فلسفـة و تربية

يلج الطفل عالم المسرح متوسلا بميله الفطري إلى المحاكاة. تلك المهارة المتجذرة في طبيعته الإنسانية والتي تعتمد على الصوت والجسد في تقليد الآخرين، واكتساب المعارف الأولية، بالإضافة إلى التأثر بما يجري في محيطه. وهي في الوقت نفسه إحدى خواص الفن المسرحي، متى أحسن المدرس أو المنشط تحفيز أداء الطفل، وإعداده لتجربة متنوعة تعتمد الاستخدام الكامل لإمكاناته.

ليس الهدف بالضرورة خلق ممثل محترف، إذ يؤمن الطفل في النهاية بأن الأداء المسرحي هو لعبة للتنفيس عن توتره، وتنظيم انفعالاته، ومعالجة بعض مشاكله النفسية كالخجل وعيوب النطق. لكن ما الذي يمنع من الارتقاء بما يجري داخل الفصل الدراسي، أو في دور الشباب ومراكز الطفولة، إلى ممارسة واعية وممتدة، تتحرر من البساطة والتلقائية المعهودة لتربية الممثل الصغير؟

قدم المسرحي الروسي قسطنطين ستانيسلافسكي منهجا وطريقة في تدريب الممثل، تهتم بتفجير ملكات المخيلة والإبداع. وهو يؤمن بأن الممثل الذي يستشعر الموقف الوهمي، لن يجد صعوبة في التجسيد وإظهار العواطف والانفعالات الملائمة. وتعتمد طريقته على استرخاء الجسم والصوت، وتركيز الانتباه، وتحفيز الخيال دون فرض قواعد أو نماذج مسبقة.

يرتكز إذن تدريب الممثل وفق أسلوب ستانيسلافسكي على:

  • الاسترخاء: وذلك من خلال تمارين يتم تنفيذها مع كل جزء من أجزاء الجسم على حدة، وتهدف لتقليل التوتر، والسيطرة التامة على الصوت والجسد. ويمكن تشبيه الاسترخاء هنا بعملية ضبط الآلة الموسيقية قبل العزف.
  • التركيز: ويتضمن اختيار الممثل لموضوع أو مشكلة محددة للتدرب عليها. ويخدم التركيز هنا عدة جوانب من بينها: عزل الممثل عن التشويش الخارجي، وتحرير العقل ليتمكن من خلق المشهد المتخيل، ثم العيش في الجو التمثيلي كأنه حقيقة واقعية" مثلا التدريب على حمل كوب من الشاي، حيث يستعين الطفل بكوب حقيقي، ثم يحاول أن يستعيد تلك الخبرة مع كوب خيالي، مستحضرا وزنه وملمسه والسخونة التي يسببها".

تبدأ علاقة الطفل بالقصة والحكاية مستمعا ثم قارئا؛ لكن المسرح بإمكاناته الهائلة ينقله إلى عالم جديد قوامه التمثيل والفرجة، والمزج بين التعبيرات المتعددة على الخشبة. وهو انتقال يتطلب بالأساس اهتماما بالسمات النفسية التي تُمهّد لعلاقته بالمسرح؛ حيث إن الطفل يولد فنانا، يقول بابلو بيكاسو، لكن المشكل هي كيف نحتفظ بهذا الفنان بينما يكبر.

غير خفي إذن أن مسرح الطفل تتحكم في إنتاجه اعتبارات تربوية وفنية، متسقة بطبيعة الحال مع النمو النفسي والإدراكي والمعرفي للطفل. وهذا يعني أن إعداد عمل مسرحي ينطلق من استيعاب للخصائص السيكولوجية للطفل والمراهق؛ لأن عدم الاهتمام يؤدي في النهاية إلى تقديم عروض مسرحية ضعيفة أو مربكة لقدراته الذهنية. وبالنظر إلى عدد السنوات التي يقضيها الطفل في حضن المدرسة الابتدائية، يمكن التمييز بين مرحلتين أساسيتين:

  • مرحلة الخيال الحر والمطلق، حيث يتطلع الطفل في الفترة ما بين 6 إلى 9 سنوات إلى عوالم خيالية، تستوعب رغبته في المتعة والانطلاق خارج حدود واقعه اليومي. لذا يُظهر ميلا شديدا لقصص الحوريات والعمالقة والأقزام، وللحكايات المستلهمة من التراث الشعبي.
  • مرحلة البطولة والمغامرة والخيال الواقعي، وهي الممتدة إلى سن 12 سنة، حيث يبدأ تحرر الطفل تدريجيا من عالم الخيال، ليصير تفكيره أكثر نضجا واستعدادا لإظهار الشجاعة والمسؤولية. وخلال هذه المرحلة تستهويه قصص المغامرة التي تعتمد التفكير والتوقع، وتجعل من شخصية البطل قالبا ملائما لتمرير القيم والمواقف، وتأكيد ارتباطه بالقضايا الاجتماعية والإنسانية المختلفة.

تحدد تلك الخصائص وجهة المدرس أو المنشط في اختيار النص المسرحي الذي يتناسب مع إدراك الطفل واحتياجاته. نص ينبغي أن يتحقق فيه قدر من التبسيط، ووضوح العلاقات بين شخصياته، وبناء درامي تتنامى داخله الأحداث بشكل تسلسلي لا يعتمد القفزات المفاجئة.

بالنظر إلى الصعوبات التي تكتنف الكتابة المسرحية للطفل في العالم العربي، فإن المدرس أو المنشط يجد نفسه أمام خيارين: إما إيجاد نص ملائم، أو بذل جهد إضافي يتمثل في مسرحة نص أدبي " قصة، حكاية، شعر..." مع متطلبات البناء المسرحي. وفي كلتا الحالتين لابد من مراعاة بعض القواعد التي تجعل النص ملائما لنفسية الطفل وقدراته.

تشير البيداغوجيا التلقينية إلى تربية وتلقين المتعلمين مجموعة من المعارف والعلوم والفنون والقيم والمعلومات في سياق ضبطهم إياها، حيث تجعل من ضبط محتوى ومضامين المعرفة الغاية الأسمى من كل تعليم، حيث يركز الأستاذ المدرس على الجانب/البعد المعرفي في المتعلم ويقصي الجوانب الأخرى، ومن هنا تنطلق البيداغوجيا التلقينية أو كما عرفت في الأدبيات التربوية ببيداغوجيا المضامين أو المحتوى، وهي بالمناسبة بيداغوجيا تقليدية تلقينية، لأنها تنطلق من مسلمة/فرضية أساسية وهي أن عقل التلميذ صفحة بيضاء ومن ثم وجب ملؤه وشحذه بكمية من المعارف والعلوم الجاهزة، بدون مراعاة لتمثلاته الشخصية التي يكتسيها من المحيط الإجتماعي الذي يندرج منه، ومن ثم فهي تؤكد على قيمة وأهمية التلقين على حساب الإبداع، وذلك من خلال محاكاة المتعلم لسلطة النموذج السلوكي والتشبع بالعديد من القيم والمعايير والسنن والأعراف السائدة، بدون فحصها وتمحيصها لهذا يتم نعتها بالمقاربة التلقينية.

 وتجدر الإشارة هنا إلى أنه توجد العديد من الممارسات المهنية لبعض المدرسين -في جميع المواد التعليمية- لازالت تركز لنا على الجانب المعرفي والفكري للمتعلم، ويتم التركيز بالخصوص على المضامين والمحتويات المعرفية، وكأن رهان تدريس الفلسفة بالثانوي التأهيلي هو شحذ ذهن المتعلم بمنظومة من المعارف والأفكار والنظريات والمقاربات الفلسفية -التي أصبحت متجاوزة وتعرضت للكثير من النقود- فيركز الأستاذ /المدرس على سيرورتي إفهام تصور الفيلسوف وتذكير المتعلمين بحفظه وضبطه جيداً، من أجل استرجاعه أثناء المراقبة المستمرة أو الامتحان النهائي، وهكذا يتم ضمان نقطة كاملة في مادة الفلسفة وغيرها من المواد.

ما نلحظه هنا هو أن ما يميز المقاربة التلقينية هو أنها مقاربة تقليدية تركز على أسلوبي التلقين والاجترار والتكرار والاسترجاع، كما تركز على ملكة الذاكرة، بدل ملكة الفهم والإدراك والعقل، كما أن ما يميزها هو رفضها لكل إبداع وخلق وابتكار وتجديد وبحث ...

فماذا سننتظر من مادة الفلسفة في ضوء هذه البيداغوجيا التلقينية؟ سوى أن تتحول هذه المادة الفكرية والنقدية والإبداعية والتساؤلية إلى منظومة من الأفكار والتصورات والآراء والمنظورات الفلسفية الغارقة في التجريد والغموض، والتي يكررها المتعلمون كالببغاوات، فتجدهم يكررون قولة أو كوجيطو رونيه ديكارت الشهير:  "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، دون إدراك عمقها الفكري والفلسفي، بل وكيف أسست للفلسفة الحديثة، وركن الحداثة، وأن هذه المقولة ما هي سوى صَدَى وَرَدُّ فِعْلٍ للثّوْرَةِ الكُوبِّيرْنِيكِيّةِ الشهيرة لسنة 1543م.

وما يهمنا هنا في حقيقة الأمر هو سعي الأستاذ /المدرس الحثيث إلى تلقين المتعلمين المنظومة المعرفية المثقلة التي تنتمي لتاريخ الفلسفة الضخم، وهي معارف ترنسندنتالية بمعناها المتعالي والعاجي، لم يساهم المتعلم في تكوينها وتكونها نتيجة هذه البيداغوجيا التي تعتمد التلقين.

هكذا يعتمد تعريف التلقين على تلك العقيدة المرتبطة به، أو المذهب الذي يتمّ تعليمه. لهذا تهدف البيداغوجيا الحقيقية إلى تكوين أفراد مسؤولين وواعين يفكرون بأنفسهم لأنفسهم مهما حدث ويحترمون الآخرين. بالنسبة إلى أوليفيي روبول، " فإن أي تعليم ينحرف عن هذه الأهداف هو "تعليم مضاد". ويضيف أن المدرس يواجه دائمًا خطر التأثير على طلابه إما لأنه ينخرط في الدعاية أو، على العكس من ذلك، لأنه يُشْعِرُهُمْ بالمَلَلِ من تَعْلِيمِهِم. " [1].

ولهذا نلحظ العديد من المتعلمين الذين يخلق لديهم هذا الأسلوب التلقيني العقيم في التدريس، الملل والرتابة والضَّجَرِ، لهذا تجدهم يعبرون عن تذمرهم وسوء فهمهم للمعارف الفلسفية بل وكيفية تطبيقها وتنزيلها على أرض الواقع.

الدرجات الفخرية هي الاعتراف المرموق في التعليم العالي، مخصصة للأفراد البارزين ذوي السمعة الوطنية أو الدولية. عادةً ما يكون المتلقون هم كبار العلماء والمكتشفين والمخترعين والمؤلفين والفنانين والموسيقيين ورجال الأعمال والناشطين الاجتماعيين والقادة في السياسة أو الحكومة. في بعض الأحيان، يتم منح الدرجات الفخرية للأشخاص الذين قدموا خدمة مدى الحياة للجامعة من خلال عضوية مجلس الإدارة، أو العمل التطوعي، أو المساهمات المالية الكبيرة. وهي معروفة أيضاً بالعبارات اللاتينية Honoris Causa الدرجة عادة ما تكون درجة الدكتوراه، أو درجة الماجستير بصورة أقل شيوعاً.

إذن الدكتوراه الفخرية هي درجة اسمية تكريمية وتشريفية، وليست مرتبة علمية أو أكاديمية، ولا تحمل معها أي مؤهل أكاديمي رسمي. على هذا النحو، من المتوقع دائماً أن يتم إدراج هذه الدرجات العلمية في السيرة الذاتية للفرد كجائزة، وليس في قسم التعليم. وفيما يتعلق باستخدام هذا اللقب التشريفي، فإن سياسات مؤسسات التعليم العالي تطلب بشكل عام من الحاصلين عليه "الامتناع عن اعتماد اللقب المضلل" وأن الحاصل على الدكتوراه الفخرية يجب أن يقيد استخدام لقب "الدكتور" قبل اسمهم حصراً مع مؤسسة التعليم العالي المعنية وليس خارجها.

تسلط شهادات الدكتوراه الفخرية الضوء على أسئلة غير مريحة، ولكنها مهمة حول غرض الجامعة ودورها في تعزيز البحث العلمي، وفي المجتمع الأوسع. اتُهمت بعض الجامعات والكليات بمنح درجات فخرية مقابل تبرعات كبيرة. يتعرض الحاصلون على الدرجة الفخرية، وخاصة أولئك الذين ليس لديهم مؤهلات أكاديمية سابقة، للانتقاد في بعض الأحيان إذا أصروا على أن يطلق عليهم لقب "دكتور" نتيجة لمنحتهم، لأن التكريم قد يضلل عامة الناس بشأن مؤهلاتهم.

الأصل التاريخي

تعود هذه الممارسة إلى العصور الوسطى، عندما يتم إقناع الجامعة، لأسباب مختلفة ـ أو تراها الجامعة مناسبة ـ بمنح الإعفاء من بعض أو كل المتطلبات القانونية المعتادة لمنح الدرجة العلمية.

لقد تم استخدام الدكتوراه الفخرية منذ فترة طويلة لتعزيز العلاقات المفيدة مع الأفراد أو البلدان أو المنظمات. منحت جامعة أكسفورد أول دكتوراه فخرية مسجلة في حوالي عام 1478 إلى "ليونيل وودفيل" Lionel Woodville صهر ملك إنجلترا "إدوارد الرابع"  Edward IV في محاولة واضحة "للحصول على تأييد رجل يتمتع بنفوذ كبير، وأصبح فيما بعد أسقف "سالزبوري" Salisbury.

في أواخر القرن السادس عشر، أصبح منح الدرجات الفخرية أمراً شائعاً جداً، خاصة بمناسبة الزيارات الملكية إلى أكسفورد أو كامبريدج. في زيارة "جيمس الأول" James I إلى أكسفورد عام 1605، على سبيل المثال، حصل ثلاثة وأربعون عضواً من حاشيته (خمسة عشر منهم من الإيرل earls أو البارونات barons ) على درجة الماجستير في الآداب، وينص سجل الدعوة صراحة على أن هذه كانت درجات كاملة تحمل الامتيازات المعتادة (مثل حقوق التصويت في الدعوة والتجمع).

  • تلخيص الفصل الثاني من كتاب: علم النفس التربوي (جابر عبد الحميد جابر. 2010: ص 63-100).

يقع الفصل الثاني من كتاب: علم النفس التربوي، في حدود 39 صفحة. وهو مطبوع ورقي، يستحق الاكتشاف والتعرف على نظريات ومبادئ النمو النفسي. احتوى هذا الفصل على أربعة مراحل للنمو وهي: النمو النفسي، والنمو الاجتماعي، والنمو المعرفي، ثم أخيرا النمو الخلقي.

لقد تناول الكاتب في عنوانه الرئيسي: طريقة المستوى العمري وعيوبها، حيث أشار إلى أن هناك طريقتان لدراسة سيكولوجيا النمو: يتعلق الأمر الأول باختيار سلوك معين ويتم تحليل التغيرات السلوكية وفق سيرورة نمو الطفل، في حين يتعلق الأمر الثاني والذي ركز عليه الكاتب باستخدام سلسلة من المراحل العمرية.

تطرح المراحل العمرية إشكالية المعايير عند الطفل، بحيث يواجهها المدرسون باستمرار، نتيجة عدم مراعاتهم للفروق الفردية من حيث النضج وفي القدرة على التعلم وفي فهم الشخصية؛ مما يستوجب على الآباء والمدرسين فهمها، لما لها من ضرر كبير في جهلها. فالسمات الشخصية للطفل والقدرات العقلية وكذا المهارات الحركية لا يجب مقارنتها بالكبار؛ وهذا ما تحاول تفسيره العديد من نظريات علم النفس في مراحل النمو والنضج.

تنقسم الاتجاهات الأساسية في النمو إلى ثمانية فروع؛ يرتبط الأول بالاتجاه الرأسي ذيلي وهو يقوم على فكرة التآزر بين أطراف الجسم، بينما الاتجاه الثاني من الداخل إلى الخارج يلح على أسبقية بعض أعضاء الجسم الخارجية في الاستجابة وتأخر في الأعضاء الخارجية الأخرى، ويرى الاتجاه الثالث أن النمو يسير من العام إلى الخاص؛ أي من التعميم (حركات وعضلات غير منتظمة) إلى التخصص، وفي مقابل هذا، نجد اتجاه الذي يؤكد على تداخل جميع مظاهر النمو تداخلا وثيقا، وأيضا الاتجاه الذي يعتبر أن النمو عملية مستمرة ومنتظمة؛ إلا أنه رغم ذلك فهو لا يستبعد عملية التوجيه. أما الاتجاهين الأخيرين، فإن أحدهما يرى على أن النمو يتضمن تغييرا كميا وكيفيا، في حين أن الاتجاه الآخر فهو يرى أن معدلات النمو ومظاهره تتفاوت من طفل إلى آخر؛ بحيث ينمو كل طفل بطريقة فريدة ومتميزة خاصة.

إن كفاءة الطفل الفعلية مرتبطة بصحته، وقد يتحول الجوع أو النوم أو التعب إلى عامل مؤثر في تغيير السلوك، كما قد تكون نتيجة هذه الاضطرابات الانفعالية تأثير على النجاح أو الإخفاق الدراسي. فالطفل حسب الاتجاهات الأساسية للنمو هي تركز على سلوك الطفل ونموه النفسي؛ بحيث تدعو إلى كل استخدام كل أشكال التشجيع والتدريب الممكنة، في مقابل عدم تكليفه بمهمة أو نشاط قد يتجاوز قدراته الشخصية، وهذا ينسجم بشكل كبير مع مفهوم الاستعدادات الفطرية الذي تتزعمه النظرية الإنسانية في علم النفس، من خلال دعمها للحرية في التعلم تماشيا مع معدل الطفل وطريقته الخاصة في التعلم.

مِهَادٌ إِشْكَالِيٌّ:
يعتبر أوليفيي روبول (1925-1992)، من فلاسفة التربية الفرنسيين المعاصرين، والذي سيعمل على نقد البِيدَاغُوجِيَتَيْنِ التَّلْقِينِيَّةُ والوَظِيفِيَّةِ، هذه الأخيرة الجنيسة بمقاربة التدريس بواسطة الأهداف، كما أنه ينتقد بشدة جميع أنماط الخطاب البيداغوجي التي كانت سائدة، أقصد هنا الخطاب الرافض، والمجدد، والوظيفي، والرسمي، وذلك من خلال موقعه كَمُحَلِّلَ خطاب بيداغوجي، حيث يستعمل المنهج الفلسفي التحليلي في حقل التربية والتعليم، وكل هذا كان بغرض مجاوزة الخطب التربوية التي كانت سائدة، واقتراح خطاب تربوي حديث، قائم على الحرية، لهذا سينادي بالتعليم الحقيقي، بدل التعليم الذي كان سائدا آنذاك في فرنسا والذي يستند على المقاربتين التلقينية والوظيفية، أي تلك التي ترتكز على مقاربة التدريس بواسطة الأهداف. وهذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

نمر الآن لطرح مجموعة من الأسئلة المنظمة الموجهة للتحليل والمناقشة النقدية والتي تعبر عن إشكالات فلسفية كبرى عرضها أوليفيي روبول أثناء نقده التحليلي للخطابات البيداغوجية، وهي كالآتي:

  • ماذا يقصد روبول بالتربية ؟
  • ماهي النقود التي وجهها أوليفيي روبول للأنماط التعليمية ؟
  • ما الذي يقترحه روبول كتعليم حقيقي بديل عن التعليم السائد ؟
  • ما هي السلطة التي وجب فرضها على المتعلم إذا كان التعليم يفرض سلطة ؟

              عندما نتحدث عن التربية والتعليم لدى أوليفيي روبول، أول ما يجب علينا معرفته عنه، أنه يقدم تعريفات خاصة به للتربية، ذلك أن لكل فيلسوف تعريفه الخاص، واستعمالاته الخاصة به للمفاهيم، حيث لا نجد فيلسوفا عبر تاريخ الفلسفة اعتمد على تعريف من سبقوه خاصة عندما يرغب في التأسيس أو المساهمة في تشييد وبناء حقل فلسفي معين، والحقل الذي قصده روبول بهدف التشييد والبناء والنقد والهدم وإعادة المراجعة هو حقل التربية، فيقدم تعريفا خاصا به لها بقوله :

"ينبغي أن نفهم من التربية التكوين الشامل للإنسان، والذي لا يعتبر التكوين المختص والتعليم ذاته سوى أجزاء منه. فالتربية هي مجموع السيرورات والأساليب التي تسمح للطفل البشري بالوصول إلى حالة الثقافة، الثقافة بإعتبارها ما يميز الإنسان عن الحيوان" [1]، تجذر الإشارة هنا إلى أن هذا التعريف هو آخر تعريف توقفت عنده فلسفة التربية، وهو تعريف شهير جدا، يعتمد عليه حتى في الحقول المعرفية الأخرى، حيث أنه يجعل من التربية سيرورة إنسانية غرضها نقل الإنسان من الطبيعة إلى الثقافة، وما يميز هذا التعريف أيضًا هو جعله من التربية دو شأن إنساني، وهذا يؤكد قول كانط بأن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يجب تربيته، حيث لا يمكننا أن نعلم الحيوان اللغات والعلوم والأخلاق والقيم، فالإنسان هو من يجوز تربيته وفقط، ذلك أنه "يمكن بدون شك تعليم الحصان في السرك [مثلاً]، بأن إثنان زائد إثنان تساوي خمسة، لكن لا يمكن أبدا تعليمها لإنسان" [2]، كما أن روبول يؤكد كثيرا على مسألة الثقافة الإنسانية الكونية، أي المشتركة بين جميع البشر، من هنا تتضح نزعته الإنسانية، حيث أن تعليم المرء ثقافة إنسانية مشتركة بين جميع أنواع البشر تحميه من السقوط في المذهبة.

" كما أن لهذه الدنيا شمساً يستضاء بها ويـُعرف بها الليل من النهار والأوقات والأشخاص والأجرام فكذلك للنفس نور تميز به بين الخير والشر وهو أشد ضياءً من الشمس ” أفلاطون .

مقدمة:

هو أفلاطون (427- 347) عنوان الفلسفة المثالية وملهمها، وهو من أكثر عقول الإنسانية في العصر القديم نبوغاً وإبداعاً وإشراقاً وعبقرية، ولا ريب أن نظريته تشكل منعطفا تاريخيا في الفلسفة الإنسانية، ولا غضاضة إذ يشار إليه إجماعاً بأنه المؤسس الأول للخط المثالي في الفلسفة، وقد قدّر للمثالية أن ترتفع على يديه إلى مستوى المذهب الفلسفي الشامل، فطرحت نفسها اتجاها معارضا للفلسفة المادية الممثلة بخط ديمقريطس وطاليس وهيرقليطس. وقد عرفت مدرسته الفلسفية التي أطلق عليها "الأكاديمية" بأنها أهم جامعة تنويرية في العصور القديمة، وهي التي استمرت تومض وتشعّ بأنوارها فلسفة وعلماً وعطاءً فكرياً في أثينا مدة تسعة قرون، وكانت لتبقى لو لم يصدر الإمبراطور جستنيان الروماني قرارا بإغلاقها وطرد فلاسفتها. وقد قيل في أفلاطون "إن الفلسفة نبتت على يديه واكتملت في حياته"([1]).

يتحدّر أفلاطون من أسرة أثينية عريقة في المجد، ولد في أثينا عام 427 ق. م وعاش حتى بلغ الثمانين من العمر، إذ توفي سنة 347 ([2]). كان أبوه يدعى أرستون وأمه فريقونية. ويقال بأن الاسم الأصلي لأفلاطون هو أرستوقلس، ولقب أفلاطون لسعة في جبهته واتساع في منكبيه، كان رجلاً وسيماً وشجاعاً فاز في حلقات السباق وفي حلبات والمصارعة. تتلمذ مدة ثماني سنوات على يد أستاذه سقراط، وكان يقول حباً فيه: "أحمد الله الذي خلقني يونانياً لا بربرياً، وحراً لا عبداً، ورجلاً لا امرأة، ولكن فوق ذلك كله أنني ولدت في عهد سقراط"([3]). وكان لعبقرية ذلك الرجل أن تتألق في كل العصور التاريخية، حتى قيل فيه "إن أفلاطون هو الفلسفة وإن الفلسفة أفلاطون".

 كان أفلاطون واعظاً وكاهناً وفيلسوفاً ، أسس "الأكاديمية" في 388 ق.م، وسميت هكذا لأنها أقيمت بالقرب من ضريح أكاديموس البطل الأسطوري اليوناني، وكتب على بوابتها "لا يدخل هذه الأكاديمية من لم يكن رياضيا".

كان عصر أفلاطون عصر حروب ومؤامرات ودسائس سياسية، الحرب بين الفرس والإغريق، الحرب بين أثينا وإسبرطة، المؤامرات بين الأحزاب والأرستقراطية والديمقراطية. وتحت تأثير تلك الظروف وعلى أثر مقتل سقراط قرر أفلاطون الترحّل في بلدان واسعة كإيطاليا ومصر وصقلية، وكات للأنظمة السياسية في تلك البلدان تأثير واضح على نمط تفكيره السياسي. وكان لإعدام أستاذه سقراط أثر كبير في توجهه نحو العمل السياسي في عصره، إذ كان حاقداً على الديمقراطية الأثينية التي أدت إلى مقتل العقل.

تمهيد:
أصبحت ظاهرة العنف تكتسي أهمية كبرى في السنوات الأخيرة، بحيث صارت موضوعا محوريا ومركزيا في النقاشات السوسيولوجية والسيكولوجية والأنتروبولوجية وكذلك عند مختلف الفاعلين والمختصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية، أو حتى عند عامة الناس بمختلف مستوياتهم، سواء أكان العنف الممارس عنفا أسريا أو مجتمعيا أو مدرسيا أو مؤسساتيا أو غير ذلك من انواع العنف، وكذلك بشتى أشكاله وتلاوينه سواء أكان العنف عنفا نفسيا أو جسديا أو رمزيا أو لفظيا أو جنسيا أو غير ذلك. ومن هنا نطرح التساؤل التالي، لماذا أصبح العنف موضوعا مهيمنا في جل النقاشات التربوية والتعليمية والبيداغوجية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية فالسنوات الاخيرة؟ أليست هناك مواضيع ومشاكل أخرى تعيشها المدرسة المغربية يتوجب علينا الإلتفات إليها من قبيل الاكتظاظ، وضعف التحصيل الدراسي، وعدم ملاءمة المناهج، وتغيير البرامج والمقررات في كل مرة، وقلة الموارد البشرية المؤهلة، إلى غير ذلك من الموضوعات العديدة والمتعددة، والتي لم تنل حظها من العناية والاهتمام بالدراسة والتحليل.

  إن ظاهرة العنف تكتسي أهمية خاصة، نظرا للعلاقة المباشرة التي تربط بين ممارسة العنف وبين طريقة تشكل شخصية الإنسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة، سواء تم ذلك داخل المدرسة أو المجتمع أو الأسرة. إن البحث في موضوع العنف يجيب عن أسئلة عميقة شغلت بال العديد من المفكرين والباحثين التربويين والمحللين النفسانيين حول مفهوم الشخصية وطبيعة تشكلها لدى الأطفال، وبالخصوص في السنوات المبكرة، وبالضبط في المجتمعات العربية ذات البنية الذكورية المحافظة أو ما يسمى بالمجتمعات البطريكية، والتي في الغالب ترسخ سلوكات خاطئة ومدمرة عند الأطفال ذكورا كانوا أو إناثا، هذه المجتمعات التي تعلي من سلطة الذكر على حساب الأنثى، ومن سلطة الكبير على حساب الصغير، ومن سلطة الشيخ على حساب الشاب، ومن سلطة الرجل على حساب المرأة، إلى غير ذلك من التراتبيات المجتمعية، مما يولد مع هذا النوع من السلط تجاوزات وخروقات تتجلى في ممارسة أشكال من العنف المادي والرمزي.

 وتعد هذه إحدى خصوصيات البيئة العربية، رغم ما تزخر به من قيم ومبادئ إسلامية تحث على تجنب ممارسة العنف بحق الأطفال وتؤكد على إعطاء قيمة كبرى لشخصية الطفل، لكي ينضج في بيئة سليمة، كما ورد ذلك في القران الكريم، يقول تعالى: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون)[1]، بمعنى أن حق اللعب لدى الأطفال مهم للغاية، ومقرر بنص قرآني صريح، إذ يسهم اللعب في تطوير شخصياتهم، ويمنحهم الاتزان النفسي الضروري، وذلك بعكس من حرموا منه، وهذا ما يقره مضمون الآية القرآنية منذ آلاف السنين، قبل أن تظهر المواثق الدولية التي تحث على احترام حقوق الأطفال وبالخصوص حق اللعب، وفي المقابل لم يلتزم إخوة يوسف بهذا الإقرار الصريح منهم بحق اللعب، وقاموا بإلقاء أخيهم في البئر، وهو نوع خطير من العنف الجسدي والنفسي ارتكب بحق أخيهم الطفل يوسف وهو ما يزال صغير.

1.تأثيرات التربية العنيفة على الأطفال.

إن ممارسة العنف على الأطفال تؤدي لا محالة إلى عواقب وخيمة على نبوغهم وعلى مستقبلهم وعلى تشكل شخصياتهم، من هنا يتبين لنا مدى أهمية دراسة العنف وتحليل عواقبه على الفرد ، ومدى الخطورة التي قد تسببها ممارسته على الأطفال بالخصوص، فالحصول على أطفال معنفين من قبل أسرهم أو مجتمعهم أو في مدارسهم ، يعيق تطور ونمو شخصياتهم بشكل سلس، ويعيق كذلك تحصيلهم الدراسي وتطوير مستواهم التعليمي، فرغم كم الأبحاث والدراسات العديدة التي أنجزت حول موضوع العنف عند الأطفال، مازال البحث في الموضوع يغري الباحثين والدارسين والمختصين، لأن مقاربته تتيح لنا فهم أبعاد أخرى للشخصية الإنسانية بصفة عامة وشخصية الطفل بصفة خاصة، إن جل الأطفال المعنفين أو الذين سبق وتعرضوا للعنف بأنواعه وأشكاله لا يتمتعون في الغالب بشخصية قوية وسوية، ويفتقدون في الغالب لعامل الثقة بالنفس، وجلهم لا يتمتعون بروح معنوية عالية وثقة تامة بالذات، تمكنهم من الاندماج السريع في مجتمعاتهم وفي أوساطهم الأسرية عن طريق الانخراط في مجموعة من الأنشطة الحياتية والمجتمعية سواء العادية أو التي تتطلب استخدام ذكاء معين.

 إن ممارسة العنف بأنواعه المختلفة تقمع كيان الطفل و تحقر ذاتيته الخاصة وتشل تطوره الطبيعي والسلس في المجتمع وتكبح نبوغه، وتعيق تبلور وتشكل شخصية مبدعة ومنتجة ومنفتحة على المجتمع، فالطفل المعنف بهذا المعنى السالف الذكر يرفع من نسبة الحصول على أطفال مسالمين، اتكاليين ، خنوعين يتملكهم الخجل، وعدمي الثقة بأنفسهم، إنهم تجسيد لعلاقة القهر والرضوخ التي يعاني منها الانسان المقهور، الذي لا يجد له من مكانة في علاقة التسلط العنفي هذه، سوى الرضوخ والتبعية، سوى الوقوع في الدونية لقدر مفروض[2]، فلا مناص إذن من إعادة النظر في طرق تفكيرنا وأساليبنا التربوية والبيداغوجية للحد من انتشار هذه الآفة المجتمعية، لأن معظم الأدبيات التربوية تتفق على أن كسب رهان الجودة داخل المنظومة التربوية مرتبط بتوفر شروط بيداغوجية ملائمة وتبني مقاربة نسقية تستحضر مجمل العوامل الكفيلة بدعم نجاعة المنظومة التربوية والرفع من أدائها[3]، والتي من بينها التخلي عن الممارسات الغير تربوية في تدريس الأطفال.

فلسفة التربية هي فرع من الفلسفة التطبيقية أو العملية التي تهتم بطبيعة التربية وأهدافها والمشكلات الفلسفية الناشئة عن النظرية والممارسة التربوية. ونظرا لأن هذه الممارسة منتشرة في كل مكان لدى المجتمعات البشرية وعبرها، ولأن مظاهرها الاجتماعية والفردية متنوعة جدا، وتأثيرها عميق للغاية، فإن الموضوع واسع النطاق، ويتضمن قضايا في الأخلاق والفلسفة الاجتماعية/السياسية، والإبيستيمولوجيا، والميتافيزيقا، وفلسفة العقل واللغة وغيرها من مجالات الفلسفة.

ونظرا لأنها تتطلع في الداخل إلى نظام الوالدية وفي الخارج إلى الممارسة التربوية والسياقات الاجتماعية والقانونية والمؤسسية التي تحدث فيها، فإن فلسفة التربية تهتم بكلا جانبي الفجوة التقليدية بين النظرية والممارسة. ويشمل موضوعها كلا من القضايا الفلسفية الأساسية (مثلا، طبيعة المعرفة التي تستحق التدريس، وطبيعة المساواة والعدالة التعليمية، إلخ..) والمشاكل المتعلقة بالسياسات والممارسات التربوية المحددة (مثلا، جاذبية المناهج والاختبارات الموحدة، الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية لترتيبات التمويل المحددة، وتبرير قرارات المناهج الدراسية، إلخ). في كل هذا، يقدّر فيلسوف التربية الوضوح المفاهيمي، والصرامة الجدلية، والنظر العادل لمصالح جميع المشاركين في الجهود والترتيبات التربوية أو المتأثرين بها، والتقييم المستنير والمدروس للأهداف والتدخلات التعليمية.

لفلسفة التربية تاريخ طويل ومتميز في التقليد الفلسفي الغربي، منذ معارك سقراط مع السفسطائيين حتى يومنا هذا. قام العديد من الشخصيات الأكثر تميزا في هذا التقليد بدمج الاهتمامات التربوية ضمن أجنداتهم الفلسفية الأوسع (Curren 2000, 2018 Rorty 1998). وإذل لم يكن التاريخ محور التركيز هنا، فمن الجدير بالذكر أن مُثُل البحث المنطقي التي دافع عنها سقراط وأحفاده قد أبلغت منذ فترة طويلة وجهة النظر القائلة بأن التربية يجب أن تعزز لدى جميع الطلاب، قدر الإمكان، الاستعداد للبحث عن الأسباب والتفكير المنطقي والقدرة على تقييمها بشكل مقنع، والاسترشاد بتقييماتهم في مسائل الاعتقاد، العمل والحكم. هذا الرأي القائل بأن التربية تتضمن بشكل مركزي تعزيز العقل أو العقلانية، قد تم تبنيه بعبارات ومؤهلات مختلفة من قبل معظم تلك الشخصيات التاريخية؛ ولا يزال فلاسفة التربية المعاصرون يدافعون عنها أيضا (Scheffler 1973 [1989] Siegel 1988, 1997, 2007, 2017).

مقدمة
اذا اردنا تعريف للاختصاص الفلسفي بطرح الأسئلة الجدية المحيرة وترك الأجوبة العادية الفارغة فإننا نذكر الحادثة التالية: " أحد المارة يسير في الشارع ويسأل أحدهم عن الوقت. فيجيب الآخر، الفيلسوف: “ولكن ما هو الزمن؟ ". ولتحديد طبيعة كل شيء نحتاج الى معرفة خصائص الفلسفة والبحث عماهي؟

أولا: طبيعة الفلسفة

1° لكل إنسان فلسفة عفوية.

الفلسفة هي نظام جديد بالنسبة لك. ربما لاحظت أنه يثير فيك أو في من حولك الفضول والخوف معًا، ولكنه أيضًا يثير سخرية متنوعة (راجع الشخصية الكاريكاتورية لبانغلوس في "كانديد" لفولتير الذي يدعي أنه يعلم "علم الميتافيزيقيا واللاهوت وعلم الكونيات"). الفضول لأن الكثير من الناس يشعرون أنه يتطرق إلى أسئلة أساسية دون معرفة أي منها بالضبط. السخرية، لأن الفيلسوف معروف بكونه شخصًا، يغذي نفسه بالتجريد، وغالبًا ما يكون غير مناسب للحياة العادية، ويطرح أسئلة بعيدة كل البعد عن هموم الحياة اليومية ويقترح إجابات معقدة وغير مفهومة للبشر العاديين. لتوضيح أي سوء فهم، لنبدأ بملاحظة بسيطة: أنت وكل شخص تعرفه لديك آراء في مجموعة واسعة من المجالات. يشير كل واحد منا إلى القيم الأخلاقية، على سبيل المثال عندما نعجب بهذا السلوك أو ذاك أو نشعر بالفزع منه، أو عندما نتحدث علنًا عن قضايا حساسة مثل عقوبة الإعدام، والقتل الرحيم، وحماية البيئة، والأخلاق، وما إلى ذلك. كل هذه الآراء تسترشد بفكرة معينة عن الخير والشر، بقناعات حميمة، ورثناها بالتأكيد من تعليمنا، من بيئتنا، لكننا صنعناها بأنفسنا. إن مجموعة هذه الآراء، التي نعتبرها مبررة بصدق، والتي توجه حياتنا وتنظمها، تشكل فلسفة. على هذا النحو، كل إنسان هو فيلسوف ويمارس الفلسفة كما نثر السيد جوردان، أي دون أن يعرف ذلك، بل والأكثر من ذلك: الجميع يسألون أنفسهم أسئلة فلسفية، سواء حول الموت أو السعادة أو الوقت أو حتى أصل الأشياء.

2° الفلسفة العفوية والفلسفة النقدية

كل هذه الآراء تشكل فلسفة عفوية. هذا لا يعني أن الأشخاص المعنيين لا يفكرون، لكن آرائهم تعتمد في معظم الأحيان على التقاليد والتعليم الذي تلقوه والخبرة الحياتية والتأثيرات التي مروا بها وليس على تفكير منهجي وشخصي من شأنه أن يربط بين هذه الآراء المختلفة ويربطها. وربطها بمبادئ مشتركة ومدروسة بعناية والتي اعتدنا أن نسميها بأسماء الأسس. ليست هذه الآراء مجزأة ومستقلة عن بعضها البعض فحسب، بل إنها لا تجد مبررها وتماسكها ووحدتها بالنسبة إلى المبادئ الأولى التي ندركها، والتي تنتج عن تفكيرنا الشخصي والتي نلتزم بها بشكل عام. مدروس ومعقول. ومن ناحية أخرى، إذا اتخذنا هذه الخطوة لإعادة اكتشاف الجذور المشتركة لجميع آرائنا من خلال طرح السؤال النقدي على أنفسنا: "من أين يأتي ما أفكر فيه وما أؤمن به؟ "، ثم انتقلنا إلى فلسفة صريحة واعية بذاتها (ولم تعد عفوية)، باختصار إلى موقف فكري ونقدي نحتفظ له عادة باسم الفلسفة. لقد صاغ الفيلسوف الإيطالي غرامشي هذا السؤال بشكل مشهور: هل من الأفضل أن "نفكر" دون أن يكون لدينا وعي نقدي به، بطريقة مفصلة وعرضية، أي "المشاركة" في تصور للعالم "المفروض" ميكانيكيا من قبل العالم الخارجي، في بعبارة أخرى من قبل إحدى المجموعات الاجتماعية العديدة التي يرى كل فرد نفسه منخرطًا فيها تلقائيًا منذ دخوله إلى العالم الواعي ... أم أنه من الأفضل تطوير تصوره الخاص عن العالم بطريقة واعية ونقدية وبالتالي فيما يتعلق بـ هذا العمل الذي يدين به المرء لعقله... للمشاركة بنشاط في إنتاج تاريخ العالم، ليكون مرشدًا لنفسه بدلاً من القبول السلبي والجبان بوضع الختم خارج شخصيتنا؟ ".  مقتطف من غرامشي من “الكتاب 11” في دفاتر السجون، المجلد الثالث

تمهيد:
" يجب اعتبار الإنسان كائنًا حرًا، وجديرًا بالاحترام." عمانويل كانط

إذا كان بوسعنا أن نتحدث عن البشر والأشياء، فذلك لأن لديهم واقعًا ملموسًا لا جدال فيه، على الرغم من أنه من المحتمل جدًا ألا يكونوا موجودين. ولكننا لا نفهم أن نساوي الإنسان بالشيء، أو أن ننسب إليه نفس القيمة. فحتى أقسى المجرمين لا يمكن تجريدهم من مكانتهم كإنسان. لذلك هناك فرق جوهري بين الأشياء والبشر. لكن على أي أساس هذا الاختلاف؟ لماذا يبدو من المشروع إعطاء قيمة أكبر للأشخاص من الأشياء؟ هل يوجد البشر بنفس طريقة وجود الأشياء؟

 إن مجرد حقيقة الوجود، وحقيقة الموجود، لا يعطي الأشياء في الواقع بُعدًا استثنائيًا.

1. ما هو الشيء المشترك بين الأشياء والأشخاص؟

اولا. هذه هي الحقائق القائمة

كلمة "شيء" لها معنى واسع جدًا، وفي اللغة اليومية، تُستخدم للإشارة إلى جميع أنواع الكائنات. ولكن مهما كانت طبيعة هذه الأشياء، فإن كلاً منها يتوافق مع واقع ملموس ومحدد. كلمة "شيء" تأتي من الدقة اللاتينية التي أدت إلى ظهور كلمة "واقع" باللغة الفرنسية. ومن ثم فإن الشيء ينتمي إلى الوجود: الشيء هو، في مقابل العدم الذي، بحكم التعريف، ليس موجودا. ولذلك فإننا نفهم هنا من مصطلح "الوجود" الحقيقة البسيطة المتمثلة في معارضة كل ما هو غير موجود. وبهذا المعنى الواسع للغاية، يمكننا أن نؤكد أن الأشياء والناس موجودون: إنهم موجودون، لأننا نستطيع أن ندرك حقيقتهم عن طريق حواسنا.

ب. وجود محدود ومؤقت

لا شيء في العالم يمكن الحكم عليه بأنه أبدي – إن لم يكن الله، فلا يزال يتعين علينا أن نؤمن بوجوده. كل شيء قابل للتغيير والمرور. ومع ذلك، يمكن لأشياء معينة أن يكون لها وجود طويل جدًا (الجبال موجودة منذ ملايين السنين) وهو ما يتجاوز بكثير عمر الإنسان. لكن الطبيعة تخضع لإيقاع الصيرورة والتغيير الدائم. وهكذا، يرى أفلاطون أن كل شيء في الطبيعة له نمط وجود متقلب وعابر. بالنسبة له، الأفكار وحدها هي التي لها كائن دائم يفلت من الحركة. والإنسان ليس استثناءً: فهو بطبيعته كائن سريع الزوال وعابر. تميزه المحدودية: وجوده محدود، محدود بالولادة والموت. فالإنسان، على الأرض، لا يمر إلا عبر الأشياء تمامًا. حتى لو أراد ذلك، فلن يتمكن أبدًا من الهروب من هشاشة الوجود والوصول إلى الأبدية. ولكن إذا كان الإنسان محدداً بالواقع والمحدود، فلا يمكن أن نقول إنه اختزل إلى هاتين الصفتين.

مقدمة

ماكس فيبر (1864-1920) هو المؤسس الرئيسي لعلم الاجتماع الألماني، وهو مؤلف عمل كبير لا يزال يدرس في جميع أنحاء العالم اليوم (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، الاقتصاد والمجتمع، "العالم والسياسي"...). هذا الكتاب الأخير:"العالم والسياسي" عبارة عن مجموعة من محاضرتين ألقاهما عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، ألقيا على التوالي في عامي 1917 و1919. تتعلق الأولى بـ "مهنة الباحث ودعوته". والثاني، حول "مهنة السياسي ورسالته": يستخدم فيبر مصطلح بيروف، والذي يعني المهنة والحرفة معًا. تحدد "مهنة السياسي ودعوته" ماهية السياسي الجيد في ظروف السياسة الحديثة. يتم تعريفها على أنها النضال من أجل الحصول على سلطة الدولة أو الإطاحة بها أو تحويلها: وفي هذا السياق يقدم فيبر تعريفا للدولة التي أصبحت مشهورة الدولة هي سلطة احتكار العنف المشروع وتعيد توزيعه في شكل قوانين. وفي نهاية المداخلة، يركز على العلاقات المختلفة التي يمكن أن يقيمها السياسيون مع الأخلاق. وعلى هذا فإن الساسة والناشطين يواجهون معضلات أخلاقية، وهناك العديد من الإجابات المحتملة لها: هل ينبغي للسياسي الجيد أن يتبع قناعاته دون أن ينحني على الإطلاق؟ ماذا يفعل عندما تبدو العواقب أسوأ مما لو تنازل عن مبادئه؟ ألقى فيبر هذا المؤتمر في عام 1919، في سياق دولي بالغ الصعوبة: في فترة أزمة كهذه، ما هي الصفات التي يجب أن يتمتع بها السياسي لكي يرقى إلى مستوى الحدث؟

الصفات الحاسمة للسياسي الجيد

بالنسبة لماكس فيبر، يتميز السياسي الجيد بثلاث صفات "أساسية وحاسمة": وهي "العاطفة، والشعور بالمسؤولية، والبصيرة".

العاطفة والمسؤولية

من خلال العاطفة، يجب أن نفهم "الارتباط لسبب ما"، والذي يميزه فيبر عن "الإثارة العقيمة" البسيطة. إن الارتباط الحقيقي بقضية ما لا يعني أن تكون شغوفًا بها للحظة واحدة: بل بالأحرى أن تخدمها، وتشعر بمسؤوليتك تجاهها. لأن الشغف وحده، مهما كان أصيلاً، لا يكفي. إنها لا تجعل من الفرد سياسيا عندما لا تجعل من خدمة "القضية"، وبالتالي المسؤولية أيضا فيما يتعلق بهذه القضية على وجه التحديد، النجم الذي يوجه العمل بطريقة حاسمة. وبالتالي فإن العاطفة الحقيقية لا تنفصل عن الشعور بالمسؤولية. إنه ارتباط دائم بقضية ما، وهو ما لا يتضمن بالضرورة أفعالًا مذهلة، ولكنه يتضمن تحمل الفرد مسؤولياته فيما يتعلق به.

مدرسة الجشتالت Gestalt  مدرسة في علم النفس تعنى بوحدة الشعوراو الوعي واستقلاليته الذاتية كموضوع. ونادت بأن الوعي ليس مكوّنا من عناصر مستقلة على غرار أن جميع مدركاتنا تتكون كموجودات من عناصر عديدة رغم أنها تتعايش جميعها ضمن وحدة كليّة كينونية مستقلة تسمى الموجود او الشيء المستقل. واعتبرت الكل ليس فقط مجموع اجزائه ولا يفهم الكل في انحلال عناصره.

والجشتالت كلمة المانية تعني الشكل او الهيئة او النمط المنظّم الذي يتعالى على مجموع الاجزاء. وظهرت حركة الجشتالت عام 1912 في نفس الوقت الذي ظهرت فيه نظرية السلوكية التي قادها ماكس فرتماير. وهي تعتبر السلوك تعلما ناتجا عن مثيرات خارجية. اما رواد الجشتالت فيعتقدون أن التعلم فهم وادراك وتمييز.. ونظرية الجشتالت جاءت ايضا كرد فعل على البنيوية التي تحاول تجزئة الادراك الى مكونات . (نقلا عن ويكيبيديا الموسوعة ).

الوعي الادراكي في الفلسفة

هنا نجد أن الوعي بمعنى الشعورالنفسي فهم مستقل ذاتيا يدرك بالممارسة الادراكية الانفرادية. صواب هذا التوصيف حين نعتبر الوعي وهو كذلك خاصية انفرادية تحكم انفراديتها الممارسة الادراكية الواحدية للشيء في كليته. حيث من المتعذر أن يمارس الوعي دوره المعرفي والادراكي بنفس طريقة واسلوب تفكير جميع أو عامة الناس. هذا يعني أن وعي الفرد الواحد لا ينوب عن وعي المجموع تجاه معرفة الشيء او الموجود الواحد.  المقصود الوعي الجمعي يتوزع على عدد مدركي الشيء الواحد بتنوع كيفي بما لا حصر له كما في خاصية عمل عقول الناس كجوهر نوعي غير مبرمج جمعيا بالادراك والتفكير...فليس كل العقول تدرك الموجودات في تنميط واحد مشترك نوعيا.

الحقيقة أن خاصية الوعي من حيث امتلاك الفرد لها هي ثنائية تتالف من خاصية فردية مجمع عليها. حال الوعي يشابه تماما كما في مقولة ديكارت العقل أعدل قسمة ومساواة بين جميع الناس في امتلاكهم له. لكن كما ينطبق على ان العقل جوهر (نوعي) منفرد و ليس نموذجا متقولبا واحديا في التفكير المنمذج الذي ينوب عن العقول الاخرى. فلكل عقل تفكيره الخاص به لكنه عقل يحمل المجانسة النوعية الواحدية البيولوجية والتفكيرية المجردة مع باقي العقول الانسانية عموما.

في مفهوم مدرسة الجشتالت النفسانية ان الوعي او الشعور كليّ لا يقبل التجزئة الى عناصر كما هو حال العناصر الموجودة في تكوينات الاشياء بعالمنا الخارجي والموجودات بالطبيعة. وان مرجعية الشعور هو علم النفس وليس مرجعيته فاعلية بيولوجيا الادراك العقلي.

صحيح جدا ان نقول الوعي جوهرا ادراكيا موحدا شعوريا مصدره العقل. وصحيح ان الوعي او الشعور كليّ التكوين وكليّ الادراك معا بغض النظر عن ان تلك المدركات والموجودات والمواضيع تتكون من عناصر تشكل كينونة موجودية كليّة انطولوجية يدركها الوعي الانفرادي النوعي بواحدية تكاملها الوجودي في مدركات العالم الخارجي ولا يدركها بعناصرها التكوينية في الاشياء والموجودات.

تمهيد : سبق لي ونشرت مقالة بعنوان (ميرلوبونتي ونفي واقعية الحقيقة) وهذه المقالة تكملة لها.
يذهب ميرلوبونتي نحو تناول موضوعات كلاسيكية بالفلسفة بنوع من التغريب الذي يثير نوعا من الحساسية الفلسفية. فهو مثلا لا يعترف بوجود (ذات) مدخّرة في عالم الانسان الداخلي كما ذهب له القديس اوغسطين. طالما ان هذه الذات لا يمكننا التحقق منها كموجود يمتلك استقلاليته الا في مغايرتها المعاشة ضمن عالم خارجي يحتويها.

ويذهب ميرلوبونتي ابعد اكثر الى ان العالم الخارجي ليس حقيقة. وكذلك (الذات) ليست حقيقة.أعتقد انه من المتفق عليه انه بدلالة العالم الخارجي ندرك ذواتنا بمغايرة ادراكاتنا الموجودات. وليس بهذه الخاصية الادراكية المتفردة نستطيع معرفة حقيقة العالم الخارجي ايضا.الذات جوهر فردي لا وجود حقيقي له سوى بالمغايرة الادراكية العقلية للأشياء والتفكير بما حولنا من موجودات في عالمنا الخارجي والطبيعة وموضوعات الخيال الميتافيزيقي.

العالم الخارجي مفهوم وليس مصطلحا لكينونة وجودية متعيّنة ماديا محدودة بابعاد الموضوع سواء اكان الموضوع ماديا أو غير مادي يدركه العقل ويمكنه بها معالجة العالم الخارجي كموضوعات. متى يكون موضوع تفكير العقل غير مادي؟ كل مواضيع تفكير العقل المستمدة من الخيال هي غير مادية بمعنى هي تجريد صوري تتمثّل الواقع. إنها تصورات ذهنية يبتدعها العقل ويعبّر عنها لغويا او يتم التعبير عنها بأنشطة ادبية وفنية. وحتى الصمت الحركي جسديا كما في المسرح الصامت واليوغا واوضاع حركات الجسم الايحائية غير الناطقة لغويا كما في الرقص والباليه وطقوس العبادات الصوفية الوثنية منها والتوحيدية على السواء.

في الواقع ميرلوبونتي كان قريبا جدا من فلاسفة الوجودية وفينامينالوجيا هوسرل وهو محسوب فلسفيا عليهما لذا نجده يكرر المرادف الفلسفي للذات على انها وعي قصدي يحتاج العالم الخارجي لتوكيد ذاتيته الموجودية بالمغايرة في تاكيد وجوده وسط عالم يحتويه كانسان. والذات من دون وعي قصدي هادف يلازمها سلوكيا ومعرفيا لا وجود حقيقي لها على ارض الواقع.

كما انكر ميرلوبونتي مقولة القديس اوغسطين اعتباره الحقيقية – هكذا وردت في اطلاقية غير محددة في ترجمة دكتور زكريا ابراهيم لم يذكر بأي نوع من الحقيقة يقصد اوغسطين كون الحقيقة مفهوما فلسفيا مطلقا يصل احيانا حد البحث عنها يكون ضربا من الميتافيزيقا. والحقيقة ليست مصطلحا فلسفيا متفقا عليه محدود الدلالة بل هي مفهوم لا نهائي مطلق .  انكر ميرلوبونتي مقولة اوغسطين الحقيقة وجودها العالم الداخلي للانسان وهي ادانة صريحة واضحة صائبة. والذات ليست حقيقة استبطانية يدّخرها العالم الداخلي للانسان. متعللا ميرلوبونتي بالمقولة الفلسفية عن الوعي القصدي التي تذهب الى ان الذات لا تعي وتدرك نفسها الا بالمغايرة الموجودية مع محتويات العالم الخارجي الذي ايضا انكره ميرلوبونتي ان يكون وجودا تتحدد موجودية الانسان بدلالة ادراكه العالم الخارجي.

توطئة
 من أصعب تحديات کتابة تأریخ الفلسفة ونشوئها، هو تحدید نقطة البدأ التفلسف  والفیلسوف الأول في تأریخ البشریة برمتها. هذا ما أکده (أنتوني جوتليب)[1] في کتابه "حلم العقل: تاريخ الفلسفة من عصر اليونان إلي عصر النهضة" بقوله: "لن يحسم التاريخ أبداً هوية منشيء الفلسفة، فقد يكون أحد العباقرة الفقراء هو من أخترعها ثم غرق في لُجة التاريخ غير المكتوب قبل ألتمكن من الإعلان عن نفسه للأجيال القادمة. اذ ليس هناك ما يدعونا لأن نعتقد بوجود ذلك الشخص، ولكن عندئذ ما كانت الفلسفة لتظهر إلي الوجود. ولحسن الحظ توجد علي الأقل سجلات لإحدى بدايات الفلسفة حتی لو لم نتيقن من أنها لم تُسبق ببدايات أخری زائفة".

إن بذور الفلسفة نبتت في تربة ما، لکنها لم تکن أسیرا للمحددات الجغرافیة المحیطة بها. فمنذ نشأتها، طمحت بتجاوزها وکانت بثابة رحالة تجوب في آفاق غربا وشرقا. ولأن الفلسفة، فکر کلي/کلیاني جامع وکوني في ذاتها، تجاوزت الجغرافیا و انتقلت عبر القارات والثقافات. ولأنها کانت مؤثرا ومتجذرا في فکر الإنسان حیثما کان، تأثرت أیضا بالثقافات والأفکار التي تحتویها. فلذا، کانت حاضرة في کل مجمتع وحضارة عن طریق الفلاسفة اينما کانوا بشکل من الأشکال.

وإن کانت الفلاسفة أبناء بیئتهم الخاصة، لکنهم إجتازوا الأفق الثقافي لمجتماعتهم وذلک من خلال التواصل مع أفکار فلاسفة أخری في غیر مجتمعاتهم أو عصرهم. وأنهم انتجوا فلسفة، لیست محلیة الطابع، بل فلسفة إنسانیة طامحة.

لذا نتساءل: هل هناک تأریخ 'الفلسفة' أم تواریخ الفلسفات؟ هذا السؤال لیس من باب الجدل، إنما دعوة لقراءة التأریخ المتداول للفلسفة من وجهة نظر إنسانیة شاملة تتجاوز "المرکزیة الغربیة" في تدوین الفلسفة وتملیکها. بتعبیر آخر، خطوة نحو التحرر من هیمنة السرد الغربي في استکتاب نشوء وتطور الفلسفة.

 لذا، فالمقال هو دعوة الی استکتاب فلسفي بدیل لتأریخ الفلسفة من وجهة نظر إنسانیة وبنظرة غیر اسعلائیة التي تهمش الآخر/ الغیر الغربي. لحد الآن من یقرا کتب تأریخ الفلسفة، یتبادر الی ذهنه تأریخ ولیس تواریخ للفلسفة والتي تبدأ مباشرة من الیونان وتسمیتها بالمعجزة الإغریقیة. والذین ینکرون هذا السرد، فهم یقومون بدافع ایدولوجی ولیس فلسفي.

تمهيد:
مبحث الابستمولوجيا  في تاريخ الفلسفة احد الاقانيم الثلاث التي قامت عليها الفلسفة منذ عهدي اليونان والرومان حوالي ستة آلاف سنة قبل الميلاد مع ظهور اول فيلسوف اغريقي طاليس.مبحث الوجود، مبحث المعرفة (الابستمولوجيا) والثالث مبحث القيم (الاكسيولوجيا) يهتم بالحق، الخير، الجمال ويمكننا اضافة المنطق وفلسفة الاخلاق.. وتذكر بعض المصادر ان طاليس زار مصر ودرس الفلسفة في الاسكندرية كما زار بابل لنفس الغرض. ومثله فعل فيثاغورس 570 ق .م حيث درس علوم الرياضيات والجبر والهندسة حين زار بابل والتقى علماء البابليين ونقل العديد من مباديء الرياضيات الى بلاد اليونان لعل في مقدمة هذه المباديء هو استعمالات المثلث انه شكل هندسي يتكون من ثلاثة اضلاع ومجموع زواياه 180 درجة احداها 90 درجة وهي الزاوية القائمة. كما نقل بعض المباديء الرياضية والهندسة والمعمار التي كانت تجهلها الشعوب اليونانية. المهم ليس هذا موضوعنا.

من تاريخ فلسفة مبحث الابستمولوجيا

تقول مصادر تاريخ الفلسفة الى أن هوسرل فيلسوف الظاهراتية (الفينامينالوجيا) عمد الى احياء الميراث الديكارتي العلمي في القرن السابع عشر. وكانت رسالة هوسرل ثورة على شتى النزعات اللاعقلية والارتيابية والعدمية التي كانت تنخر  عظام الحضارة الغربية في القرن العشرين .(نقلا عن د.زكريا ابراهيم).

 عند محاولتنا تقصي بعض النقاط التي تحاول ربط تفكير ديكارت فيلسوف الثورة العلمية كما يحب بعض المشتغلين بالفلسفة نعته بها وهو بريء منها. في كتابه الشهير جدا (مقال في المنهج) اثار جملة قضايا تقوم على مركزية الشك بكل شيء جاءنا كموروث يؤثر بحاضرنا ونتداوله فلسفيا. منهج الشك الديكارتي اثار ضجة كبيرة جدا ليس في عصره بل بعد وفاته عام 1900م بقرون طويلة. حتى مفكرنا الكبير عميد الادب العربي طه حسين تأثر بمنهج الشك الديكارتي فاصدر كتابه الشهير (في الشعر الجاهلي) الذي اثار ردود افعال بين مؤيد ومستنكر رافض اثناء وبعد وفاة طه حسين. النقطة التي اود ذكرها ان طه حسين اراد تلبيس منهج الشك الديكارتي موروثنا الشعري العربي باعتساف وتبيئة المصطلح مصريا واسقاطه على تاريخ الشعر العربي واصفا اياه بالمنحول وهو في غالبيته جاءنا موروثا عن شعراء العصر العباسي.

التساؤل لماذا لعب شعراء العصر العباسي الاول والثاني هذه اللعبة ومعلقات شعراء عصر الجاهلية عصر ما قبل الاسلام كانت معلقة على استار الكعبة بقرنين على الاقل قبل ظهور الاسلام وحوالي اربعة قرون سبقت مجيء الشعراء العاسيين.!! من وضع هذه المعلقات الشعرية وهل شعراؤها اسماء عباسية منتحلة غير حقيقية؟  بمجيء القرن الرابع الهجري إذ قام عبقرية اللغة العربية والشعر العربي خليل بن احمد الفراهيدي 100 - 170هجرية بوضع بحور الشعر الستة عشر كما قام بتنقيط القرآن الكريم ووضع نحو وقواعد اللغة العربية وتنقيط حروف اللغة العربية ووضع العلامات النحوية الاربعة الضمة والكسرة والفتحة والسكون والتنوين والشدّة على حروف اللغة العربية التي اجملها ب28 حرفا وبعضهم يعتبرها 29 حرفا باضافة الهمزة كحرف له شكل وصوت.

الفلاسفة واللغة
يقول نيتشة رغم مقولته الجدالية الفلسفية الاستفزازية (موت الاله) ان (اللغة من ابداع الله). كما يقول غاديمير (اللغة هي احد الالغاز العظيمة في التاريخ الانساني). ويقول هيدجر(الانسان كائن لغوي وليس كائنا عاقلا). ويقول سيلارز( الوجود لغة). كما يقول فيلسوف اميركي اخر (الله لغة).
اذا اخذنا تفسير عبارة نيتشة اللغة من ابداع الله فلا معنى تسويغي تفسيري في تمرير العبارة سوى استشهادنا بعبارة شيلر قوله ان كل شيء ندركه ميتافيزيقيا كصفات مثالية يخلعها الانسان على معبوده الذي يؤلهه انما نجدها اي تلك الصفات المثالية مجتمعة بالانسان كموجود يلازم الطبيعة يتفاعل معا ويستفيد منها في تخارج انفصالي مستقل عنها.
وهي بطبيعتها الفيزيائية كموجود معطى مخلوق مستقلة انطولوجيا عن الانسان من ناحية التموضع الذاتي فيها او التجانس التكاملي تكوينيا معها.. أنسنة الطبيعة يتمثّل بالاعتياش الاحادي الجانب في علاقة الانسان بالطبيعة فهي الام المرضعة له وهي المصدر في توفير غذائه ومقوّمات حياته.
وقد سبق لفيورباخ الفيلسوف المادي التأملي الصوفي تعبيره أن الانسان بعلاقته مع ذاته ومع موجودات العالم الخارجي والطبيعة هي الاله المتكامل الذي يدركه الانسان بالموجودات التي يحتويها الوجود. الانسان بعد إختراع صناعته لالهه في تأمله الطبيعة وكائناتها وتنوعها البيئي وظواهرها الدائمية منها والمؤقتة وصل لنتيجة ربما لم يكن يدركها لكنه كان يمارسها انه هو إله ذاته كموجود ضمن وجود اكبريحتويه.. بفارق انه يؤمن ايمانا قطعيا انه الاله الانساني في داخله المجتمعة فيه كل الصفات الانسانية وليس الصفات الالهية التي لا يدركها بل تلك التي يرغبها الانسان في معبوده كخصائص نوعية يحاول الاقتداء بها سلوكا موزعا على طقوس دينية يمارسها في محاولته كسب رضى الخالق في تقليده لصفاته التي هي انسانية والتي بدورها تلعب دورا مهما في تهذيب اخلاق العبد في سلوكه المجتمعي. الصفات الالهية هي مفردات يدركها الانسان في ذاته فقط. ولا يدركها بمعبوده لأنه خالق كل شيء المدرك منه وغير المدرك. وادراك الصفات الالهية من قبل الانسان يعني ان الله اصبح موضوعا يدركه العقل بصفاته.

تمهيد
"إن أفضل طريقة للحصول على فكرة جيدة هي أن يكون لديك الكثير منها."
يقال بأن الفلسفة تعطي إجابات غير مفهومة لأسئلة غير قابلة للحل وبأنها تفكير أي نشاط وليست عقيدة. الفلسفة هي نظام الأفكار، ونفس الشيء هو معرفة الفيلسوف وفهم أفكاره. لكن كل شخص لديه أفكار، على مستوى أو آخر: قد تكون لدينا فكرة عن وجبة المساء أو عن إجازة العام المقبل. الفكرة تحدد الفكر: التفكير لا يتكون من إنتاج تمثيلات في رأس المرء، بل من وجود أفكار. في كثير من الأحيان، على سبيل المثال، عندما نواجه سؤالًا فلسفيًا، لا يكون لدينا سؤال: السؤال لا يقول لنا شيئًا، ونجف أمام ورقتنا أو شاشتنا، إلا إذا حاولنا خداع أنفسنا بالتمسك بالأفكار من غيره. وفجأة، ندرك أننا نعمل، وملتزمون بمسار واعد إلى حد ما، لكن قيمته لن نتمكن من تحديدها إلا بعد حدوثها: لقد جاءت إلينا فكرة. لذلك، نحن لا ننتج الأفكار، بل تأتي إلينا. وبالتالي، فإن الفكرة تأتي من امتلاكها، وليس من تنفيذها على الإطلاق: عندما لا تكون لديك فكرة، لا يمكنك علاجها عن طريق صنع واحدة؛ علينا أن ننتظر حتى يأتي – أفضل شيء نفعله هو أن نحاول أن نجعل أنفسنا متاحين، وبهذا المعنى فإن التفكير ليس نشاطًا يمكننا الادعاء به: عندما لا تصلنا أي فكرة، على الرغم من كل الجهود العقلية التي نبذلها. كنا قادرين على تقديم، ونحن لم نفكر. وعلى العكس من ذلك، هناك أشخاص تأتي إليهم الأفكار طوال الوقت. أحيانًا يكون الأمر رائعًا، كما هو الحال مع الفلاسفة الذين تكشف دراستهم للنصوص عن عدة أفكار في كل سطر؛ في بعض الأحيان يكون الأمر مخيفًا، مثل الأشخاص الذين لا يستطيعون الجلوس ساكنين وتحريك الهواء من حولهم باستمرار. لذا، فإن التفكير لا يعني بالضرورة التفكير جيدًا أو بطريقة مثيرة للاهتمام: إذا كانت هناك أفكار غنية ورائعة (على سبيل المثال، أفكار أرسطو في التمييز بين القوة والفعل، وفكرة كانط في قلب النموذج القائل بأن "لدينا معرفة تلقائيًا"، فهناك أفكار أخرى). هي أفكار فقيرة ومبتذلة مثل تلك التي لدينا يوميًا حول الأشياء الصغيرة في الحياة، أفكار لا تعطي شيئًا، وحتى الأفكار، على سبيل المثال في السياسة، والتي يمكننا أن نقول عنها إنها قذرة. لكن في النهاية، تشترك كل هذه الأفكار في أنها أفكار، أي أنها وصلت إلى مؤلفيها، وأنها تكشف أن الطبيعة الحقيقية للفكر لا ينبغي لها مطلقًا أن تكون نشاطًا ذاتيًا كما نتخيله بهذه السهولة. لأن التفكير يتكون من وجود أفكار، والفكرة في حد ذاتها هي حدث. فما المقصود بالفكرة؟

آخر الأنشطة الثقافية والعلمية

  • شعراء في ضيافة دار الشعر بمراكش يفتحون نوافذ شعرية جديدة في بيت المعتمد بأغمات
    شعراء في ضيافة دار الشعر بمراكش  يفتحون نوافذ شعرية جديدة في بيت المعتمد بأغمات التأم مجموعة من الشعراء والإعلاميين والفاعلين الجمعويين، ليلة السبت 8 يونيو، ضمن فقرة جديدة من برنامج "نوافذ شعرية" بفضاء بيت المعتمد بأغمات. هذه البرمجة التي تسهر عليها دار الشعر بمراكش، في أن تكون نوافذ مشرعة على التجارب والحساسيات وأجيال القصيدة المغربية الحديثة، وأيضا هي نوافذ جديدة تفتح في أمكنة وفضاءات أخرى، ضمن سعي حثيث من الدار لانفتاح برامجها على مدن وجهات أخرى خارج مدينة مراكش. ثلاث تجارب شعرية بأنماط رؤى مختلفة، تعبر عن راهن الكتابة الشعرية المغربية اليوم، ومنها أصوات شعرية تكشف الدار عن تجاربها لأول مرة. الشعراء: لبنى المانوزي وعائشة إذكير وسعيد التاشفيني اختاروا ديوان نوافذ شعرية، كي يخطوا "زمن الالتباسات الآسر" حيث الذات أمست "مثخنة بجراحاتها وانكساراتها"، وحيث الحياة "تستعيد صوت الشاعر كي يعيد ترميم الخراب". تعددت تيمات…