التعددية الثقافية و محنةُ المثقف العراقي - بقلم: مُحمَّد الأحمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسخبر المثقف العراقي جيدا مساحة العالم الجديد، بدراية نافذة، تحت مظلة عالم الثورة المعلوماتية، المنحدرة ككرة الثلج من الأعلى إلى الأسفل، وكلما وصلت إلى مستوى ما زاد حجمها، أزادت سرعتها، وبقدر ما نزل الى ساحة بلده من طامعين اقليميين، بقي كمثقف حريص؛ متطلعاً بعمق إلى اغلب موروثاته، وموروثات الأمم الأخرى، صار مستشرفاً على ما يجري من تغيرات على خريطة العالم الذي كان رازحاً تحت نير -الحاكم بالدكتاتورية المفرطة، إذ كان موقناً بان ما من حال يدوم، فثمة أنظمة اتخذت من الديكتاتورية سدّا منيعاً لتطبع أنظمتها الثقافية، على أساس (بأنك تستطيع أن تقيد الناس بسلاسل أقوى من الحديد عن طريق أفكارهم هم أنفسهم- ميشيل فوكو)، صار المثقف يرى اقرانه منقسمين إلى جهتين متعاكستين في الاتجاه، الآخر إلى أقصى اليمين تطرفاً، واليسار إلى أقصى اليسار تطرفاً، فالقلق والأمل صنوان لعملة واحدة على الرغم من تعارضهما. قلقهم في التغيرات المتينة للمستحدثات التقنية التي تفرضها القاعدة التكنولوجية، والتي تسير قدما بلا تأخر لتكتسح كل ما حولها، وما كان قديما في الفكرة والاستخدام يجده قد تفتت إلى نتفٍ صغيرة، وربما باتت لا تعني أحدا ابد، (فالفكرة الجيدة لا تذهبها سوى الفكرة الأفضل) والقسم الثاني من المثقفين قد وجدوا أنفسهم أمام عاصفة قوية من الإقتلاعات العلمانية، والأجتثاثات الإقليمية، فصار لزماً عليهم أن يتمسكوا بما كانوا يؤمنون به، أو ما كانوا يعملون به، يطوروه إلى الأفضل، و إلا عليهم بان يسلموا لما استحدث. فالثقافة وعياً في الوعي، والأداة، والمكان، والزمان. والمثقف هو من يعمل وفق نظام ما يكون عليه لزما الحضور في زمنه، ومكانه، مدافعاً بعلمية عما يراه جاداً، وجدياً، وفيه طموح لأن يطور ما كان يستحق التطوير، مستحدثا أنظمة غالبا ما تكون متداخلة من ثقافة الآخر، وربما، يكون المحتوى نفسه يسير حثيثا داخل المتعارضات بالتسميات، ويصبان في هدف واحد هو كيفية توسيع القاعدة لكل منهما على حساب الآخر. يكون المستشرف لما يجري أمام ناظريه، وقد أنجز ما يسمى بالتعددية الثقافية، كونها استعراض مقارن ما بين خيارات معرفية للأنظمة الثقافية؛ التي تشمل وحدات المعرفة بكل ما يتناوله الإنسان المعاصر، فهناك زلازل تهزّ هزّاً عنيفاً كل ضعف، وهي أنظمة (العسكرة) العلوم العسكرية، ونقلها إلى حقل الثقافة، أو بتعبير أصح، إلى بقية المجتمع والتاريخ، فتم تعميم مفهوم (العسكرة) الثقافية بحيث لم يعد مقتصراً على غزو الجيوش، هناك غزو عام.. غزو التجارة والسلع والأجهزة الالكترونية، وهناك غزو للقيم والعادات والتقاليد تتنافس في تحقيقه الفضائيات، ووسائل الدعاية. تعددت وسائله، وصار المثقف ينظر إلى مفهوم الغزو الثقافي في معانيه العديدة، وإتساعاته المفهومانية، قلقاً بشأن وجوده، و مبهماً فيما يطرح عليه من جدل مفاهيمي بين قوى الحداثة وقوى التقليد، فالتيارات القومانية استخدمت هذا المفهوم أيضاً، دفاعاً عن ما كانت تطرحه لجمهورها، كشعارٍ سياسي ضد التيارات الاشتراكية في الخمسينات والستينات. 
وراحت العسكرة تغلف هذه المفاهيم كلما اشتدَّ الصراع بين الأطراف المتصارعة على الثروات والمواقع الإستراتجية، كذلك في ظل الصراع السياسي بين التيارات الأصولية والتيارات الليبرالية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، كان العامل الاقتصادي على الدوام هو المحرك لهذا المفهوم (الشعار)، والمثقف المحايد يأخذه الذهول مما يكون عليه من تعدد في المفاهيم، وبين التطبيق الذي يجري عليه، وعلى أقرانه بمختلف المناهج، ولتستثني القيم الحقة، كونها أقنعة من اجل أن تعبر بالخطابات إلى ما تريد. ففي نهايات القرن التاسع عشر تنوعت الثقافات، الثقافة القدرية، والثقافة الاستعمارية، والأفكار المستوردة، والعقائد الدخيلة، وغيرها من الصيغ والشعارات التي تكرس لاحقاً في تعبير العسكرة الفكرية. تنتمي إلى الصراعات السياسية والصراعات الأيديولوجية. من اجل الهيمنة على الثقافة والهوية والتاريخ، والجغرافية، والثروة، وصارت قيم التنوير والنهضة والعقلانية والحداثة التي ظهرت لدى الآخر تسمى من الآخر غزوا ثقافياً، من بعد أن أصبحت قيماً كونية، و تراشقت التهم على (فلان) مثلاً داعية للآخر ومنبراً من منابر الغزو الفكري حين دعا إلى الشك (الفلاني)، وتطبيقه في تفكيك تقنيات الثقافة الأخرى. بينما (فلان) يتصدر الواجهة القريبة، كونه من نظام لا يختلف، ويكون الإنسان على الدوام هدفاً، لأجل أن يدجن بواسطة خطابات منظمة، تعسكره ساعة تريد، وتطويه كورقة عمل تأجل العمل بها، ولكن هيهات ذلك على المثقف. ولعل المثقف العراقي الوحيد من بين أقرانه في العالم الأرضي أجمع، بقيّ يخاف من أن يُحدد الأشياء الحقيقية التي تتعمد النيل منه، وتدجينه، فهو يعرف النتائج قبل أن تحدث الحوادث، ولكونه عزيز النفس يعرف المسميات بمعانيها الحقيقية، ويسمي الأمكنة بخرائطها الحق، بقي مقصياً بين اشدّ الأقواس وضاعة، ومسورا بين مسمياتٍ أخرى وهمية، واهية، فارغة المحتوى، لا يقدر على أن يسميها بمثل ما يراد لها أن تسمى، رغم تمكنه من مسميات محيطه، ورغم ما يلمّ به من ظرف سياسي قاهر؛ ليس لكونه بلا دستور يحميه مما بعد الرأي، أو هوية تجعله حرّاً في مكانه من بعد أن صار عليه مكانه اشدّ الأماكن حسراً، إذ جعلتهُ ظروفه الاستثنائية، اليوم، حجزا تحت ركام ما تركه الاستبداد، والانحلال، فباتت إشاراته مكشوفة، ومراميه معلومة، حيث تقربت منه فوهة المسدس ولامست برودتها صدغه، والسيف الحاد مسلطاً على رقبته، و انه يمشي على سلك رفيع مربوط بين جبلين ومن تحته تسعر أتون تلتهب، وأي خلل في موازنة الخطوة سوف تكلفه غالياً، فبقي يمشي بدقة آماله الكبار إلى بعض غاياته، من بعد أن ثبتت لديه القناعة بان ما تحت قدميه يتصارع حولها الطامع بالثروة، والموقع الإستراتيجي، بنظام اليقين الذي يفرض حضوره على مستوى النصوص المبثوثة، و مستميتاً من اجل أن يبقى ما يستطيع من الدهر، و لا يستهن بقدرة علمه، ويريد أن يُهيمن كاملاً على إنسانيته، ويفرغها من محتواها، فارضاً عليه ما يرى، ومثبتاً ما يريد أن يثبته، ومتسلحاً بحذره بأنه لن يغفل عن خاصته، وسوف يحارب بما ملك من أسلحة تقليدية، أو غير، كلّ من يريد أن يلتهم منه طريدته، وغالباً ما تتغير العلوم الإنسانية إلى تكنولوجيا تخترق الزمن وربما تقصيه منجزة به ما يفوق المفاهيم السابقة للمسميات، برزت التعددية الثقافية، وصراعاتها، عبر سهولة تلاقحها بالاتصال والنشر فضائياً عبر (التلفاز)، أو (الانترنيت) سعياً نحو تثبيت الأنظمة، والوعي بآليتها. فكل نظام يريد زرع خطابه بشتى السبل، (أن القصص تغدو الوسيلة التي تستخدمها الشعوب المستعمرة لتأكيد هويتها الخاصة ووجود تاريخها الخاص، وإنه لمن الأفضل بشكل عام أن نكتنه التاريخ ونستجليه بدلاً من أن نقمعه أو ننكره- ادوارد سعيد) ببراثن التحقيب الساعية للولوج في متاهات التاريخ التقليدي، من اجل إخضاعها لآليات التغيير الثقافي الذي بقي يعاني الإهمال، خاصة الذي بقي طويلا تحت وطأة نظام متعنت كان يريد أن يهمن حتى على الأحلام ليضمن حماية نظامه، بالإخضاع والهيمنة التي تفرضها سطوة قوته. فتصير اليوم، بعده، المثقف في محنة متفاقمة، ولا يتوقف الأمر عند تحديد هذه العلاقة بل يتخطاها نحو البحث في دالة التلاقح، مع الفاعل الثقافي بوصفه مكافئاً للفاعل السياسي والاقتصادي في تصنيع، وتهذيب، وتشذيب تلك العوالق المتخلفة. من بعد أن قيض لها أن تبسط حضورها أمامه على الواقع بكل قوة. وهو يواجهها بكل تفتح كونه ابن أول الحضارات . حيث زمن التحولات التقنية الخطيرة، في عصر العولمة الراهن حدثت عدة اختراقات لما كان ثابتا وحصينا في نظرية الثقافة الواحدة، وقد وصل ببعضها إلى أن تتفكك، وتصبح في غضون محدودة على فكرة ما موجودة في متحف الأفكار الإنسانية العتيقة، قد كانت في يومها فاعلة كالشيوعية التي أنتجها المعسكر الشرقي في أيام الحرب الباردة. وأيضا دعم التيار الديني من قبل المعسكر الغربي، وأخذت تحضر إلى المشهد الثقافي، الإعلامي عدة مؤشرات من بعد أن أجاد ركبها الإعلاميون الفطاحل العاملون في أذكى المنابر الموجهة للاستحواذ على ذهن من تريد الاستحواذ عليه، وحتى استطاعت أن تكون لبنة أساسية من تلك الحرب الباردة التي تجري فوق رأس المتلقي، وخاصة من عرف هدف الخطاب قبل معناه، وقد بات عليما بها خاصة من بعد أن خبر أجواءه المشحونة بالمتصارعين عليه، والنقائض تكشف النقائض (المحللين والخبراء الدوليين يتوافقون على القول إن المنظمة العربية هي المنظمة الوحيدة التي تعرف انكفاءً ونكوصاً على الصعيد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي[1]). فمن بعد أن حضرت نقاط الاتصال الفائقة إلى عصرنا صار المتلقي أكثر استقبالا للمتضاربين في الرأي الواحد، وصار الكلام يكشف الكلام الآخر، وخصوصا المنطقة قد شهدت انعطافات كبيرة في المشهد السياسي، من بعد أقصي من أقصي، ومات من مات. فتكشفت الأوراق وصارت الحروف اغلبها صالحة للقراءة، ومبذولة كالماء لشاربه، فما عاد احد يستخدم طرقا قديمة للتعامل مع متلقي تجري أمامه قضاياها عارية، رغم العمليات التزينية لأجل أن تخرج في أبهج حللها الجديدة، والتي تخضع لإكراه مزدوج، داخلي من قبل السلطة الحاكمة، والسلطة الخارجية لأجل المصلحة الإستراتجية (في آن واحد تأتيها من نظمها التي تتباطأ في الإصلاح السياسي والاقتصادي إن لم تعاديه؛ ومن النظم الأجنبية التي تضغط عليها لتنخرط في مسار الديمقراطية والحداثة الغربية). بقيت تلك كضغوطات أجنبية مستمرة، ولابد من التفريق من قبل وعي المثقف، وبين ما يريده العالم التقني من تغيير في الأوضاع العربية لكي يساهم العرب في توفير الأمن العالمي، وبين ما تستهدفه أميركا لتوظيف هذه الأوضاع في خدمة مصالحها المختلفة لأجل أن تطرح نفسها زعيمة العالم الجديد، عالم ما بعد الحرب الباردة؛ وما برح المثقف معانيا مفزوعا من نتائج ما يجري أمام عينه واستخفافا بوعيه، لقد أصبح معظم المثقفين والسياسيين يرون أن الحل للخروج من هشاشة النظم العربية ومن تفكك مجتمعاتها، إنما يكمن في وسائل الإعلام الحديثة لأن تفتح مجالاً سجاليا بالتواصل، ليشكل واقعية التغيير ومساحة حاضنه. وبقي المثقف ينظر إلى وسائل الإعلام وهي تترابط بضرورة لا فكاك منها مع العولمة التي أصبحت جزءاً من المفردات اليومية المستخدمة والتي أصبحت شاملة لما هو اقتصادي، واجتماعي، وثقافي والتي تشكل بواسطة الاتصاليات الفائقة السرعة محركاً من محركاتها إن لم نقل هو قاعدتها من بعد أن أصبح العالم (قرية)، فقد تشابكت النظريات بالجدل محللة من قبل المؤرخين وعلماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة بما يمكن من استيعابها وسار التحكم بها في عديد من المجتمعات البشرية، كل مجتمع يريد فرض جذره الفكري على أساس العلاقة الاتصالية الجديدة، وصار الكل حاضراً يناقش، يحاجج، ويؤجج أيضاً النزاعات العرقية في الوقت الذي ما زالت تحتاج معظم الأطروحات فيه إلى البحث والتحليل ويصعب التكهن بانعكاساتها التي تختلف حسب أوضاع هذه المجتمعات الفعلية، وموضوعية عمق رسالتها، وصارت المجتمعات الهشة تؤيد الانغلاق، والتزمت بما ملكت أيمانها، وصارت تتجنب الخوض الموضوعي عبر مسألة الاتصال مع مختلف الحضارات الحاضرة، وقد غيرت تلك النوافذ مجمل المعطيات والنتائج، إذ خلفت تفكيكا ما في بعض المفاهيم، هنا، وهنالك تطرفا مغرقاً، وصار الجزء يتمرد على الكل، فمنذ مطلع الستينات بوجه خاص وحتى (المجتمع الإعلامي) الحديث أصبح التنافس فاعلا على امتلاك هذه الوسائل وشبكاتها العالمية كواحدة من الوقائع الدولية الجديدة، إذ باتت هذه الشبكات لا تبث أخباراً وحسب. وإنما تنقل أيضاً إلى المتلقين معارف وأنماطاً في التفكير والعمل وتقوم بصنع الرأي العام و تؤلب على الأفكار المضادة، وربما تتجاهلها حيث توسع دائرة النفوذ والسلطة لأصحابها، وبهذا تعرض المثقف إلى إرادة القوة، وضغط رأس المال المنفذ، فمنذ القرن الثامن عشر كانت كل سياسة خارجية ولأية أمة من الأمم تقوم على دعائم الدبلوماسية والاقتصاد والقوة العسكرية وإذا كان هذا أمر مفروغ منه، ففرضت نفسها في النصف الثاني من القرن العشرين، ألا وهي الاتصال الثقافي الذي يصعب التمييز بينه بين المثقف المُسيَّسْ طبقاً لأطروحة شهيرة تقول: (كل اتصال ثقافة وكل ثقافة اتصال) ، وهكذا حضرت إلى الأثير الذي يملأ حوض المتوسط الإذاعات كوسائل اتصالية أساسية في المواجهات الدولية الأمر الذي قاد إلى زيادة قدرات الإرسال لإذاعة (صوت أميركا) و(راديو أوروبا الحرة) و(راديو الحرية) منذ عهد الرئيس الأمريكي (كارتر) الذي رفع شعار حقوق الإنسان، واوجدوا منظمات دُعمتْ بقوة لتواجه الأنظمة الاشتراكية، وحلفائها في العالم الثالث المعادية للامبريالية الغربية بما ولد رأياً عاماً تعددياً في شرق أوروبا، وإلى حركة اجتماع انتهت بسقوط جدار (برلين)، وبعدها حضر عصر الفضائيات التلفازية، حيث أطلقت المحطات الدولية، والمنظمات، والمؤسسات الحزبية قنواتها التي تبث طوال اليوم ناهيك عن انتشار (الانترنت)، فقد لعب حضور الرأي الآخر دور عجائبي في اتساع المخيلة، مثلما لعبت الإذاعات دوراً لا يمكن تجاهله في ولادة الحركات الوطنية والقومية في العالم الثالث، واليوم فإن الفضائيات التلفازية لا تعترف بحدود جغرافية للدول، شأنها في ذلك شأن الإذاعة في الماضي، وقد عبرت بحارا واختصرت مسافات هائلة، كونها الناقل الجديد للسياسات الخارجية والصانع الأمهر في صناعة الرأي العام للعالم. فدورها كان واضحا على سبيل المثال (الحجارة الفلسطينية) أو بشأن أحداث (البوسنة) و(رواند) حيث أبدى هذا الإعلام المأساة المريعة لهذه الشعوب، وانعكس ذلك على الدبلوماسية الخارجية لمختلف الدول وشكلت ضغطا على الرأي العام العالمي لأجل وجود حل لها. وقد حضر الأميركيون على الجبهات كافة (إطلاقهم (راديو الصين الحرة) و(إيران الحرة)، فقد توجهوا نحو المنطقة العربية بإقامة إذاعة (سوا) عام 2003م، ومحطة (الحرة) التلفازية التي تشكل حسب (نيويورك تايمز) المشروع الإعلامي الأكثر جدية، الأكثر حيوية و(الأكثر طموحاً للإدارة الأميركية منذ عام 1942)، وتمويل (إذاعة سوريا الحرة) بما يخدم المضي قدماً لتطبيق الإستراتيجية الأميركية المعروفة(، المجيرة تحت يافطة الديمقراطية، أو رفض الحكم الفردي، ولان يكون الحكم من قبل دستور مكتوب مسبقا، وهو الذي يقود الإنسان إلى ما هو مقرر مسبقا، ولا سبيل للاجتهاد الشخصي، كما يؤكد (جان جاك روسو) مؤلف (العقد الاجتماعي) الشهير كان يقول (إن الديمقراطية لم توجد، ولن توجد، لأنه كان يفترض سلفاً وجود دولة ـ أمة تشكل الأساس للحكم في العصر الحديث)، ولم يتخلف المثقف عن مواكبة هذا العصر المشحون بالمعلومات، وانتشارها كأفكار عبر فضاء الإعلام تساهم بتعميم الديمقراطية المفترضة، وتأثر العالم العربي كثيرا، ولكنه بقي تحت قبضة حكوماته التي استطاعت أن تضع له رقيبا ثاقب النظر لأجل أن يبقى محكومها خارج هذا العصر العولمي، وعدم التأثر بمساره. فهذه المنطقة، أو تلك.. مازالت أقل مناطق العالم تمتعاً بالحريات المدنية، والحقوق السياسية، واستقلالية الإعلام، كما يبين ذلك تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية عام 2002، إذ بقي المثقف حبيسا لتلك القوالب الجاهزة، والتي تمنعت عليه، وأقصته كثيرا، حيث بقي كأنه حسير النظر، غير فاعل، ولا يستطع أن يحرك ساكنا بينما الفضاء المحلي يتعرض لإغراق بسيول عرمة بالصورة والصوت اغلبها تتدفق عليه من محطات لم تكن بالمستوى الذكي قياساً بالكتل السكانية العربية، غير المتجانسة (284 مليوناً عام 2003)؛ فبقي إنسانها مسطحا متأثراً بالقشور، و غير مبال بالمتون، يؤول حديثة بقديمه، (فان نقدم الفن باعتباره مضمنا أو شكلا ما هو إلا مسالة اختيار للاصطلاح المناسب، لكن بشرط أن ندرك أن المضمون يشكل، و إن الشكل يملأ، وان الإحساس إحساس مشكل وان الشكل شكل يحس- كروتشة [2]).
فهل نستطيع أن نسأل السؤال بكل جرأة مع خالص تقديرنا واحترامنا إلى العالم الجديد؛ ذلك الخضم الجديد هل أنتج جيلا عريضا من الإعلاميين الجدد لا يستطيعون التمييز بين (الدعاية) و(الإعلام) وبين الإعلام (الرديء) وبين الأصيل المبدع؟....
 
 
 
[1]  فؤاد بن حالة: مؤلف كتاب (صدمة الاتصال العولمي) الذي شغل منصب رئيس تحرير ثم مدير الإعلام والبرامج لإذاعة فرنسا العالمية R.F.I و بقي مديراً مفوضاً لإذاعة (مونت كارلو) الشرق الأوسط، أصدر كتابه الأول  عام 1983 حول (الحرب الإذاعية).
[2] الاستطيقيا (1902م)


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟