شهدت اللسانيات منذ أزيد من قرن تطورا عجيبا، إذ تعاقبت النظريات، وتباينت الاتجاهات، يحدو أصحابها الطموح إلى الفوز بمنهج علمي يمكن من وصف بنيات الألسن باعتبارها أنساقا مغلقة على نفسها، لكل نسق قوانينه الداخلية الخاصة به. ويبقى فرديناند دوسوسير رائد الدراسات اللسانية الحديثة. إذ حضيت دروسه بشرف السبق والاستئثار في وضع الأسس المعرفية التي تقوم عليها معمارية اللسانيات، و إيجاد موقع لها ﺇزاء العلوم الإنسانية الأخرى . فهو أول من سعى إلى استخراج نظرية تمكن من وضع ثوابت اللسانيات ، بتجديد موضوعها، وغايتها، والقضايا التي تتناولها، والمسالك التي تتوخى لدراسة اللغة والألسن.
و بقدر ما تتقدم اللسانيات، تتعدد وجوه دراسة الخطاب فيتسع الوصف. فقد انفتح بعد مقدمات سوسير مجال آخر تحدوه الرغبة إلى مقاربة الخطاب في التواصل، بمعنى ربط عملية التواصل بصيغ الخطاب والتخاطب. ضمن هذا الحقل سعى رومان جاكوبسن إلى إبراز أن العملية التواصلية هي كل بنيوي مركب من ستة عوامل، هي: المرسل، و المرسل إليه، و الشفرة، و القناة، و الرسالة٬ والسياق٬ تتفاعل جميعا لتكون الفعل الاتصالي من جهة، وكل عامل من العوامل الستة يحدد وظيفة مختلفة للغة من جهة ثانية.
لقد استلهم رومان جاكوبسن - الذي ساهم في منتدى براك- شعريات الشكلانيين الروس، فاهتم بتقعيدها انطلاقا من ضوابط لسانية أكثر صرامة وعلمية، عبر الوقوف عند قضيتين جوهرتين: دراسة وظائف اللغة والتطرق للمحورين البلاغيين اللذين تؤسسهما الاستعارة والكناية. فلقد "ميز رومان جاكوبسن بين ست وظائف، ومن الضروري إلقاء نظرة بهدف تكوين فكرة عن مكونات كل قضية لسانية وعن كل فعل من أفعل التواصل اللفظي" . إذ تعد خطاطته لعناصر التوصيل اللغوي وما يقابلها من وظائف مختلفة للغة مرحلة شديدة الأهمية في ظهور مفهوم الخطاب وتطوره. فالمرسل هو مصدر الرسالة، يمتلك تسنينها، ثم يوجهها إلى المرسل إليه كمفكك للسنن.ولكي تؤدي الرسالة وظيفتها،تستلزم سياقا أو مرجعا يحيل إليه المتلقي.وتقتضي الرسالة بعد ذلك، سننا أوتشفيرا، كليا أو جزئيا، بين المرسل أو المرسل إليه. غير أن هذه الرسالة، تستحضر أخيرا مرتكزا فيزيائيا يسمح لطرفي التخاطب بإقامة التواصل اصطلح على تسميته قناة. ويحدد كل مكون من مكونات التواصل المتمظهرة في خصوصيته وطبيعة أنساقه، وظيفة من الوظائف الست التي حددها جاكوبسن. مع العلم "أننا لا نعثر على رسالة لفظية تؤدي وظيفة واحدة بصورة منعزلة عن بقية الوظائف. لكن البنية اللفظية للرسالة تعتمد في الأساس على الوظيفة المهيمنة2". وتستعلن الترسيمة التالية كل عنصر من عناصر التواصل و وظيفته اللغوية: