(( في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى الإرتواء،إلى التخلص من عنت الحياة ورتابتها، يكون الشعر هو الملاذ والملجأ...)).
شبـه تقديـم:
إذا كانت لغة الضاد الرشيقة حروفها الثمانية والعشرون قد تميزت بكل صورها وإيقاعاتها وجمالية رسمها، فإن لـ: " بوعلام دخيسي"[1]، " الحرف الثامن"[2] الذي أفرده لجملة من النصوص الشعرية عددها 37 نصا.
تناسلت الحروف تِباعاً مُعلنة عن خلخلة شعرية، ليُباغثنا "الحرف الثامن" وهو الإبداع الشعري الثاني للشاعر.
الحرف الثامن هو العنوان الذي وَسَم به الشاعر نِتَاجَه الإبداعي،وقد جاء عبارة عن مركب إسمي( صفة وموصوف) متبوعا بنقط الحذف التي تختزل ثغرات سكت عنها الشاعر أو تركها قصدا للمتلقي لتيولَّى مسؤولية تأويلها انطلاقا من قراءاته الواعية، والحرف إذا ما عُدنا إلى لسان العرب"لابن منظور"ج.حروف و أحرف، والحرف لغة : طرف كل شيء وشفيرهُ وحَدُّه، كما يعني أيضا اللغة واللهجة ومنه الحديث الشريف: " نزل القرآن على سبعة أحرف" ...،أما الثامن،فهي صفة عددية دالة على الترتيب محصورة بين العدد سبعة وتسعة ( تمييز عددي)...ولتلافي كل الغموض والمتاهة التي قد يخلقها العنوان لدى القارئ أرفقه الشاعر بصورة " أيقونة " لعازف على آلة موسيقية" القيتارة" ،ولعل انتقاء الشاعر لهاته الصورة تعبير منه عن موسيقية الحرف الشعري،الشيء الذي حذا بنا للتساؤول عن طبيعة العلاقة التي تربط العنوان بالصورة؟.
هو ولاريب الحرف الشعري ينْكتب موسيقى نُبْحر من خلالها عبر زورق اللغة الباذخة التي تتغلغل إلى أعماق الروح والوجدان لتستقر بها. فالشاعر يعزف على أوتار الحروف أنغاما عِذاباً..
والحرف الثامن إذن، يُعْلِنُ عن موجة الحروف التي سبقته،إذ يفسر أنه أتى بعد سبعة حروف موسيقية ليرسُم معالمه المائزة ويُحْفَرُ شعرا بهيا، إذ كما هو معلوم العلامات الموسيقية والأصوات الموسيقية تتكون من سبع علامات والصوت أو الحرف الثامن مكرر للصوت الأول: ( دو- ري- مي- فا- صول- لا- سي- دو)، أو ما يعرف أيضا بالأوكتاف، في حين الحرف الثامن ضمن الحروف الهجائية هو حرف" الدال" الذي يتميز بمجموعة من الخصائص والسمات، ولا غرو أن الشاعر ضمَّنَ ديوانه نصا بعنوان " أ ب ج د" ، وفي طيات أسطر القصيدة إشارة إلى مكانة حرف الدال إذ يقول في الصفحة 17:
تأخُذْ درْساً منْ دال
يُغْنيك عن الدُّون ِ
وكُلِّ دَنِيَّةْ
وبعيدا عن العنوان والأيقونة كعتبات نصية، يُصَدَّرُ الديوان بمقدمة لشاعر مقتدر تعجز حروفي البسيطة أن تخْتصره في كلمة " شاعر"، فهو الإنسان ،المثقف، والأديب المتفرد "الدكتور محمد علي الرباوي"،وعندما نقول محمد علي الرباوي تتلعثم ألسنتنا وتَخُونُنا المفرادات فنقف عاجزين في شبه شلل،لا لشيء إلا لفرادة هذا الإنسان وتواضعه.
بعد هذا التقديم نكون مُلْزَمِين بأنْ نُنْصِْتَ للغة القوافي التي تَتَضَوَّعُ بالحسن والبهاء.لِنُعانِقْ موج القصيد الذي يعبر عن مكنونات ذات الشاعر المتوارية خلف الكلمات غير آبهة بصعوبة المسالك، فإليكم بعضا من نبضه الذي اصطبغ بصبغة الحلم حينا وبصبغة الشجن حينا آخر فانساب وتدفق ليروي من ينبوعه الفيَّاض العطشى الذين تستهويهم الكلمة الشعرية.
// إبـاء //
التي مطلعها:
تُقاطعني القصيدة حين أكتبها
وتَسْاَلُـوني الرجـوع
اَعُود إلى الحروف أعُدُّها
أجْثـو على ألمي أُلَمْلِمُـهُ
إلى أن يقول.. في تتمة القصيدة:
تأبى حروفي أن أحَرِّفَ شكلها
تَأبى حروفي مثل صاحبها الخنــوع.
فالشاعر في هذا النص الشعري يتماهى مع القصيدة التي كتبها ،وكأنها شخص،فيُخاطِبُها ،ويعبر من خلالها عن إبائه وعدم خنوعه ،فالقصيدة تأبى التحريف، كما يأبى هو الإذعان والاستسلام. من هُنا يتبدَّى لنا بجلاء أن الشاعر والقصيدة كيان واحد غيرُ منفصم.
وفي قصيدة "استقالة شاعر"، يُعْلنُ الشاعر أنه اسْتقال الشعر،لم يَعُدْ راغبا فيه، يكفيه أن يُصْبح إنْسانا حيث يقـول:
مَزَّقْتُ قصيـدي
كسرت الريشة وكتبْتُ بياناً:
ما عُدْتُ لأرسم شِعرا ً
كُنْ أنْتَ كمَا ترْجُـو
كْنْ أنت الشاعـر
بُحْ بوحي وجروحي..
إلى أنْ يقول :
كُنْ أنْت الشاعر
واتْرُكْ لي أنْ أصْبِح إنْساناً.
وبعيدا عن الإستقالة الشعرية، يُغازل الشاعر صوت الحزن في قصائد عدة منها: لاَتَبْكي" وإلى ابنتها"
وفي نص آخر اجْترح له عنوان :" لكِ حين تَغِبين" ، نلْمسُ أن أن الموضوعة الطاغية هي الفَقْد،إذ تُشارك الشاعر كل الأشياء شعوره بالشوق والحنين جراء فقدانه لعزيز عليه، وكأن به يقول:
لَكِ حين تَغِبِين شَوْقُّ وحنين، وتعززت هذه الموضوعة/ التيمة في النص الشعري الموسوم بـ"عُدْ أبي" في الصفحات من 41 إلى 43 من الديوان.
وما بين الشعر العمودي والتفعيلي نَرْتحل بذائقتنا لِنُعانِقَ شِعراً، أو بالأحرى بَوْحاً تدَفِّق سلسبيلا،دونما إحساس بالضجر والغثيان،إذ الكثير من الأشعار تُصيبُنا أو لنَقلْ تخلق لدينا الوهم بالغثيان.
أما "استمارة عاشق" فتُغْوينا بالترحال والسفر في رحابها الظليلة وآفاقها الحالمة، إذ يَفْتَتِحُها الشاعر بقولــه:
- الاسم:
مذكور في كُتُب التاريخْ..
أحيانا أُدْعى قَيْساً وأُكَنِّى بـ " المجنون"
ويُتَرْجِمُني الآخر " روميو".
ويَنِمُّ هذا على حضور قاموس العشق في الحرف الثامن من خلال هاته المفردات:( عاشق،أحب،حبيب،هوايْ،العشق،حبيبي...الخ).
والعشق عند الشاعر مراتب ودرجات: عشق الطفل وعشْقُ القادر وحب الشيخ، ولكل عِشْقٍ ملامحه وخصوصياته.
وتتوزع أربع قصائد في شكل إهداءات وهي: " أريدك للنسيان " إهداء إلى الشاعر " الطيب هلو"، " نسيتُ العنوان" إهداء إلى الباحث د. محمد الدخيسي، و" دوار " إهداء إلى الشاعر" سامح درويش" ،و" حديث البحر" إهداء إلى الشاعر" سعيد ساجد الكرواني".
ويُسافر الشاعر بنا في شُطآن بَوْحِهِ المُتاخم لحنايا الروح، حينما يحلم بوطن مكتمل الصورة ،بيد أن حلمه لم يتحقق فغذا مجرد حلم وقصيد ترسمه فُرشاتُه ،وهذا ما تشي به قصيدة " الفرشـاة ".
وأنا أتجول بين لوحات الديوان أسرتني قصيدة " مع الله " التي تتوزع بين الصفحات 91 إلى 97 من الديوان.
وهي دعوة من الشاعر إلى الاستمساك بحبل الله ،لأنه السبيل الأوحد والأمثل لتحقق الصفاء والنقاء، والنأي بالنفس عن كل أسباب الكدر والشقاء،وهذا ما نستشفه من خلال قوله في الصفحة 97 من الديوان:
مع الله إِنْ أنْتَ رُمْتَ الصِّفا
وليس سوى الله
...غير الكدر
كما يُعْزي معايير الجمال والفن البديع الأصيل إلى عدم خدش الحياء بالتعرِّي، لأن جوهر وكُنْه الجمال الحق الاكتساء والسَّتر.
ويشير إلى أن تجليات الجمال والحُسْن تكمن في ما أبدعه البارئ سُبحانه من ملكوت:(السحائب،البحر،الجبال،السهول ،النجوم...الخ). وهذا ما يتأكد من خلال الأبيات الشعرية الآتيــة:
مع الله كان الجمال وما
يزال عَصِيِّا أصيل الدُّرر
ويطول سفرنا الماتع في حدائق الشعر الغنَّاء مع كل إطلالة نُبحر من خلالها في يم القصيد الذي يرتسم في غَنَج ودَلالٍ، ويجعلك تغتسل من أدران الكلمات الجوفاء التي تُمْطرنا بها سحابة الحياة اليومية.
ويَسْتشعر الشاعر بأنه كان وحيدا، بعيدا، شيئا زائدا، لطُغيان اللون الرمادي الذي يرْمزُ إلى الحياد في النص الشعري المُعَنْون بـ: " اللوحة" ص 67 من الديوان.
وبصيغة الأمر يفتتح الشاعر قصيدته:
" كُنْ حُلما "
كُنْ حلماً وكفـى
كُنء شِعْراً يتدفَّقْ
كُنْ ماءً وهواءً في هذا الموج الأزرق
فهو فقط يرنو لأن يصير حلما،شعرا ينساب يتدفق، ويؤشر على أن الحلم يُصبح دونما معنى إِنْ صَدَرَهُ الصبح، فالصبح وأدٌ للحلم،قَتْلٌ له وما القتل هنا إلا قتل رمزي: ( عدم التحقق).
والإمتاع يتحقق أكثر فأكثر كلما غُصنا في دُرر القصائد التي ضمَّها ديوان" الحرف الثامن".
ويتحقق البعد الجمالي والدلالي من خلال ما يلي :
على المستوى الإيقاعي :
نجد أن الشاعر نظم بعض قصائده على بحر" الخبب " وهو من الأوزان المستدركة ،وصورته التفعيلية:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن // فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن، أو الصورة الأحدث له :
فعِلُن فَعِلُن فعلن فعلن // فعلن فعلن فعلن فعلن.
وما يَمِِيزُ هذا الوزن الذي أكثر الشعراء من ركوبه أنه إلى الإيقاع الجميل والرقة أمْيَل،وهو إلى الرقص والخفة والسرعة في الحركة أقْرب،وقد قال العروضيون أن تفاعيله تُحاكي وقع حوافر الخيل.
على المستوى الأسلوبي:
يَنْهض الأسلوب في هذا الديوان بوظيفة جمالية،إذ يجعلنا نقترب أكثر من الدلالة / الدلالات التي يتغيَّها الشاعر لكلماته/ لحروفه، ويبرز هذا في العديد من قصائده ،إذ أورد أساليب كثيرة ،كما في " أريدك للنسيان" الصفحات من 28 إلى 31.
إذ يحضر النهي " لاَ تَعْبُرني" ، الأمر " ارْحمني" " أمْسكْ طيفك" / النفي: " لمْ تُسْعفني/ لمْ أقْدِرْ...ناهيك عن التوسل بالتكرار كتلوين أسلوبي كذلك :
- حاولت أتَرْجِمُ نصوص اليونان
- حاولت أغَيِّرُ مفهومَ
الإنسان.
- حاولتُ أحِبُّك في صَمْت
لَمْ أقْدِرْ.
إلى أن يقول:
حاولت فكُنْتُ مُدَاناً..
فالشاعر من خلال هذه التنويعات الأسلوبية يُترجم لنا ما يختلج لواعجه من أحاسيس تتوزع بين روحين، روح الوَصْلِ وروح الهَجْر، وقد أعلن في بداية النص الشعري ص: 28 عن عاطفته، إذ قال: لا أتْقِنُ إلاَّ حُبَّكَ فاهْجُرْني...الخ.
إضافة إلى حضور أساليب أخرى كالاستفهام والنداء...والصور الشعرية كالتشبيه:" كَأنَّ فراشة
على الزهر تَهْفُو ..والمجاز نحو: طفل خرج الأمْسَ يقود حجارته/ ثوبك البُنِّيُّ يتلو بعض ذِكْرِ...
ومن التنويع الأسلوبي إلى التنويع المُعجمي:
التنويع المعجمي:
لقد ارتشف الشاعر مفرداته من كل الحقول وهذا ما تعكسه الحقول الدلالية الآتية:
- معجم الكون: وتؤشر عليه المفردات الآتية: "يا سيدة الكون" ،" الآيات الكونية"، " النور...
- - معجم السياسة :" ( القومية/ الرِّجعية/ الثورة/ القبلية...).
- - معجم العشق: ( عاشق/ حب/ هواي...)، ثم المعجم القرآني من خلال تضمينه النصوص الشعرية بعض القصص القرآني: كقصة النبي يوسف عليه السلام في قصيدة" طفل يُحَرِّرُنا " ص 83 إلى 86، ليرسُم لنا من خلال ذلك ملامح الطفل العربي في زمن الغدر الذي يسعى إلى التحرر منْ ربقة الظلم والحصار،وتؤشر على ذلك جملة من القرائن منها على سبيل المثال: (- طفل خرج الأمْسَ يقود حجارته/ طفل يتكلم كل لغات الدنيا،طفل خرج اليوم ويخرج كل غدِ...).
- - معجم الحج: إذ يُوظف الشاعر مفردات مُمتاحة من هذا الأخير:( طُفْتُ / سعَيْتُ( الطَّواف والسَّعي) ،وهي من شعائر الحج ..وصُولاً إلى رمي الجمارات .. وهي ترمز إلى مُقاومة الشيطان ، إذ يقول في نص " العودة " ص:( 39-40 )
لبستُ الكَفَنَ وقالوا:
خُذْ واعتبرِ الثوب قِماطاً
وشقَقْتُ طريقي نحْو العَوْدة
(...).
طفت ثلاثاً
وسعيت ثلاثاً
..
فالنص حافل بجملة من الإيحاءات والدلالات،منها : أن الشاعر مؤمن أشَدَّ الإيمان بأنه ليس سوى مجرد ضيف في هاته الحياة،ومُوقِنٌ أن مصيره هو العودة إلى الثرى..
وخليق بنا أن نُلمع أنه دائما في قصيدة " خيرُ الشعر عاجله" ، نقف عند الاتساق والانسجام الإيقاعي الذي يتمظهر من خلال الأفعال والأسماء التي فيها حضور بارز لحرف اللام :( تُطاول- تُجادلُ- يُغازل- يحاَوِلُ- يُناضل ..) وهي أفعال بدلالة الزمن المضارع ،في حين :( الرسائل/ الأنامل / البلابل..) كلها جاءت على صيغة منتهى الجموع ،وعندما تتأملها جيدا تحس وكأنك أمام توليفة موسيقية لأن النبرة الصوتية تُوَلِّدُ جرْساً موسيقياً ملحوظاً.(ص:11 إلى 15من الديوان).
وكل هذا يدفعني للقول بأن التنويعات الأسلوبية هي طاقات تعبيرية كامنة معبرة عن رؤية فنية..ومن ثمة فالنص الشعري في نهاية المطاف انْبِعاث ذكي عن ذات شاعرة استلهمت حروفها بكل ذكاء، وهو الشيء الذي يَحُولُ دون إمْسَاكِنا بالمعنى بِيُسْرِ مما يجعل من النصوص الشعرية نصوصا زئبقية/ منفلتة )).
على المستوى الصوتي:
نلْحظُ أن الأصوات والكلمات والجمل في البناء الشعري وحدات غير منعزلة عن غيرها، فالشاعر يعمل على جعل أنظمته وأنساقه اللغوية، أنظمة رمزية ،انطلاقا من موقع كل تشكيل صوتي،وصولا عند الجمل والصور الشعرية مما يؤدي إلى جعل السياق الشعري يَتَنامى في اتجاه تشييد تواز رمزي للواقع.
بناء على ذلك، فالسياق « contexte » أيضا ينضاف إلى المستويين الصوتي والأسلوبي لتشكيل بنائية النص الشعري.
وهذا ما نُلامسه كذلك من خلال الاتساق الحاصل بين أصوات وكلمات وجمل نحو:
هذا المصباح يُحاوِرُني/ هذا الصَّمْتُ يحاورني، ص: 48 (تساوق بين الجمل)، والتساوق والتناغم الدلالي يتبدَّى لنا أيضا من خلال جملة عنوان إحدى القصائد المُشار إليها آنفاً" خير الشعر عاجله"، والبيت الشعري منها: " فخيْرُ الشعر كالبر العاجل"، وهو توظيف مزدوج ،إذ أثرى الشاعر نصه بالمأثور الشعبي، فالشعر الأخْيَرُ والأجود في نظره هو الذي يأتي دونما تصنع وتكلف،عجولاً..بيد أن هذا الأمر ينبغي أن لا يُعَمَّم إذ ينبغي التأنِّي وعدم العجلة في الكثير من الأمور.
أما على مستوى الكلمات نأخذ كأنْموذج :" الرسائل/ البلابلْ/ وصالاً/ بِعَاداً، وهو تناغم واتساق يضْفي بعداً جماليا على المقروء ،وهو ضرب من ضروب المحسنات اللفظية، أو ما يصطلح عليه " بالسَّجْع" .
إشارات لا بد منها:
لكل نص في الحرف الثامن قِوامه،ومعماره الخاص به الذي يشد القارئ إليه،وأنا أستنطق كل نص على حدة وأحفُرُ فيه وقفت على ما يلي:
- تماهي الذات الشاعرة مع النص المُنْتَج.
- تعبير الشاعر عن مواقف حياتية معينة.
- أن النصوص الشعرية يمكن أن توسم بالإنفعالية أو شعرية الإنفعال ،إذ الشعر عند "بوعلام دخيسي" تعبير عن الذات وعن الوجدان.
- الشاعر ظمآن للحرف السامق ،الباذخ ،فهو يتنفس شعراً، لذلك استهل قصائد ديوانه بنص شعري اجترح له عنوان " أول شعري" ،إليكم منه بعض الإشارات:
وأنا ابنُ العام ونَيِّفْ
قُلْتُ قصيدا في بضعة أحرف
ماما..با با....
كانتْ أجْمل أشعاري..
الشيء الذي يكشف لنا أن شاعرنا جُبل على نظم الشعر وهو لازال في طور تهجي أولى الكلمات ..
كما أن التنويع الحاصل على مستوى زمن الأفعال " (الماضي / المضارع) يوحي بالتحول وعدم السكونية في مواقف الشاعر وهذا ما نستشفه في أول نص شعري ص: (9 و10 ): (( قُلتُ قصيداً ../ كانت أجمل َ أشعاري/ كنتُ كبيرا ساعتها..
الآن أنا
....
أتحاشى كلَّ العالمِ
كي أضْمِرَ ما أذرفْ.
==========================================================
وصفوة ما أختم به ورقتي هاته الكلمات التي دَبِّج بها الشاعر ظهر الغلاف:
عطشان هذا الشعـر
لا يتردد في الزحف
يشرب من يابسة الأرض
يتوعدنا بالطوفان
هو ذاك الشيء
الكامن في صدري
حين يمد يديه
إلى أبيض شعري
ليُخضِّبه
هو لازمتي في السفر
في النوم وفي السهر
هو من يمْخُر في
حرفي
الآن.
لا محالة أن الشاعر "بوعلام دخيسي" كما ألمعت سالفا ينحث نصوصه الشعرية بتماهٍ تام مع ذاته وبتفاعل مع المحيط ،وهذا ما نستشعره من خلال القصائد التي تُبْطنُ شجون ذات الشاعر الذي اكتوى بفراق الأحبة،ومن ثمة هي مرايا للنفس والروح أبَتْ إلا أنْ تَمْلك فؤاده فارتسمت حروفا بهياتٍ كاشفة عن القيمة الشعرية والشعورية.
وفي ختام هذه الوقفة الماتعة المليحة،ماذا عساي أقول – سوى أنني- انْتَشَيْتُ بالحرف الثامن ،وبالسفر في كل حرف فيه،وبكل همسة ونبضة شاعرية، بعيدا عن تلك القراءات الجامدة التي تُقْصي وتستبعد الذات القارئة وتجعلها مجرد آلة خرساء وتقنية لتطبيق معايير ومناهج بعينها على نص ما،لأن شعر " بوعلام دخيسي" يمْلك الفؤاد قبل الأُذن.
إنها الموسيقى الشعرية تتوغل بنا في جسد النصوص لتُطْرب وتُشَنِّف أسماعنا بعذاب إيقاعتها وجرْسها الموسيقي، وهذا ما يوحي به توظيف الأسلوب الإنفعالي الموسوم بنبرة الشجن.
من هذا المُنطلق أمكننا القول أن النصوص الشعرية انْكتبت عن انفعال عاطفي لتخليد لحظات بعينها كان لها وقع وتأثير خاص على نفسية الذات الشاعرة،والنص موغل أيضا في بحر من الدلالات الوجدانية، التي تنبثق عن أحاسيس حُبْلى بمشاعر متناقضة انعكست نصوصا شعرية معبرة عن تلك اللحظات والمشاعر ،وكأن بالشاعر مسكون بقصص وأحداث..
هو حتماً الشعريُصَيِّرُ الواقع وقصصه نصوصاً ذات روح وكيان فتنبري الكلمات الأنيقة لخدمته فترتسم لوحات شعرية معبرة عن خبايا النفس وخلجاتها وضجيجها وقلقها الوجداني.
وعموما يمكن الجزم بأن متون القصائد تنم عن تجربة شعرية تَسْتَقِي أسسها من الواقع والحياة ..وعلى أي فلكل شاعر نبرته وصوته الخاص الذي نتلمَّسه في نصوصه التي تكشف عن هويته ومساره الخاص.
وأشعار " بوعلام دخيسي" تحتاج من قارئها أن يكون ذو اطلاع واسع على المعجم القرآني حتى يحْفل بمعانيها ويقف على مدلولاتها وأغوارها،وأن يمتلك عين الناقد الفاحص المدقق.
لأن نصوصه كما أسلفت الإشارة هي سنابك الروح تبلورت في قالب شعري،وأؤكد هاهنا أنه مسكون بلغة الضاد وإلا لم " أ ب جـ د "،القصيدة الفخمة البناء الثرية بالمعاني التي تتخلل الديوان،فهو رَصَّع حروفها بكلفه ووجده وشعريته فجاءت وشاحا مخْمليا بديع الصنع يُنْسِينا كل الغثاء الشعري التي تشهده الساحة الإبداعية في الآونـة الأخيرة.
* - استنتاج عــام:
مادام أن لكل فنان أداوته، فإن للشاعر أيضا عُدَّته التي من خلالها يقدم للقارئ المُفترض/ المتلقي، أو ذاك الذي سيكتب النص مرة أو مرات انطلاقا من مدى قدرته على جَسِّ نبض النصوص والقدرة على النفاذ إلى أغوارها وسبر مسالكها.
(( وأقول كل مرة أقرأ نصا واحدا أخرج بقراءة مختلفة عن سابقتها، وكأن بالنص يُراكم جيوبا بداخله تستدعي مني مهارة عالية للتنقيب عن محتواها الدفين..هو الشعر دفقات شعورية إنسانية انكتبت حروفا طرزتها ريشة الشاعر بإيحائاتها وتنويعاتها الأسلوبية ومشاربها المتعددة.
إذن نحتاج للحفر في ثنايا النصوص، لاستكناه مجاهلها،ورموزها...لأن الشعر كما قال صاحب بصمة " الحرف الثامن " يتوعد بالطوفان".
لذلك تضافر الدلالي والجمالي والرمزي أيضا ليضطلع بمهمة صناعة جمالية هذه النصوص الشعرية)).
[1] - بوعلام دخيسي ،شاعر مغربي من مدينة وجدة، عضو رابطة الشعراء الشباب والمقهى الأدبي و الصالون الأدبي بوجدة، بدأ كتابة الشعر في أواخر 2005، نشر نصوصه بمختلف المنابر الإعلامية، شارك في عدة مهرجانات شعرية بالمنطقة الشرقية. صدر له عن مطبعة الجسور ديوان بعنوان" هديل السحر" سنة 2012 و " الحرف الثامن سنة 2014.
[2] - الحرف الثامن،بوعلام دخيسي، شعر، الطبعة الأولى 2014، مطبعة الجسور ش.م.م