حين يحلم الشاعر.. وهو الأحق بالحلم ..
تبتسم الحياة وتورق على جوانبها الأزاهير..
يتداعى القبح تجرفه سيول الأحرف التي تضئ الحلم..
يحرسها، يقتنصها شذرات يبثها أضمومات يهبها الحياة والدفء..
حين يحلم الشاعر..
– وهو حين يحلم يكون في – " لحظات الصحو القصوى " يفكر في إمكانيات تلقي الشعر، في "حاملات" بكر للقصيدة، حاملات لم تصلها خيالات المبدعين.. وعلى امتداد المدى يهبها أجنحة من زهر لتحلق بعيدا إلى حيث لا يصل القبح والتردي..
حين يحلم الشاعر..
يرصص للشعر فضاءات أرحب للاتساع والانتشار والذيوع الإيجابي التواصلي الذي يطور.. يُزهر القصيدة ..يُطرِّز بالعشق جمال الأحرف التي تراقص الوجود لتهبه بهاء ورونقا وفسحة لأن يُعاش ..
شيء جميل أن يحلم الشاعر.. أن يمتطي صهوة خياله يجوب عوالم الأنوار.. يفتح مغاليق الأسرار وسحر الكلمات.. وعميق الأمنيات..
شيء جميل أن يحلم الشاعر، لأن حلمه حياة للإبداع واستمرار لمعني الوجود والموجودات..
لكن ، ليس من الجمال في شيء أن يخلق الشاعر أو يفكر – مجرد التفكير – في مساحات "اشهارية" بدعوى نشر الشعر وتقريبه من المتلقي ..
ليس من الجمال الشعري في شيء أن يجعل الشاعر للشعر واجهات للعرض ..(لي ما شرا يتنزه) كما يقول المثل الدارج .
ليس من الجمال في شيء أن نفرض الشعر على المتلقي " ونحن في شتاتنا العربي الراهن ، لا لغة لنا ، نفكر بأكثر من لغة، ونعبر بأكثر من لغة ، ونمارس أكثر من لغة ، ولكن من غير أن نمتلك لغة واحدة امتلاكا حقيقيا " .
ليس من الجمال في شيء أن يصطدم الشعر بحائط منيع من الأمية/ الأميات البشعة التي تحاصر " حاملات الشعر " التي توسع دائرة اغتراب الشعر .
كيف للشعر أن يحيا ويروج سليما في غياب متلقين/ الأغلبية منهم تعاني تشويشا في الذوق.
كيف له ذلك وأغلبنا حين يعود مريضا لا يحمل إليه ديوان شعر أوردة... ولكن ما يؤكل ، لأن البطن عندنا "مقدس " والشعر آخر ما يفكر فيه أو لا يفكر فيه أصلا .
كيف للشعر أن يسافر عبر أسرار الكون ينسج للعاشقين عوالم الحب والألفة لفهم خبايا الروح والوجدان والوجود والموجودات .
كيف للشعر أن يلامس أذواق الناس ويرقى بأرواحهم المشدودة إلى اليومي البليد الذي يتكرر ولا تكاد تنفلت منه .
كيف للشعر أن يفض مكنون الحرف ويفك أسراره ويسمو به إلى خوض مجاهل النفس البشرية وهي لم تتخلص بعد أميتها التي تجوس خلال الديار بتبجح واضح وبدون حياء .
كيف له ذلك وفهم بعضنا للثقافة الوطنية لا يتجاوز حدود ما تعرضه الإذاعة والتلفزة والأسابيع التي تتناسل تناسل الفطر في مستنقع بارد .
كيف للشعر أن يخرج إلينا مقتحما في بهاء خلواتنا وأشباه الشعراء يسودون وجهه بدواوين تسيج سر الحروف وتقتل فيها وهج المعاني ..
الشعر في حاجة إلى بيت يحمي ظهره، إلي يوم/أيام وطنية – لا تنافق – تعيد له توهجه وأسراره بعيدا عن المناسباتية المقيتة..
الشعر في حاجة إلى أن نحارب بشراسة، لا أن نمحو فقط الأمية / الأميات التي تسكن أرجاء جغرافية الوطن .
الشعر في حاجة إلى أن يغزو وسائل الإعلام بكل أصنافها ومشاربها .
الشعر في حاجة إلى أن يغامر بذكاء ويقتحم بقوة دور الشباب والمؤسسات التعليمية والنوادي والجمعيات الثقافية والمقاهي وكل فضاء محتضن للتجمعات .
الشعر في حاجة إلى شعراء لا ينتظرون إقبال المتلقي ، بل يبحثون عنه داخل التجمعات وخلال المهرجانات …
الشعر في حاجة إلى من يفضح أشباه الشعراء الذين يعمقون اغترابه .
وهل " بالكتابة وحدها يحيا الشعر "
استمرار تألق الشعر مسؤولية الشعراء وحدهم وليست مسؤولية هذه الجهة أو تلك .
الشعر إرث الشعراء الذي عليهم أن يحفظوه نقيا طاهرا صافيا من كل ذرة تفسده و تحيله منفرا للنفس والروح … إنه قدر اللغة الحالمة …انه الحياة في أسمى معانيها، فان ضاع أو ضعف أو طاف به طائف لا يفيه حقه فعلى الدنيا والشعراء السلام .