الجمعة, 05 شباط/فبراير 2016 13:57

إصدار جديد يرصد مضمرات النص الروائي عند الدكتور فريد الأنصاري وعلاقته بالمشروع القرآني

قيم الموضوع
(1 تصويت)

صدر عن مؤسسة فريد الأنصاري للأبحاث والدراسات كتاب موسوم بـ"الإبداع الروائي عند الدكتور فريد الأنصاري بين إيحاء التعبير وإحياء التغيير" من تنسيق وتقديم الدكتور محمد البركة، وهو الكتاب الثاني من منشورات المؤسسة، في حوالي 250 صفحة موزعة على قسمين، قسم أول خصص لدراسة رواية كشف المحجوب، والقسم الثاني خصص لدراسة روايتي آخر الفرسان وعودة الفرسان.
والكتاب إذ جاء ليرصد علائق النص الروائي بالمشروع القرآني للدكتور من خلال إسهامات العديد من الباحثين، فذلك نظرا لكون الرواية عند صاحب الفطرية ليست نصا عاديا، بل نص يكشف عن العديد من المعاني بتعدد القراءات وتعدد القراء.
وبين هذا وذاك، تنطلق جمالية عمق العمل الروائي لتبدع عند القارئ حالة من التعدد في المعاني، بين ظاهر معبر عنه بالمباني الموجزة القليلة، وباطن تُقلِّبُه الهواجس لإيضاح معانيه الكثيرة، ووقتها يصبح القارئ جزءا مكونا لفهم البناء الروائي، إنها ثنائية الإيحاء والإحياء في النص الروائي.

والحس الروائي المعبر عنه في الروايات الثلاث التي سطرها الدكتور فريد الأنصاري، سواء بالمرونة الفائقة في مجاراة الشخصيات والأحداث والأمكنة، أو بالإبداع المولد للأفكار في انسياب دون نتوءات أو قفزات مسقطة للمعنى في البناء الفني، أو بالجودة في الانتقال من فضاء إلى فضاء، ومن عتبة إلى أخرى، أو بالقدرة على التشويق أثناء بناء مشاهد الرواية لحظة الامتزاج بين الماضي الممتد حاضرا، والحاضر المتجذر ماضيا، كل ذلك وغيره، كان مقدورا عليه من قبل الدكتور فريد الأنصاري في غير نشاز، لأنه كان يملك ناصية اللغة في بعدها الشاعري الرقيق المهذب الجميل، إنها لغة الاحتراف الجمالي المبدع الرقيق، المستمدة من قراءاته الكثيرة والمتذوقة لآيات القرآن الكريم، إنها اللغة التي تعبر عن صاحبها وتعرف به.
إن العمل الروائي عند الدكتور فريد الأنصاري مسار كتابة لسيرة ذاتية انتقلت من سيرة مكاشفات المحجوب، إلى سيرة مكابدات بديع الزمان، إلى سيرة إشراقات كولن، فكانت كلها محطات ومراحل لسيرة ذاتية واحدة عاشها أو أنشدها، لكنه أعلنها وتقمصها بلسان الروائي، يؤرخ بها لسيرته الباطنة في رحلة البحث عن الذات بعد تيه وحيرة.
لذلك؛ فسواء تعددت الشخوص أو الأمكنة، أو تعددت العناوين أو تواريخ الإصدار؛ فإنها تظل واحدة، إنه التطابق الذي يجلي قيما، ويفتح أملا، ويضمد ألما، ويسافر بالقارئ عبر اللفظ والكلمة إلى الفطرة والصفاء، ثم يعيده على عربة الحروف والمباني إلى الحاضر ومنه إلى الماضي في غير تفكك، ثم يوصله إلى القيم والفضائل والمعالي، ليأخذه بالمقاطع والوصايا كأنها ألواح أو فصول خطبة الوداع.
إن النص الروائي عندما يصير تعبيرا عن مسار حياة، وتعبيرا عن مكابدات ومواجيد وأشواق وأحوال، تفاعلا بين التعبير والتغيير، ليس معناه أن النص الروائي صار لغة المتصوف، بل لأن لغة الرواية أقدر على النفاذ تعبيرا عن الروح وأحوالها ومتغيراتها، وهي الأوثق للتعبير عن الفكر ومخاضاته وطموحاته في التغيير، وبين الروح والفكر مسارات سيارة لا تتوقف، يعيشها المتحرق صاحب المشروع الإصلاحي، يستمد الواحد منهما القوة من الآخر طلبا للسداد، وتعبيرا عن المسار، إنها المزاوجة بين الإيحاء والإحياء في التعبير عن المقصود.
إن الإبداع الروائي حين يتحول إلى تأريخ للذات بحثا عن الوعي والحقيقة، وانتقالا من الجدل الكلامي والتدافع السياسي والنضال النقابي إلى الإدراك الإيماني والحقيقة القرآنية، تكون كل رحلات الكتابة وإن تنوعت عناوينها، رحلات تتجاوز الأزمنة والأمكنة والشخوص، لأنها رحلات تسطر المقصود وتبتغي المحمود، تريد الرجوع إلى الفطرة والفجر والمآذن، ... تريد الرجوع بالذات والعودة بالأحباب والإنابة بالأمة إلى صحراء الميلاد، إنها روايات ثلاث، ورحلات ثلاث، عنوانها الجامع رحلة العودة إلى القرآن. وكأن الأعمال الروائية التي خلفها الدكتور، هي عمل روائي واحد، والاختلاف الحاصل بينها يكمن فقط في الظاهر، أما الجوهر فواحد، إذ هي تعرض لموضوع واحد في قالب إبداعي خاص، مضمونه واحد رغم اختلاف التجليات، إنه موضوع فطرة الإنسان وبناء العمران عبر منازل تذوق القرآن.
وهكذا جاءت النصوص الروائية مفعمة بالأفكار والمواقف والأصول والآمال والآلام التي كان الدكتور يتبناها علامات تشوير أثناء سيره في الحياة، ويتبناها ركائز تأسيس أثناء تشييده للبناء؛ فكل علامات الفطرية مثلا ظلت حاضرة في أعماله الروائية، قد ترتقي في التعبير بحسب مراحل حياته، وبحسب انتقاله من الصحراء إلى الشرق، لكنها تظل روحانية بامتياز، كأنها لغة المتصوف في لحظة الوجد والكشف في غير مغالاة، أو كأنها لغة المصلح في لحظة تدافع ومدافعة في غير مجارات، لأنها تريد بالنص الروائي إعلان مواقف؛ فالفكرة هي الفكرة، والموقف هو الموقف، لكن التعبير عنها صار أكثر دقة وتخفيا من الأول، لأنه أراد النفاذ إلى القارئ ذي الميول الأدبية.
وهكذا كانت المواقف حاضرة واضحة في النصوص الروائية، تعلن ركائز مشروع الأنصاري، مواقف غير المفصول عن الذات والأمة، وغير مقطوع عن الحقيقة والواقع، مما يؤكد أن فريد الروائي لم يكتب من أجل الكتابة، بل كان يكتب بقصد تنزيل رؤيته العمرانية.

وهكذا جاءت الكتابة الروائية عند الأنصاري عبارة عن أشجان روح، وتجربة وجدان، تعالج الأسقام من خلال تتبع سير الرجال، وتداوي نزيف الأمة من خلال إحياء آيات القرآن في غير سجال، وكأن النص الروائي لم يكن اللوح في دفتين، بل كان البوح بشهادة الميلاد (كشف المحجوب)، والبوح باكتشاف المفقود (آخر الفرسان)، والبوح بلحظة الوداع (عودة الفرسان)، إنها مسيرة البوح بمواجيد سيارة بين ميلاد الأمل وفناء بالألم، تكشف عن الأسرار بقصد الشفاء، ومقاومة كوابيس الداء.
وهكذا يكون الخطاب الروائي عند الأنصاري قد استطاع أن يجمع بين المضْمَرات الروحية المصاغة في القوالب الفكرية، وبين التأملات الفكرية المسبوكة بالعباب الفطري، إنه مطلب الاحتماء الحاصل بين الفطري والفكري، المسند بالعدة الشاعرية واللغة الأدبية التي تسعف الراوي في الوصف والتدقيق والبلاغ، وتدفع القارئ إلى اكتشافها.

معلومات إضافية

  • مجال الكتاب: النقد
  • دار النشر: مؤسسة فريد الأنصاري للأبحاث والدراسات
  • عدد الصفحات: 250 صفحة
قراءة 15138 مرات

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

آخر المقالات