إن يسقنا العمر كأسا صراحا
فما بين المهد والقبر توهج واكسار
حياة تمتطي مُهج الظلال والأنوار
تغمز بالورد تارة
وتَلثِم بالنار
تمد للريح عمرا
وتحتجز النوارس والبحار..
**
حياة من حجر أنت..
ورموشك ماساة زائفة
تنبعث من رقص السراب
وللروح آلاء اللواعج والخراب
وعيناك..
عيناك قبلة للجفاء
عيناك قلعة لأساطير الهباء
عيناك مواطن عشق
نام في عشها الذئب
وثدياك يدا زارع
تنثران في الحقل أشواكا ورُواءْ..
**
حياة من عنَت أنت..
تمدين للكف فأسا
وللعينين منك المحابر
وقلب الناس كالوتر الغامر
يواعد أنوثة طيفك المقامر
يعشق مهدك المطروز بموشية
المقابر..
**
حياة من غدر أنت..
تسخرين من كل عاشق ومريد
تزرعين الشيب وأنت دائمة الجموح
تحفرين القبور
ومهدك شامخ في كل الصروح
ونظل نحبك !!
كم هو صعب يا سيدتي
حب امرأة
لها في كل قلب خيمة وقروح !؟
كم هو صعب يا سيدتي
حب امرأة
لا يبارحها ألق الجموح !؟
**
حياة من ومَض أنت..
خبرتك في أوجاع الغرباء
وعشقتك في رغَد النبلاء
رأيتك في نحور الغواني
واشتهيتك في رعشة نهدٍ
وفي جداول السيقان
ومضيت خلفك لاهيا أطوي الهوى
وأشق وعود المسافات...
ونسيت..
أن الموج يولد في النهايات
ويُقبَر في شغف البدايات
**
حياة من لهب أنت..
ونحن فراشات، يحرقنا اللهب
ونظل نؤوب إليك !
أوّاه..
لو نحب الناس كما نحبك
لأينعت مدائن نحل في الدجى
ولأورقت شمس في غضب الدنى
لو نحب الناس كما نحبك
للففناك في كفن الدماء
وتفتقت حبة القمح في قبر الرياء
أوّاه..
عبثا يا سيدتي أتمنى
فقد كشفت لي غدائرك السكرى
كيف يبور الإنسان ويربو الطغيان
**
حياة من نزَق أنت..
تدبين دب النمل في قلبي
وأحيا حليفا لوهني وأوهامي
أغوص في رموشك هائما
بلا زادٍ ولا أيام
أستبق الخطى
وأجر دهرا من الآلام
لكنك عنا لاهية في سرمد التيه
الذي لا ينتهي..
سافرة أنت في ربى الأهواء
مسافرة في خفقة الريح
والأنواء
تمشقين للأقفال نوما
وتحتسين نهار التعساء..
**
حياة من عبث أنت..
تلهبين نجوم الجهلاء
وتُغرقين سنا العلماء
لا تحفظين عهد منار
ولا بوح سفين
ونتيه في بحارك ظامئين..
سلام عليك حين تغرقين السفين
وسلام علينا إذ نهيم بنور السهى
ونداري عنف الأنين..
إني رأيتك في رضاب المزن
تسبحين
ورأيتك في دموع التيه تمرحين
وما كنت أحسب أنك
من عرق الحلزون تشربين...
**
حياة من كيد أنت..
وعيونك جامدات الحدق
لا تعطي ولا تذرْ
كأنها قُدّت من حجر
سأقول في كل المحاكم
أنك أغويتني.
وأقول في كل الرسائل والدفاتر
أنك أخلفت الوعود وأنكرتني
وأقول في كل المحافل والمحاضر
أنك تجرحين ولا تأبهين
تَدفِنين وتُشرقين..
تسكبين صدأ الماء
في أجداث الحنين.. وتُسرفين
تعزفين على أوتار البوم
وترقصين..
سأبوح لحفار القبور
أن الموت أكرم من عينيك
وأنك جرح وهو طبيب..
***
يا موت..
لو أمكنني بث الشكوى
لشكوتك جور حياة
لا تملك وأد الحب ولا البلوى
تلوك قلبي كي تعيش مرتين !
(...)
يا موت..
ها إنك في كل الأحيان
تطرق أبواب الروح الواثقة
وثوق الوسنان
تطرقها دوما من غير استئذان
تأخذها بأمر بارئها الرحمن
ونحن في غسق الغفلة والنسيان
نتسلى مع كل صباح ولهان
حتى تأتي من غير استئذان
(...)
رحماك يا موت
علمني..
أنك وعد ونحن هباء
وأنك حق ونحن جُفاء
علمني..
أن حياتي وبقائي في مهب الريح
رحماك يا خليل الروح
علمني..
أن أحمل قلق الأصداف
إني قد عرفت بعد طول مِراس
أن الحياة فوهة ونحن رصاص
أقصى الحكمة يا سيد الأقدار
أن نخرج منها دون انفجار