البنية الإيقاعية في شعر ممدوح عدوان - د- امحمد برغوت

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

ممدوح عدوانيعتبر الإنتاج الحديث للشعر العربي المعاصر، والمتمثل في شعر الرواد (شعر الخمسينيات): السياب – البياتي- نازك الملائكة... هو الانطلاقة التجريبية الأولى التي تأكدت معها – فيما بعد- المبادئ القاعدية لتحويل الشكل الشعري للقصيدة وبنيتها الإيقاعية والذي سيبلغ مداه وأبعاده العميقة في شعر الستينيات الذي استوعب مجموعة من العلائق المنطقية التي أصبحت القصيدة تتدرج في إطارها، بفعل التطور الفكري والفني الذي خضعت له القصيدة العربية الحديثة، وذلك تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية؛ إذ تلاشت الوظيفة الأفقية للبيت الشعري داخل عملية تكييف حديثة لحركة الحداثة التي مثلها: أدونيس ويوسف الخال- على وجه الخصوص  ومجلة "شعر " ومريدوها – على العموم-، وحلت محلها نظرة جديدة تزاوج بين ما هو أفقي وما هو عمودي على نحو تناغمي منسجم، معتبرة أن العملية الإبداعية على مستوى الشعر: "عقدة عضوية " تتقاطع فيها جميع المظاهر الشكلية والمضمونية، حيث يكمل بعضها البعض.
" ومع تلاشي الوظيفة الأفقية للبيت الشعري في صيغته التقليدية، واعتماد البيت الوحيد البنية؛ سادت إرادة الابتعاد عن الانتظام الهندسي للزخرفة الشعرية الاتباعية، بهدف الحصول على حرية إيقاعية، وكذلك – وهذا هو الأهم – على حرية في البناء الشعري."1
وعلى هذا الأساس، أصبح للشاعر كامل الحرية في إطالة الإيقاع أو اختصاره، تبعا لإرادته ودفقته الشعرية وذوقه وحاجته، متمتعا من ناحية أخرى بحرية اختيار القافية التي يختتم بها أبياته.


إن البيت الشعري هنا، لا ينهض بدور الترابط التلاحقي أو التواصل الأفقي كما كان في الشعر الاتباعي، وإنما أصبح ينزع إلى تشكيل وحدة بنائية متغيرة ومتعددة الأشكال ملتحمة بالمجموع المعماري على المستوى التشكيلي من جهة، والوظيفي من جهة أخرى.
ومن هنا أمكن القول: إن الأساس الموسيقي هو الذي يفرض نفسه على كل من يريد رصد حركة تطور الشعر الحديث. ولعل أهم عنصر موسيقي أوجدته الثورة الحديثة في الشعر العربي؛ هو طابع المرونة العروضية التي أضحت شكلا من أشكال وعي الشاعر وتجربته، وملمحا من ملامح الوحدة العضوية بين الشكل والمضمون.
إن المضمون هنا أصبح يفرض نفسه على الشكل، ومن ثم قد تطول الأسطر الشعرية أو قد تقصر، وتتنوع البحور الشعرية تبعا لتنوع المضمون وتحوله – حتى داخل القصيدة الواحدة-، والشاعر هنا لا يمكن أن يتنبأ بالشكل الأخير لقصيدته إلا بعد انتهائه منها.
وقد بدأت في الشعر العربي الحديث، ظواهر عروضية جديدة في أوائل الستينيات أكثر وتطرفا من تلك التي عرفها شعر الرواد في الخمسينيات. فإذا كان الرائدان العراقيان: بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، قد استفادا من القرابة القائمة بين الأوزان المختلفة ليسهما في إضفاء صبغة تعددية على النسيج الإيقاعي للنص؛ فإن مراحل أخرى أكثر خطورة وجرأة في تجاوز الوزن قد تم اجتيازها في الإنتاج الشعري اللاحق، وخصوصا في أعمال تجمع "شعر" ثم في أعمال الشعراء الشباب بعد ذلك، إذ توصل بعضهم – سواء بدافع من عدم الاكتراث، أو بهاجس تحرير القصيدة العربية وإثرائها موسيقيا – إلى بلوغ آفاق جديدة من البحث والتجريد.
ولعل ذلك راجع في الحالتين معا إلى تنوع مصادر القصيدة الحديثة؛ إذ أنها نابعة من أكثر من مصدر، فهناك الوعي واللاوعي، والمنطق واللامنطق والحلم واليقظة، والتداعي...الخ
وهذا التنوع في المصادر هو الذي أصبح يربط بين أجزاء القصيدة، الشيء الذي ينتح عنه تعدد مواز له في الأنغام والموسيقى.
ويشرح نزار قباني علاقة القصيدة الحديثة بالحركات الإيقاعية المتنوعة بقوله: "إن ذوقنا الموسيقي تطور ونما وتأثر إلى حد بعيد بالبناء السمفوني المركب في الموسيقى الأوروبية، وبالأصوات الحادة الممتزجة التي نسمعها كل يوم، كموسيقى الجاز والبوق والصنوج النحاسية. لقد تجاوزنا مرحلة (ربابة الراعي) بإيقاعها البسيط إلى مرحلة البناء الموسيقي المتداخل، وانتهت في حياتنا مرحلة (القصيدة العصماء) بأبياتها المائة، تجلد أعصابنا بقواف نحاسية مرصوصة كأسنان المشط."2
إن هذا العنصر الموسيقي الحديث في الشعر مرتبط ارتباطا حميميا بالإيقاع الداخلي لأحاسيس الشعراء، وهذا ما دفع الدارسين إلى البحث عن اسم جديد لهذا الشعر أكثر تعبيرا عن خاصيته الموسيقية، فهناك من أطلق عليه الشعر الحر، وآخرون أطلقوا عليه شعر التفعيلة، وثلة أخرى سمته بالشعر المنطلق .... إلى غيرها من الأسماء.
ويكشف إنتاج ممدوح عدوان الشعري عن المسافة الواضحة التي قطعها بالقياس إلى شعر الرواد، إذ قطعت قصيدته خطوات في مجال الإفادة من النظريات الموسيقية في الشعر الحديث، ومن التجديد العروضي الذي تمثل في التحرر من القيود الصارمة لأبحر الخليل بن أحمد الفراهيدي والخروج عنها- خصوصا في مجموعاته الشعرية الأخيرة – محققا بذلك صدقا موسيقيا أكبر مواز لصدق التجربة الشعرية.
وللوقوف على الملامح الأساسية، والقوانين التي تؤطر تجربة ممدوح عدوان الإيقاعية، واستخلاص أهم مظاهرها، سأتبع خطوات تتصدى بالتولي للعناصر التالية:
1- البحور الشعرية.
2- السطر الشعري.
3- القافية.
1- البحور الشعرية: من الأوزان التقليدية إلى أوزان حرة بسيطة: وقد ارتأيت أن اعتمد في هذا المبحث على إحصائيات لكيفية تعامل ممدوح عدوان مع البحور الشعرية، من خلال عملية مسح شاملة لمتنه الشعري، مبرزا بعد ذلك الظواهر العامة اللافتة للانتباه.
انقر هـــــــنــــــــا لتحميل الموضوع كاملا

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة