تقديم
غرضنا من هذا العمل أن نقدم قراءة نقدية للكتاب المدرسي« في رحاب الفلسفة» للسنة الثانية من سلك الباكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية.
فقد مكنتنا بكل تأكيد مدة اشتغالنا على وبالكتاب المذكور من تسجيل جملة من الملاحظات؛ ومن طرح سلسلة من الاستفهامات، مرماها هو تقويم «الرحاب» عبر النظر في «العرض الفلسفي» الذي يقترحه؛ ثم « انتظام لغة نصوصه المترجمة» في مستوى أول؛ وثان،من خلال اعتبار «إحالاته المرجعية»، وكذلك «حواشيه التفسيرية».
قضية «العرض الفلسفي»:
في إطار عملية تطوير درس الفلسفة في الطور الثانوي التأهيلي؛ تم منذ 1991 اعتماد إستراتيجية جديدة ارتكزت على النص في بناء الدرس الفلسفي؛ نظرا لأهميته في إقحام المتعلم في عوالم الفلاسفة؛ وفي رحلات انشغالاتهم، حتى يتأمل عن قرب مناهج تفكيرهم، وكيفيات نحتهم لمفاهيمهم، وطرق صياغتهم لمقولاتهم.
ولما كان النص ملتقى نصوص، وحمالا لمضامين، ولإشكاليات بعينها، فإنه من غير شك يقذف بالمتعلم في خضم بعض المواجهات؛ والصراعات الثقافية والفكرية في أفق إشراكه فيها، فضلا عن إقداره على النقاش المسؤول، والبناء من خلال إكسابه الآليات المنطقية لذلك كالتدليل، و المحاجة، و التركيب، و الاستنتاج، وما ماثل ذلك.
إن «المؤلفين» لايصادرون بالعرض على المطلوب فحسب؛ وإنما يقوضون بذلك إحدى مقومات الدرس الفلسفي في ثوبه الجديد؛ المتمثلة في العمل على بناء الإشكالية انطلاقا من قراءة متأنية؛ ومنهجية للنصوص تضع نصب عينيها النواظم، والقواسم المشتركة القائمة بينها.
إن «المؤلفين» يكرسون السلبية، والاتكالية لدى المتعلمين من خلال اعتماد الجاهز من الأطروحات والأفكار، وتشجيع الاستظهار والاجترار الذي لا يمكن إلا أن يميت في المتعلم شوق الاستكشاف؛ واستعذاب التعلم الذاتي، وإعمال العقل بدون حدود، ومن غير وصاية أبوية من أي طرف أو جهة. أعلينا أن نكرر أن درس الفلسفة هو فضاء لممارسة حق التفكير، وللتمرن على الحوار الديمقراطي، والنقد بتشريح المعارف، وأبعادها، ومنطلقاتها؟ أعلينا أن نكرر أيضا بأن درس الفلسفة منشط للمعرفة، ومفكك لمضاميها، ومرسخ للتنوير؟ فربما لهذه الاعتبارات، ولسواها، قال ديكارت:« أعترف بأني ولدت وفي نفسي نزعة عقلية تجعلني أجد اللذة القصوى في اكتشاف الحجج بنفسي، لا في الإصغاء لحجج الغير(...)»
إن الشكل الذي سيق به «العرض» غير مساوق لشرطيات «بيداغواجيا الكفايات» التي لم يتعاط معها «المؤلفون» إلا من نافل القول. وعلى هذا النحو حق علينا أن نسأل: هل يجوز لنا أن نطلب من تلميذنا إبداء موقف فكري شخصي من قضية فلسفية؛ والموقف عنده هو ما أتى به العرض جاهزا؟
أضف إلى ذلك، أية كيفية قد تسعفنا- كمدرسين- في بلورة «وضعية-مشكلة»، والعرض في المتناول وبين أيدي التلامذة؟
نصوص«الرحاب»:«ترجمة» أم «ترمجة»؟.
مكنتنا قراءتنا ل «الرحاب» من استخلاص مجموعة من الملاحظات انصبت على النصوص«المترجمة» لغة، وتركيبا، وأسلوبا، هاك بعضها في هذه النقط؟:
ورد في الصفحة 30 نص لميرلوبونتي تحت عنوان: «ما علاقة الأنا مع الغير؟» بحيث جعله « المؤلفون» عتبة لفهم ما سموه ب «المجال الإشكالي» لدرس «الغير». بيد أن اللغة المتقشفة، والأسلوب المفكك اللذين صيغ بهما النص أشكلا«الحقل الإشكالي» بشكل كلي. فلنتتبع معا هذا المقطع من ذات النص:
« كيف يمكن إدراك فعل إنساني ما، أو فكرة بعينها توجد على نمط وجود« الهو المجهول»ON (الناس)، مادام الإدراك فعلا شخصيا خاصا لا ينفصل عن الأنا الفردي؟. من السهولة أن نجيب عن هذا السؤال بالقول: إن ضمير المجهول(الناس)«هو»، لا يعني سوى صيغة عامة للإشارة إلى تعدد " الأنوات" أو على الأصح، إلى "أنا جمعي بوجه عام(...)»
لننظر إلى «الهو المجهول»ON(الناس)»؛ وإلى ضمير المجهول (الناس)«هو»»؛ ولنتساءل: كيف لـ: "ON" الدالة على المجهول أن تكون طورا مجهولة، وطورا معلومة(=الناس=هو). وهل الثالث المرفوع من باب الإمكان منطقيا؟. ولنتساءل أيضا : هل التعبير العربي الذي كتب به النص سليم ومنسق؟.
ثم أورد«الرحاب» نصا لهايدغر جاء فيه:
«إن التباعد باعتباره خاصية مميزة للوجود-مع- الغير، يلزم عنه أن الموجود-هنا يجد نفسه داخل وجود- مشترك يومي تحت قبضة الغير. إن الموجود- هنا، باعتباره وجودا فرديا خاصا ، لا يكون مطابقا لذاته، عندما يوجد على نمط الوجود-مع- الغير(...)» ص:31.
لندع اضطراب لغة «الترجمة» في هذا النص جانبا، ولنستفهم: هل من اليسير نقل نصوص ألمانية شامخة جدا إلى العربية انطلاقا من اللغة الفرنسية؟ وهل من السهل تعريب فيلسوف هو هايدغر. يعاني معه المترجمون المحنكون الأمرين في نقل لغته الفلسفية التي« تقوم على اعتصار الكلمات الألمانية واللاتينية واليونانية وتقليبها في أوجهها الدلالية المختلفة، مع ما يرتبط بذلك من تلكؤ في الأسلوب وغموض في العبارة»؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى بأية كيفية، وبأية لغة يمكنا تقريب مفاهيم ومقولات هايدغرية نظير:« الدازاين» والكينونة،والوجود-مع- الغير، والموجود هنا، بالإضافة إلى الانكشاف(...)؟
وتأمل أيضا ما تمت «ترجمته» في الصفحة52 بهذا الشكل: « قلت سابقا إننا قبلنا بدون تحفظ الأطروحات التي عرضها انغلز في رسالته لماركس[=إلى هو الصواب] والتي يقول فيها: إن الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ولكن في وضع محدد يشرطهم(!!!)غير أن هذا النص ليس واضحا، ويقبل تأويلات عديدة. فكيف ينبغي فهم أن الإنسان يصنع التاريخ[=لاحظ ضعف التعبير العربي] إذا كان التاريخ هو الذي يصنع الإنسان؟ وإذا أردنا أن نعطي الفكر الماركسي كل تعقده [لاحظ ضعف التعبير مرة أخرى]، فينبغي القول إن الإنسان يكون في عهد الاستغلال، في نفس الآن نتاج منتوجه الخاص[=لاحظ اختلال القول]، وفاعلا تاريخيا لايمكن اعتباره في أي حال من الأحوال منتوجا(...)[=لاحظ أيضا اضطراب لغة «المترجم»]. إن هذا التناقض ليس تناقضا ثابتا، بل ينبغي [=الصواب: «بحيث» في النص الفرنسي ] فهمه في سياق [= الصواب: ضمن] حركة البراكسيس، أي الممارسة (= ذاتها) [ أغفل«المترجم» كلمة ذاتها في النص الفرنسي]...».
وتتبع معنا أيها القارئ الفاضل، وانظر إن كان هذا الفولكلور اللغوي المدون في الصفحة14 يمت إلى الفلسفة بصلة: «ما الأنا؟ إن رجلا يقف على النافذة لرؤية العابرين يجعلني أتساءل إذا كنت أمر من هناك، هل وقف ذلك الرجل لرؤيتي أنا؟ الجواب لا، لأنه لا يفكر في أنا بصفة خاصة».
سؤالنا هنا: هل نقف أمام النافذة أم على النافذة؟ ومتى رأينا شخصا يقف على النافذة اللهم إلا إذا كان في حالة غير طبيعية؛ أو ما شاكل كل ذلك؟ وهل من تماسك منطقي في هذه العبارة الواردة في نفس الصفحة ؛ أي الصفحة 14:« لكن بالنسبة لإنسان يحب أحدا لجماله، هل يحبه فعلا؟ الجواب لا ، لأن داء الجذري إذ يقضي على الجمال، دون أن يقضي على الشخص، سيقضي على ذلك الحب تماما؛ وإذا كان هناك من يحبني نظرا لجودة حكمي أو لقوة ذاكرتي، فهل يحبني أنا فعلا(...) وهل يمكن أن نحب بشكل مجرد جوهر نفس شخص مع بعض الصفات البارزة[هل فهمت شيئا أيها القارئ]». فما علاقة داء الجذري بإشكالية الشخص ؟ وهل كان « المترجم» على بنية مما يترجم أم بالغيب كان يرجم؟
ثم تفضل أيها القارئ بقراءة ما اعتبر «ترجمة» لنص للفيلسوف إريك فايل:[ص:152]:
«يمثل العنف مشكلة للفلسفة، أما الفلسفة فهي لا تمثل أي مشكلة للعنف،[لاحظ علامة الترقيم«فاصلة»] الذي يسخر من الفيلسوف أو يزيحه من طريقه[=لاحظ التعبير الردئ] كلما وجده مزعجا وأحس أنه يعرقل مسيرته الخالية من أي اتجاه والتي هي حقيقته[=لاحظ غموض والتباس القول]».
واقرأ الصياغة اللغوية التي كتب بها هذا النص ثم احكم:
«إن الإنسان،[=لماذا فاصلة هنا؟] بفضل تميزه بالعقل، [=لماذا وضع فاصلة؟]، وأن يؤكد ذاته بوصفه فردا ونوعا في نفس الآن»[ص:162]
[تفضل أيها القارئ بملاحظة كيف أن «المترجم» «يترجم» كما اتفق بحيث قام بوصل ، وعطف العبارة الأخيرة« وأن يؤكد ذاته بوصفه فردا.....» بدون قاعدة نحوية أو منطقية تسمح له بذلك، إذ كان على « المترجم» أن يعلم بأن الاسم يعطف على الاسم، و الفعل على نظيره، و الجملة على الجملة].
وقف معنا أيها القارئ عند المقطع الثاني من نفس النص:« إن العدالة هي نتاج هذه الملكة:[لماذا النقطتان التفسيريتان؟] إنها الاحترام المعيش تلقائيا،[=هل المعنى واضح هنا؟] و المضمون بشكل متبادل لكرامة الإنسانية، لأي شخص، [=ما هذا؟] وفي أية ظروف، ومهما كانت الأخطار التي علينا مواجهتها للدفاع عن هذه الكرامة»[ص:162].
وتأمل كذلك هشاشة التعبير العربي لدى«المترجم»؛ وشرذمته للغة بشكل غريب في هذا المقطع[ص:15]:«فالشخص، فيما اعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها[=الصواب هو: باعتبارها]مطابقة لنفسها [=لذاتها](...)».
وأيضا في الصفحة 15:
«وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز به، من ثم، [=انظر عشوائية الترقيم] عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو [=لاحظ معضلة «الترجمة» الحرفية ومعضلة «ترجمة الترجمة]».
واقرأ كذلك ما يلي [ص:15]:
«وبقدر ما يمتد ذلك الشعور ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية [=لاحظ!!!] هي نفس الذات التي كانت حينئذ،[= ما هذا؟!!!] وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر [=يا سلام!!!]»
وانظر معنا هنا كيف مسخت«الترجمة» العشوائية مسخا نصا جميلا للفيلسوف كانط في هاته المقاطع ثم احكم بنفسك: « ما الفعل حسب هذا القانون- باستثناء كل مبدأ تحديد مستخلص من الميل- هو فعل، [=انتبه لركاكة الأسلوب وإلى الترقيم أيضا] من الناحية الموضوعية، [= انظر إلى الترقيم] عملي ويسمى واجبا.[ما هذا!!؟] و الواجب،[=لاحظ الترقيم] بسبب إقصاء الميولات يتضمن في مفهومه إكراها عمليا، أي تحديدا لبعض الأفعال مهما كان طابعها الإرادي ضعيفا»[ص:185].
« إن الإحساس الناتج عن الوعي بهذا الإكراه، ليس مرضيا(!!!)، أي مثل ألإحساس الذي يمكن أن ينتج عن موضوع حسي[=ما هذا التعبير!!!]، وإنما هو إحساس لا يتضمن في ذاته، [=لاحظ الفاصلة]. باعتباره خضوعا للقانون بوصفه قيادة[ماهذا يا إلهي!!!؟] (أي قهرا للذات المتأثرة بشكل حسي) أية لذة،=لاحظ تفكك التعبير] بل باعتباره كذلك،[=لاحظ الاضطراب المنطقي للعبارة] فإنه يتضمن بالأحرى ألما(...)»[ص:185].
«ومن الأهمية البالغة، أن نفحص، بدقة متناهية، [=الترقيم هنا عشوائي] داخل كل الأحكام الأخلاقية، عن المبدأ الذاتي لكل المبادئ(...)[هل خلصت إلى فكرة معينة أيها القارئ؟!]»[ص:185].
قضية « الإحالات المرجعية»
من الثوابت المتعارف عليها علميا ومنهجيا؛ أن الإحالات المرجعية لا تضفي على الكتابة طابع الجدية وحسب؛ بل تمنحها قيمة ومصداقية. غير أن عدم ضبطها بالدقة والصرامة المطلوبتين، يعرض العمل للشك، ويضعه تحت مشرحة النقد ومبضع التقويم. فما هي بعض مآخذنا على مما أورده «الرحاب» من إحالات؟
للإجابة عن هذا السؤال نعرض ما يلي:
لاندري على وجه التحديد المبررات التي حدت ب «المؤلفين» إلى ترجمة مؤلف بليز باسكال:"Pensées" ب «خواطر» [ص:14 و ص:109] والأمر يتعلق ب «أفكار».
ترجم «المؤلفون» عنوان عمل لغاستون باشلار "la formation de l'esprit scientifique" ب«تكون الفكر العلمي» عوض «تشكل الروح العلمية»[ص:110].
زعم «واضعو الرحاب» أن لأفلاطون مؤلفا وسموه ب« محاورة الجمهورية»، غير أن هذا العنوان تراءى لهم في الخيال إذ لا وجود له على وجه المطلق؛ لأن الصواب هو«جمهورية أفلاطون» [ص:108].
في الصفحة 15 تمت ترجمة مؤلف لجون لوك بهاته الصيغة:«مقالة في الفهم البشري»، و الصواب هو «دراسة بخصوص الفهم البشري» المنسجمة مع "essai concernant l'entendement humain" .
تم اعتماد «مواعظ وضعية» ترجمة لعمل أوغيست كونت الموسوم ب "catéchisme positiviste" في حين أن الصواب في تقديرنا هو : «تعاليم وضعانية» [ص:36].
ذكر«المؤلفون» أن للفيلسوف السوسيولوجي لوسيان غولدمان عملا تحت عنوان "les sciences humaines et la philosophie" الشيء الذي يجلي بأنهم لم يقرأوا هذا العمل ولكن شبه لهم على اعتبار أن الصواب هو:"sciences humaines et philosophie" [ص:98].
ترجم«المؤلفون» كتابا لماكس فيبر ب «مقالات في نظرية العلم» بدلا من «دراسات في نظرية العلم» [ص:99] تطابقا مع "essais sur la théorie de la science"
في إطار التعريف بالمفكر المغربي علي أومليل؛ جاء في «الرحاب» أن من بين أعمال الأستاذ أومليل كتاب«شرعية الاختلاف» [ص:29] إلا أن هذا العنوان في الحقيقة خاطئ؛ لأن الصواب هو «في شرعية الاختلاف» وهو ما ذكر مرتين في الصفحة :39.
ترجم «المؤلفون» عنوان عمل للفيلسوفة حنة أرندت "condition de l'homme moderne" ب«وضع الإنسان المعاصر» دون اعتماد «شرط الإنسان الحديث»[ص:215] الذي هو عين الصواب.
«حواش تفسيرية» أم بناء عشوائي في اللغة؟!
حرص «المؤلفون»، على هامش مجموعة من النصوص، على إضافة هوامش تفسيرية راموا بها تقريب بعض المفاهيم أو المقولات؛ التي قدروا أنها ملتبسة، من أذهان المتعلمين. غير أن ما لاحظناه هو أن جزء كبيرا من تلك الحواشي، تارة يشوش المعنى ويعتمه، وطورا يبدو تزيدا لا حاجة إليه. خذ مثلا ما يلي:
1.«شخصنة، عملية تشير إلى أن الإنسان أو الكائن لا يتخذ قيمته إلا في الوقت الذي يدخل في عالم مشخصن»ص:20.
فها أنت ترى أيها القارئ، وبتمام الوضوح أن واضع هذه الحاشية قد زج بنا داخل ركام فوضوي من الكلمات؛ والمفاهيم هو أشبه ما يكون بالبناء العشوائي في اللغة الفلسفية.
ثم اقرأ في الصفحة 113 هاتين الحاشيتين:
«يعتبر هايدغر أن الإنسان لا يمكن أن يصر على الكائن وينسى الكون وأن ينغلق في دائرته إلا لأنه يتجلى له[ هذه العبارة فاسدة تركيبا وصياغة] وهو لا يمكن أن يتجلى له إلا لأنه.[من هو؟] يقيم في المجال المفتوح [هنا فقد «المترجم» البوصلة تماما]».
«بخصوص الكشف والخفاء تجدر الإشارة إلى أن هايدغر يعتبر الحقيقة كشفا (أليثيا) أي بوصفها[إضافة كلمة «بوصفها» هنا هي من باب الحشو] سلبا ونفيا للخفاء»
حينما نقرأ ما اعتبر هنا إبانة وإيضاحا فإننا لا نفهم شيئا بالمرة؛ لأن «الشارح» لم يشرح شيئا فجعل مثلنا -أمام عباراته السديمية- كمثل من يحاول فتح قفل ضاع مفتاحه.
3. وتابع معنا أيها القارئ هذه الحاشية الواردة في الصفحة222
«الاستبدادية: أنظمة شمولية لا تسمح للفرد بالانخراط في الحياة السياسية لمجتمعه، وهي أنظمة قائمة على الدعاية والعنف».
لنستفهم، متى كانت الأنظمة الاستبدادية شمولية يا واضع الحاشية!؟ مبرر هذا السؤال أن «الشارح» لما عجز عن التمييز بين الكوع والبوع؛ وبين سهيل والسهى التبس عليه الأمر فطفق حاطب ليل إذ خلط بين «الأنظمة الاستبدادية»؛ و«الأنظمة الشمولية» أو «الكليانية» أو «التوتاليتارية».
ولعلمك يا «شارح»: إن التوتاليتارية هي الحلم بإقامة المجتمع الواحد مثلما فعلت النازية بعد 1938؛ و البولشفية بدء من 1930، وهي[=التوتاليتارية] كنظام سياسي تختلف اختلافا جذريا عن كل أشكال وأنواع الأنظمة الديكتاتورية الأخرى: استبدادية أو طغيانية (=تسلطية) أو فاشية باستعمال الدولة البوليسية المطلقة؛ والدعاية المفرطة، وتشريع النفوذ الدستوري للشرطة، ومعسكرات الافناء.
4. وأيضا في الصفحة: 168.
«ستار من الجهل: الوضع المعرفي المنطلق من درجة الصفر تجاه الاختيار».
ها أنت تلاحظ أيها القارئ أن الحاشية«الشارحة» تحتاج إلى فارز متطور يشرحها؛ لأن«ستارا من الجهل » أحاط بها فجعلها في الدرجة الصفر في الشرح.
وكذلك:
«الوضعية الأصلية: وضعية مفترضة لتسهيل بناء النظرية». ص:168[فهل فهمت شيئا أيها القارئ؟!].
6. وكي لا نسترسل كثيرا في عرض كل مآخذنا على العديد من الحواشي التفسيرية نكتفي بحاشيتين اثنتين: تقول الأولى:«عقلنا الخاص: أي العقل الذي هو [=لاحظ ركاكة الأسلوب] سابق على كل تجربة حسية»ص:185.
وتقول الثانية:
«المعنى: هو النواة الدلالية النابعة من الإنسان ومن وجوده في العالم»ص:218
لنترك التعليق مفتوحا أمام المهتمين ليحكموا هم بأنفسهم على هاته السفسطة الواردة في «في رحاب الفلسفة» والتي جعلتني أحصل هذا القول : إنني كلما أعدت قراءة «الرحاب» إلا ورثيت لتلك الشجرة التي تم اجثتاتها لتصنع منها أوراق كتب عليها كرها«في رحاب الفلسفة» بدلا من «في رحاب السفسطة».
خــلاصــــة تساؤليــة
رام هذا العمل الوقوف عند بعض معاطب «الرحاب» التي شخصناها في لغته البئيسة؛ وأسلوبه السقيم، وعباراته المهزورة، والمهلهلة، والمفككة التي جعلت بعض نصوصه فولكلورا لغويا مبعثرا عصيا على الفهم؛ ومنفرا من لذة الحكمة.
وتأسيسا على هاته الملاحظات آثرنا أن نسأل: هل لغة متقشفة كالتي صيغ بها «الرحاب» تقدر الناشئة على التمكن من اللغة الفلسفية مستقبلا؟ وكيف ستسعف في بناء فرد- مواطن متملك لمقومات الحداثة؟ وهل كتاب مثل هذا كسيح المبنى، سقيم المعنى، سيسهم في خلق قارئ نقدي بمستطاعه الإنصات لنداء عصر لاهوية له؛ ومن ثمة النفاذ إلى اللحظة التاريخية المتنفذة، والتعاطي معها بالإيجابية الممكنة، رغم ما تطرحه من تحديات هائلة؟؟؟
لا نريد لأسئلتنا الإرجاء، ولا نبغيها معلقة، لذلك ندعو عشاق الحكمة - وما أكثرهم- للانخراط فيها خدمة للفلسفة ثم انتصارا للعقل، فدفاعا عن الحداثة.
المراجع
1.«في رحاب الفلسفة» للسنة الثانية من سلك الباكلوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، كتاب التلميذ(ة). تأليف : أحمد الخالدي ومصطفى كاك وعبد الغني التازي ومحمد زرنين، الدار العالمية للكتاب، مكتبة السلام الجديدة، 2007.
2.سبيلا(محمد) وبنعبد العالي(عبد السلام):1991، الفلسفة الحديثة، دار الأمان، الرباط، المغرب، ص:110.
3.هيدجر(مارتن):1995، التقنية- الحقيقة- الوجود، ترجمة الدكتور محمد سبيلا وعبد الهادي مفتاح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، الدار البيضاء- المغرب، انظر مقدمة الأستاذ محمد سبيلا ، ص6.
4. Cf . Sartre(Jean- Paul):1986, questions de méthode, Tel- Gallimard, Paris- France, P : 80 et sq
5. أرندت(حنة):1993، أسس التوتاليتارية، ترجمة أنطوان أبوزيد، دار الساقي، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان، ص34- 36- 37 و ص:178 و ص:214
وأيضا: النقيب (خلدون حسن):1991، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، دراسة بنائية مقارنة، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، ص:21- 22 وص:62 وما بعدها.