الإعلام الاجتماعي و دوره في تشكيل ثقافة الشباب المغربي – دنيا لعجيلي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

مقدمة
لعل الحديث عن أهمية الثقافة الاجتماعية داخل أي مجتمع كيفما كانت طبيعته ،يجرنا بالضرورة إلى الحديث عن مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي لها الدور الريادي في ترسيخ و صقل و إكساب الفرد مجموعة من القيم والثقافات و الأعراف والتقاليد والسلوكيات، وتعمل على توجيه اتجاهات وتمثلات وقناعات و رغبات الأفراد، وهي قناة يتم عبرها نقل القيم والمعايير من جيل إلى آخر عبر عملية الاحتكاك والتفاعل والانفتاح مما يخلق ويساعد في ترسيخ واقع القيم الثقافية.
ويعتبرالإعلام الاجتماعي إحدى الروافد الأساسية لهذه المؤسسات ،إذ يشكل بدوره مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية و لا أحد يمكنه أن يجادل في كونه بات شريكا فعالا في نقل الثقافة داخل المجتمعات وله دور كبير في تشكيلها و ليس فقط في نقلها.

و الملاحظ أن وسائل الإعلام الاجتماعي باتت في الآونة الأخيرة المصدر الأول وتتربع على عرش المعلومة ، التي تعمل من خلالها على تكوين ثقافة الشباب و المجتمع بصفة عامة، وتساهم في خلق ثقافات وقيم جديدة يتم استخدامها عبر القنوات ومواقع الفيديو، و مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون وغيرها من الروافد التي تشكل الإعلام.
ويمكن القول إن هذه الروافد التي صارت كما سلف الذكر تعمل على توجيه وتشكيل ثقافة معينة مندمجة يستهلكها الشباب بصفة دائمة ومنقطعة النظير، إذ أضحت الشغل الشاغل للإنسان بعد الحاجات الضرورية البيولوجية من مأكل ومشرب ونوم، وكذلك يمكن - القول إن ثقافة الشباب هي مظهر من مظاهر مواجهة المشكلات المصاحبة للتغيير الاجتماعي، اذ تتنوع استجابتهم الثقافية حسب تنوع احتياجاتهم، فلكل حاجة استجابة وفقا لمعايير أو قيم سلوكية محددة.
و هو ما يجرنا إلى التساؤل حول خصوصية و مميزات الثقافة الشبابية اليوم بين المحلية والعالمية في ظل تنامي الإعلام الاجتماعي؟
هل يمكن - القول إن الثقافة التي يتلقاها الشباب اليوم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي هي ثقافة يتحكم فيها بعد العولمة؟
الإشكالية :
لعل من أهم التغيرات التي عرفها تاريخ الوجود الإنساني تعود إلى وسائل الاتصال وتطورها. تطورات ما انفكت تتوالى عبر ما يستجد من ابتكارات و تطورات في مجال وسائل الإعلام و الاتصال حتى برزت في الألفية الثالثة موجة جديدة تسمى بالإعلام الاجتماعي أو الإعلام الجديد كما يسميه البعض ،و التي تتميز بخصائص و مميزات من حيث التقنيات والأشكال والاستخدامات و السرعة الفائقة في الوصول إلى المعلومة والحصول على كل ما يرغب فيه الإنسان.
لقد أضحى الإعلام الاجتماعي اليوم دينامية أساسية تغري كل الحقول والاتجاهات الكبرى و يعمل على إحداث تغيرات مهمة لم يستطع الإعلام الرسمي التقليدي القيام بها من قبل.
ويتمظهر ذلك جليا من خلال الوقع الذي بات يمارسه الإعلام الاجتماعي على المجتمعات و ما يحدثه من تغير واضح على فئة الشباب باعتبارها الفئة الأكثر استهدافا و الأكثر بحثا و انجذابا نحو الجديد، إضافة إلى كونها بلغة الاقتصاد أكثر استهلاكا لمنتجاته المادية و الرمزية.
وبما آن الشباب يعيش دائما بين مطرقة الهدم والبناء أي مرحلة التشكيل وإعادة التشكيل القيمي و المعرفي والثقافي فانه يسعى لا محالة نحو التحرر من كل ماهو قديم وموروث لا يتماشى وقناعاته واحتياجاته القيمية والاجتماعية، وكذا الاحتياجات النفسية، فان هذا يفسر كذلك الرغبة العميقة في التغيير و رفض الواقع و القلق على المستقبل.
ونظرا لهذه الاعتبارات يبرز الإعلام الاجتماعي اليوم كتحد حقيقي فنظرا لطابعه التكنولوجي والمعلوماتي وخصائصه التي تجمع بين السرعة وقوة التدقيق، والتجديد في كل ثانية وكل لحظة، وقدرته على الانفلات من رقابة المؤسسات الاجتماعية وتنوعه، قد تمكن من كشف المستور متجاوزا كل الحواجز القانونية والقيمية، ليصل إلى جمهور الشباب و يحقق لهم إمكانية تحصل الرغبة فيما كان عرفا أو قانونا داخل المجتمع.
لهذا يعتبر تحدي الإعلام اليوم من اكبر التحديات التي تواجه المجتمعات ،كونه يعمل على بناء الأجيال و تشكيل ثقافتها وفق معايير وقيم وأخلاق هو من وضعها و سعى إلى تحقيقها في إطار ما يسمى بتأحيد العالم ، و ما تمثله من تشويه الخصوصي و إقصاء له، وتبديله بثقافة أخرى تحمل قيما ومعارف و سلوكات و قيما وطبائع ليست في المجال المحلي ، ولا على توافق مع الموروث الحضاري للمجتمع، تعمل على هدم ثقافة المحلي وإعادة تشكيله وفق الرؤية العالمية.
إن ما يقدمه الإعلام الاجتماعي من برامج موجهة لفئة عريضة من المجتمع، خاصة الشباب تحمل قيما ثقافية لها خلفيات وإيديولوجيات قد تتوافق وقد لا تتوافق مع الموروث الثقافي للمتلقي أو مع ما يسميه البعض باقتصاد السوق.
و لعل ما نلاحظه اليوم بين أبنائنا وشبابنا ،من سلوكات ومظاهر ثقافية مختلفة ودخيلة ، تعكس مدى تأثرهم بالثقافات و القيم الوافدة ،( كطريقة اللباس و تسريحات الشعر، وطريقة التجميل وعادات الأكل، وأساليب اللغة،و أنماط التواصل، و التفاعل العاطفي عبر نوعية الموسيقى، والغناء المفضل، وإباحة مجموعة من الممارسات الأخلاقية الدخيلة(.
قد يعتبر البعض هذه السلوكيات عبارة عن مظاهر شكلية ولا تمس الموروث الثقافي للمجتمع وقد يراها البعض الأخر خطر يمس الكيان الثقافي للمجتمع.
لكن هذه المظاهر قد تحولت إلى قناعات واتجاهات وسلوكيات تمارس في واقع الحياة اليومية و ترسخ في تقاليد المجتمع، و يتم توريثها عبر الوراثة الاجتماعية، ويتبناها المجتمع في النهاية كجزء لا يتجزأ من منظومته الثقافية.
ومن خلال هذا المقال نحاول استقصاء وتبيان إذا ما كان للإعلام الاجتماعي دور في تشكيل ثقافة وقيم الشباب المغربي.
و انطلاقا مما سبق يمكن بسط التساؤل الأتي:
كيف يسهم الإعلام الاجتماعي في تشكيل ثقافة الشباب المغربي؟ و ما مظاهر هذا التشكل؟
مدخل نظري لتحديد المفاهيم :
1- الإعلام الاجتماعي: يتحدد مفهوم الإعلام الاجتماعي انطلاقا من دلالتين :
- الدلالة التقنية:
يحدد من خلالها بكونه وسيلة تعتمد على الحاسب الآلي في إنتاج وتخزين وتوزيع المعلومات وتقدم ذلك بأسلوب ميسر وتضيف التفاعل المباشر وتتطلب انتباها ودمج وسائل الإعلام القديمة. 1 المحارب 2011 صفحه 28
* هيكل أنواع الإعلام الرقمي التي تقدم في شكل تفاعلي. 2 صادق عباس 2008 صفحه 33
* هي كل وسائل التواصل الحديثة مثل شبكة المعلومات،و مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات والمنتديات و غرف المحادثة، فهو إعلام شخصي فردي أضحى المواطن مساهم في صناعة الرسالة الإعلامية، فاعلا في المدونات و مواقع التواصل 3 ارادون 2015 صفحة 9.
- الدلالة الوظيفية :
هي الوسائل الناقلة لقيم وثقافات قد تتوافق و قد تختلف مع المستقبل لها، لكونها وسائل لا تعرف القيود ولا الحدود، وبذلك أصبحت تنافس مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية 4 ارادون 2015 صفحة 9
* التعريف الإجرائي للإعلام الاجتماعي:
هي كل وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك، وتويتر، يوتيوب، جوجل، المدونات، انستغرام، الهاتف الذكي، الفضائيات ثلاثية الأبعاد.
2- الثقافة
يتبين أن مفهوم الثقافة مفهوم مركب تتعدد بخصوصه الحقول والدلالات و التحديات، فالثقافة يتحدد مدلولها الاشتقاقي في كونها من الكلمةاللاتينية cultura المشتقة بدورها من فعل colére وهو ينطوي على مستوى أعلى من الحضارة والإنسانية.
ومن بين جملة التعريفات التي أوردها العديد من علماء الأنتربولوجيا في تعريفهم للثقافة يمكن أن نستحضر بعضها على سبيل المثال لا الحصر لأن التعاريف كثيرة جدا:
ومن جملة التعريفات يمكن أن نجد تعريف رالف لينتون :
》ثقافة المجتمع هي حياه أفراده وهي مجموعة من الأفكار والعادات التي .تعلموها وساهموا فيها تم نقلوها من جيل إلى جيل أخر》 5 هازلمينوهولبورن 2010 ص 8
يعرف كلود ليفي ستراوس:
" الثقافة هي كل ما أنتجه الانسان سواء أكان ماديا أو رمزيا".6 كلود ليفي ستراوس 1991ص26.
ويعرفها جورج باطاي بقوله:"
"الثقافة هي كل ما يرتبط بمستوى الخبرات أو المعارف التي يكتسبها الانسان بغية السيطرة على الطبيعة".7 George batail ; l érotisme 10/18p 16
ويعرفها هيسكوفيتس بقوله:
"الثقافة هي تعلم للانسان بالتكيف مع وسطه الطبيعي وبأنها تتجسد في المؤسسات و في طرق التفكير و
في الاشياء العادية"8M.J Hersokovits 1967p 6
في حين عرفها تيري ايغلتون:
"الثقافة هي مسألة اتباع القواعد، ذلك أن اتباع قاعدة ما أمر يختلف عن الخضوع لقانون فيزيائي ، حيث ينطوي اتباع قاعدة ما على فكرة التطبيق الخلاق لهذه القاعدة".9 تيري ايغلتون ص 112
ولاشك أن أقدم التعريفات وأكثرها ذيوعا حتى الأن هو تعريف الانثروبولوجي ادوارد تايلور،و الذي قدمه في كتابه الثقافة البدائية عام 1871 و الذي قال فيه:
"الثقافة أو الحضارة بالمعنى الاثنوغرافي الواسع هي ذلك الكل المركب الشامل من المعارف و المعتقدات و الفن و القانون و الأخلاق والتقاليد و كل القا بليات و العادات الأخرى التي يكتسبها الانسان كعضو في مجتمع معين".10Edward Taylor ; 2 vols 1871.
لعل أبسط التعريفات و أحدثها تعريف روبرت بيرتسد الذي ظهر في أوائل الستينات و الذي يعتبر:"الثقافة هي ذلك كل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه كأعضاء في مجتمع".11Robertbiersted 1963 p
ويعرفها محمد عابد الجابري: هي ذلك الكل المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والإبداعات والتطلعات التي نحتفظ بها لجماعة بشرية》12 محمد عابد الجابري 1998 صفحه 19
و نجد في تعريف المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو): 《 الثقافة هي جميع السمات الروحية و المادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، و هي تشمل  الفنون والأدب وطرائف الحياة، كما تشتمل الحقوق الأساسية للإنسان، و تظم القيم والتقاليد والمعتقدات》13. الربيعي 2007 الصفحة 21
التعريف الإجرائي للثقافة:هي تلك المواقف و الآراء والأفكار والسلوكيات التي تشكلت بفضل الاكتساب عن طريق من طرق المجتمع نتيجة تأثيرات الإعلام الاجتماعي.
3- الشباب
يختلف الدارسون كل من موقع تخصصه واهتمامه في تعريف مفهوم الشباب، ولعل ما أكد عليه بيربورديوPIERRE BORDIEU بقوله إن مفهوم الشباب لا يعبر عن فئة اجتماعية واضحة المعالم، بقدر ما يعبر في استعمالاته المختلفة عن صراع حول النظام الرمزي و الحدود بين الاعمار و الشرائح العمرية هي حدود احتياطية تتحدد وفقا للحالة الاجتماعية والتاريخية المعطاة》14 بتصرف مصطفي حجازي 2011 ص75
التعريف الإجرائي للشباب :
هم الفئة العمرية المحددة بسن معين وبخصائص فيزيولوجية وثقافية معينة تجعلهم يتميزون عن باقي الفئات الاجتماعية الأخرى.
ثقافة الشباب
يمكن - القول إن ثقافة الشباب هي مجموعة من القيم و معايير السلوك و أنماطه مع ضوابط ومحددات تحكم التفاعل بينهم و تواجههم مشكلات توافقية مشتركة ولا يجدون حلا فعالا ‏ لما يصادفهم من مشكلات مشتركة ويتمتعون بنوع من الاستقلالية.15(المجاهدي 2011ص140).
التعريف الإجرائي لثقافة الشباب
هي مجموع القيم والمعايير والمواقف والاتجاهات التي يتبناها و يمارسها الشباب باعتبارهم فئة اجتماعية لها خصوصيات تتميز عن باقي الفئات الاجتماعية الأخرى، تتمسك بها و تظهرها للمجتمع في صورة كاملة بغية إثبات الوجود من خلال لغة التواصل و نمط اختيار الملابس و الأكل و تسريحات الشعر و نقد المجتمع، وتبني مواقف ثقافية وسياسية.
2- وظائف الإعلام الاجتماعي و دورها في تشكيل ثقافة الشباب:
1- وظائف الإعلام الاجتماعي
مما لا شك فيه أن للإعلام الاجتماعي اليوم بكل روافده أهمية قصوى في حياة المجتمعات، إذ أضحى المطلب الثاني بعد المأكل والمشرب، وذلك ‏يعزى إلى خصوصياته ومميزاته التي تتمثل في سرعة شيوع المعلومة و يسرها و سهولتها، والقدرة على اختراق جميع شرائح الفئات العمرية بمختلف قناعاتها ومستواها التعليمي والمعرفي، فثقافة الصورة وسرعة انتشارها هي أشد عوامل التأثير في السلوك الإنساني.16(عزي عبد الرحمان 2013ص120.
وتجدر الإشارة إلى أن أهمية الإعلام الاجتماعي تكمن في تنوعها و تطورها المستمر، مما يعطيها قوة السيطرة على المعلومة وتوجيهها الوجهة المبتغاة التي تهدف عبرها إلى تكوين و بلورة مصالح وأفكار، يتحول من خلالها إلى سلاح اجتماعي واقتصادي وسياسي وثقافي تستخدمه الدول والكيانات الاجتماعية في صراعها الوجودي من أجل السيطرة الثقافية وإزالة اللثام عن واقع متردي وعن أهداف و خبرات معينة.".17( مجذوب:2015،4).
و نظرا للوظائف المتعددة التي يلعبها الإعلام الاجتماعي، فهو يساهم بشكل و بأخر في تشكيل ثقافة الشباب الذي يعمل على استدماج كل ما يروج له، ومن هذه الوظائف يمكن أن نتوقف على بعضها على سبيل المثال لا الحصر :
الوظيفة المعرفية :
لقد صار للاعلام الاجتماعي دورمهم في نشر الثقافة، وترسيخ قيم ومبادئ اجتماعية و قيم ومعتقدات المجتمعات18 (بتصرف البدراني 2013 صفحه357) .إذ يلاحظ أن الطابوهات التي كانت إلى وقت قريب حكرا على الإعلام الرسمي التقليدي صارت عملية سهلة إضافة إلى أن بعد المسافة لم يعد عائقا بل صارت المعرفة مفتوحة على مصراعها أمام الجميع ،حيث يلاحظ اليوم انه وأمام عجز الإعلام الرسمي التقليدي على إشباع حاجات الشباب النفسية والمعرفية والاجتماعية والثقافية صار الإعلام الاجتماعي بكل مكوناته مصدرا للمعرفة ومقوما أساسيا من مقومات تشكيل الوعي الفردي والجماعي.
الوظيفة القيمية
لقد أضحت الوظيفة القيمية إحدى أهم المداخلات الأساسية لوسائل الإعلام الاجتماعي إذ تعتبر حاملة خفية لقيم ومعتقدات وسلوكيات وأفكار يتلقاها الشباب و يستهلكونها بطرق واعية أو بطريقة غير واعية حيث تعمل على ترسيخها تحت غطاء العولمة التي غلفت بطابع الإنسانية و العالمية و التعايش السلمي و التقارب الثقافي وتعمل على نبذ العنف والتطرف ،فإن كثيرا من هذه القيم أضحت تنتقل من جيل لآخر ومن قارة لأخرى بحكم تلاشي مفهومي الزمان و المكان"19( عبد الله بوجلال:23 ص1989)
و منه فالإعلام يسعى إلى الحفاظ على هذه الوظيفة على اعتبار أن القيم الثقافية والاجتماعية هي مصدر تميز كل مجتمع من المجتمعات وهى رأسماله الحقيقي في إثبات وجوده وظيفيا واجتماعيا وبنائيا لان الرأسمال الحقيقي يرتبط بالتطور في إثبات الحضاري و القيمي وليس باندحاره.(20 بتصرف عز ي عبد الرحمان 2013 ص 123). 

الوظيفة التثقيفية التواصلية
لقد أصبح بإمكان كل فرد اليوم أن يعمل على تثقيف نفسه، نظرا للانفجار المهول والمتطور لوسائل الاتصال والمعلومات، أصبح بمقدور كل فرد أن يعمل على تثقيف نفسه والانفتاح على مختلف العلوم خصوصا في ظل يسر المعلومة واتساعها وعمقها والعمل على إلغاء مسألة مفهوم الزمن وبهذا تعمل على نقل ونشر والمحافظة على ثقافة المجتمع وعلى تطبيع أفراده على عادات وقيم الأمة و أنماط سلوكها.21(عواد:2010، 35)
الوظيفة التكوينية
لقد بات الإعلام الجديد اليوم يلعب جملة من الوظائف أهمها الوظيفة التكوينية إذ بات يستخدم في تكوين و تدريس الأفراد والأطر عبر العالم الافتراضي من أجل العمل على رفع كفاءة الفرد المستخدم.
الوظيفة الترفيهية :
مما لا شك فيه أن وسائل الإعلام الاجتماعية تقوم على وظيفة تتمثل في العمل على الترويح والترفيه عن المتلقي لذا فهي تحاول أخذ الجانب النفسي والاجتماعي للفرد من اجل استمالته و إمتاعه، يراعي من خلاله العمل على تحقيق الحاجات النفسية والعقلية للجمهور من خلال الاستخدامات المتنوعة. ليصبح الفرد بوعى منه أو بدون وعي أسيرا لها. وتعتبر هذه الوظيفة ذات أثر نفسي تهدف من خلاله لجذب المشاهد و التنفيس عنه في ذات الوقت عبر برامجها ومسلسلاتها الرياضية.22(عواد:2010، 37)

2-تشكيل ثقافة الشباب من خلال الإعلام الاجتماعي
لقد عمل الإعلام الجديد على تغيير مجموعة من المفاهيم القيمة والثقافية والاجتماعية وخاصة عند فئة الشباب بحكم أنها الفئة الأكثر تعرضا وتصفحا واستعمالا لهذه الوسائل ،إضافة إلى كونها الفئة الأكثر بحثا عن إشباع حاجاتها ومتطلباتها النفسية والاجتماعية وبالتالي فهم يتأثرون بكل ما هو جديد.23(الحارثي:2006، 136)
لذا فإن ثقافة الشباب اليوم أصبحت قائمة على مجموعة مفاهيم ذات طابع إعلامي مثل الإشهار والدعاية، تحولت عبرها إلى قيم استهلاكية مصنعة. و يمكن أن نلمس ذلك اليوم من خلال النظر إلى ملابسهم و أحذيتهم و أساليب تصفيف شعرهم، فضلا عن التعرف على أذواقهم الموسيقية وكذا اللغة التي يتكلمون بها وهي لغة مستحدثة مشفرة دخيلة، لا يفهمها إلا من كان على معرفة بهم وضمن توجهاتهم.
إن الثقافة الاستهلاكية كان لها دور كبير في ظهور الفرد المعولم الذي يمكن وصفه بالفرد الافتراضي24 ا(لمنصوري 2014 صفحه 82)، الذي تشكل بفعل ثقافة استهلاكية وإعلانية إ شهارية سمحت له من خلال الحرية المسموحة له من جهة وكمية المعرفة المنقولة إليه والمتمثلة في نقل القيم والاتجاهات والأذواق إلى المستوى العالمي حيث باتت ملايين البشر موحدين تلفازيا، هاتفيا، وانترنتيا يتابعون الأحداث العالمية في نفس الوقت: 25(نفس المرجع 2014 ص84)، و هذا يعني 《انتقال وعي الفرد من المجال المحلي إلى المجال العالمي و إبراز هوية المواطنة العالمية التي ستحل تدريجيا محل الانتماء الوطني26(نفس المرجع 2014 ص 84 ).
فوسائل الإعلام الاجتماعي اليوم تعمل على غرس قيم ثقافية جديدة من خلال جملة من العمليات المرتبطة بصناعة الثقافة، فالقيم والمعايير التي تنتجها الصناعات التلفزيونية لا تصبح جزءا من النسق الثقافي آليا، أي أن الأفراد الحاملين للثقافة المحلية لا يعتنقونها بطريقة ميكانيكية وإنما تخضع إلى نسقهم الثقافي وانجرافهم وراء العولمة، جعل الشباب عرضة للنزعة الاستهلاكية التي في جوهرها تهدف إلى التسلية و اللذة، حيث أفضت إلى سلوكات غير مرغوبة اجتماعيا، ولكنها في الوقت نفسه تنسيه ضنك الحياة وتنقله إلى عالم اللذة والمتعة الزائفة، حيث أصبحت هي المورد الذي يلهث وراءه الكثير من الشباب من خلال الحاجة إلى الجنس والمخدرات أصبحت عنصرا مهما في ثقافة الشباب ليس الجنس الطبيعي حيث يحقق الإشباع مع المعاشرة و لكن جنس التكنولوجيا الحديثة المقدم في أطباق الفضائيات وأشرطة الفيديو ومواقع الانترنت 27(ليلة 67/2003)، وبالتالي يمكن - القول إن الثقافة التي يتلقاها الشباب اليوم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي هي ثقافة تتميز بما يلي:
ثقافة استهلاكية معولمة :
لقد بات تأثير العولمة الثقافية واضحا جدا من خلال كل مفاصل الحياة الاجتماعية للفرد، وبالمقابل بدأ يلاحظ التلاشي التدريجي للمعالم الثقافية والمحلية من ثقافة المجتمع الخاصة والمجتمع عامة نتيجة الانفتاح اللامحدود واللامفيد واللامشروط على ثقافة الأخر، ترتب كما سلف الذكر عنها تشتت في الرؤى الشبابية للموروث الأصيل والجديد والمعولم حيث أن غالبية ثقافة المجتمع تشكل عبر وسائط الإعلام "28.( دبلة:2015،130).وكذلك من خلال انتشار أنماط من السلوك و الممارسات الحياتية المستحدثة التي يتم استدماجها عبر قنوات الإعلام الاجتماعي الذي يعمل على إشباع حاجات الشباب النفسية والمعرفية والاجتماعية، فباتت الثقافة الشبابية اليوم تتراوح بين مجالات ثقافية متشعبة لكل خصوصياتها الثقافية وهي (الثقافة المحلية، الثقافة التقليدية، الثقافة العالمية29(بنهلال:2012،26)
لقد طالت ظاهرة العولمة ثقافة المجتمعات ومست مقوماتها الثقافية الأساسية من:

culture jeu anfa

ومن خلال الاستهلاك المستمر لهذه الثقافة المعولمة تمر الرسائل التي تحمل قيما أخرى تعمل على تغيير النمط السائد و تعويضه بقيم أخرى 《 يعمل الاختراق القيمي للثقافة عن طريق أساليب خاطفة تتوخى جذب المزاج الإنساني إلى ثقافة العصر الاستهلاكية وتنفيره من ذاتيته.31》 عبد الله ستومي 2004 ص51).
ثقافة الصورة
مع انتشار وسائل الإعلام الاجتماعي ومع تقدم وسائل الإعلام والاتصال أصبحت ثقافة الصورة منتشرة بدرجة كبيرة جدا، إذ باتت مصدرا للتشبع بمجموعة من القيم في فضاء مفتوح على أنواع الثقافات الكونية جمعيها، فالصورة أضحت رسالة رمزية لها دال ومدلول تربطها دلالة إعلامية، وتحمل ثقافة الآخر ،فهي توحي من خلال مظاهرها أنها تسعى إلى تهديد الخصوصيات الثقافية للآخر وعملت على تقزيم دور مؤسسات المجتمع المدني، أصبح معه الشباب لقمة صائغة خصوصا في ظل ثقافة الهدم والبناء والتشكيل الجديد حسب النمط الذي تريده العولمة الثقافية، و طيعة لتقبل جميع القيم والمواقف السلوكية دون اعتراض أو ممانعة نفسية أو اجتماعية {هذا المتلقي الذي يجد نفسه قابلا لتمرير وتقبل جميع القيم والمواقف السلوكية دون اعتراض عقلي أو نفسي، أي في وضعية شديدة الشبه يوضع السم في الدسم32(عبد الاله بلقزير 1998 ص 121).
إن مظاهر تأثير الصورة على الشباب بما تحمله من مخزون معرفي وثقافي طغى عليها أكثر من ظاهرة ( كالاغتراب، القلق، إثارة الغريزة الفردية،دافعية الانحراف، سلطة المال والنساء، حب الاستهلاك، الأنانية، التمرد وكلها مفردات حياتية تتأسس في إدراك الفرد وسلوكه ومعارفه حيث تتحول أحيانا الصورة الذهنية إلى نشاط عملي عن طريق المحاكاة والتقليد وعمليات الطبع الاجتماعي33( البنياتي 2010 ص 75).
ثقافةالشهرة
تعمل وسائل الإعلام على إضفاء المكانة و القوة على النجوم،فتجعل حدة الانبهار بأصحاب الشهرة والمكانة كما يصورهم الإعلام الجديد من فنانين ورياضيين وممثلين وشخصيات اجتماعية، أصبحت القدوة والمتنفس لحياة الشباب، بحيث ينظر إلى حياتهم نظرة خاصة وأمست الفاعل الاجتماعي المتحكم في حركية الشباب مما أدى بالشباب إلى أن يعيش من خلال ثقافة المظهر و الشكل و الاستعراض على حساب ثقافة الجوهر والقيمة و العمق حيث تزييف الوعي وتغيب الحقيقة34.(العبداللهسنو:2004،51). 

الخاتمة
يتبين انطلاقا مما سبق أن الإعلام الجديد سعى من خلال وظائفه المتعددة الى تشكيل ثقافة شبابية تتميز بقوة التكييف والقابلية لتشكيل وإعادة تشكيل الثقافي.
إن هيمنة الإعلام الاجتماعي في ثوب العولمة فتح للشباب أفاقا متعددة وأبوابا كان يصعب اختراقها ودخولها ، لكن المعطيات التكنولوجية تغيرت وعملية الرقابة تجاوزتها حركة العلية وأصبح اختراق الهويات و تغييرها أسهل. و انطلاقا من كل ما سبق ذكره تتجلى تأثيرات الإعلام الجديد في حياة الشباب وخاصة ثقافته الفئوية ومن مظاهر ذلك تشكل معتقدات وأفكار وسلوكيات الكثير من الشباب، تدل على اختراق قيمي وثقافي للمنظومة الخاصة.
لذا فإن الضرورة القيمية للرسالة الإعلامية من اجل المحافظة على كيان المجتمعات وحماية فئة الشباب من كل دخيل وغريب يسعى إلى خلخلة التراتيب الاجتماعية.
و نختم بالقول إن تشكيل ثقافة الشباب اليوم بفعل الإعلام الاجتماعي الجديد أضحت واضحة نتيجة للنتائج الملموسة.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتمثل في كوننا هل تقف على نحو ثقافة عالمية تتجه نحو تعميم نموذجها ؟ أم أن الثقافات الوطنية و القومية لا تزال محتفظة بديناميتها و مستمرة في الممانعة و المقاومة؟ 

المراجع :
I- الكتب
1- المحارب سعيد ب المحارب: الإعلام الجديد في السعودية، دراسة تحليلة في المحتوى الإخباري للرسالة النصية القصيرة. الطبعة 1 – جداول النشر و التوزيع بيروت 2011.
2- صادق عباس مصطفى الإعلام الجديد : المفاهيم و الوسائل و التطبيقات الطبعة الأولى 1 – دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان 2008.
3- مصطفى إسماعيل أرادون، تأثير وسائل الإعلام الجديد في الشباب المسلم؛ الشباب المسلم و الإعلام الجديد مكة 17 دجنبر 2015.
4- نفس الرجع
5- هاز لميس هولبورن، سوسيولوجيا الثقافة و الهوية ، حاتم حميد محسن، مترجم الطبعة 1 دار كيوان للطباعة و النشر و التوزيع؛ دمشق 2010
6- كلود ليفي ستراوس،عن دفاتر فلسفية ، عدد الطبيعة و الثقافة 1991
-7 George bataille ;l’érotisme ;édition payot ;10 /18
8- M.J Hersokovits ; les bass de de l anthropologie culturelle ;paris : payot1967
-9 تيري ايغلتون ، الثقافة في طبعاتها المختلفة بدون سنة، الطبعة 1
10- Edward Taylor ;primitive culture ;researchesinto the dévlopement of mythology;philosophy;religionart and custuon ;2 vols( London j mussary 1971-E
-11مصطفى المجاهدي، برامج التلفزيون الفضائي و تأثيرها في الجمهور، الطبعة 1 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2011.
• 12- محمد عابد الجابري، العولمة و الهوية الثقافية. عشر أطروحات، المستقبل العربي مركز الدراسات الوحدة العربية، السنة العشرون العدد 228 فبراير 1998 بيروت.
13-محمد الربيعي، الدور الثقافي للقنوات الفضائية العربية – المضامين و الأشكال و التلقي، رسالة ماجستير الأكاديمية العربية المتنوعة الدنمارك 2008
14-مصكفى حجازي، الانسان المهدور، دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، الكبعة الثانية، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 2006.
15-مصطفي المجاهدي،برامجالتلفيزيون الفضائي و تأثيرها في الجمهور، الطبعة1 مركزدراسات الوحدة العربية ، بيروت2011
16-عبد الرحمان عزي، الرأسمال الرمزي الجديد :قراءة في هوية وسوسيولوجية الفضائيات في المنطقة العربية،ط.2، مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،2013..
16-عبد الرحمان عزي، الرأسمال الرمزي الجديد :قراءة في هوية وسوسيولوجية الفضائيات في المنطقة العربية،ط.2، مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،2013.
17-مبارك مجدوب، تأثير وسائل الاعلام الجديد في الشباب ثقافيا و معرفيا 2015
18-البياتي ياسر خضر،تأثيروساءل الاعلام على السباب 1985
19عبد الله بوجلال، الاعلام و الوعي الاجتماعي لدى الشباب الجزائري، القاهرة 1989
20 عزي عبد الرحمان ، قراءة ابستيمولوجية في تكنولوجيا الاتصال الطبعة الاولى ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2004.
21- فاطمة حسين عواد ،الاعلام الفضائي ،ط.1، دار اسامة للنشر والتوزيع،عمان،2010
22- نفس المرجع السابق
23-جميل صليب،مشكلات الشباب العريي، مجلة العربي، بيروت 1973 العدد 173
24-نديم منصوري، سوسيولوجيا الإنترنيت الطبعة 1، منتدى المعارف بيروت 2014
25-نفس المرجع
26-نديم منصوري، سوسيولوجيا الإنترنيت الطبعة 1، منتدى المعارف بيروت 2014
27-ليلة علي، المجمع المدني قضايا المواطنة و حقوق الإنسان الطلعة 1- مكتبة الأنجلو مصرية الظاهرة 2007
28-عبد العالي دبلة، ويزيد عباسي ، ثقافة الشباب بين التأطير المعرفي و الواقع الاجتماعي، مجلة الدراسات و البحوث الاجتماعية2015، العدد11
29- محمد بنهلال، الاعلام الجديد و رهان تطور الممارسة السياسية مجلة المستقبل العربي، بيروت 2012 ، العدد34
30-المسيري عبد الوهاب و فتحي التريكي، الحداثة و ما بعد الحداثة الطبعة 1 دار الفكر دمشق 2003
31-عبد الله سنومي، العرب في مواجهة تكنولوجيا الاعلام و الاتصال الطبعة الاولى مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2004
32-عبد الاله بلقزيز، من النهضة الى الحداثة، الطبعة2، مركزدراسات الوحدة العربية بيروت 2011.
34- عبد الله سنومي ، مرجع سابق.
المقالات
محمد عابد الجابري، العولمة و الهوية الثقافية. عشر أطروحات، المستقبل العربي مركز الدراسات الوحدة العربية، السنة العشرون العدد 228 فبراير 1998 بيروت.
أمينة بالقاسمي و محمد مزيان، العولمة الثقافية و تأثيرها على هوية الشباب و المراهقين، مجلة العلوم الإنسانية و الاجتماعية. وهران 2012 عدد 8 ( هذه المقالة فقط استأنست بها من أجل إغناء الموضوع)
المعاجم و القواميس
جميل فيريو، معجم مصطلحات علم الاجتماع، ترجمة محمد الأسعد، الطبعة 1 دار مكتبة الهلال بيروت 2011.
محمد علي، علم الاجتماع و المنهج العلمي. دار المعرفة الجامعية القاهرة 1986.
الأطروحات الجامعية :
محمد الربيعي، الدور الثقافي للقنوات الفضائية العربية – المضامين و الأشكال و التلقي، رسالة ماجستير الأكاديمية العربية المتنوعة الدنمارك 2008.
الوسائط الإلكترونية :
فوزية الهنداوي : أثر الخطاب الإعلامي في القيم الاجتماعية، بتاريخ 20-08-2010 / www.pressacademy.net

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟