اللاجئون الفلسطينيون : بين الحق في العودة و التوطين ! - جمال سلامة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسفي الآونة الأخيرة كثر الحديث عن سيناريوهات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين , وبعيدا عن الإغراق في تفاصيلها والمروجين لها , وإذا كانت عادلة أم ظالمة ,  واقعية أم غير واقعية  ,
يبقى الحل المستند إلى قرارات الشرعية الدولية هو الأكثر عدلا وأكثر واقعية ,  إن لم يكن الممكن الوحيد     .
فقد كان  لإعلان  قيام "دولة إسرائيل" 1948 على الأراضي الفلسطينية وتهجير أهلها بداية الكارثة الوطنية للشعب الفلسطيني والأمة العربية.
ونظرا لان اللاجئين والمخيمات الفلسطينية المنتشرة في فلسطين ودول الطوق المحيطة- شاهد حي على الهمجية الصهيونية وشريعة الغاب الدولية وناقوس دائم للتمرد على هذا الواقع المهين، فقد سعت إسرائيل دائما إلى تصفية هذه القضية من جذورها  لاجئين- مخيمات- اونروا   لإدراكها بان استمرار هذه المشكلة قائمة، يحتم بقاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فمبكرا ومنذ نشوءها طرحت إسرائيل التوطين وإعادة التأهيل كحل لهذه المشكلة وما زالت، وعليه فان إسرائيل ترى أن أي تسوية للصراع القائم يجب أن تنهي هذه المشكلة من جميع جوانبها، فهي ترفض بحث قضية اللاجئين والنازحين الفلسطينيين بناء على أي مرجعية شرعية دولية بما فيها كافة قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وتصر على اعتبار إن الإطار التفاوضي هو المرجعية وما يتم التوصل إليه هو الحل وهو ثنائي بين إسرائيل وكل من فلسطين والدول المضيفة على حدة.
وهذه الفلسفة في الحل جسدتها المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية الموقعة في 26.10.1994 والتي أسقطت قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة كمرجعية للحل، وتنص على التأهيل والتوطين للاجئين والنازحين المقيمون في الأردن كحل، فالتوطين والتأهيل هو الحل الذي تراه إسرائيل لهذه المشكلة.
لذلك ترفض قطعا أي عودة للاجئين والنازحين على أسس قانونية وشرعية وقد قدمت العشرات من مشاريع تصفية قضية اللاجئين لأمريكا وأوروبا وكلها تدور حول توطينهم حيث هم وإعادة تأهيلهم وإيجاد شروط سكن أفضل لهم، وهذا الحل الذي تعتمده إسرائيل، القائم على تصفية ملف اللاجئين في الشتات "بتوطينهم" لا يناقض فقط المصلحة الفلسطينية وانما يتعاكس أيضا مع مصلحة البلد المضيف، إن مشروع التوطين هو مشروع فتنة داخلية بين الفلسطينيين والشعوب العربية.
     وما تغييب المرجع الأساسي الشرعي الممثل بالقرارات الدولية ذات الصلة وتحديدا القرار رقم 194/1947 الخاص بحق عودة اللاجئين، والقرار 237/1967 الخاص بحق عودة النازحين إلا لهذا الغرض.
إن قيمة هذه القرارات الدولية ذات الصلة إنها تكفل للاجئين الفلسطينيين مكانة اللاجئ من الناحية القانونية، وإعطاء قضيتهم بعدا سياسيا يترتب عليه بان اللاجئين ليسوا افردا أو حالات إنسانية هائمة، بل هي جزء من كل، ولهم هوية توحدهم مع هذا الكل، وتمنحهم حق العودة إليه والى ديارهم وتعوضهم عن الخسائر التي لحقت بهم - هذا ما ينص القرار 194 الذي ربط قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة بتنفيذها لذلك القرار، والالتزام بحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والى أن يتم ذلك كلفت الأمم المتحدة جهاز خاص" الاونروا" لتنفذ بالتعاون مع الدول المضيفة إغاثة وتشغيل اللاجئين بقرارها 302/1949،  وتؤكد ذلك دوريا في تقريرها المرفوع إلى الجمعية العامة بان تجديد عملها وخدماتها مناطا بتنفيذ إسرائيل للقرار 194 وتحديدا الفقرة 11 منه الداعية بحق العودة.
إن حق الإنسان في العودة إلى وطنه حق ثابت أكدته العديد من الاتفاقيات الدولية ومن أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1949 الذي جاء في المادة 13 منه:
    " إن لكل إنسان الحق في العودة إلى بلاده"، كما أكدت  ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، وقد أكدت هذا الحق الخاص باللاجئين الفلسطينيين العديد من قرارات هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالقضية  وفي مقدمتها قرار الجمعية العامة رقم 194/1948 والذي ينص في فقرته الحادية عشرة على:
" وجوب السماح بالعودة في اقرب وقت للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم، وعن كل مفقود او مصاب بتضرر عندما يكون من الواجب وفقا لمبادئ القانون الدولي و الإنصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات والسلطات المسئولة.
وتصدر تعليمات إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين إلى وطنهم، وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات، والمحافظة على الاتصال الوثيق مع مدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين ومن خلاله مع الهيئات والوكالات المناسبة في منظمة المم المتحدة".
وقد جاء هذا القرار مكملا لقرار التقسيم رقم 181/1947 ومعالجا لبعض النتائج التي ترتبت على قرار التقسيم ومنها قضية اللاجئين.
إن استناد إسرائيل على قرار التقسيم واعتماده كشرعية دولية لوجودها يفرض بشكل بديهي عليها الالتزام بالقرار كحل شامل دون اجتزاء او انتقاء، بما في ذلك انسحاب من الأراضي التي تم احتلالها تجاوزا لقرار التقسيم، وضمان الحقوق المدنية للفلسطينيين والتي تجعل من العودة والإقامة في الوطن عنوانها الأول، كما أن الاستناد إلى قرار الأمم المتحدة يفرض على إسرائيل الالتزام بالقرار 194- {د.3} الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، وهو بكل الأحوال قرار كاشف لحق الفلسطينيين وليس قرارا منشئا لهذا الحق. 
حق اللاجئين باسترداد أموالهم:
      أولا/ إن هذا الحق يرتبط بشكل ثابت بحق العودة، وان حق اللاجئين باسترداد  أموالهم ينطلق من عدم مشروعية الاستيلاء على هذه الأموال.
وان استيلاء إسرائيل عليها بطرق غير مشروعة ومنها ما يسمى بالشراء.
     لا يكسب واضعي اليد عليها أي حق بها، وان ملكيتها لها سواء كانوا أفراد أو مؤسسات باطلة من الأساس.
ثانيا/ إن مبادئ القانون الدولي لا تقر ولا تجيز لأي دولة سواء في وقت السلم أو الحرب الاستيلاء على الأموال الشخصية، ولا تبيح للدولة المعتدية حق التصرف بها، وان أي إجراء يقوم على هذا الأساس يعتبر باطلا، وبالتالي لا يكسب {المالك الجديد} أي حق من أي نوع على هذه الأموال.
ثالثا/ وفي الوقت ذاته فقد أكد القرار{ 194- د.3}  على ملكية اللاجئين لأموالهم وأراضيهم حيث ينص على ضرورة السماح للاجئين الراغبين بالعودة إلى ديارهم بفعل ذلك، ودفع تعويض عن أملاك أولائك الذين يختارون عدم العودة. الأمر الذي يؤكد أن للاجئين العائدين حق استرداد أموالهم.
     أما في حال اختار البعض عدم العودة، يجري التعويض عن أملاكهم الأمر الذي يثبت مرة أخرى أن الأصل في الموضوع هو إعادة أموالهم إليهم، إن قرارات الأمم المتحدة قد أكدت هذا المبدأ، وبخاصة قرار التقسيم بصفته قرار منشأ إسرائيل، وتحتل أهمية خاصة ومميزة في مدى الزاميتها لإسرائيل.
     وان قرار التقسيم ذاته قد اخضع إسرائيل للعديد من القيود والالتزامات ومنع عليها إصدار أية قوانين تتعارض مع الحقوق التي يحميها القرار ووضع حقوق الفلسطينيين تحت ضمانة الأمم المتحدة وبتصرفها.
     وفي معرض حديثه عن أراضي الفلسطينيين، فقد نص القرار 181 على:
     " لا يسمح بنزع ملكية ارض يملكها عربي في الدولة اليهودية إلا للأغراض العامة، وفي جميع حالات نزع الملكية يتم دفع تعويض كامل وفقا لما تحدده المصلحة العليا قبل نزع يد المالك".
     ويتضح من هذا القرار انه يؤكد على مبدأ ملكية اللاجئين الفلسطينيين لاراضيهم وحقهم الطبيعي باستردادها حيث تم الاستيلاء   عليها بطرق غير شرعية. 
حق اللاجئين بالتعويض:
 
-    حق اللاجئين غير الراغبين بالعودة، بالتعويض عن قيمة أموالهم.
     إن الحق الأساسي  للاجئين هو باسترداد أموالهم عينها، وان حقهم هذا يجب عدم الانتقاص منه أينما وجدوا، سواء داخل وطنهم آو خارجه، وان اقتصار هذا الحق على التعويض عن قيمة أموالهم يجب أن يرتبط بشرطين أساسيين مجتمعين:
الأول/ عدم رغبتهم بالعودة.
ثانيا/ عدم رغبتهم باسترداد أموالهم.
     وفي حال اجتماع هذين الشرطين يجري البحث عن التعويض، وذلك استنادا إلى حقهم في استرداد أموالهم، بغض النظر عن مكان إقامتهم، هو الأساس.
     والاستثناء هو التعويض، الأمر الذي يفرض إتاحة المجال للاجئين للاختيار، حيث أن الحق بالتعويض يرتبط أساسا بحق العودة ويمثل إحدى نتائجه. 
حق التعويض عن الخسارة التي لحقت بالأموال:
     إن حق التعويض لا يقتصر على قيمة هذه الأموال، بل يمتد إلى التعويض عن الخسارة والضرر اللاحق بهذه الأموال لأولئك الذين يختارون استردادها، وكذلك تعويضهم عن المكاسب التي فاتتهم نتيجة الاستيلاء عليها.
     وبالنسبة  لؤلئك  الذين يختارون عدم استرداد أموالهم يجب أن يعوضوا بالإضافة إلى قيمة الأموال، عن المكاسب التي فاتتهم، وفي كلا الحالتين يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار كأساس لاحتساب الأرباح والمنافع التي فاتتهم، وعادت على اليهود كأشخاص وكمؤسسات ودولة نتيجة استيلائهم على هذه الأموال، وخاصة أن أموال اللاجئين الفلسطينيين كانت لها دور أساسي في بناء الاقتصاد الإسرائيلي. 
حق اللاجئين بالتعويض عن الأضرار المعنوية:
     إن الإضرار المعنوية التي لحقت باللاجئين الفلسطينيين بخسارتهم لوطنهم ومدنهم وقراهم وبيوتهم وأموالهم هي اكبر بكثير من القيمة المالية لهذه الأموال، وان الضرر النفسي الذي لحق باللاجئين هو ضرر هائل، وخاصة في ضوء تشريدهم وتشتت أسرهم ومعاناتهم اليومية والبؤس والفقر والتجهيل وتشتت حضارتهم وثقافتهم، وخلخلة بنيانهم الاجتماعي لأكثر من ستين عاما، ناهيك عن الفترة السابقة كذلك.
     إن التعويض عن الأضرار المعنوية لا يقل قيمة عن التعويض عن الضرر المادي، بل تفوقه أهمية وقيمة بعدة أضعاف، وان هذا الحق يبقى قائما ما دامت الأسباب قائمة، وهو حق فردي وجماعي ذو أهمية سياسية ومعنوية بالغة، يجب التمسك بها وإبرازها.
الجهة الملزمة بالتعويض:
     بريطانيا تتحمل مسؤولية مباشرة وأخرى غير مباشرة عن الأضرار التي لحقت باللاجئين الفلسطينيين، فهي تتحمل مسؤولية مباشرة عن الأضرار التي لحقت باللاجئين قبل الانتداب، واخذين بعين الاعتبار وعد بلفور وما لعبه من دور، وما سببه من أضرار.
     كما أنها تتحمل هذه المسؤولية طوال فترة الانتداب عن مسؤوليتها التعاقدية التي يفرضها "صك الانتداب" الصادر عن عصبة الأمم، وان مسؤولية بريطانيا لا تنتهي بانتهاء الانتداب، بل إن مسؤوليتها غير المباشرة عن الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين تمتد إلى يومنا هذا من خلال مسؤوليتها بالنسبة لما اقترفته السلطات الإسرائيلية بحق اللاجئين، وما لعبته من دور في إنشاء هذه الدولة.
     أما مسؤولية السلطات الإسرائيلية فهي مسؤولية مباشرة وأساسية واضحة ولا داعي للدخول في تفاصيلها، ولكن يجوز القول إن هذه المسؤولية تمتد من الهيئات العامة، إلى تلك الخاصة بل والأفراد اليهود الذين أسهموا بإلحاق الضرر باللاجئين الفلسطينيين.
     ومن جهة أخرى تتحمل هيئة الأمم المتحدة، نظرا لمساهمة قراراتها في إنشاء إسرائيل، وكذلك المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية وأساسية بإزالة الضرر الذي لحق باللاجئين الفلسطينيين وإعادة الأمور إلى نصابها.
 
جمال سلامة :   كاتب ومحلل سياسي  فلسطيني

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟