ترقبوا وسَتَروْن؛ إنه الرئيس ماكرون يُلْقي خطابه، ونحن على علم بتفوقه في ذلك، لكنه بخصوص مشكلة الانعزالية [أو الانفصالية ] بالكاد سيتجاوز حد حسن السَّبك هذا.
كان من الواجب على الأوريلانيين Les orwelliens (نسبة إلى جورج أوريل) التفكير في الأثر الدلالي لكلمة انعزالية حتى يتم تَجنُّب استعمال عبارة النزعة الجماعاتية communautarisme، وتلك حيلة، موجَّهة لـ"السيار"، الذي حتى قبل أن يستمع إلى ما كرون، لن يعوزه وصم خطابه بالإسلاموفوبيا. فعناصر لغة تحمل رائحة النزعة الإسلامية- اليسارية تترصَّد وسائل الإعلام على أحرّ من الجمر تَرَصُّدَ القُراد لشعر الكلب.
وهي الفرصة التي لم يتم تفويتها، ففي غضون ربع ساعة تلت نهاية الكلمة الرئاسية، عبر مشيل سودي Michel Soudais من مجلة Politis عن أن النزعة الانفصالية [أو الانعزالية] هي على الخصوص واقع الأغنياء الذين لا يسلكون بكيفية جمهورية بتهربهم الضريبي في الملاذات والجنان الضريبية التي نعرفها. وفي حزب فرنسا الأبية ((LFI)، تم رفع العقيرة على نفس المقام، فمانون أوبيري Manon Aubry، النائب في البرلمان الأوربي من نفس التشكيل، ردَّدَ نفس اللاَّزمة قائلا: "لم يتحدث ماكرون عن الانفصالية والتماسك الجمهوريين: لم يتحدث سوى عن الإسلام، بكيفية استحواذية، وصْم المسلمين، ذلك هو حَلُّه الوحيد كي يحاول إخفاء تدبيره الكارثي للأزمة الصحية والاجتماعية". إلخ
كل واحد منا يدرك أن أرباب العمل لا يسلكون الطرق الواضحة، لكن مهما كان ما يمكن أن نظن بهم، فإنهم لم يقترفوا أي هجوم دموي، ولم يذبِّحوا مواطنين أبرياء، كما أنهم لم يرتكبوا مجازر ببناذق الكلاشنيكوف، ولم يرفعوا عقيرتهم في الشارع بالسباب في حق السامية، ولم يذبحوا قسَّا في الثمانين من عمره وهو يقيم القُدَّاس. لذلك لزم استحضار نداء العقل.
ونفس الشيء مع القاطع الموسيقي المضاد للإكليروس، الذي يظُن أن الخطر الانعزالي أو الانفصالي آتٍ من الكاثوليك الذين تم استيعابهم في طوائف تُعَرِّض للخطر حتى وجود الجمهورية نفسه. وهنا نسأل: متى حدثت آخر وفاة لمسيحي لأجل دينه في فرنسا حيث تم تخريب الكنائس والمقابر؟ لذلك علينا التَّحَلي بالقليل من الجدية.
نفس أتباع جورج أوريل هم من أقدموا على تفعيل برنامج ماكرون الحامل لاسم "في نفس الوقت". لأجل معالجة مشكل الانعزالية أو الانفصالية الإسلامية (بهذا التعبير يوافق على عملية إزاحة ونقل دلالية كبيرة موجَّهة إلى مَحْو لفظ النزعة الجماعية [الجماعاتية] على الرغم من أن الشيء الذي تدل عليه يظل موجودا وقائما بكل تأكيد). وإذن لكي يعالج ماكرون هذا المشكل، أغرى اليمين، ونافق اليسار، وهو بإقدامه على ذلك، بحذاقة إغرائه، أغضب الشرير مثيرا نظراته الحاقدة، كما أثار حنق يدِهِ اليُمنى ! وعندما نرغب في إرضاء الجميع، فنحن في حقيقة الأمر لا نحصد إلا استياءه.
ضربة[ماكرون] جهة اليمين: يطلق اسم "النزعة الإسلامية الانفصالية"، يدعوه إلى استعادة أراضي الجمهورية المفقودة، يعرض مكاسب السياسة الأمنية، يضع حصيلة بما سيتم القيام به: إغلاق المساجد السلفية، القاعات الرياضية التي يرْتادها متطرفون والمدارس القرآنية السرية، وفصل الأئمة والمنشدين الدينيين المتشدِّدين، حضر كل تمدرس خارج إطار التربية الوطنية، اللَّهم إلا إذا اقتضت ذلك مصلحة الأطفال، بداية التمدرس ابتداء من سن الثالثة، فيستجيب مَنْ علَى اليمين بالتصفيق.
ضربة جهة اليسار: يلتمس منه الوهم التَّعاطفي لإسلام تنويري، ويقترح جعل تعليم اللغة العربية أكثر أهمية، كما يريد أن يصير الإسلام تخصصا جامعيا، فهو يرغب في التوضيح الدقيق للحسابات الإيديولوجية لحرب الجزائر من خلال تنفيذ مشروع بنجمان ستورا! Benjamin Stora، فتَمَّ عن اليسار التصفيق بيدية.
لكن في اليمين لم يتم تحبيذ ما قاله كي يتملق لليسار، الذي بدوره لم يُحب ما نادى به ماكرون إغواءً لليمين. وبالتالي فالمجموع سيكون كما العادة لعبة بمجموع صِفْري ؛ لأن ما بيده اليمنى تأخذه يده اليسرى والعكس صحيح.. لقد هيأ الطقوس و أقام التعويذة ،وتكلم، وأعاد تدريجة العدادات إلى الصفر، فكانت المباراة بتعادل سلبي، فعاد اليمين والسيار سيرتهم الأولى ظهرا لظهر !
إن ماكرون هو في نفس الوقت فرنسوا ميتيران وجاك شيراك ونيقولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، وبعبارة أخرى، هو يمثل، نفس الرؤية إلى العالم، إنها تلك الرؤية القائمة على معاهدة ماستريخت، اللهم ما كان من التأثيرات أو التنويعات الأسلوبية؛ بحيث نجد أسلوبا قاسيا و فرعونيا مع ميتران، وأسلوبا مرنا وكوريزيا (نسبة إلى إقليم كوريز بفرنسا) بشكل زائف مع شيراك، وأسلوب حادا ومندفعا مع ساركوزي وأسلوبا رخوا ومنبهرا [حدَّ الظهور بمظهر الغباء] مع هولاند: ماكرون هو في ذات الوقت قاسٍ ومرن، فرعوني وكوريزي بشكل زائف، منفعل ورخو، مندفع ومنبهر: وفي هذه الحالة سيكون من الصعب حكم ما تبقى من فرنسا !
إن أقوال ماكرون الموجَّهة لليمين هي بمثابة كَيِّ على ساق خشبية، وعلاج مثلي لسرطان مستفحل، وإعادة بناء هيكل نوتردام بأعواد ثقاب، أما غمزاته الموجَّهة لليسار، فإنها تقترح إخماد النار بقاذف اللهب الذي أسهم في تَسْعْيرها.
لأن إغلاق موقعين أو ثلاثة مواقع للسلفيين لن يفعل شيئا يُذْكر في مواجهة تطور السلفية في فرنسا: فهذه الفضاءات السِّرية ستُولد من جديد بمكان آخر في اليوم الموالي للإغلاق ! ومن يتولون التنشيط الإيديولوجي لهذه المواقع بالكاد سيتم إجبارهم على نقل ثوب خيمتهم لنصبها في موقع آخر داخل نفس المخيَّم؛ بحيث يكفيهم استئناف ما كانوا يفعلونه في موقع آخر. بذلك يكون رئيس الجمهورية قد أعلن عن عُقار قوي متمثلا في أن فرنسا ستواصل لعب لعبة الغميضة !
كيف يمكننا أن نعتقد بحماقة، أن إجبار قاعة رياضية يتم فيها ترسيخ الفكر المتطرف والتشبُّع به، إجبارُهَا على إيقاف أنشطتها الخاصة بالتأطير المذهبي [التربية العقائدية]، سيكون كافيا لحمل السلفيين على وقف عملهم، وبعبارة أخرى: إيقافهم عن المساهمة في الجهاد وإعداده وتنفيذه على أرصنا !
إن المحيطين بماكرون، وحتى هو نفسه، لازالوا يفكِّرُون وفقا للخطاطة الماركسية اللينينية التي شاخت وعفا عنها الزمن، تلك التي افترضت أيامَ الاتحاد السوفياتي أن هدم الكنائس وحظر العبادات وتحويل كنيسة إلى حوض سباحة، وحرق الأيقونات والفاصل الأيقوني الخشبي في الكنائس، ونفي الكهنة إلى معسكرات الاعتقال [الغولاغ]، كفيل بأن يقطع دابر الإيمان الأرثودوكسي للمؤمنين، ويُخْمِد اعتقاد الناس. غير أن ما حصل بالأحرى كان هو العكس؛ فلمَّا سقطت الإمبراطورية السوفياتية، وانصهر صلب الإيديولوجيا، ما تم اكتشافه هو أن الإيمان ظل على حاله، بل ربما صار أقوى مما كان في العهد السابق على اضطهاده.
إن إغلاق أماكن السلفيين، من مساجد وقاعات رياضية، معناه نقلها من مكانها وليس إلغاءها. فهو لا يعمل بأي حال من الأحوال على تصفية النزعة السلفية. كما أنه لا يزيد المتطرفين بهذا الاضطهاد غير المجدي إلا إمْعانا في تَطَرُّفِهِم.
ولْنُضِف إلى هذا أن النزعة الإسلامية - اليسارية l’islamo-gauchisme تتعلق إعجابا بهذا النوع من القرارات (التي لا طائل ورَاءَها) كي ترفع عقيرتها بالصراخ في وجه الإسلاموفوبيا والوصم والاضطهاد، وسيرى إدوي بلينيلEdwy Plenel أو إستر بنباسا Esther Benbassaأو جان لوك ميلينشونJean-LucMélenchonأن مسلمي اليوم هم اليهود في السنوات التي سبقت الحل النهائي.
ولإغراء الكتلة الناخبة لليسار، أعاد ماكرون تنشيط خطاطة "إسلام الأنوار". والعبارةُ طباقُ un oxymore، إنها بصيغة أخرى تنطوي على تناقضٍ في اللفظين المكونين لها لأن اشتقَاقِيَّة لفظ الإسلام تشهد على أن الإسلام يعني الطاعة والخضوع. بينما الأنوار تشتغل تحديدا على عكس ذلك. فقد صار من باب التقليد الإحالة [بخصوص الأنوار] إلى مقال "ما الأنوار؟" لإيمانويل كانط من أجل معالجة هذا السؤال. والفيلسوف الألماني يجيب بالعبارة اللاتينة لهوراسHorace: "sapere aude"، بعبارة أخرى: " تَجرَّأ على المعرفة"، غير أن ترجمتها الأكثر شيوعا منذ ذلك التاريخ كانت هي: "لتكن لك الجرأة على استخدام فهمك الخاصAie le courage de te servir de ton propre entendement""،" تجرأ على التفكير اعتمادا على نفسه " "Ose penser par toi-même"، فكيف يمكن، والحالة هذه، أن يطيع المرء دينا وأن يفكِّر في ذات الدين اعتمادا على نفسه في نفس الوقت ؟ إما الواحدة : "أطِعْ" أو الأخرى: "فكّراعتمادا على نفسك"، وليس الاثنتان معا. ربما بإمكان ماكرون وحده أن يشرح لنا ما تعنيه عبارة: "أن تطيع وتخضع هو أن تفكِّر اعتمادا على نفسك" ! ، لأن النزعة الماكرونية التي يمثِّلُ تعبير "في نفس الوقت" نواتها الصلبة، لا يمكنها أن تشكل فلسفة سياسية، بل إنها نقيض الفلسفة ، مع كونها، في ذات الوقت، عكس السياسة.
لقد حاول الراحل مالك شبل أن يصنع هذا الوهم، وأن يجمع ما لا يُجْمَع، أي وهْمُ إسلام الأنوار un islam des Lumières. لكن كان يتحتم عليه القفز على كل ما صنعته الفلسفة الغربية: مبدأ عدم التناقض على سبيل المثال الذي يقضي بأن شيئا لا يمكن أن يكون صحيحا هو ضده في نفس الوقت؛ فالجو لا يمكن أن يكون ماطراً وغير ماطر في نفس الوقت [ في نفس المكان].
على سبيل المثال القرآن أنزله الله، عكس الكتاب المقدس الذي يتفق حتى علماء اللاهوت المسيحيون على أن من كتبه هم رجال أوحى لهم الله. عندئذ، يستحيل بالنسبة للمسلم، أن يُصحِّح الناسُ نص القرآن دون أن يسيئوا إليه إساءةً بالغة. حتى دون تجديف. ففي هذا الكتاب المحفوظ والمقدس بالنسبة للمسلمين نجد آيات تزدري النساء، وتجعلهم أقل مرتبة من الذكور، وتمجِّدُ الذكورة والفحولة، وتعادي السامية والمثلية الجنسية. فمن وباسم وبأي شرعية يمكنه التأكيد على أن هذه الآيات لاغيَّةُ وباطلة وتعيق الصواب الغربي سياسيا، دون أن يفتح الباب مشرعا أمام دين انتقائي، حيث نأخذ من الله ما يلائمنا ونترك منه ما لا يسرنا؟ لا يمكننا أن نطيع ما يقوله القرآن ونسلٍّمَ به، وأن نُقَدِّرَ في نفس الوقت، وبشكل حر، ما يقوله نفس القرآن. لأن الخضوع بكامل البساطة ليس هو التقدير بكامل الحرية، وأن نُقدِّر بشكل حر معناه ألَاَّ نكون خاضعين.
الطاعة تنتمي إلى الدين في حين يتحَدَّدُ التقدير الحر، أو ما يسميه أصدقاؤُنا البلجيكيون بـ"الامتحان أو الاختبار الحر"، يتحدَّدُ بالفلسفة، فإما الدين والثيولوجيا، أو الفكر والفلسفة، هنا الإيمان وهناك العقل، وأنا من جهتي اخترت معسكري منذ زمن طويل!
والعمل الآخر هو المتمثل في تعليم اللغة العربية بالمدرسة! لكن أي علاقة لذلك بالإسلام؟ لأنها لغة القرآن؟ لكن ماذا عن ملايين الآسيويين في أندونيسا وفي باكستان وفي الهند الذين لا يتحدثون اللغة العربية، ملايين الأتراك المسلمين الذين لا يتكلمون اللغة العربية؟ ونفس الشيء يقال عن ملايين المسلمين الإيرانيين؟ والأفغان والبنغاليين.
إن المشكل، وإيمانويل ماكرون نفسه ضحية له، هو أن الإسلام لم يتم التفكير فيه من قِبَلِه في كلِّيَتِه وفي عموميته وفي هويته، ولم يتم التفكير فيه سوى داخل الصدى الفرانكو- جزائري الذي استمر منذ حرب الجزائر. ولابد من وضع حدٍّ لموقف الضحية حتى نكتب في نهاية المطاف تاريخا لا يكون تاريخا إيديولوجيا. هذا هو السبب وراء الإِحالة إلى بنيامين ستوراBenjamin Stora، الذي يتم الاستشهاد به بالاسم، ولمعالجة المشكلة لابد من أن نمسك قادف اللهب و نتحكم فيه لأجل إيقاف الحريق ! هذا الشخص الذي كان يحتكر التحكم في حرب الجزائر بفرنسا أو يدافع تقريبا عن تاريخ إيديولوجي من اللازم أن يتم القطع معه.
خلال إقامتي المؤقتة بالجزائر طُلِب مني أن أنظر إلى البروباغندا التي تم نشرها بجريدة المساء من طرف جبهة التحرير الوطني FNL التي كانت تمسك بمقاليد السلطة ! فقد كانت هذه الجريدة جريدة على الطراز السوفياتي فعبر صفحاتها كانت فرنسا تتولى القيام بدور كبش الفداء عن مآسي البلد [الجزائر]، كما لو أن نصف قرن من الزمن لم يكن كافيا، لكي يُلْزِمَ البلدَ بمساءلة نفسه عما فعله بهذه الحرية ! فالرئيس بوتفليقة كان يضايق فرنسا كما كان يفعل سنة 1962 تاريخ نهاية الحرب وتوقيع اتفاقيات إيفيان وفوق ذلك مجيئُه للعلاج في فرنسا !
فإذا وافقت فرنسا على هذه البروباغندا الموجَّهة ضدها في وسائل الاعلام الجزائرية ولم تستنكرها، وإذا تم تلقين هذه البروباغندا على امتداد أطراف البلاد ، وإن كان الانتصار هو حليفها في وسائل الأعلام الفرنسية وعلى مستوى النشر، وفي الجامعة كذلك، وإن تم دعمها ومنح السلطات لمن يدافعون عن هذه الإيديولوجيات في البلد، عندها سيكون من العادي جدا ومن الممكن جدا أن يتم مَقْت فرنسا في الضواحي حيث يتم تقديم الأخبار من طرف وسائل الاعلام الجزائرية التي تمثل نظريتها في وسائل الاعلام الفرنسية تنويعا لها.
يريد إيمانويل ماكرون أن يجعل من الإسلام تخصصا جامعيا، هل يعتقد فعلا أن ذلك سيحُول دون ظهور أتباع الإخوة كواشي في كوليبالي؟ وأن كرسي دكتوراه نعلّمُ فيه دقائق التَّصوُّف سيمنع وجوها جديدة على غرار الكرميش وعبدالملك نبيل بتيجيان الذين ذبحوا القس هامل في النورماندي ؟
لابد من انقطاع صلة المرء بالواقع حتى يكون في دائرة إمكانه تصَوُّرُ أن الإسلامولوجيا l’islamologie المدعومة ماليا من دافعي الضرائب الفرنسيين، والتي يتم تعليمها في إطار جامعي قادرة على أن تُحَوِّل انتباه عملاء الإرهاب المحتملين عن ارتكاب جرائمهم !
ودائما يبقى البرنامج الماركسي اللينيني هو الذي يسند هذه الكيفية في التفكير، أو إن شئْتَ قلْتَ عدم التفكيربالأحرى ... إن المستوى الفكري العالي داخل جماعة بعينها لا يحول دون ظهور الانفعالات الحزينة والعنف والوحشية. لنتذكر مارتن هايدجر الذي كان مثقفا و ذكيا ونازيا في ذات الوقت.
في بداية القرن العشرين كانت ألمانيا التي ستصير نازية، تمتلك فلاسفة وباحثين وعلماء وشعراء وفنانين وموسيقيين بارزين ، كما كان فيها علماء نفس ومحللون نفسانيون وسينيمائيون ومهندسون معماريون ومصممون ومهندسو جودة: ذلك أن الزيادة في الثقافة لا تعمل على تخفيض الكراهية على نحو طبيعي، تلك الكراهية التي بواسطتها نصنع البرابرة بكمية كبيرة . إننا لا نصنع الإرهابيين بقشرتهم الدماغية بل اعتمادا على القسم الذي يشتركون فيه مع الزواحف من أدمغتهم.
لقد تحدث إيمانويل ماكرون عن الإسلاموية دون أن يتساءل حول جنيالوجيتها. قال إن الإسلام لا يسير على ما يرام [ في أزمة] طبعا، إنه يعمل على جعل الأخلاق السطحية والزائفة تنتصر في المجال، ذاك ما يبقى مضمونا في المتناول من أول وهلة ، هل أخلاق الزيف هي ما عوض الأخلاق، هي أخلاق الأزمنة التي خرجت من الأخلاق، إنها ضد الأخلاق وأخلاق مضادة وعدميَّة.
الكل يعرف الحكاية الشرقية حول الحكيم الذي كان يشير إلى القمر والغبي الذي اكتفى بالنظر إلى الأصبع؛ وإيمانويل ماكرون يتعلق أيما تعلق بالنظر إلى الأصابع...
إن ما لم يقم به رئيس الجمهورية الفرنسية هو التفكير في الأمر الذي قاد إلى هنا من أجل مواجهة المشكل والهجوم عليه في جذوره أولئك الذين يريدون إلغاء الجمهورية الفرنسية: فنحن مجردون بالكامل من الوسائل التي تمكِّنُنا من معارضة أولئك الذين يريدون إلغاء حضارة يزدرونها، ويهاجمونها ويزدرونها؛لا يمكننا نحن أن نبيح لأنفسنا ترف الاعتقاد بأن إغلاق مسجد أو قاعة رياضة للسلفيين سينهي مع السلفية بينما تنتقل هي إلى الشارع المحادي لمقرها الأول، لا يمكننا مواصلة الاعتقاد في أن تعليم اللغة العربية بالاعتماد على أموال دافعي الضرائب، سيكون كافيا لأجل تخلي الجهادي عن مشروعه وتركه وراء ظهره- بينما صارت اللغة الفرنسية لغة ميتة؛ لا يمكننا أن نؤمن بشكل محترم بأن خلق كراسي جامعية للإسلامولوجيا، في حين تعاني الجامعة الفرنسية فقر الدم، سيُساهم في جعل من يتلقى تعليما إرهابيا يتحوَّلُ عن مشروعه المميت، الدموي والمشبع بالقتل. لا يمكننا التطلع خلق إلى إسلام التنوير عندما تكون إرادة الإسلام الصريحة عكس ذلك والعكس صحيح؛ لا يمكننا أن نترك احتكار التاريخ نهبا لتصرف الإيديلوجيين الذين يُعمِّرُون كل المناصب ويصبُّون المزيد من النار على الزيت عبر نشر تعاليمهم العقائدية، لا يمكننا السماح للجزائر بنشر نسخة حزبية عن الحرب التي جعلتها في مواجهة فرنسا، نسخ مُعبَّئة لصالح بلد يسخر من الحقيقة مع زعمه وادعائه تشريفها في نفس الوقت.
لقد تم منذ أشهر الإعلان عن هذا الخطاب حول " الانفصالية أو الانعزالية" بوصفه خطابا كبيرا، وها قد تم، وأنصت الناس له.
إنني لأتصوَّرُ سلفيي وإرهابيي المستقبل وقد ارتسمت على وجوههم ضحكة عريضة وهم ينصتون إلى هذا العمل الزائد والطويل من دون جدوى ولا طائل. كما لا يمكنني أن أمنع نفسي من التفكير في ضحك أردوغان، وابتسامات الملالي الإيرانيين، ومرح مسؤولي حزب الله، واستمتاع أمراء العربية السعودية وأمراء قطر ولابد أنهم يضحكون ملْء أشداقهم في باكستان ومالي، وفي أفغانستان ! أتوقف عند هذا الحد ، ولا يسعني إلا أن أقول : مع رئيس مثل هذا ،صارت فرنسا تشعر بالخجل والخزي....
https://michelonfray.com/interventions-hebdomadaires/grand-diseux