كَانَ الشِّتَاءُ بِلَا أَمْطَارْ ،
وَالْمَدِينَةُ تَغْفُو فِي أَحْضَانِ الضَّجرِوَالْغُبَارْ ،
وَكَانَتْ عُيُونُنَا مُتَرَقِّبَةً كَعُيُونِ أَبْقَارٍ عَجْفَاءْ ،
وَكَانَتْ التَّنَانِينُ تُطَارِدُنَا ،وَتَخِبُّ خَلْفَنَا عَلَى قَوَائِمَ مِنْ خَشَبْ ،
وَالْعَنَاكِبُ تَسْتَدْرِجُنَا إِلَى فُوَهَةِ هَاوِيَةٍ سَوْدَاءْ ،
وَخَلْفَنَا ، كَانَ الْخَرِيفُ يُرَبِّتُ عَلَى خِنْجَرٍ تَحْتَ مِعْطَفِهْ .
سَمِعْنَا ثَرْثَرَاتِ الْمَفَاتِيحِ خَلْفَ أَبْوَابِ الَّليْلْ ،
رَأَيْنَا الذُّبَابَ الَّذِي يَرْكَبُ صَهَوَاتِ عُيُونِ أَطْفَالِنَا الصَّفْرَاءْ ،
وَالْمَوْتَى يُضَيِّعُونَ مَفَاتِيحَ قُبُورِهِمْ وَيَلُوذُونَ بِالْعَرَاءْ ،
رَأَيْنَا الْأَقْزَامَ وَزَكَائِبَهُمْ الْمَلِيئَةَ بِالنُّجُومِ الْمُطْفَأَةِ وَخَشْخَشَةِ الْعِظَامْ ،
شَعَرْنَا بِالْوَحْدَةِ وَنَحْنُ نَرْنُو لِسَمَاءٍ كُنِسَتْ مِنْهَا الْحَيَاةْ ،
وَكَانَ حُلْمُنَا ، أَنْ نَظْفَرَ بِلَحْظَةِ سَلَامٍ فَحَسْبُ .
كَانَ الْعَالَمُ حِينَهَا يُدَارُ وِفْقَ تَعَالِيمِ الْحَمْقَى ،
وَكُنَّا نَأْبَى أَنْ نَمُوتَ مَحْسُورِينَ وَبِمَرَارَةٍ أشدَّ .