هيمنت السيكولوجية السلوكية على المشهد التربوي منذ بداية القرن الماضي، بعدما أن حلت محل المنظور الفلسفي للسيكولوجية الذي ساد لعقود قبل ذلك، والذي كان يعتمد منهجية التفكير العقلاني الاستبطاني ( Descarte,Kant) في تناول مسألة العقل وما يحدث في الذهن من خلال تأمل داخلي للذات ووصفها للعقل دون تجريب ولا تأويل. وقد انتقل الاهتمام في السلوكية من الجوهر إلى الظاهر بحجة أنه يصعب الخوض في العقل الخالص، في حين يمكن إخضاع السلوك للتجربة. هكذا فرضت السيكولوجية السلوكية أدواتها المفاهيمية الجديدة التي تتمثل في المنهجية التجريبية في دراسة السلوك، وفي البراديكم البراكماتي الذي اعتمدته في رؤيتها للأمور. وارتكزت بالأساس على تأثير المحيط على نمو الفرد من خلال تلك الثنائية الشهيرة "إثارة ـ استجابة". وقد تقدمت السلوكية كثيرا في فهم ظواهر التعلم والترويض، لكنها عجزت على فهم تعلمات أكثر تعقيدا مثل اللغة والمهارات الذهنية، كونها لم تهتم بدراسة الأنشطة الذهنية التي يجريها الفكر عند استقبال الإثارة وعند إصدار الاستجابة. تلك هي حدود السلوكية التي مهدت لظهور السيكولوجية المعرفية. ما هي السلوكية المعرفية؟ وما هي المفاهيم الجديدة التي جاءت بها؟ وما هو الإسهام الذي جلبته للتربية؟
ما هي السيكولوجية المعرفية؟
تهتم السيكولوجية المعرفية بدراسة الميكانيزمات التي يستطيع من خلالها الإنسان أن يلتقط المعلومات ويعالجها ويضعها في الذاكرة. إنها تدرس الأنشطة الذهنية التي تمنح الإنسان تمثلا داخليا عن المعطيات الخارجية بغرض اتخاذ القرارات، كون الأنشطة الذهنية تشكل بعدا جوهريا في وجودنا، حيث أن الإدراك والفهم والتذكر ينظم وينشط حياتنا اليومية ويتدخل في بناء وتنظيم عواطفنا وأحاسيسنا العميقة. وعلى هذا الأساس تسعى السيكولوجية المعرفية إلى فهم هذه الأنشطة الذهنية وتحدد الميكانيزمات التي توظفها لمواجهة المهام التي نصادفها، منها بالخصوص المهام التربوية سواء كآباء أو كأطر تربوية. والحال أن امتلاك هذه المعطيات السيكولوجية العلمية وفهمها سيقود حتما إلى تجنب ممارسة بيداغوجية عشوائية تؤدي غالبا إلى الإخفاق.
تقوم السيكولوجية المعرفية أساسا على تيارين من التفكير. يرتكز التيار الأول على نظرية "بياجي" التي تعتمد منظورا بيولوجيا لعملية الإدراك، حيث تعتبر الأنشطة الإدراكية امتدادا لعملية التكيف مع المحيط التي يقوم بها كل كائن حي. هكذا تعتبر عملية الإدراك شكلا من أشكال التكيف التي تندرج في إطار استمرارية التكيفات العضوية مع معطيات المحيط. ويعتمد التيار الثاني على نظرية المعالجة الإعلامية، إنه منظور‹‹معلوماتي›› لعملية الإدراك، حيث تعتبر الذهن بمثابة نظام لمعالجة المعلومة (حاسوب). ويؤثر الذكاء الاصطناعي على الأبحاث المندرجة في هذا التيار. ويعتبر أن الفكر هو بناء يشبه بناء اللغة النظامية، بل أن الفكر هو ذاته لغة (Fodor, Pylyshyn,1988). لذلك يعتبر هذا المنظور أن الأنشطة الفكرية هي بمثابة أنشطة لمعالجة المعلومة الخارجية مثلما يحدث في الذكاء الاصطناعي في معالجته للغة. إن هذا البراديكم الجديد يسمح بدراسة تجريبية لعدة أسئلة ظلت عالقة في المقاربة السلوكية، منها تمثل المعارف والتصنيف (Anderson,Rosch) والانتباه (Broadbent) واللغة (Chomsky, Miller ) والذاكرة (Miller, Quilian ) والمنطق (Bruner).
غير أنه سنعتمد أكثر في هذا التحليل على نظرية "بياجي" لأسباب متعددة، منها من جهة أن هذه النظرية هي نموذج منسجم للنمو المعرفي يشمل التطور الحاصل من سن الرضاعة إلى سن الرشد، مما يجعل من هذه المعرفة مفيدة للتدخل البيداغوجي. ومن جهة أخرى لأنها تأخذ بعين الاعتبار العوامل المرتبطة بهذا النمو القادرة على تفسير لماذا لا نظل أطفالا. والحال أن فهم الميكانيزمات التي تستعمل لتكوين الذكاء والعوامل المؤثرة على نموه أضحت ضرورية لكي نتدخل بشكل فعال في التعلم. ما هي إذن العدة المفاهيمية المركزية التي جاء بها هذا المنظور؟ ما هي ميكانيزمات النمو المعرفي والعوامل المؤثرة في هذا النمو؟
المفاهيم المركزية للنظرية المعرفية
فرضت السيكولوجية المعرفية باراديكما جديدا ومفاهيم جديدة ترتبط بمنظورها للنمو المعرفي، حيث أن المبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه يتمثل في أن معرفة العالم الواقعي يتحقق من خلال الفعل المادي والذهني الذي يمارسه الطفل على المحيط منذ الولادة، حيث يترك هذا الفعل أثارا في الذهن سماها بياجي ب‹‹الشيمات›› schémes، وهي قوالب تتهيكل وتتعقد وتترسخ بالتكرار وتصبح تنظيما ذهنيا يتدخل في تحصيل المعرفة وتنظيمها. هكذا تزداد هذه ‹‹الشيمات›› وتتنمى وتتعدل عبر السيرورات الإنمائية والميكانزمات التالية:
ـ الاستيعاب: يحاول الطفل منذ ولادته، أن يتفاعل مع العالم الخارجي من خلال النماذج أو الشيمات الحس حركية التي راكمها، أي عندما يستقبل معلومة أو إثارة جديدة تكون مألوفة لديه، سيدمجها (يستوعبها) في الشيمات المتواجدة. يتعلق الأمر إذن بتفاعل مع إثارة جديدة انطلاقا من معرفة موجودة سلفا.
ـ الملاءمة : إذا كانت المعلومات الجديدة متعارضة ومتنافرة مع التمثلات الموجودة سيتطلب الأمر تعديل (ملاءمة) هذه الشيمات لتتوافق مع المعطيات الجديدة. يتعلق الأمر إذن بالتفاعل مع إثارة جديدة لا يمكن معالجتها بالشيمات الموجودة، بل تدفع هذه المعطيات الفرد إلى تطوير هذه الشيمات لتصبح قادرة على استيعاب والتجاوب مع الوضعية الجديدة.
ـ التوازن : هو تفاعل جدلي بين الاستيعاب والملاءمة لتأمين النمو السيكولوجي عبر البحث عن توازنات داخلية متجددة. وبذلك ستخضع القدرات المعرفية لمجموعة من التغييرات، التي تزداد وتتراكم بفضل سيرورة الاستيعاب والملاءمة وتعديل الشيمات التي تحدثها، إلى أن تصل إلى مستوى تجعل الفرد يعرف تحولا شاملا في إدراكه ومنظوره للأمور، أي تعديل بنية تفكيره لتطابق وتتوافق مع التغيير المستمر، ويحدث هذا التحول على مراحل. ويسمي بياجي هذه المراحل الكبرى في النمو ‹‹مراحل النمو المعرفي››.
هكذا ترى السيكولوجية المعرفية أن نمو الطفل يتحقق عبر سلسلة متوالية من المراحل محددة في الزمن، ويشمل كل الأطفال كيفما كانت ثقافتهم وانتماؤهم السوسيوـ اقتصادي. وتتميز كل مرحلة بتشكيل بنية فكرية منظمة في الزمن تطال عموم الأطفال. ويتمثل هذا التنظيم في سلسلة متوالية من أنواع التفكير نلخصها بتعابير "بياجي" كما يلي: التفكير الحس ـ حركي (من الولادة إلى سنتين) وهو تفكير يتعامل مع الأشياء الدائمة الوجود في المجال المباشر للنشاط. ثم يليه التفكير قبل ـ العملياتي (من 2 إلى 7 سنوات) وهو تفكير يصبح قادرا على القيام ببعض العمليات من قبيل التصنيف والترتيب والاحتفاظ، لكن تظل هذه العمليات مرتبطة بالإدراكات الحسية. ويليه التفكير العملياتي (من7إلى12سنة) حيث يصبح الطفل قادرا على تعميم العمليات السابقة على كثير من المحتويات، بل يتميز بظهور العمليات العقلية، غير أنها تظل مرتبطة بالموضوعات والوقائع الملموسة. وفي الأخير يبرز( بعد سن 12 سنة) التفكير الصوري الذي يرقى إلى مستوى متقدم من التجريد ويصبح الطفل قادرا على قيادة السلوك والفعل، حيث يضع فرضيات استباقية وتجريبها واستخلاص معرفة بناء على الاستقراء والاستنباط.
غير أنه لابد من التأكيد على أن نظرية النمو المعرفي تأخذ في الاعتبار مظهرا مزدوجا، يتمثل في عمومية النمو son universalité كونه يشمل كل الأطفال، وفي تغيريته sa variabilité كونه يختلف في وثيرته من شخص لآخر. إن عمومية النمو تتجسد في انتظامه الذي يبدو أنه، على هذا المستوى، منفلت لتغيرية المحيط، حيث أن نمو كل الأطفال، بغض النظر عن وسطهم الاجتماعي، يتم عبر مراحل متوالية ومنتظمة. أما تغيرية النمو فيمكن ملاحظتها على مستويات متعددة، منها أن السرعة التي يحدث بها النمو تختلف من طفل إلى آخر، إذ أن سن ظهور السلوك المترتب عن كل بنية معرفية يختلف بين الأطفال. وقد بينت كثير من الدراسات أن هذه الاختلافات لها علاقة بالأوساط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأطفال، حيث تبين أن الأطفال المنتمون إلى الأوساط المستضعفة يعبرون عن نضج أقل من أطفال الأوساط الراقية، وتبين أيضا أن بعض التعثرات الدراسية الصعبة تكون لها غالبا علاقة بالتأخر في النمو المعرفي. وقد اتضح كذلك أن التمدرس يلعب دورا مسرعا لهذا النضج والنمو.
ومن جانب آخر ينبغي الإشارة إلى أن النمو المعرفي لا يحدث في انفصال عن المحتويات المعرفية التي يتمرس عليها، بل تتدخل هذه المحتويات في تطوير إمكانيات وقدرات كل بنية، وذلك ما يفسر التفاوت الحاصل بين الأطفال في نفس السن (Longeot, 1978). لذلك يصعب حصر بوضوح المراحل في الزمن بشكل قاطع (Bideaud, Lautrey, 1983 )، كما يصعب إرجاعها كليا إلى تطور الجهاز العصبي. إضافة إلى ذلك فإن بنيات التفكير لا تحدث على شكل قفزات مفاجئة من مرحلة إلى أخرى، بل تندرج التحولات الفكرية في إطار نمو تدريجي يتصف بالاستمرارية أكثر مما اقترحته النماذج التقليدية بما فيها نموذج "بياجي"، لذلك فإن تطور البنيات المعرفية يتحقق في إطار التطور المعرفي المستمر. هذا يقودنا بالضرورة إلى توضيح مفهوم البنية المعرفية؟
تحدد البنية المعرفية قدرات وإمكانيات الفرد الفكرية وحدودها، ذلك أن الطفل الذي يلج إلى التفكير الصوري مثلا تصبح له إمكانيات فكرية جديدة متطورة على مستوى التجريد، فضلا عن الإمكانيات المكتسبة سابقا التي تتطلب تفكيرا أدنى مثل عمليات التصنيف والترتيب. وبتعبير آخر فإن الولوج إلى التفكير الصوري يخول للطفل سلسلة من الإمكانيات الفكرية التي تمكنه من معالجة كثير من "وضعيات ـ مشكلات". غير أن الرضيع، الذي ليست له قدرة متطورة على تمثل الأشياء سيفشل دون شك في حل مشاكل تتطلب قدرات ذهنية متطورة على التجريد. إن بنيته المعرفية تحصر إذن قدراته وحدوده المعرفية. هكذا يمكن، من خلال اختبار معرفي، تحديد مستوى ونوع التفكير الذي يستعمل ويعالج به الأمور.
تتميز كل بنية معرفية بخاصية أساسية تتمثل في درجة قدرتها على التجريد، بمعنى درجة استقلالية التفكير عن معطيات مجال الإدراك. ذلك أن الوقائع تؤكد أن التفكير يتجرد تدريجيا عن المجال المباشر للنشاط أثناء نموه. في البداية يتميز التفكير الحس حركي للرضيع بارتباطه بمعطيات مجال النشاط عند معالجة وضعية ـ مشكلة، باستعمال ما سماه (André Rey, 1933 ) بالذكاء العملي. صحيح أن كثير من الأبحاث ( أنظر Lecuyer, 1989) بينت أن الرضيع يمتلك قدرة على التمثل الذهني، غير أنها ليست متطورة إلى حد تستطيع قيادة السلوك. لذلك فإن الذكاء العملي للشهور الأولى من الحياة غير قادر على الاستباق، مما يجعل الطفل مرتبط بشكل كبير بالمجال المباشر لنشاطه.
يصبح الطفل، في نهاية السنة الثانية، قادرا تدريجيا على معالجة و"ضعية ـ مشكلة" بسيطة التي تتطلب استحضار أو تمثل الوضعية. ويمكن البرهنة على ذلك من خلال اختبار معرفي يستعمل عادة لهذا الغرض، حيث نضع أمام طفل، يتراوح عمره بين سنتين وثلاثة سنوات، لعبة صغيرة يرغب فيها، ثم ندخلها في علبة. إن محاولة استرجاع اللعبة، التي لم تعد موجودة في مجال بصر الطفل، تتطلب منه إذن استحضارها ذهنيا أي تمثلها من خلال صورة ذهنية. وقد أكدت هذه الاختبارات أن أغلب الأطفال لا يفلحون في استرجاع اللعبة إلا بعد السنة الثانية من العمر. ويدل النجاح في هذا النوع من الاختبار المعرفي على تقدم في تجريد التفكير. هكذا يمكن تتبع نمو التفكير التجريدي من خلال اختبارات معرفية. وقد بينت هذه الاختبارات أن هذه القدرة على التجريد تتطور تدريجيا في مرحلة ‹‹قبل ـ العملياتية›› ثم في مرحلة ‹‹العمليات الذهنية››. غير أن هذه القدرة في هذه المراحل تظل مرتبطة بالموضوعات والأشياء الموجودة في مجال الإدراك. وقد تصبح مستقلة أكثر عن هذا المجال في مرحلة التفكير الصوري، بل تصبح تدريجيا قادرة على قيادة السلوك والفعل. هكذا يبدو أن النمو المعرفي يتميز بنمو التفكير التجريدي.
العوامل المؤثرة على النمو المعرفي
إن معالجة المفارقة التي تتمثل في ملازمة "العمومية" و"التغيرية" كمظهر مزدوج للنمو المعرفي، تقتضي استحضار ثلاثة عوامل مؤثرة على تقدم هذا النمو: العامل البيولوجي والعامل السوسيوـ عاطفي وعامل التوازن.
العامل البيولوجي :
إن ما يسمح بالتفكير في تأثير العامل البيولوجي هو الانتظام الذي يتميز به النمو المعرفي. ودون الدخول في كثير من التفاصيل ينبغي التأكيد أنه لا يمكن أن يتحقق النمو المعرفي دون اكتمال الجهاز العصبي الذي يحدث، في جزء كبير منه، تحث مراقبة وراثية. غير أنه يمكن أن يتبادر للذهن فكرة مبسطة تجعلنا نفكر أن الانتظام الملاحظ في النمو يعزى إلى ‹‹برمجة وراثية›› خاصة بالجنس البشري، والتي تفسر انتظام وتوالي أنواع التفكير التي تحدث عبر النمو المعرفي.
في الواقع فإن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، حيث لم يتأكد إلى حدود اليوم أن تغيير التفكير تحدثه بشكل آلي وكلي التحولات المنتظمة للجهاز العصبي. وإذا كان الأمر كذلك كيف يمكن تفسير الفوارق بين الأفراد في النمو المعرفي المرتبطة بعوامل خارجية؟ والحال أن كثيرا من الاختبارات المعرفية أكدت الاختلاف الكبير في النمو المعرفي للأفراد، حيث يصعب معه إيعازه إلى التحولات المنتظمة للجهاز العصبي. إضافة إلى ذلك إذا كان النمو المعرفي هو نتيجة ترجمة سيناريو مبرمج وراثيا، فكيف يمكن تفسير لماذا يظل تطور التفكير الصوري مفتوحا دائما، حيث يتعذر الحديث عن تفكير صوري مكتمل ونهائي؟.
هكذا يمكن اعتبار أن العامل البيولوجي ضروري للنمو المعرفي لكنه غير كافي. إنه ضروري لأن القدرات المعرفية التي يعبر عنها الكائن البشري لا تكون ممكنة إلا بفضل نظام جهازه العصبي. وإنه غير كافي رغم ذلك، لأنه لا يمكن أن ننسب إليه التغيرية (الاختلاف في وثيرة النمو بين الأفراد) التي يتميز بها النمو المعرفي، مما يجعلنا نفكر في العامل السوسيوـ عاطفي.
العامل السوسيوـ عاطفي :
إن تأثير الظروف الاجتماعية والعاطفية على النمو المعرفي تبدو بديهية، غير أن الإشكال الرئيسي يتمثل في توضيح وفهم التفاعل الذي يقيمه الطفل بمحيطه، وكيف يكون هذا التفاعل مصدر تقدم النمو المعرفي؟ سنتطرق إلى ثلاثة مجالات لتوضيح هذا الأمر:
يتعلق المجال الأول بما يسمونه السيكولوجيون (أنظر Spitz 1958 و Bolwby 1978 ) بالارتباط أو التعلقL’attachement ، ويتعلق الأمر بطبيعة وجودة التفاعلات الأولى بين الرضيع ومحيطه خاصة التفاعل مع أمه. إن الاتصالات الأولى في الشهور الأولى من الحياة سواء عن طريق الجسد أو البصر أو الشم، تمثل الأشكال الأولى للتواصل قبل التواصل الشفهي. وتجدر الإشارة إلى أن أي قصور أو حرمان على هذا المستوى تكون له عواقب وخيمة ودائمة على النمو المعرفي، حيث يؤدي القصور العاطفي المبكر والممتد إلى ظهور أعراض مثل الاكتئاب الذي يتميز بموقف انطوائي للطفل حيث يرفض الأكل والتواصل مع محيطه. لا ينبغي الحديث في هذه الوضعية عن تواصل ثقافي، بل يتعلق الأمر بتجلي بيولوجي صرف لحاجة اجتماعية التي ينبغي إشباعها لتحقيق نمو متناغم للطفل كما أكد على ذلك Zazzo (1974).
ونتطرق ثانيا إلى مجال آخر من التواصل وهو "التقليد" L’imitation، حيث أكد كثير من السيكولوجيين Nadel, Baudonnière,1980)) على دور التقليد سواء في التنشئة الاجتماعية أو في النمو المعرفي للطفل. ويمكن ملاحظة المحاولات الأولى للتقليد منذ الأيام الأولى من الولادة (Fontaine,1984) وتزداد أهميته في النمو المعرفي للطفل إلى حدود السنة الرابعة والخامسة من العمر. وإن تطوره يسمح، حسب بياجي، بظهور الوظيفة السيمولوجية في السنة الثانية من العمر التي تحدد وتسهل بدورها نمو التفكير العملياتي. ويتطور سلوك التقليد عبر التراكم، حيث يحدث في البداية بحضور "النموذج" المقلد (اللام مفتوحة) ويسمى بالتقليد المباشر، أي يقلد الطفل حركات أمه في حينه. ثم يليه التقليد غير المباشر الذي يحدث في غياب النموذج، أي حين يقلد الطفل أباه في غيابه، يصبح رمزيا أكثر بعد السنة الثانية من العمر. هكذا يغدو التقليد بداية حقيقية للنشاط التجريدي للطفل، حيث اعتبر "بياجي" أن التقليد يشكل مصدر تطوير التخيل الذهني، ذلك أن الطفل يستبطن تدريجيا النماذج (الشيمات) عن طريق التقليد المباشر، ثم ينتقل إلى التقليد غير المباشر، حيث يعيد الطفل إنتاج نموذج غائب عن مجال إدراكه، أي يستحضره ذهنيا على شكل صورة ذهنية. ويتطور التقليد الرمزي نتيجة لسيرورة عملية الاستبطان، حيث أن الطفل يعيد إنتاج السلوكات أو المشاهد ( لعب أدوار أو تقليد بطل سينيمائي) وذلك بإعادة تركيب السياق، أي إعطاءه كل الدلالات الاجتماعية والعاطفية. هكذا يشكل التقليد الأداة الضرورية للخروج تدريجيا من التفكير الحس ـ حركي والولوج إلى التفكير العملياتي. غير أنه ينبغي أن لا نعتقد أن التقليد هو مصدر كل التعلمات، فبعد خمس سنوات من العمر يطفو شكل جديد للتواصل ضروري للتقدم المعرفي، إنه النزاع السوسيو ـ معرفي Conflit socio-cognitif (أنظر Doise, Mugny, 1981 ; Perret-Clermont, 1985)
يعتبر النزاع السوسيو- معرفي المجال الثالث الذي يشكل مصدرا للتقدم المعرفي. ونوضح في البداية أهمية هذا الميكانيزم السيكولوجي من خلال مثال بسيط وملموس لنتمكن من فهمه في حالات أكثر تعقيدا. نضع أمام طفل، عمره حوالي خمس سنوات، قضيبين متساويين متوازيين، ونحرك أحد القضيبين في نفس الاتجاه الموازي. سيعتقد الطفل أن القضيب الذي حركناه إلى الأمام أصبح أطول من الآخر بحجة أن طرفه تجاوز طرف القضيب الآخر. إن هذا الطفل مازال في مرحلة ‹‹التفكير القبل ـ عملياتي›› الذي يتميز بعدم القدرة على الاحتفاظ أي أن القضيب لا يحافظ على طوله. في حين أن طفل أكبر منه سنا سيؤكد دون تردد أن القضيبين ظلا متساويين، لأنه يدرك أن القضيب يحافظ على طوله ولو حركناه، ذلك لأن هذا الطفل يمتلك ‹‹تفكيرا عملياتيا›› يمكنه من الوعي بأن الجسم يحافظ على طوله عندما يتحرك. كما يستطيع القيام بعمليات عكسية مثل إعادة القضيب إلى مكانه الأول، على مستوى التمثل، ليبرهن على عدم تغيير طول القضيب.
عندما نضع الطفلين في وضعية نقاش ليدافع كل على وجهة نظره في مقارنة طول القضيبين، ما الذي سيحدث؟ يمكن أن يعبر الطفل ذو خمس سنوات على ثلاثة مواقف: إما أنه سيتشبث بمواقفه ولن يستطيع إدراك التناقض في رؤيته للأمر، وبذلك فإن تفكيره لا يمتلك مقومات الانتقال إلى التفكير العملياتي، وبالتالي فإن المواجهة لن تؤدي إلى تقدم معرفي. في الحالة الثانية يقبل الطفل كل الآراء دون نقاش ويردد كل براهن صديقه، لكن دون إدراك واقتناع حقيقي بأن القضيبين متساويين، ويسمى هذا الأسلوب في التعامل مع المعرفة بالتقليد الإيمائي mimétismeوهو الأسلوب الأكثر انتشارا في ممارساتنا التربوية، وهو أيضا لا يؤدي إلى تقدم معرفي. في الحالة الأخيرة سيدافع الطفل في البداية على حجته وموقفه الذي يتمثل في عدم محافظة القضيب على طوله، لكن سيتشكل لديه الوعي تدريجيا بتناقض حكمه مع الواقع تحث تأثير التفاعل والنزاع الحاصل بينه وبين محاوره، حيث ينتهي بإدماج وإدراك الحجج والقرائن الجديدة. ويسمى هذا التفاعل بالنزاع السوسيوـ معرفي. وينبغي التأكيد على أن النتائج المعرفية الذي يفضي إليها هذا النزاع تعتبر بناءا معرفيا شخصيا وليس تقليدا إيمائيا.
إن اكتشاف النزاعات السوسيو ـ معرفية قد أبرز الدور والأهمية الكبيرة التي يمكن أن تقوم بها التفاعلات الاجتماعية في النمو المعرفي، خاصة في الفضاء المدرسي حيث أن الأطفال سيواجهون وضعيات متنوعة تثير نزاعات سوسيو ـ معرفية. ورغم أهمية هذا العامل في تسريع إيقاع النمو المعرفي وتسهيل عملية الانتقال من مرحلة معرفية إلى أخرى، إلا أنه لا بد من توضيح بعض الجوانب لرسم حدوده:
في البداية ينبغي التأكيد على أن النزاع السوسيو ـ معرفي لا يحدث قبل سن الرابعة، أي ينبغي أن يصل الطفل إلى مستوى من النمو المعرفي الضروري يمكنه من الوعي بالتناقضات المرتبطة بنوع الحجج والبراهين التي يعتمدها في تفسيره للأمور. هكذا يبدو إذن أن النزاع السوسيو ـ معرفي لا يصبح مصدر تقدم إلا بعدما أن يمتلك الطفل قدرات معرفية ضرورية للوعي بالتناقضات.
ليس النزاع السوسيوـ معرفي مجرد تقليد إيمائي ولكنه إعداد شخصي، حيث أن الطفل هو الذي يقود معركة تجاوز تناقضاته مع الواقع وذلك بتعديل حججه وبرهنته من خلال الاقتناع والفهم الواقعي للوضعية عبر تشكيل تمثل شامل للوضعية، إذ ينبغي أن يقتنع أن القضيب الذي تحرك ظل له نفس طول للقضيب الآخر، حيث أن هذا الأخير يتجاوز بدوره القضيب المتحرك من الطرف الآخر. هكذا يمكن أن يحصل تجاوز معرفي من خلال تنسيق نشط لمعطيات الوضعية. وكذلك من خلال توظيف عمليات ذهنية جديدة مثل القدرة على الارتداد أي ما تسمى بالمعكوسية الذهنية réversibilité mentale أي إرجاع القضيب إلى مكانه لكن على مستوى التمثل الذهني.
إن النزاع السوسيوـ معرفي لا يغير ترتيب اكتساب العمليات، ذلك أن عملية الاحتفاظ تتعمم تدريجيا مثلها مثل العمليات الذهنية الأخرى، تشمل في البداية احتفاظ المادة ثم الوزن ثم الحجم. أي أن الطفل الذي بلغ مستوى احتفاظ المادة لا ينتقل مباشرة إلى احتفاظ الحجم، ولو تحث تأثير تفاعل سوسيوـ معرفي، بل ينبغي قبل ذلك امتلاك القدرة على محافظة الوزن.
هكذا يتبين أن التفاعل الاجتماعي وضمنه النزاع السوسيوـ معرفي لا يخلق البنيات المعرفية بل يسرع في إيقاع نموها. لذلك يعتبر العامل السوسيوـ معرفي ضروري لكنه غير كاف لوحده ليحقق النمو المعرفي. إنه ضروري لأنه يقدم نماذج للتقمص النفسي والاجتماعي والشعور العاطفي ويسمح بالاحتكاك الثقافي عبر المقابلة والنزاع، وإنه غير كافي لأنه هو نفسه سيؤثر بدوره على عامل داخلي للنمو يسميه "بياجي" (1975) بعامل التوازن.
عامل التوازن
يتعلق مفهوم التوازن بتحليل مسألة: كيف يعد الكائن الحي وينفذ استراتيجيات قصد بلوغ أهداف ويتجاوب بشكل ملائم مع مؤثرات المحيط؟ لا شك أن المؤثرات الدائمة للمحيط تخلق لدى الكائن الحي ارتباكا وإزعاجا داخليا يفرض البحث عن تعويض، يسمي "بياجي" هذه السيرورة ب‹‹التوازن›› ‹‹l’équilibration ››. ويعتبر النزاع السوسيوـ معرفي مثالا يوضح هذا المنظور، ذلك أن الطفل في مستوى متقدم من مرحلة الحس ـ الحركي عندما يحتك بأطفال من مرحلة ‹‹قبل ـ العملياتي›› ويحدث نزاعا معرفيا بينهم، سيتولد لدى الطفل الأصغر وعي بتناقضاته التي سيشكل مصدر اضطراب وارتباك فكري يدفعه للبحث عن حل أو تجاوز هذا التناقض، أي تعويض هذا الاضطراب المعرفي. إن هذا النشاط التعويضي مرتبط بالمستوى المعرفي الذي توصل إليه الطفل، حيث يخضع إلى منطق التحصيل المعرفي الذي يفرض التدرج والاستمرارية.
إن تأثيرات المحيط يمكن أن تنتج عن تفاعل اجتماعي كما يمكن أن تنتج عن تفاعل مع الأشياء سواء كانت مادية أو ذهنية. حينما يحاول الطفل قبض وإمساك أشياء مختلفة في وضعيات مختلفة فإنه مطالب باستمرار بتغيير تنظيم حركاته ليلائمها مع تأثيرات المحيط (التي تتمثل في تنوع الأشياء الجديدة في وضعيات متنوعة). إن محاولة الملاءمة وتعويض الحركات بحركات أكثر تطورا للإمساك بشيء في وضعية أكثر تعقيدا هي في الواقع محاولات لخلق توازن داخلي. وينبغي التأكيد على أن المظاهر الأساسية لسيرورة التوازن تتمثل بداية في كونها تظهر منذ الولادة وتعكس أهمية النشاط الذاتي في النمو المعرفي، ذلك أن أي تقدم لا يحدث إلا بالمجهود النشط للفرد. غير أن التوازن الذي يحاول الطفل أن يحدثه ليس سيرورة ميكانيكية، بل هو محاولة تسوية، واستباق، وعودة للوراء، التي يمكن أن تتخلل بالنجاح أو بالفشل أو بالنجاح النسبي. ويرتبط النجاح في النشاط بالمسافة القائمة بين المستوى المعرفي للطفل والوضعية ـ المشكلة الذي يريد فهمها.
وخلاصة القول فإن عوامل النمو الثلاثة ضرورية لإحداث النمو المعرفي غير أن مفعول كل واحد على حدة يظل غير كافي، بل إن تفاعلاتهم فيما بينهم وحدها تشكل مصدر تقدم في هذا النمو، حيث لا يمكن إحداث التعويضات النشطة، التي تمثل قاعدة لبناء المعرفة، إلا بفضل إمكانيات الجهاز العصبي وتنوع مؤثرات المحيط. إن تداخل هذه العوامل هو الذي يحدث النمو المعرفي ولا يمكن أن يعزى لواحد منهم فقط. هذه المعطيات تدفعنا للتساؤل إلى أي حد يمكن أن يتدخل البيداغوجي في هذا السيناريو لدعم النمو المعرفي؟ وإلى أي حد تكون السيكولوجية المعرفية مفيدة له؟
مساهمة السيكولوجية المعرفية في البيداغوجية
حاول بياجي أن ينشئ ابستمولوجية تكوينية للإجابة عن السؤال: كيف تنشأ المعرفة؟ وقد قدم جوابا دو نزعة بنائية تعتبر أن المعرفة تبنى أكثر مما تنقل. ويقتضي هذا المعطى الإبستيمولوجي تحولا في الممارسة البيداغوجية، حيث يفترض الانتقال من بيداغوجية تقوم على نقل المعرفة إلى بيداغوجية تفتح المجال للنشاط الذاتي للطفل ليقود عملية بناء معارفه وذكائه عبر الفعل والتفاعل والاحتكاك بالوقائع.
تتمثل إذن أهمية هذا المنظور السيكولوجي في الإتيان بأسس صلبة وفاصلة مكنت من خلق دينامية في حركية التربية الجديدة، وتتمثل في عدة جوانب: أولا جعلت المتعلم عنصرا فاعلا في بناء معرفته، حيث يقتضي ذلك بالضرورة أن يكون نشطا على مستوى قدراته المعرفية والحس حركية في مواجهة المحيط، باعتبار أن التعلم يتحقق في جدلية بين التفكير والفعل. ومن جانب آخر فإن الفشل المعرفي الذي كان يعتبر خطيئة أضحى مصدرا للتقدم المعرفي، ذلك أن الفشل يعبر عن اختلال توازن متقادم وجب تعديله وإرساء توازن متقدم مبني على إضافات ومعطيات جديدة صلبة أي عن تعلم. وبما أن المعرفة لا تبنى بشكل خطي كما أنها ليست قبلية أي موجودة سلفا قبل الفعل والتفكير، بل إنها تبنى انطلاقا من الفعل الذي يخلق معرفة جزئية تتراكم وتتوسع وتتأسس على شكل بناء متراص ومتلائم ومتناغم ومتنامي. لذا فإن التعلم ينبغي أن يتم عبر حل مشكلات في وضعيات متنوعة ومتدرجة في الصعوبة والتعقد، وذلك حسب المستوى المعرفي ومرحلة النمو المعرفي. مما يفرض بالضرورة على البيداغوجي الاطلاع وتملك هذه المعرفة حول سيكولوجية الطفل.
لا شك أن غاية السيكولوجية تختلف عن غاية البيداغوجية، حيث ينحصر اهتمام السيكولوجية المعرفية مثلا في إعداد نموذج منسجم يفسر الوظيفة الذهنية للفرد في كل مراحل نموه المعرفي، في حين تعتبر البيداغوجية مجموعة من المعارف العملية التي تمكن من ملاءمة ورفع جودة تدخل الفاعل التربوي. وتشكل السيكولوجية المعرفية أحد هذه المعارف التي سوف تدعم وتؤطر الممارسة البيداغوجية، حيث إن كل مربي في حاجة إلى معرفة عن الوظيفة الذهنية للفرد التي تقود مواقفه في علاقته البيداغوجية بالمتعلم، والحال أن السيكولوجية المعرفية تقدم معطيات علمية عن هذه الوظيفة. ومثال على ذلك أن مستوى قدرات الفرد على التجريد يحدد نوع التفكير الضروري للولوج إلى المعرفة، كما أن التقدم في بناء المعرفة يفترض وجود اعتقاد (تمثل) أولي حول موضوع المعرفة الذي يتأسس عليه الانتقال من معرفة أولية أو قناعة إلى قناعة أخرى متقدمة عبر التفاعل والنزاع السوسيوـ معرفي، وليس عبر التقليد الإيمائي الببغائي كما هو سائد في ممارساتنا التربوية، وأن هذا البناء المعرفي يقتضي مجهودا شخصيا، مما يحتم بالضرورة أن تكف الممارسة البيداغوجية على الاعتماد على الخطابة والحشو والتلقين السائدة في سلوكنا البيداغوجي، وتتجه نحو خلق وضعيات تمكن المتعلم من قيادة بناء معارفه وذكائه انطلاقا من تمثلاته الأولية وعبر الاحتكاك بالواقع والفعل فيه وعبر النزاع السوسيو معرفي والاصطدام والمحاولة والخطأ.
غير أنه يمكن أن يعتقد القارئ أن الأداء الدراسي مرتبط فقط بالنمو المعرفي، بل إن الأمر أعقد من ذلك، حيث تتدخل عوامل أخرى مرتبطة بتحفيز المتعلم على التعلم التي تتأثر بالسياق السوسيوـ عاطفي والعلائقي القائم في المدرسة والأسرة. إن الأمر لا يتعلق فقط بالمستوى المعرفي بل بالحافز الذي يمكن من استثمار هذه القدرات المعرفية في التعلم الدراسي. ويصبح مشروع البيداغوجي هو خلق الرغبة في التعلم التي تجعل الطفل يستعمل كل موارده الذهنية والمعرفية. ويقتضي ذلك بالضرورة البحث عن أسباب الصعوبات الدراسية من خلال اختبارات معرفية تحدد مصدر التعثر، أي تحدد الحالات الناتجة عن تخلف في النمو المعرفي، والحالات الناتجة عن غياب التحفيز، حيث أن لكل حادث حديث. وهكذا يتبين أنه لا يمكن للسيكولوجية المعرفية أن تقدم حلولا جاهزة للمربي، بل تقدم معلومات دقيقة وعلمية حول الوظيفة الذهنية والنمو المعرفي للطفل التي يمكن أن تجعل من تدخل البيداغوجي أكثر ملاءمة وفعالية. تلك هي حدود السيكولوجية المعرفية في علاقتها بالبيداغوجية، وتظل البياغوجية مهمة المربي.
*المختار شعالي : مفتش في التوجيه التربوي
المراجع:
المختار شعالي :التوجيه التربوي – الأسس النظرية والمنهجية، منشورات صدى التضامن، دار النشر المغربية، الدار البيضاء،2012.
- François Testu et col : De la psychologie à la pédagogie , Edition Nathan , 1991 (chapitre3 : Que peut apporter la psychologie cognitive au psychologue ? par Roger Fontaine , page 71)
- Viviane De LANDSHEERE : L’éducation et la formation (1992).