لن أعيد لكم التربية – شعر: مالكة عسال

مَنْ
في قماش الثّبات يرفلون
وإن تنخرِ المهازلُ دماءَهم
يقابلوها بالابتسامة والإشراق
أو يتجرعوها في كؤوس بُنّ أو شاي
دعوني
بين الأرواح غير الملوثة
بين أنفس في استقامة
تتطلع إلى الفجر
*****
أرفض أن أكون إقطاعية
بفواكه عطشى أزرع الحقول
فأسلب صغار الفلاحين
رحيق الماء
وعلى ضفاف الظمأ
أتركهم يتسكعون
سينعتونني بجهنم الزرقاء
أو بالطاغية يلقبونني
أو يسمونني النار الحمراء
لي طموح يغرد في صمت
أن أتنكّر لمَن يهشم الجوانح
وأرضِعَ أبناء جلدتي بهاء الرخاء
****
أرفض أن أملك فخامة المصانع
حتى لا أشوه نوايا العمال
بعرق أتعابهم أستحم كل مساء
أستلقي على رمال كرامتهم
وأستعذب حرّ المَشاق
لا يهمني من بُترت ساقه
ولا من سحقته آلة، مادام هو والآلة سيان
أختصمُ من أفواه صغارهم، بحجة أزمة طارئة
أو أخلقُ لهم المتاعب
حتى يلعنوني ويلعنوا العمل
ثم بخف حنين يغادرون
*****
أرفض أن أصبح برلمانية أو وزيرة
حتى لا أعمي الأبصار بدخان الرياء
وبخرائط الوهم أغريها
أسمم أبدانكم بالشعارات الفارغة
وأبحث عن ثغرات لأزدرد ما في جيوبكم
وأحولَ دمع أطفالكم أرصدة في البنوك
فأشيد ملاحم المطاعم وأبهرَ الفيلات
وأتحاشى المناصب
حتى لا أبتلع البرنامج في ماء تعويذة
وأجلجل بالفوضى شؤون البلاد
فتمتلئ روحي بالجفاء
وأعيد لأبناء الشعب التربية
وأهذب الأنفس
*****
أرفض منصب رئيسة حكومة
حتى لا أصبح زئبقا جرثوميا
تحكمني الامتيازات
أفسد الطبيعة البشرية
و من الإنسانية أجردها
فأزرع في صفوفها زنابق التناحر
وفي منشأ الفقراء أغتال سمات التودد
وأشعل الأسعار
و في الخلايا المهمشة أسرب الموت البطيء
فأهيئ جبهة تكظم الأنفاس
و حنفية حنجرتي تنهمر بالكلام النابي
وأفتح للمعتقل الأبواب
لأعيد لأبناء الشعب التربية
لا يهمني امتلاء المقابر
ولا تضوع الأطفال جوعا
ولا وضع امرأة حملَها في الشارع
ولا تفريخ المدارس معطلين
*****
اتحاشى الكراسي
حتى لا أفقدَ نضجَ عقلي
ولما يسألني المواطنون
أجبْهم بمسرحية من تأليف الأبالسة
لأهدئ روعهم وأؤجج في الوهم أحلامهم
إخوتي ..إخوتي
قلبي مرهف وإحساسي خلاب
أرفض تَقلُّد سدة المنابر
حتى لا أصبح في عيونكم مهرجة المرحلة
أذيب أحلامكم في دنان الأوهام
و عقولُكم يغشاها ضبابُ مكثف
في أعراقه يختفي الإدراك
وحتى لا أعيد لكم التربية
سأغادر واحات الزيف
أراعي امتداد سواعدي
لأرمم رفات المثُل الإنسانية
فأفك قيد الحريات النادرة
مالكة عسال