كجورِيَّةٍ وحيدةٍ حَزينَة..
تتفتّحُ ملامِحُهُم في ذاكِرَتي الصّامِتَة
أسمَعُهُم يَصطَرِخون...
لم يعُدِ الوَطَنُ سوى طِفلٍ يَبحَثُ عَن أمّهِ في المَجَرَّة
تلفِظُهُ عاصِفَةُ الصّحراءِ... لتَتَلَقّاهُ مَرافِئُ القَلَق..
أيّامُهُ شِتاء...
فصولُهُ المُجَمّدَةُ، حَبيسَةُ الأماني البارِدَة
عُمرُهُ يُزمجِرُ كَوحشٍ جَريحٍ.. طَريدٍ في ليالي الصّحارى..
كلُّ شيءٍ هنا حَزينٌ.. سوى اشتِهائي أن تَكوني شَهقَتي الأخيرَة
وأظلُّ أسألُ: مَن أنتِ.. يا أنا؟ .. مَن أنا؟
وكلُّ ظِلالِنا مَرافئُ عشّشَ فيها حَنينٌ غامِق.
ولونُ خَيالاتِنا: قمَرٌ شاحِبٌ، نَجمَةٌ بارِدَةُ الضّوءِ، سَحابَةٌ مَزّقَتها قٌنبُلَة...
مَنفايَ قَلبي..
فَحبيبَتي التي ما كنتُ شَهرَيارَها..
تُحرِجُ كلَّ يومٍ مَلامِحَ أسرارِها..
تَبحثُ في آثارِ نَبضٍ بَعيد...
عَن وصايا الأماكِنِ للأزمِنَة..
عَن بُقعَةِ ضوءٍ خارِجَ مَنفى أحاسيسنا..
وتَترُكُني..
لَهفَتي جُرحٌ.. شَهقَتي لَيلٌ... دَفَقاتُ شَراييني مالِحَة..
أشتَهي أن تُصبِحَ الشّمسُ مَلاذَ حِكاياتِنا...
أن تُشعِلَ قناديلَ القمحِ في تِشرينِنا..
وقبلَ أن تَخنِقُنا الرُّؤى الشّارِدَة.
فِكرَةً عاشَت ضُمورَ الخُرافَة
***
أصابِعُ موتانا لم تَزَل راعِشَة
تُريدُ أن تَقرَعَ بابَ الرّياح
تَبقى الرَّعشَةُ... سِرُّ المَنفى...
تَكشِفُ فينا عَن وجهَين:
لَونِ العُقمِ المُتَفَشّي في لُغَةِ الرَّحِمِ الصّحراوِيِّ المُتَشَنِّجِ...
الوَجهُ الكالِح.
لَونِ البَسمَةِ تَتَرَنَّحُ في حُلكَةِ وَجهٍ مَمسوس...
اللَّونِ الفاضِح..
***
الصّمتُ.. والدّموعُ.. والاصْطِبار..
حَلّتْ بي..
جُرحًا..
يحلو لي أن أجعلهُ مَلحَمَة!
***
شيءٌ مِنّا سَقَطَ في حُلُمٍ بَعيد..
بَسمَةٌ للبَحر؟
هَمسَةٌ للرّيح؟
قُبلَةٌ للفَجر؟
رُبَّما!
ورُبّما عُمرُنا الذي أضحى جَماجِمَ في قِلاعِ الذِّكرَيات..
***
وحدي أعرِفُ كيفَ أُشعِلُ شَمَعَةً سوداءَ في لَيلِ جُنوني
فَحَبيبَتي التي ما كنتُ شَهرَيارَها...
لا تَعرِفُ مِثلي كيفَ تَستَحضِرُ صَمتَ اللّيل..
ليَقرَأ مَلامِحي بأصابِعِهِ الخافِيَةِ إلا عَليّ
ليَظَلَّ يَذكُرُني... ويُنكِرُني!
فأبتَسم...
ليتَها لم تَحتَرِق شَمعَتي!
فأنا لم أعُد قادِرًا على أن أُبغِضَ اللّيل.
***
تَحتَ الظِّلِّ الزّائِلِ لأشجارٍ مَوهومَة
يَشغَلُنا التّفكيرُ بإرثٍ يَتناهَبُهُ العَدَم
نَتَنازَعُ حتى ظِلَّ الحِبرِ في سيرَةِ مَن كانوا
نَتَقاسَمُ كُلَّ شَيءٍ.. إلا فَيْءَ المِحنَة!
تُغَمغِمُ اللّحَظاتُ مُتَساقِطَةً على أعتابِ وَعيِنا
مُنشَغِلينَ في مُغازَلَةِ سِحرِ الدّيمومَةِ الأسوَد
زواحِفُ السَّأمِ تَدُبُّ في فَراغِنا..
تُرَسِّخُ الرّحيلَ في ليلِ الأماني البارِدَة..
حُقولُنا المُحتَجِبَةِ مِن جَراءَةِ الرّماد
لم تَعُد يا حَبيبةً ما كُنتُ شَهرَيارَها..
تَملِكُ إلا خَوفَها أن تَنتهي أسرارُها..
تَروحُ في مَدارِها..
لا نِسمَةٌ تُداعِبُ سِتارَها
لا طائِرٌ يَخرِقُ صَمتَ لَيلِها
لا ذاكِرَة...
تَحمِلُ لأفكارِها المُحاصَرَة
تَألُّمَ الضّحِيَّة..