1.
هم هكذا
وهكذا هم منذ الأزل
أرض البلاد ونخلها
حبات رملها
والحجل
ريحها البري
والثرى
بحرها الشعري
والحصى يعرفهم
زهرها المنسي
والمدى
كل من حضر
ومن مضى
يحفظهم
جميعا
بلا استثناء
غير أن شعبي الآن
إما أنه منشغل
بنزع الوجوه عن القفاء
أو هو يقتل الوقت أحيانا
بين الشراب وبعض الدعاء
2. ----
اليوم وقبل
وبعد
وبعد غد
هم هكذا وهكذا هم إلى الأبد
لا داعي إذا يا شعبي
لمزاج الملل
وأخلاق النكد
---
يا شعبي
أيتعب الشعب
من شعب صمد
يا شعبي
رأيت شعبا عظيما
قبلك
غادر وطنا سليما
وبعد رحيل الدهر
مات منتشرا
في عرض الصحاري
معزولا ومكسورا
ويتيما
وأعرف شعبا آخر
يعشق الانتخاب
ولا شيء سوى الانتخاب
وينتشي بنزاهة الصندوق وهيئات السراب
انتخاب للغبار
للحفر، للحجر
للرياح ،لسحب في السماء
لأشجار في سواد الغاب
انتخاب لأعشاش الطيور
لفرز القردة
عن البعوض
للفت النظر عن مآدب أخرى
لقتل النمور وترشيح الدجاج مع النعاج
والكلاب
انتخاب
انتخاب لسمر الليالي
انتخاب لأيام الأحد
انتخاب للحرام
انتخاب للحلال
وانتخاب مستحب
جاء يوم الانتخاب
فسلم شعبي البلاد
لأرتال الذباب
وللجراد ولبقايا الشُعب .
3. -----
هكذا هم
لا أكثر و لا أقل
منكشفون
مزيفون بلا أدنى
خلل
لا حاجة لنعرفهم
كي نعرفهم
لا حاجة للكتب
لقارئة الفنجان
لخبراء الشاشات
للمستعربين
والمستشرقين
كي نعرف جرحنا
يا قرحنا أنتم
يا موتنا الحديث
أنتم
يا دائنا الخبيث
أنتم
--
سألت الصمت في صمتي
أأنا مدين أم مدان
أجابني قلقا : أنا لست من هذا
المكان
--
سماهم على ذقونهم قيل
قلت : صباح الخير
قال : السلام عليكم
قلت : أهذه إيديولوجيا التحايا
قال : كفاكم تغريبا وتسييسا للكلام
قلت : وعليكم السلام .
سألت : هل طاب لكم المقام
4. --
هم هكذا ولا جديد في الأفق
سوى خطوات أخرى في ذات النفق
ما رأيكم الآن
هل زاد الغموض أم زال
والآن الآن
منكشفون كالحريق
كأطلال بعثت في الطريق
كجثة نحتت أطرافها في الخلاء
تنتظر من يُحييها بين محاضر التحقيق
كيف لا
المدن والقرى
جنودها
رعاتها وأنا
شعرها ونثرها
ووجه العاملات الملطخ
في كل صبح بالدماء
وتونس تعرفهم
بتفصيل التفاصيل
والجهل الذي اختطفوه
منذ ولدوا من أجله
احتكروه لوحدهم
زينوه لوحدهم
باعوه وزرعوه لوحدهم
جيلا بعد جيل
يا صديقي هم هكذا وهكذا هم
بلا تفكير ولا تأويل
غير أننا مولعون دوما
بحسم المعارك في الوقت البديل .
5. ----
هم هكذا
وهل يخفى الخطر
صدى الأشياء
وصدى البشر .
--
دمع يفتش في الخد
عن البكاء
ثوار بلا ثورة حمراء
هم كما هم
عورة التاريخ ربما
محنة الجغرافيا ربما
وخطيئة نيتشه مع النساء
كل الذي فعلوه
فعلوه بأسماء مستعارة
يا أخي
لا معنى لأفعال فُعلت
بلا مجاز أو إشارة
عكروا صفو الصفاء
زيفوا طعم الهواء
ظلام يمزق سحر المساء
انظر هنا
أوهنا
أوهنا
كيف جن الكذب
من كذبهم الحزين
بلا حياء
مهووسون بكل شيء باللاشيء
وبالفناء
من هم ؟
ضحايا أم بقايا
جلادون أم أشلاء
من هم ؟
مزيج
الثلج والملح والكربون
هم هكذا حكام
كانوا
أم محكومون
موشحون بطعم الخريف
وظلهم جوع الصحاري
منشغلون الآن
بعروض الأزياء في البرلمان
بأفلام الكرتون
بمحاكاة القرد مع الكاكاو
بالبغاء السري
والعلني
بوضع العُملة في الميزان
كي يتساوى القرش مع الفدان
بأخبار التلفزيون
واضحون
كم هم واضحون
غير أننا الآن
منشغلون بسقوطهم
نحو سراديب الجنون
6. ----
هم هكذا
كما هم
منتشرون في كل اتجاه
لا لون لهم
لا طعم
سوى الروائح
الفائحة
لا جديد يقربنا
لا ذكرى تجمعنا
لا صوت لا لغة لا تاريخ لا تراب
لا حنين يسعدنا
لا طرفة نسردها معا
--
تعجبهم لعبة البهلوان المتساقط بين الحبال .
ويعجبنا صمود الآخرين في قصص الخيال
تعجبهم هواية ردم النساء ونشر السلاح وجمع الأموال
وتعجبنا لعبة الحكواتي الضرير مع قطعة الحلوى وضحكة الأطفال
تعجبهم تونس التي شيدوها وقرروا خرائطها
ودبروا مصائرها في كهوف الجبال
وتعجبنا تونس وتونس فقط تلك التي عنها الشعر قال
---
قلت :
أيها اللص
أغيرتك وجهك
وبدلت نعلك
أصرت بعد الثورة
" قس "
خذ مكانا في الوضوح
وانزع قناعك المفضوح
أعرفك أيها الرمادي
أنت السادي الوحيد
الساكن في سواد أبدي
عتيد
أتخون مهدك
وعهدك معي
كفاك كفى يا دعي
لقد تبين الآن التقي من الشقي
7. ----
هم هكذا يا حبيبتي
لا فرق عندهم
بين الوردة التي ترسمين والمسخرة
بين براءة الحمام في السحاب والمجزرة
بين وحشة العشاق للذكريات والمقبرة
بين مشية النائم تحت النجوم
وموت الكلام في الحنجرة
خذي الأسرار مني
وارحلي يا حبيبتي عني
لمدن أخرى لا تعرف وجهي
ولا تفقه فني
اكتبي مذكراتنا على جدران
بلا أسلاك ولا رقيب
واتركي الشوق معلقا أثرا خفيفا أو لطيفا في خيالي
شريدا أو غريبا كالغريب
اهجريني لأجن حينا مع نفسي و أحن أحيانا
بعيدا عن سجون الطب
وأهواء الطبيب.
أعرف يا فتاتي من قتلني
فالرصاصات التي نامت بصدري
تجمعني في كل قمر
و تخبرني
8. ----
قل هم هكذا
فقط لا غير
وانصرف
لشرب الشاي واحترم إشارات المرور
وفكر في امرأة قد تجيئ فورا وأخرى قد تثور
وأنصت
لطفل ترتب كفاه سطح الغدير
ويدفن سرا سر الأمل أخير
واشرح كيف رحل الشغل
وبقي الشعر للمعطلين
كيف عاش في حناجرهم لاجئا
سنينا وسنين
ليموت تحت برد التراتيب والمناشير وتأويل القوانين
و الصدى البعيد البعيد
يردد
صرخة الفقر المعشش في تجاعيد البلاد
في كل عيد
حيث التراب الملوث بالوباء
وبالضجر
وعرق المهاجرين المقطر في كل ماء
يراقص الخبز مع المطر
وسنابل قمحنا المحترق
في الشتاء
والحب الذي غنى حبا وحب
قال المغني : طرب لهب الحنين في الطرب
وعازف النار
يحفظ ريقهم
عن ظهر قلب وكلب
رفعت الأقلام يا سادتي
سلام
سلام
وسلام آخر مقتضب
هم هكذا
وهكذا هم
إلى أن يفنى صوتي والكلام
و يمحوني التعب
-----