لـــــحظة وداع – شعر : عبد الحميد شوقي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
إلى مصطفى لعرج في ذكرى الاحتراق الأولى *
حين افترقنا 
لم يودعني كما اعتاد الوداع
و لم يقل لي :
نلتقي عند اكتمال المستحيل
ومضى ..
طويل ظله
ويداه في الأفق البعيد
تلوحان بوردة للافتراق  ..
صمتت شفاهي
لم أجد غير احتراقي
آه ..آه يا صديقي
كم طريقا بيننا
ينأى و يقرب في الزمان
يأتي الرفاق
إلى أساك معذبين
لم يألفوا أن يفقدوك
و أن تسافر دونهم نحو المغيب
و ها هنا نبكي
لكي تبقى أليفا بيننا
كالماء.. كالطرق البسيطة
كالغروب
كالراحلين إلى مقامات القلوب ..
ارحـــل ..
فأنت الواقف المنذور للفرح الأخير
تنهار خطوتك الحزينة
في تضاريس القرى التعبى
و أنت تخط موتك
في حشا الأفق الأسير
و تصب صوتك في ضباب الأرض
مزنا أبيضا


و ندى مطير
و تصر ألا تستريح من الغناء
لترتدي أنثى البلاد
صفاتها الأولى
و ترقص لاحتفال حروفنا
بتوهج الوجع الأمير .. !
لا .. يا صديقي
يا شادي الوطن المذوب في الدماء
ارحل
لترتاح المواجع منك
ارحل
كي تقيم طقوسك الحمراء
في حانة الحلم المضاء
يا سوسن البلد البهي
لك ما تشاء :
 كفن رقيق أو بكاء
جمع يؤبن صمتك الأبدي
حتى يودعك الرفاق
عند المساء
كما تودع نجمة
تهوي على شفق السماء..
لك ما تشاء
يا مصطفى الزمن النبيل
نحب صوتك في الأماسي الصاخبات
و نذكر اسمك كالبهاء
في كل شمس و احتفال
في كل ميعاد جميل ..
ارحل
فليس لمثلك اسم في المقام المغربي
نحن ننحر للضياع نشيدنا 
و نمد كف الموت في كل اشتعال
باحتراق رجالنا
و نقول :
 ها هو ذا الزمان ..
 شخص يموت
و نحن ننثر ظله في المكان


و نقيم حفلا للغياب
و لارتفاع الروح في ليل المحال .. !
هو ما تريد
يا سيد البلد البعيد ..
ارحل
لترحل من غباء عيوننا
و تريح سمعك من مواويل الرثاء ..!
و لم تمت كالآخرين
على فراش أو سرير
أنقذتنا من بحة اللغط العديم
و في صفائك تنهض الأحراش
من قيلولة الزمن القديم
شجرا يسح
و كستناء يستحم
في زرقة الأبد الحليم
شوقا يرصف للرحيل
معابر الألق العظيم
وأنت تمشي في شروق الليل
مرتديا عباءات الأزل
و توقظ اللحظات
من قداسها الدامي
ليسري المستحيل إلى البلاد
و ها هنا
وطن حملت جراحه
و رسمته رئة
لكل الهاربين من الضياع
و فتحت باب الضوء
في وقفاتك الحيرى
و ألقيت السلام
على الجموع الباكيه
فتكلمت في العين
أودية المراعي
و مدائن البلد الحرام :
أسوار فاس
و باعة السمك المحلي
قصر البديع
و ساحة الحكي المسلي





مراكش الأنثى
و أزجال الرواة النائمين
على حدود العشق
و أنت تمشي في الظلام
لكي تودعنا أخيرا
وتموت مثل الآخرين
و ما تركت لنا سوى
شفة تذوب على مفاصلها
تراتيل الكلام
وما تبقى في حناجرنا الكئيبة
من حطام
فنم قليلا يا صديقي
نم في جوانحنا
و نم في مهرجان عيوننا
لنعد كأسا لاحتفال قلوبنا
و لآخر اللحظات حين بكت مواجعنا
و أسلمنا رفاتك كي تنام
 قرب الذين مضوا ولم يجدوا
ترابا لاحتواء نزيفهم..
نم يا صديقي
لنصب فوق يديك ماءا للرحيل 
وشهقة للكبرياء
نم كي نودع آخر الشمعات
في الليل الطويل
وانظر أمامك كي ترى
وردا نديا للرثاء
وضعته أيدينا على دمك الجميل ... !



* مصطفى لعرج مناضل حقوقي سقط في السنة الماضية إثر إحدى المظاهرات بالرباط التي قمعها البوليس المغربي بقوة.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟