" إننا نواجه اختيارا يتعين علينا أن نتخذه بشكل جماعي ، فإما أن ننفق المزيد الآن على التعليم في حالات الطوارئ والأزمات ، أو ندفع ثمن جيل مفقود من الأطفال غير المتعلمين بل المحطمين " .
( أنطونيو ليك – المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة لإغاثة الأطفال " اليونيسيف " 2020 )استهلال : ( لذة النص Le plaisir du texte )[1]
" ما أتذوّقه في قصّة من القصص، ليس هو مضمونها مباشرة، ولا بنيتها، ولكنّي أتذوّق بالأحرى الخدوش التي أفرضها على الغلاف الجميل : إنّني أركض، وأقفز، وأرفع رأسي، وأعود للغوص ثانية ، وليس لهذا أيّة علاقة بالتمزّق العميق الذي يرسّخه نصّ المتعة في اللّغة نفسها و لا في قراءته الزمانيّة البسيطة "
( رولان بارت ، لذّة النصّ Roland Barthes, Le plaisir du texte )قبل حوالي خمس وثلاثين سنة تقريبا وتحديدا سنة 1985 من القرن الماضي نشر الكاتب والأديب الكولومبي " غابريال غارسيا ماركيز" ( Gabriel García Márquez ) روايته الشهيرة ( الحب في زمن الكوليرا – El amor en los tiempos del colera )[2] والتي تناول فيها وقتئذ مفردات تعودنا تكرارها خلال أيامنا هذه من قبيل : الوباء والجائحة والحجر الصحي واليأس والأمل والهزيمة والانتصار والتحدي والصمود والمستحيل والممكن...
وبعيدا عن أجواء الرواية وأحداثها[3] وما اكتنفها من نبوغ في السرد القصصي وسعة الخيال وسلاسة التعبير التي عهدناها ممن حاز على جائزة نوبل للآداب ( 1982) ارتأينا استعارة عنوان الأثر الأدبي المشار إليه قصد اسقاطه على واقعنا التربوي الحالي.. لنجد أنفسنا في صميم الحقل الدلالي لتلك المفردات والمفاهيم التي غصت بها الرواية وإن كان ذلك في سياقات أخرى وعبر مداخل وأدوات ومنهجيات مغايرة ،هاجسها تقصي الإجابة عن سؤال الكيفيات ، الحدود والإمكانات في واقع يكتنفه الغموض ويدفع دفعا في اتجاه المجهول كما سبق ودفع من قبل أبطال رائعة " غارسيا ماركيز " : عامل التلغراف العاشق المهزوم " فلورنتينو أريثا " وحبيبته السبعينية الجميلة " فيرمينا دازا " ، في سفينة نهرية تعبر اليم ذهابا وجيئة رافعة علم الوباء الأصفر وتأبى الرسو ، كي لا تنتهي الرحلة ويكون الفراق ..
مقدمة : ( حيرة عالمية une perplexité mondiale )
شهد العالم منذ بداية السنة وحتى يومنا هذا تحولا دراماتيكيا بسبب جائحة الكوفيد-19 التي تسببت بشكل أو بآخر في انقطاع أكثر من 1.6 مليار طفل / شاب عن التعليم في 161 بلدا، أي ما يقرب من 80 % من المقبلين على الدراسة في أنحاء العالم...
وحسب معطيات البنك الدولي فإن تلميذا من كل 10 تلاميذ قد شملته ظاهرة التسرب المدرسي (الانقطاع المبكر)..
وفي تونس تشير الأرقام ( أكتوبر 2020 ) إلى أن عدد المصابين بالكوفيد داخل المؤسسات التربوية بلغ 1390 حالة مؤكدة بينما قدر عدد الحالات المشتبه بها 3628 ..
ويبدو أن النسق التصاعدي لهذه الأرقام هو الذي حتم إيقاف الدروس أحيانا كما دفع بسلطة الاشراف إلى غلق جزئي لبعض المؤسسات وإقرار تقديم آجال عطلة نصف الثلاثي الأول مع التمديد فيها لأيام.
وما من شك في أن هذه السياقات -إن شئنا- تؤشر إلى أزمة[4] حقيقية يمر بها قطاع التربية والتعليم وهي أزمة تتجاوز في عمقها وارتداداتها ومآلاتها بقية الأزمات التي عرفتها المدرسة وأطنب في تفكيكها كل من " برنارد شارلوت " ( Bernard Charlot )[5] و" فيليب ماريو " (Philippe Meirieu) و" فرونسوا دوربار" (François Durpaire)[6] و" كريستيان لافال " (Christian Laval )[7]...
لماذا ؟ .. لأن هذه الأزمة محكومة إضافة إلى العوامل الداخلية المتعارف عليها في المستويين الهيكلي والوظيفي ( غياب مشروع سياسي وطني للمدرسة ، مشكل التكوين الأساسي والمستمر للمدرسين ، نظام التقييم والامتحانات ، العنف المدرسي ...) بعوامل خارجية نجد في مقدمتها العامل الصحي الذي بات يمثل متغيرا رئيسيا وإكراها حقيقيا عطل مسار العملية التربوية وأربك نظام الدراسة وكشف حدود البيداغوجيا ومقارباتها التقليدية وهو ما يدفعنا إلى تطارح جملة من الإشكاليات يمكن اختزالها في أسئلة ثلاث :
1- ما الأثر الذي خلفة الكوفيد- 19 على أداء المدرسة عموما وعلى الفعل البيداغوجي خصوصا في علاقة بالتحصيل العلمي للتلميذ أولا وعلاقته بالمعرفة ثانيا في ظل واقع محفوف بالخوف والتوجس ومحكوم بالارتباك والارتجال ؟
2- ما مدى قدرة المقاربات البيداغوجية الحالية على مسايرة الأزمات بما في ذلك الأزمة الصحية التي عنوانها فيروس كورونا المستجد ؟
3- هل من ممكنات حقيقية لتحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية لمراجعة المنظومة التربوية والتفكير في استراتيجيات ومقاربات ملائمة لواقع الأزمات وتحدياتها ؟
المبحث الأول : في إكراهات العوامل الصحية
من كان يتخيل يوما أن دولا وأنظمة وحكومات ستضطر إلى إغلاق مدارسها ومعاهدها وجامعاتها بسبب عدو لا مرئي شديد الفتك وسريع الانتشار ( الكورونا ) ؟
ومن كان يخال أنه سيأتي زمان على المربين تكمم فيه أفواههم وتتباعد فيه أجسادهم عن أجساد منظوريهم خشية منهم وخوفا عليهم ؟
ومن كان يظن أننا سنجد أنفسنا في مفترق طرق خطير لنختار مكرهين بين حقنا في التربية والتعليم وحقنا في الحياة ؟
هكذا هي تجليات أزمة التعليم في بعدها الصحي أو تكاد :
- بروتوكولات تشمل كل القطاعات تقريبا
- اضطراب في حياة المتعلمين وأهاليهم ومدرسيهم
- تقطع مطرد في نسق الدراسة
- بطء في الأداء وتأخر في تفعيل المناهج الدراسية
- ارتفاع نسب التغيب الشرعي ( لموجب صحي ) والمشروع ( بموجب الخوف أو بداعي التوقي)
- تذبذب منظومة التقييم والمراقبة المستمرة ( إلغاء فروض المراقبة في بعض المواد ، إعادة النظر في روزنامة الامتحانات .. )
هذا على الأقل ما نلاحظه في المستوى المنظور ، فوضى كبيرة ( Le grand gâchis ) على حد تعبير " فيليب ماريو " و " مارك غيرو "[8] ، ولكن من المتوقع أن تدهور الوضع الصحي قد يؤدي إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير ونقصد بذلك :
- ارتفاع معدلات الرسوب والتسرب المدرسي
- تراجع المستوى التحصيلي للتلاميذ وتأثيره المباشر على مصداقية الشهائد العلمية
- هشاشة في مستوى التوازن النفسي للمتعلمين نتيجة الشعور بالقلق والخوف واللايقين
- ضرب مبدأ المساواة ودمقرطة التعليم ( التعليم الخاص / العمومي ، التفاوت بين الجهات في مستوى انتشار الفيروس وإجراءات الحجر الصحي العام أو الموجه ...)
(École des notables et École du peuple/ Pour l’honneur de l’école, André de Peretti, Hachette-éducation, 2000)
- ظهور أشكال جديدة من العنف الناتج عن التوتر والضغط المتكرر وسياسة التباعد الاجتماعي.
إذا فالأزمة الصحية التي فرضت نفسها على العالم بأسره دفعتنا إلى القيام بمراجعات في علاقة بالبرامج ونظم التقييم دون مراجعة شاملة للمنظومة وهو خطأ استراتيجي انجرت عنه - عن قصد أو عن غير قصد - أخطاء أخرى ، منها اختزال أدوار المدرسة في بعدها العرفاني واهمال بقية الأبعاد الأخرى الثقافية والسوسيولوجية والنفسية والقيمية ( الانتماء ، المشاركة ، التواصل ، التضامن ، العيش معا...)[9] لتهدد جيلا بأكمله كما عبر عن ذلك البروفيسور " انطوني ليك " ( Anthony Lake )[10] ، المدير التنفيذي لليونيسيف.
المبحث الثاني : في حدود المقاربات البيداغوجية
ما من شك في أن الأوضاع والظروف الاستثنائية تتطلب حلولا وإجراءات استثنائية [11] ( Les situations exceptionnelles nécessitent des solutions exceptionnelles) ، وهذه المسلمة ليست حكرا على مجال أو مرفق معين ، بل تنطبق على جميع المجالات تقريبا بما في ذلك مجال التربية والتعليم الذي عرف عديد المقاربات منها المقاربة بالمضامين[12] والمقاربة بالأهداف[13] والمقاربة بالكفايات.
ويمكن القول مبدئيا أن هناك شبه اجماع على أن المقاربات البيداغوجية الحالية عاجزة وستظل عن الصمود زمن الأزمات. لماذا ؟ لأنها مقاربات خطية ( approche linéaire ) يغلب عليها الجانب الكمي ، فالمواد كثيرة ومتعددة والبرامج الدراسية لها منحى موسوعي إذ تزخر بالأهداف النوعية والمحتويات المعرفية على نحو يصعب معه التمييز بين ما هو أساسي جوهري وما هو ثانوي عرضي.وهذا المنحى الكمي يجر غالبا إلى مثل هذه المقاربات الخطية التي لا تقيم وزنا للتأليف والاتساق الداخلي للتعلمات، حيث تتراكم فيها الأهداف الجزئية وتتعدد الأنشطة التعليمية التعلمية في غير تكامل[14]. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن نظام المواد الدراسية المنفصلة يساهم في تكريس تقطيع الأنشطة وتجزئة المعرفة وهو ما يضع التلاميذ منذ البداية في وضعيات إخفاق لأنه لم يقع تمكينهم من الكفايات والمهارات التي تتأسس عليها التعلمات اللاحقة. وهو ما قد يفسر إلى حد ما ارتفاع نسب الرسوب والانقطاع المبكر عن التعليم والذي لا يعود دائما لأسباب اجتماعية ومادية بقدر ما يعود إلى خلل في علاقة بالمعرفة (disfonctionnement au niveau du rapport au savoir).
إن المتصفح للبرامج الحالية يجدها قد بنيت في شكل محاور ومدارات اهتمام تتفرع إلى دروس ومواضيع تتفرع بدورها إلى عناصر أساسية فعناصر فرعية تترابط وتتدرج فيما بينها بشكل صارم قد يعيق أداء المدرس ويمنعه من الاجتهاد في تناول مسألة من المسائل قبل انهاء سابقاتها ( منطق الخزانة والأدراج la logique de l’armoire et les tiroirs ). وهذه الصرامة تتأكد أكثر في المواد العلمية التي بينت تجربة تخفيف البرامج حجم الصعوبات التي واجهتها وهذا أمر مفهوم لأن المنطق الذي بنيت عليه هذه البرامج هو منطق سكولاستيكي (Scolastique)[15] تقليدي وحضوري ، يختلف أيما اختلاف عن منطق الطوارئ الذي يرفض الجمود وينشد المرونة في كل شيء تقريبا : في التنظيم ، في التوقيت ، في المحتويات والمضامين ، في الطرائق ، في التقييم ...
إذا نحن في مرحلة تستدعي منطقا مغايرا ( La crise fait toujours appel à une nouvelle logique )، في اتجاه لولبي / حلزوني إن شئنا ( dans un sens spiral) تحوم فيه المضامين والمعارف والمعلومات حول هدف رئيس بعيدا عن منطق الغلق والاكمال والانهاء ، خاصة وأننا نتعامل مع مسائل وقضايا إنسانية يصعب الحسم فيها ( الحرية / المساواة / الحقوق...)
ما من شك إذا في أنه ومهما اجتهدنا في تمييع مقارباتنا الحالية وتطويعها قصد تكييفها مع المستجد فلن ننجح في ذلك لسبب بسيط وهو أن جوهر هذه المقاربات والمنطق الذي بنيت عليه مغاير لواقع الأزمات واكراهاتها المادية والمعنوية. وعليه فإن هذه الحلول الآنية الترقيعية لن تكون مفيدة ولن تحقق نتائج تذكر في اعتقادنا خاصة إذا طال أمد الأزمة واشتد انتشارها الجغرافي لنجد أنفسنا في النهاية في طريق مسدود إذ بمنطق الربح والخسارة ما الفائدة من فتح المؤسسات التربوية والمخاطرة بأرواح مدرسينا وأبنائنا التلاميذ إذا لم تكن النتائج في مستوى تلك التضحيات؟
إن ما يحتاجه التلميذ اليوم أكبر بكثير من الدروس وأهم بكثير من المعلومات والمعارف المقتطعة من هنا وهناك ( القطب العلمي / العرفاني ( pole cognitif ، لأنه في حاجة أكثر إلى الوعي بقيمة ما يتعلم وتثمينه ( القطب القيمي/ الاكسيولوجي pole axiologique) ومن ثم تبنيه وتوظيفه التوظيف الصحيح في سلوكه ( القطب السلوكي / البراكسيولوجي pole praxéologique ) ، دون أن ننسى طبعا حاجته إلى الشعور بالطمأنينة ( القطب العاطفي / الوجداني pole affectif )، عبر استعادة ثقته بمدرسته ومدرسيه في ظل مناخ سمته الحيرة وعنوانه اللايقين والتحفز الدائمين.
المبحث الثالث : في إمكانات الخلاص
إذا كان للكورونا من مزايا فإن مزيتها الكبرى هي دفعنا للتفكير مجددا في منظومتنا التربوية واجبارنا على إعادة النظر في عديد المسلمات التي كان من الصعب إن لم يكن من المستحيل التجرؤ عليها .. فنظام الأفواج والحد من عدد التلاميذ داخل الفصل الواحد وتخفيف المناهج الدراسية إلى النصف والتعليم عن بعد وإعادة النظر في الزمن المدرسي كلها إجراءات إيجابية في نظرنا وإن كانت اضطرارية والمهم استثمارها والانطلاق الفعلي في إصلاح منظومتنا التربوية حتى لا تكون قرارات آنية هدفها الأقصى مجاراة الأزمة بحيث يقع الاستغناء عنها حالما استقرت الأوضاع الصحية وتراجعت مؤشرات الخطر.
في هذا السياق نعتقد أن المخرج من أزمة التعليم زمن الكورونا لن يكون إلا عبر منفذين إثنين الأول نظري وله علاقة بالمقاربات البيداغوجية القادرة على الصمود زمن الأزمات والثاني تقني وله صلة مباشرة بتكنولوجيات الاتصال والتواصل ونقصد به التعليم عن بعد.
1- في مقاربات الأزمات : ( التحديات والفرص Défis et opportunités)
سبق وأشرنا إلى أن إدارة الأزمة (la gestion de crise)[16] تستدعي في المستوى النظري مقاربات مخصوصة باتت تعرف بمقاربات الأزمات وهي عبارة عن خطط واستراتيجيات يقع اعتمادها في عدة مجالات كالاقتصاد والاتصال والطب وإدارة الأعمال وغيرها وتعرف بمرونتها وجدواها خاصة وأنها تتأسس على مبادئ : التوقع والاستشراف (Prévention) الإعداد والتحضير (Préparation) رد الفعل (Réaction) والتكيف (Adaptation).
وبناء على ذلك نرى من الضروري اليوم الحسم في اشكالية كان قد طرحها " فليب ماريو" منذ سنوات في الحقيقة بين ما اصطلح على تسميته ببيداغوجيا المقرر(la ped.curriculaire) المعتمدة على منطق البرامج ، والتي تخلت عنها أغلب المنظومات التربوية و بيداغوجيا الممكن (la ped. du possible) أي ما بالإمكان انجازه فعلا داخل الفصول الدراسية في علاقة بالسياقات الاجتماعية والسياسية والصحية وغيرها بعيدا عن اكراهات البرنامج الرسمي وذلك في اطار بيداغوجيا أشمل باتت تعرف اليوم ببيداغوجيا الوجاهة (p. de pertinence)
ومن بين المقاربات التي قد تفرض نفسها زمن الكورونا يمكن الإشارة إلى المقاربة السياقية (approche évènementielle) ، مقاربة الجودة (approche de qualité) والمقاربة المنظومية (approche systémique ) وهي مقاربات تتواءم والبيداغوجيات الحديثة على غرار " بيداغوجيا النجاعة " (la pédagogie efficace ) التي هي الوجه الآخر لـ " البيداغوجيا المرنة " أو "بيداغوجيا التكامل" (la pédagogie flexible )..
المقاربة السياقية (approche évènementielle)[17] |
مقاربة الجودة(approche de qualité)[18] |
المقاربة المنظومية(approche systémique )[19] |
- تعرف كذلك باسم مقاربة المسار (app. processuelle) لأنها تفترض : - التكيف مع الأزمة - حسن الإدارة ( خلية الأزمة ) - التواصل مع كل الأطراف - اللامركزية وسرعة اتخاذ القرار. - الكيف في مقابل الكم - تحيلنا مباشرة إلى كتاب معروف لـ " فيليب بيرينو " (Enseigner : agir dans l’urgence , décider dans l’incertitude : savoir et compétences dans un métier complexe) |
- ترتكز على توظيف كل المعلومات والبيانات الخاصة بكل المتدخلين في الشأن التربوي قصد استثمار مؤهلاتهم وقدراتهم الفكرية والمعرفية والعلمية لتحسين أداء المؤسسة - تهتم بمواصفات الخريجين من المدارس ونتائج تحصيلهم الدراسي عبر مختلف المراحل وقدرتهم على تجاوز المشاكل والمعيقات التي تعترضهم. - تؤكد على أن الأهم من محتويات البرامج ومضامينها جودتها. |
- تعرف في مجال التدريس على أنها دراسة المواضيع أو المفاهيم من خلال منظومة متكاملة تتضح فيها كافة العلاقات بين أي مفهوم أو موضوع ، مما يجعل المتعلم قادرا على ربط ما سبق دراسته مع ما سوف يدرسه في أي مرحلة من مراحل الدراسة من خلال خطة محددة و واضحة المعالم لإعداده في منهج أو تخصص معين. - ترتكز على البعد التكاملي في دلالات التربية والتّعليم (l’apprentissage globale) الذي لا يفرط في أي بعد من أبعاد شخصية المتعلم وفي مقدمتها البعد الوجداني (l’affectif) والعرفاني (le cognitif) والعملي (le conatif). |
2- في التعليم عن بعد : (ثورة أو خيبة أمل révolution ou désillusion )
رغم أن فكرة التواصل عن بعد هي فكرة قديمة نسبيا تجد جذورها في أواسط القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين[20] فقد ساد الاعتقاد ولسنوات بأن التعليم عن بعد هو ضرب من ضروب الترف البيداغوجي ولعل ذلك ما يفسر عدد السنوات التي خسرناها ونحن نمني النفس بالانخراط في المنظومة الرقمية دون أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام كذاك الذي ينتظر من علي من يدفعه من الخلف ليخوض تجربة الخلاص..
واليوم وبعد موجة الكورونا الأولى والثانية بات من المؤكد أن التعليم التقليدي/ الحضوري لن يكون الشكل الأمثل للتعليم في السنوات القادمة وعلى الدول التي تريد استقرارا واستمرارية في أنظمتها التربوية الإسراع بتبني منظومة التعليم عن بعد بشكليها التزامني ( Synchrone)[21] وغير التزامني (asynchrone)[22] نظرا لمزاياها الكثيرة والتي من بينها :
- سهولة الاتصال والتواصل وتبادل المعلومات والوثائق
- ربح الوقت وتوفير الجهد وتجاوز عائقي الزمن والمسافة
- مواكبة التطورات التكنولوجية والاستفادة منها
- ضمان جودة المحتويات والمضامين والسندات والعمل على تحسينها باستمرار
ولعل هذه المزايا وغيرها هي التي تفسر ازدياد الطلب غير المسبوق على منصات التعلم الرقمي (E-learning / Moodle/[23] Moocs / Slack ) وبرامج ربط الفصول الدراسية عبر الانترنيت[24] وتطبيقات الاجتماع والتواصل عن بعد (Zoom / Skype / Azendoo / Slack / Microsoft Teams ) وارتفاع أعداد المدارس الافتراضية وتزايد الإقبال على الأنشطة الذاتية الرقمية[25] .. وهذا التوجه لم يعد حكرا على الدول الغربية لوحدها باعتبارها الأكثر تقدما وثراء بل أصبح توجها عالميا وتحديا جديا لعديد الدول والبلدان بما فيها الدول العربية التي دفعتها الأزمة الأخيرة إلى خوض تجربة التدريس عن بعد ووضع التكنولوجيا الحديثة موضع اختبار في مجالي التعليم والتعلم ( المغرب، الأردن ، مصر، دول الخليج .. ).
غير أن هذا التحمس للتعليم الافتراضي يجب أن لا يحجب عنا كم الصعوبات والعراقيل التي تحول دون اعتماده بديلا عن التعليم الحضوري والتي نذكر من بينها :
- البنى التحتية وواقع الشبكة العنكبوتية
- الفجوة الرقمية وتأثيرها المباشر على ديمقراطية التعليم ومبدأي العدالة والمساواة ( نسب التغطية ، نسب امتلاك الحواسيب ... )
- الفجوة القانونية ( التقييم وإجراء الامتحانات عن بعد ؟ )
- ضعف التكوين في مجال تقنيات الاتصال والتواصل
- الكلفة ورسوم الانترنيت
كلمة الختام :
تشير آخر الأرقام إلى أن 70 % من التلاميذ في تونس لا يتقنون القراءة في حدها الأدنى مع نهاية التعليم الأساسي ( اليونسكو ، سبتمبر 2020 )
وفي علاقة بالتعليم عن بعد تشير الإحصائيات التي أصدرتها وزارة التربية مؤخرا إلى أن : - 93 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية و89 % من تلاميذ المرحلة الإعدادية والثانوية لا يمكنهم متابعة الدروس عن بعد ..
- 71 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية و 49 % من تلاميذ المرحلة الإعدادية والثانوية لا يمتلكون حواسيب وأجهزة معلوماتية.
- 73 % من تلاميذ المرحلة الابتدائية و 40 % من تلاميذ المرحلة الإعدادية والثانوية ليس لهم انترنيت في بيوتهم.
[1] . رولان بارت، لذّة النصّ Roland Barthes, Le plaisir du texte . 1973
[2] . ترجمت إلى الإنجليزية سنة 1988 وتحولت إلى فيلم سنة 2007. تروي أحداث الرواية قصة حب رجل وامرأة منذ المراهقة، وحتى ما بعد بلوغهما السبعين، وتصف ما تغير حولهما وما دار من حروب أهليه في منطقة الكاريبي وحتى تغيرات التكنولوجيا وتأثيراتها على نهر مجدولينا في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر
[3] . في نهاية القرن 19 في قرية صغيرة في الكاريبي تعاهد عامل تلغراف وكان شابا فقيرا وتلميذة رائعة الجمال على الزواج وتبادل الحب عل مدى الحياة. لكن «فيرمينا دازا» تزوجت من "جيفينال ايربينو" وهو طبيب لامع يفيض شبابا. حينئذ جاهد العاشق المهزوم "فلورينتينو اريثا" لكي يجعل له اسما لامعا ويكّون ثروة حتى يكون جديرا بمن أحبها ولن يكف عن أن يحبها طوال أكثر من خمسين عاما. ويصر البطل على الوصول لهدفه في الزواج من فرمينا ويتعجل ويسارع لتقديم عهد الحب لها في نفس يوم وفاة زوجها مما جعلها تطرده بكيل من الشتائم، ولكنه لا يفقد الأمل ويستمر في محاولة كسب صداقتها بطريقة عقلية حيث لم تعد الرسائل العاطفية لها من تأثير مع امرأة في السبعين. يرسل لها رسائل عبارة عن تأملات في الحياة والزواج والشيخوخة تنال رضاها وتساعدها على تقبل الشيخوخة والموت بطريقة أفضل وتقبله كصديق تتبادل معه الأحاديث والتأملات فيما لا زال هو يرى فيها الحبيبة رغم تبدل مظهرها وذبولها. ويتصادقان مع تشجيع ابنها الذي يفرح لأن أمه وجدت رفيقا يتفاهم معها ورغم نقمة ابنتها التي ترى الحب في هذه السن قذارة مما يؤدي بالأم لطردها من بيتها.
[4] . حالة عصبية مفزعة تضغط على الأعصاب وتشل الفكر وتحجب الرؤية ، تتضارب فيها عوامل متعارضة وتتداعى فيها الأحداث..
[5] . Charlot (Bernard) — L'école en mutation : crise de l'école et mutation sociale. Paris. 1987
[6] . François Durpaire, Béatrice Mabilon-Bonfils -La fin de l'école, l'ère du savoir –relation – PUF. 2014
[7] . نفس الأزمة تناولها علماء اجتماع انغلوساكسون مثل [ 1996 ] Avis [1993], Ball [1990], Woods et Bagley , Brown et Lauder
[8] . Philippe Meirieu et Marc Guiraud ( L’école ou la guerre civile ). Plon – Aout 1997
[9] . L’école, ce n’est pas apprendre, mais apprendre ensemble : Philippe Meirieu (Ce que l'école peut encore pour la démocratie) , Broché . Aout 2020
[10] . هو عالم سياسة أستاذ جامعي من الولايات المتحدة الأمريكية ولد في مدينة نيويورك سنة 1939 وهو عضو في الحزب الديمقراطي الأمريكي
[11] . عرف الفقيه " ريفيرو" الظروف الاستثنائية بأنها الأوضاع المادية التي تؤدي إلى وقف العمل بالقواعد العادية التي تطبقها الإدارة لتطبيق قواعد المشروعية الخاصة بالأزمات.
[12] . تعتمد هذه المقاربة على المحتويات المعرفية من أجل الوصول إلى تنمية القدرات والمهارات والمواقف لدى المتعلمين.
[13] . تعنى بتنظيم التعليم بكيفية تؤدي إلى بلوغ الأهداف عبر مسار يقطعه المدرس بمعية التلاميذ من أجل تحقيق التعلم انطلاقا من أهداف محددة.
[14] . المقاربة بالكفايات في الوسط المدرسي التونسي: حلومة بوسعدة ، المعهد الأعلى للتربية والتكوين المستمر- باردو2002/2003
[15] . يعرف محمد أركون العقل السكولاستيكي بأنه العقل الحسابي الذي تقتصر مهمته على التبحّر الأكاديمي وتراكم المعلومات، ويَنسى أركيولوجيا المعرفة وتعرية المسلمات الضمنية الخاصة بكل خطاب بشري.
[16] . المقصود بإدارة الأزمات معالجتها بوضع استراتيجيات وخطط لتلافي أثارها حتى لا تتطور تداعياتها إلى مراحل أكثر خطورة.وقد أصبحت إدارة الأزمات أسلوبا شائعا يسعى إلى تحقيق بعض الأهداف التي من بينها التنبؤ بها ووضع خطة محكمة للتعامل معها وتخفيف آثارها في حالة حدوثها وتتبع ورصد حركتها.
[17] . Toufik Serraj.Approche évènementielle ou processuelle de la crise. Faculté des sciences ; Université Laval. Décembre 2018
[18] . د.صابر كنوز: مقاربة الجودة التربوية الشاملة في التعليم ، مجلة العلوم الإنسانية ، العدد الثامن – ديسمبر 2017 .جامعة أم البواقي الجزائر
[19] . د. محمد بكادي : ضرورة اعتماد المقاربة المنظومية في التدريس ، مجلة إشكالات – معهد الآداب واللغات بالمركز الجامعي لتامنغست.
[20] . سنة 1833 أعلنت إحدى الصحف السويدية إمكانية تعلم اللغة
[21] . يفترض هذا النمط ارتباط المدرس والتلميذ في نفس الوقت باستعمال الوسائل التكنولوجية للتشاور المرئي والحوار المباشر والاستعمال التشاركي للوثائق كتقنية الشات (chat) والمحاضرة عن بعد (vidéo-conférence)والمعاينة (visionnage)
[22] . هو نمط للتفاعل غير المباشر لأنه لا يستوجب ارتباط كل من المدرس والمتعلم في نفس الوقت وبشكل حيني وهو يعتمد تقنيات عدة منها البريد الالكتروني (mail) والمدونات (Blog) والحائط المشترك والويكي (Wiki) واليوتيوب (YouTube)
[23] . MOOC signifie Massiv Open Online Courses. En français, cela veut dire que des cours proposés par des écoles et des universités sont désormais accessibles à tous et gratuitement sur Internet.
[24] . هو برنامج تعليم عالمي مخصص للمدارس وقد صمم من أجل مساعدة الشباب على اكتساب المعرفة والمهارات والقيم الضرورية للعيش والعمل في اقتصادٍ معولمٍ والمساهمة بصورة مسؤولة على الصعيدين المحلي والعالمي. نجح البرنامج العالمي حتى الساعة بالتواصل مع أكثر من 20 ألف مدرسة وبتدريب ما يزيد على 52 ألف أستاذٍ في 50 دولة منذ العام 2012
[25] . كشفت دراسة حديثة أن 50 بالمائة من التونسيين يتصفحون شبكة الأنترنيت وأن عدد التونسيين الذين يستعملون مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك يبلغ 7،6 ملايين شخص إضافة إلى 1،9 ملايين شخص في تونس لهم حساب على انستغرام.ويمثل الشباب الذين أعمارهم أقل من 35 سنة 59 بالمائة من مستعملي الأنترنيت