عِنْدَمَا أَعْبُر هَذَا اللَّيْل
أُصَاحِبُ فِي الحَنِين سَيِّدَتَين
الأُولَى فِي مُقْتَبَل الأَنِين
تُشْهِرُ ظَمَأَهَا كَمَا تُصَفِّفُ شَعْرَهَا
يَخْجَلُ مِنْهَا مِلْحُ البَحْر
وَالثانِيَة طَاعِنَة فِي الوَجَع
كَمَا التُّرَاب فِي أَحْلاَمِي
رَصِيفُ العَتَمَة اسْتَبَدَّ بِه العَبَث
يَبْتَلِعُ اتسَاع المَسَافَة التِي سَكَنَتْنَا
قُلْتُ لِنُشْهِر رِدَاء الثَّرْثَرَة
وَنَسْتَدِّر مِن خَرَابِ الذَّاكِرَة
رَقْصَةَ الرِّيح فِي جَسَدِ الخَرِيف
قَالَت الأُولَى
لِنُخَبِّئ نُجُوم السَّمَاء إِدَن
وَنَسْأَلُ القَمَر عَنْ وَجْهِه
فِي أَوَّل الغِيَّاب
وَأَنَا أَحْمِلُ بَيْنَ يَدَي
دَهْشَة تَشُقُّ جَسَد صَبِيَّة
اكْتَشَفَتْ لِتَوِّهَا قَطَرَات الأُمُومَة
قُلْتُ الغِيَّاب زَمَن ضَلَّ طَرِيق المَكَان
وَالمَكَان فِي حِضْنِ النِّسْيَان يَنْعَتُه بِالخِيَّانَة
سَيِّدَتِي هَلْ يَنْتَهِي الحُبُّ كَمَا يَبْتَدِئ دَائِمًا
أَمْ يَكْتَفِي بِالغِيَّاب
قَاَلت الثَّانِية لِنَسْأَل الأُفُق إِذَن
عَنْ خَجَل جُنْدِي مُقْعَد فِي أَوَّلِ اليَأْس
وَأَنَا أَحْمِلُ بَيْنَ يَدي
شَهْقَةُ أُنْثَى فِي أَرْذَلِ الخَرِيف
أَيْقَنَت أَخِيرًا بِتَقَصُّفِ أَوْرَاقِهَا
سَيِّدَتِي هَلْ وُلِدْتِ قَبْلَ الخَرِيف أَمْ بَعْدَه
وَكَمْ تَبْلُغِينَ مِنَ الوَهْم
عِنْدَمَا يَكُونُ الوَقْتُ غُبارًا
لاَ سَقْفَ لِي وَلاَ جِدَار!
أُطْعِمُ أَطْفَالِي لِجَسَدِ المَوْت
لاَ أَسْأَلُ القَمَر طُقُوسَ النَّعْي
وَلاَ كِسْرَة الجُوعِ لِأَفْوَاهِ الشِّتَاء
وَلاَ أَسْأَلُ السَّمَاء دُمُوع المَوْكِب
وَلاَ مِعْطَفاً لِجَسَدِ الخَرِيف
أُنْفِقُ النَّعْي فِي حِضْنِ الشُّمُوع
وَأَدُقُّ النَّعْش لِأُرَتِّق سَقْفَ بَيْتِي
وَأَقُولُ لِزَوْجَتِي
هَلْ لَنَا مِنْ وَلَدٍ آخَر
وَهَلْ لاَ زَالَ فِي أَحْشَائِك
مَا يَكْفِي لِلشِّتَاءِ القَادِم