مواكب العهد الجديد ـ شعر : محمد منير

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

الآنَ موْكِبٌ جَدِيد ..
الآنَ موَاكبُ أُخرَى، حُبْلىَ بِالأَسْفلتِ ولُغَةِ المِلْح
كلُّ الموَاكِبِ تمُرُّ الآنَ من هنا
علىَ الأجْسادِ، بِلاَ طُرُقٍ ..
خلْفَ مَواكِبِ العهْدِ الجَدِيد
ولرُبّمَا أمَامهُ، أوْ تَسْبِقُهُ ومنْ يَدْرِي
فالخَفَافِيشِ تَطِيرُ فِي الظّلام،
وبِلاَ طُرُقٍ ..
فكلُّ الجُدرَانِ التِي بنيْناهَا، عَبَّدُوهَا لِلزُّوَّارِ ليْلا
***
قدِيمًا علّمُونا رفْعَ الوَطنِ بَيْن الأكْنَاف

عَلّمُونَا أنْ نُوَشِّحَ العَلمَ الأَحْمرَ بِالقُبُلات
والآنَ يجْلسُونَ مَكانهُ علىَ الأكتَاف
ويَحْرِقُونَ نَجْمَتَهُ الخَضْراءَ عَلىَ الأسْفَلْت
لاَ أرِيدُ أنْ أفقِدَ الكلِماتِ، ومَا تَبقّىَ منْ نشِيجِ الحُرُوف
أُرَاوِدُ القلبَ، ونفْسِيَ العَصِيّةَ علىَ التّرْويضِ،
ألاّ تُغادرَ الحُرُوفَ
ولا كَلامَ القَصِيدَة، ولاَ أنْ تَتِيهَ وسَطَ الحُرُوب
كلُقمَةِ غيْثٍ تَاهَتْ في زمن السديم،
لِتبْحثَ عنْ ماضِيهَا في غيْمةِ العهْدِ القَدِيم
***
حِينَ علّمُونِي أنْ أنْتظِرْ .. وأنْتظِرْ .. وأَنْتظِرْ ..
بدُونِ مَاء .. وَلا كلاَم .. وَلا هَوَاء
لِمُنتصَفِ النّهَارِ إلىَ حُلُولِ المسَاء
 حِينَ ضَاعَ شَكلُ الوَقتِ فِي مَهبِّ الإِنْتِظار
وحِينَ اسْتطَاعَ الفَرَاغُ أنْ يَعْوِي، بِالنّشِيدِ الوَطنِيّ
حِينَ أوشك الغَضَبُ أنْ يَخْتفِي، بين العُيُونِ المُرِيبَة والمُرْعِبة
حِينَ احتجزوني على الأرْصِفةَ والطُّرُقَات
وأنْ أمْلأَ الهَوَامِشَ بِالهُتافِ المُدَجّن  
كَانُوا يقُولُونَ لِي دائِمًا :
لَوِّحْ بِكِلتَا يَديْكَ عَاليًا، وقُلْ :
يَحْيَا .. وَيحْيَا .. ويَحْيا ..
فَعمَّا قَلِيلٍ يَمرُّ المَوْكبُ الأخِير
***
ويَمُرُّ موْكبٌ .. وموْكِبٌ .. وَمَوْكِب
كلُّ شَيءٍ مُعدٌّ لِلْموْكِبِ الرَّسْمِي،
حَتَّى الفَرَاغَاتِ مِنَ الجِنّةِ وَالنّاس
والجِدَارُ الفُولاذِيّ يَخْنِقُ الأنْفَاس
ونَحْنُ نُوَدِّعُ سَاعَةً ونَسْتقْبِلُ أُخْرَى،
نَتِيهُ بيْنَ الحَاضِرِ والمَاضِي
يَضِيعُ تَارِيخُ أمّتِنَا عَلىَ الأَسْفلْت
نُصَفِّقُ تَارَةً لِمنْ يمُرُّونَ دُونَ أنْ نَعْرِفَهُم
وَتارَةً نُبارِكُ لِبعْضِنَا مَواكِبَ العَهْدِ الْجَدِيد
***
ونَسْتَذكِرُ أيّامَ العَهْدِ البَئِيس
هُناكَ، ترَكنَا أسْمَاءَنَا مُحَاصَرةً بِالبَقايَا المَسَنّدَة
وهُناكَ، تَرَكنَا الفَراغَ يمْلؤُهُ الهَمْسُ بِلاَ نَفَس
هُناكَ، تَرَكْنَا الغَضَبَ عَلىَ الأرْصِفَةِ المُسَيّجَةِ بِالإِنْتظَار
وهُناكَ، ترَكنَا حُبّنَا لِلوَطنِ علىَ الأسْفلْت
وقد دَهَسَتْهُ موَاكِبُ العَهْدِ القَدِيم
وَهُنَا، لازِلنَا نْزحفُ عَلىَ الأسْفَلتِ بِأبْدانِنا،
كالأمْوَاتِ الأَحْياءِ السّائِرُون
خَلْفَ موَاكِبِ العَهْدِ الجَدِيدِ،
تائِهُونَ .. لاَهِثُون .. لاَجِئُون

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟