الأسس العقلانية للسياسة العربية ـ زهير الخويلدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

" alwaneينبغي أن ننصف أنفسنا رغم مرارة النقد الذاتي الذي نلسع به جلودنا وعقلياتنا"[1]
تشكو السياسة العربية في مرحلة ما بعد الاستعمار من العديد من الأمراض، إذ مازالت العلاقة بين العرب والسياسة على ما لا يرام، وهذا السوء يشمل الأفراد والجماعات في ذات الوقت وينتشر في الشعوب والأنظمة على حد السواء ويظل يسبب التأخر والضعف ويعطل النهوض والتنمية والاستئناف الحضاري، بل إن السياسة قد أفسدت المعاش والمعاد وصحرت الاقتصاد وجففت ينابيع الإبداع الثقافي، رغم أن العرب يحسب لهم البراعة في فن الدسيسة وتكتيك الانقلاب والتنصل من الوعود ونكث العهود، ولذلك جاز القول بأنهم أبعد الناس عن السياسة وبأن السياسة هي من الصنائع غير العربية. وإذا أردنا دحض هذا الحكم المسبق وتبين الحقيقة من الخطأ حري بنا العودة إلى كتاب المفكر ياسين الحافظ (1930-1978) "اللاعقلانية في السياسة العربية" الذي ظهر عام 1975 عسانا نجد فيه ما به تتأسس معقولية للخطاب السياسي العربي.
في الواقع نال الحافظ شهرة كبيرة بفضل نقده العلمي للتجربة الناصرية في كتابه الباهر: "الهزيمة والايديولوجيا المهزومة"، غير أن هذا الأخير قد حجب مؤلفاته الأخرى الهامة والتي تتضمن أفكارا على غاية من الجدة والابتكار وتقتضي نفض الغبار عنها وتوظيفها في قراءة الواقع السياسي العربي الحالي.

يرى الحافظ أن التجربة الناصرية في مجال السياسة الخارجية قد مثلت اللبنة الأولى نحو تشكل سياسة قومية راديكالية وبداية واعدة للسياسة العقلانية العربية وأنها نجحت في التصدي النسبي للإذلال الاستعماري الطويل للأمة العربية . نجده في هذا السياق يقول: "إن عبد الناصر قد دشن عهدا جديدا في السياسة العربية يمكن أن نسميه بداية العقلانية العربية الحديثة."[2] ولكنه يقوم بنقد ذاتي للناصرية ويكشف عن مواطن الضعف في هذه التجربة التاريخية والمتمثلة في هيمنة الحماسة والعاطفة الشرقية على الخطاب السياسي وافتقار نظام الحكم لطبقة سياسية تحديثية وعصرية.
من هذا المنطلق ماهي المظاهر الأخرى التي تعكس لاعقلانية السياسة العربية؟
تتجلى اللاعقلانية العربية في تأبيد التخلف والتشتت والعجز عن مواجهة التحدي الامبريالي والأسباب التي تقف وراء ذلك هي:
-         فقدان النخب السياسية التوزان والحد المطلوب من المنطق وابتعادها عن الشعوب.
-         عدم امتلاك الحكام النافذين والزعامات الاجتماعية الوعي المطابق لحاجات الواقع.
-         محدودية فاعلية الرأي العام العربي في التأثير وصناعة القرار السياسي.
-         تغليب المصلحة الفئوية أو الطبقية الضيقة على المصلحة القومية المشتركة.
-         تفاقم التأخر العربي العام وتعثر اليسار والارتهان لمشيئة اليمين السياسي الانتهازي.
-         بناء القرار السياسي على الشعور والرغبة وعلى المعتقد والمطلقات والشطح.
"التأخر العربي العام جعل العقل العربي لا يجمع ولا يراكم. مع كل صباح نبدأ تجربة جديدة وننسى تجربة البارحة كما لا نفكر باحتمالات الغد. على الدوام نبدأ من جديد وكأننا ولدنا اليوم."[3]
ويضيف أيضا:" اذا كانت هذه التظاهرات اللاعقلانية موجودة في القطاع اليميني المتأخر، فإنها موجودة أيضا بالنسبة نفسها في قطاعات وطنية أو يسراوية أكثر تأخرا"[4].
لكن ماهي الحلول التي يقترحها الحافظ للارتقاء بأداء المؤسسة السياسية العربية نحو بلوغ درجة العقلانية؟
ينبغي أن ترتكز السياسة القومية الخارجية على المبادئ التالية:
-         التخلي عن المطلقات والقبليات وتنسيب المواقف والاعتبار بالعواقب والبعديات.
-         الانطلاق من الحقائق الواقعة لا من الرغبات والمعتقدات.
-         توجيه الفعل السياسي نحو النجاعة وتحصيل أكبر قدر ممكن من المنافع والفوائد.
-         اعتماد التدرج والمرحلية في تحقيق الأهداف وتقدير أهمية البعد الزمني.
-         استخدام الحساب وتصويب النظر نحو مراكمة التجارب وتفادي الانكسارات والقطائع.
-         بناء القرار السياسي على معاينة قبل اقتحام التجربة وعلى فهم علمي بالواقع واعتماد خطة استراتيجية متكاملة.
-         الانطلاق من رؤية صاحية لهذا الواقع تكون بلا وهم وبلا عقد وإنما عقلانية موضوعية وتتميز بالانتفاعية والمصلحية.
-         التدقيق في سياسة التحالف والصداقة بما يضمن تحيق نوع من التوازن والعدالة في المصالح القومية المشتركة لمختلف الشعوب.
-         تجاوز التوتر بين القومي والأممي وعقد مصالحة بين أركان العقيدة والمتطلبات الدنيوية للناس.
-         التعويل على الثقافة في ترشيد القرار السياسي والإيمان بالدور المطابق الكوني للمثقفين في إعادة انتاج الحقيقة الكلية للتاريخ وتثويرها نحو الأفضل.
هكذا يكون الحل هو توفير الشروط اللازمة التي تجعل السياسي العربي يتفادي الوقوع في مصيدة اللاعقلانية ويكف عن تصدير الأوهام والتلويح بالشعارات ويولي وجهه شطر الفعل السديد. ألم يقل ياسين الحافظ:" نحن لا نطالب بأكثر من أساس عقلاني للسياسة العربية"[5]؟
المرجع:
ياسين الحافظ ،اللاعقلانية في السياسة العربية ،نسخة محملة من منشورات الطليعة العربية:
al-taleaa.info
كاتب فلسفي

 

[1]  ياسين الحافظ ،اللاعقلانية في السياسة العربية،نسخة محملة من منشورات الطليعة العربية: al-taleaa.info/،  ص.117
[2]  ياسين الحافظ ،اللاعقلانية في السياسة العربية، ص.117
[3]  ياسين الحافظ ،اللاعقلانية في السياسة العربية، ص.119
[4]  ياسين الحافظ ،اللاعقلانية في السياسة العربية، ص.119.
[5]  ياسين الحافظ ،اللاعقلانية في السياسة العربية، ص.119


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟