1ـ شهرزاد تحكي
ـ نضب معين الحكاية يا مولاي وجف مني الخيال ..
قالت شهرزاد..
ـ وما العمل إذن ؟
رد بغضب شهريار ..
تحرك في ركنه البارد " مسرور " الذي أكلته الشيخوخة وصدئ سيفه ونظر بعينين دامعتين من الرمد .. وقال بصوت مبحوح ممزوج برعشة واضحة ..
ـ رأس من هذه المرة يا مولاي ؟
ابتسم شهريار حين سحبت شهرزاد نسخة من كتاب " ألف ليلة وليلة " من تحت وسادتها وشرعت تحكي حكاية الليلة الأولى ..
ـ بلغني أيها الأمير السعيد ...
2 ـ الباب الكبير
كان الباب الكبير مواربا ..
كنت أتلذذ وأنا أسمع صريره كلما انفتح أو انغلق ..
كنت أعلم ــ ولست الوحيد في القرية ــ أن هذا الصرير يعني أنها دخلت البيت الكبير أو خرجت منه ..
صريره اللذيذ يجبرني على الالتفات .. أقصد يجبرنا على الالتفات ..
هي تتلذذ بتعذيبنا بصرير الباب الكبير انغلاقا وانفتاحا ..
ونحن نتعذب لأننا كُثر ننتظر مرورها كالحلم الهادئ ..
كنت أتجنب تجمعاتهم .. وأكتفي بالاستماع إلى الصرير وأتخيلها بين ذراعي أخيط على مقاسنا ــ هي وأنا ــ حلما يجمعنا بعيدا عن الأنظار ..
3 ـ سأخرج إلى الشوارع عاريا
ـ سأخرج إلى الشوارع عاريا.. سأتبول في الطرقات.. سأترك شعر جسمي ينمو ويكبر ..
أفرغ ما تبقى من كأسه في جوفه دفعة واحدة ومسح القاعة بعينين حمراوين ناعستين ..
بالكاد وقف مسنودا على طاولة ونظر إلى العيون التي ترمقه ذاهلة متسائلة بفضول ..
ـ نعم سأخرج إلى الشوارع عاريا.. سأتبول في طرقاتكم سأعلق على صدري كل التمائم.. سأكفر بالحب والصداقة.. سأكفر بالإنسان ..
ضحك حتى سقط أرضا ..
حمله زبانية الحانة ورموه خارجا ..
الوقت ليل يزيد عن منتصفه ..أحس بنسمة برد تداعب جسمه المنهك والمخمور.. فتح عينين ثقيلتين ورأى الناس عرايا يتبولون في الطرقات والشوارع وقد نما على أجسادهم شعر كثيف ..
بعضهم يحمل قرونا والبعض الآخر تدلت ألسنتهم يلهثون كأنهم لتوهم قطعوا مسافة كبيرة عدوا.. وآخرون يعوون ويصيحون بأصوات منكرة مخيفة يخدشون الأبواب والحيطان بأظافرهم ..
تملكه الخوف من هول ما رأى.. تحسس جسمه فتأكد أنه بكامل ملابسه.. عاد إلى الحانة وطلب فنجان قهوة مُرة لعله يستفيق من كابوسه.
4 ـ الغراب
لم يصدقه أحد رغم أنه أقسم بأغلظ الأيمان أنه رآه.. كما وصفته الكتب المقدسة ..
اتهموه بالخرف والجنون والخروج عن الدين ..
يقسم أنه رآه .. في الحلم في اليقظة، لا يهم.. رآه ويقسم على ذلك ..
أسود كالليل المظلم لا نجم في سمائه.. ينبش القبر القديم.. يُخرج رفات القتيل ..
نفس الغراب .. وقف أمام رفات الرجل المؤمن الهادئ ..
بمنقاره جمع العظام.. وقف حائرا لأنه لم يجد عظام اليد ..