلك ليس  بالأمر الهين  «...أن  تمارس الكتابة  هو أن  تموت  لنفسك  و لذاتك ، و أن تما رس القراءة  هو أن  تقبل أن  يأخذك الكاتب إلى  شواطئ  المتعــة و الموت...» 5 .
 فالقراءة; بهذا  المعنى هي القراءة  الواعية و التي ترتبط  باستعداد هذا القارئ ،هذا الإستعداد  تحكمه شروط الثقافة ،  شروط الزمان  و المكان ، و مادام  النص  يكتسب  قيمته من  هذه الشروط  ،  فالقارئ  من  هذا المنطلق  يقتحم  النص ،  و الذي  قد  يبدو أول  الأمر مغلقا ،  لكن ما فتىء  يكشف عن  مفاتنه و عوالمه و عمق  تفاعله مع الأنساق الأخرى ، لأن في نهاية المطاف لا يملك  فقط  خصائص ما يطرحه من معان أو تيمات التي تشكل  بنيته «... بل يقدم لنا ويخلق أمامنا شروطا للإدراك... » 6  وذلك ما يدفع القارئ  أثناء  قراءته  للنص إلى  طرح أسئلة  كثيرة  يبحث عن الجواب عنها  من  النص ، و أحيانا  يمارس  تعسفا  على  النص ، حيث  يلجأ إلى  بتره أو قطع أجزاء  منه  و جذب  أجزاء أخرى  تتسم  مع التأويل الذي  يسعى إليه 7  بخلاف أن  النص هو كيان  مس تقل و شامل لا يمكن أن  ندرك عـوالـمه  وبنيته  الكاملة إلا من  خلال  كل عناصره المشكلة له ، و القارئ  – الناقد -  عليه  أن  يـدخـل معه  في  تفاعل  و حوار و إنصهار ، إذ  ليست  هناك عناصر فرعية و أخرى  أساسية في النص.  لكن عن أي قراءة نتحدث ؟ وعن أي قارئ ؟   القراءة  ليست  لعبة مجانية ،  ليست هواية  نلجأ  إليها  في لحظا  معينة ،  أثناء  السفر ، أو نحن نشاهد التلفاز ، القراءة  نشاط  ذهني  واع  ، إنها  قراءة  من  يبحث على السمو و الخلاص  إنها قراءة; من  يحاول إعاد ة بناء  الواقع بالحلم ، أو تجسيد  الحلم في الواقع ،  لذلك  تختلف  القراءة  من  شخص إلى آخر ، هذا  الاختلاف  يعود  إلى القارئ  و درجة  وعيه  بالقراءة – أي  بالنص المقروء - إن القراءة فعل واع ، متأن ، مصغ ، قراءة متيم و متأمل و عاشق للنص إنها القراءة التي  تغير الذات ، التي لاتستسلم  للنص ،  بل  تدخل  معه في حوار،  باحثة عن مفاتنه ، عن  تميزه  ، عن  دلالاته  المتعددة ، و تأويلاته ألا نهائية ،  عبر مختلف العـصـور ذلك هو سر خلود الأثر الأدبي  . أما مفهوم القراءة عند رولان  بـارت يتخذ شكلا مميزا  « ... القراءة  وحدها  تعشق الأثر الأدبي و أن  نق يم  معه علاقة  شـهوة  فأن  نقرأ معناه أن  نشتهي الأثر ، و أن نرغب  أن نكونه  8     إن مفهموم النـشـوة  هي ما عبر عنه  بلذة  النص التي أشرنا  إلي ها  و هو تعبير جعله رولان  بارط  عنوانا لأحد كتبه المهمة و الذي  صدر سنة - 1973 -  معتبرا بذلك القراءة هي العنصر الذي  يساعـد القارئ  على القيام  بدور فعلي  إيجابي ،  من  خلال  هذا العشق الذي ينشأ  بين  الطرفين . إن  القراءة  من  هذا المنطلق   ليست  فعلا  بسيطا ،  ليست  فعلا  بصريا ،  و ليست عملية  تلـقي  الخطاب  كأن النص  حدد نهائيا ،  بل  إنها  أشبه  بقراءة  الحكماء  للعالم  من خلال التأمل و النظرة الثاقبة و البحث عن المسالك المؤدية للمعرفة .
 إذا كان هذا هو موقف بعض النقاد من القراءة ، فعن أي قارئ نتحدث ؟
إن انتقال  سلطة النص في النقد الحديث إلى سلطة القارئ ، و اهتمام النقاد  بالمتلقي  أصبحنا أمام سيل من المفاهيم  و المصطلحات  تصف هذا القارئ  بمسميات  مختلفة ،  و هذا شـيء  طبيعي ،  أولا بسبب  اختلاف القراء أنفسهم ، و درجة و عيهم   بالقراءة  و بالأثر الأدبي من  جهة ، و من جهة  أخرى هو هذا التعدد  في  الترجمات . وقد أحصى الدكتور محمد  المتقن أكثر من  عشرين اسما مثل  : الخبير ، الحقيقي  ، الناقد ، المؤهل  ، المقصود ، الافتراضي ، المعاصر ، الأصلي  ، المثالي.... 9  والواقع أن  أغلب هذه  المفاهيم هي  مسميات  لمسمى  واحد ،  ذلك  أن القارئ الأصيل  ،الخبير النموذجي أو ما شئت من الأسماء  يبقى هو القادر على إفتضاض بكارات النص ، و إعادة  بنائه مرات متعددة و قراءة  دلالاته  اللفظية و النصية  بصيغ مختلفة ، و يمكن وصفه بقائد أوركسترا يقود  فرقة موسيقية  تعزف  كل مرة  أنغاما جديدة .  إنه  يبعث  في النص  ليس عن حياة واحدة  بل  حيوات ،  يملأ فرغاته ،  مادامت حياة النص  تشبـه إلى  حد  كبير حياة  القارئ- ، ففي كل  منها فراغات و عوالم  خفية ، وعلى كل  واحد أن يكمل الآخر في درجة  من التماهي...  لكن مع الدراسات النقدية الجديدة بدأنا نرى تحولا كبيرا يتجلى في سحب  البساط من القارئ و إعلان موته من خلال أعادة الاعتبار إلى النص ليس من منظور النقد الأدبي لكن من منطلق النقد الثقافي دون إلغاء ما حققته البنيوية و التفكيكية و غيرها من الاتجاهات النقدية ،فالنقد الثقافي ينطلق من أن النص هو نظام يبحث عن ما هو كامن  داخل النص  من انساق ثقافية . لأن النص هو في النهاية إنتاج  للسلطة و المعرفة و بالتالي ضرورة البحث عن العلاقة  ـ بين المعرفة والسلطة ، فالنص لم يعد مستقلا بذاته  بل انه يعكس أنماطا و أشكالا من المعرفة  الخفية هي التي يسعى النقد الثقافي الكشف عنها، هذا هو الخلاف بين النقد الأدبي البنيوي و النقد الثقافي الجديد،  أي الكشف عن الأنساق الثقافية  و المعرفية و الإيديولوجية داخل الخطاب ،و بالتالي  فالنقد الثقافي يدرس النص ليس من الناحية الفنية بل من حيث علاقته بالمؤثرات المعرفية التي ترتبط به ، أي الكشف عن الخطاب الثقافي بعد تحليله و تشريحه من الناحية الجمالية و النصية متناولا الأنساق الثقافية في النص و تفاعله معها، وأكيد أن العملية معقدة ومركبة  لأن القارئ لا يملك آليات الاشتغال، ثم هذا التداخل بين فعل القراءة و الرصيد المعرفي للمتلقي ، و النقد  الثقافي يسعى إلى تفسير النص انطلاقا من الثقافة التي أنتجته و الكامنة فيه ويجب الكشف عنها و تشريح النص أمام معارف متعددة و علاق ة ذلك بالأجناس الثقافية و العلوم المختلفة . وقد سعى أصحاب النقد الثقافي باختلاف اتجاهاتهم إلى العودة إلى النص و إعادة الاعتبار إليه مع ربطه كخطاب أو رسالة – أى النص – مع الخطابات الثقافية الأخرى غير الأدبية المرتبطة بالبنية الفوقية  و التحتية للمجتمع من هنا يبرز هذا الارتباط بين النقد الثقافي و الاتجاهات الماركسية و اليسارية  و إن كان الأمر لا يتخذ سمة الوضوح لذلك أصبح النص  خطابا تكمن في أعماقه القيم الإيديولوجية  و الثقافية و السياسية و الاجتماعية المهيمنة  هكذا جاء النقد الثقافي  كرد فعل ضد فوضى إستراتجية التفكيك  أي ضد التيه النقدي 10 . هل نحن الآن أمام اتجاه نقدي يسعى إلى موت القارئ  و لمن ستصبح السلطة ؟ إن حيوية الفكر النقدي المنفتح  على العقل و عبر مراحل تطوره أعلن موت الإله و لتعلن الفلسفة بعد  ذلك موت الإنسان ، و مع البنيوية في أوج  ازدهارها ستعلن موت المؤلف ليجد القارئ اليوم نفسه و قد سحب البساط من تحت قدميه ، ليس لصالح  النص و لكن  لصالح الثقافة و المؤسسة التي  انتجته ، لكن تمة سؤال آخر من حقنا أن نطرحه ، بكل بساطة هل  في المستقبل القريب سنشهد نهاية  الكتاب الورقي ، و نعلن بذلك موته ، إن التقدم الإكتروني الذي نشهده اليوم ، و هذه الشبكة العنكبوتية  التي تطاردنا ، و سهولة التعامل معها و ما تمنحه من آفاق معرفية ، ثم كتاب النيت الذي يبشر ولا  شك  بنهاية حياة الكتاب الورقي ، ويصبح فقط مجرد تحفة تزين خزائننا ؟ أكيد أن الأمر يتطلب وقفة للتأمل في   ظل ارتفاع نسبة الأميين في العالم العربي ، و هذا العزوف عن القراءة ...بل تدني نسبتها أصلا و ضعف المستوى  المعرفي للطلبة ، كل ذلك يبشر بأن موت الكتاب سيكون اختراعيا عربيا إ
 
ذ    حسن الرموتي – المغرب -الصويرة
                                               
 هوامش البحث
 
- عالم المعرفة  مدخل إلى النقد الأدبي   جماعة من الكتاب عدد221 / ماي 1997 / ص209                   
1- د أحمد أبو زيد احمد أبو زيد  عالم الفكر المجلد/16 العدد 4 ينايرفبراير مارس  1986 ص 21
-2- دفاعا عن الخيال   د  نور شريف عالم الفكر المجلد 16 / العدد4 /1986 ص 298
3-  عبد العزيز حمودة     الخروج من التيه عالم المعرفة ع 298 نوفمبر /2003 ص 128
4- عبد الفتاح كليطو المنهجية في الآداب و العلوم الإنسانية ،  مشترك  دار توبقال للنشر
الطبعة 3 / 2001 ص 19
5 محمد الزاهيري    فكر الاختلاف و كتابة الجسد  الثقافة الجديدة العدد 29/السنة 7 /1983 ص 53 –
6 مجلة  نقد و فكر ع 13 السنة الثانية 1998 ص 125
7- عبد الفتاح كليطو المرجع السابق   ص 207-  مجلة  نقد و فكر ع 13 السنة الثانية 1998 10-
8رولان بارط النقد و الحقيقة ترجمة ابراهيم الخطيب مجلة الكرمل ع 11 1984 ص26
9- د محمد المتقن   عالم الفكر المجلد 33 العدد2  ص 23
 10 عبد العزيز حمودة الخروج من التيه نفسه   ص351


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة