تكلمَت هي كثيراً بصوت مبهم، أرسلَت نظرها بمستوى ذراعها الممدودة وهي تؤشر بسبابتها إلى منحدر التل.كان يقف كمحنط يغلفه الصمت. استدارت ودفعت رأسها نحوه مطلقة تنهيدة من أنفها وشفتيها مزمومة.. ثم انزلقت مع السفح في المنحدر الضيق، هناك، حيث أطلت ورود من شقائق النعمان المختبئة في ملاذ الصخور.
عادت، بعدها، مجهَدة وأمسكت بعضديه وذراعيه مسبلة، هزته بانفعال:
ـ تكلم لمرة واحدة.. واحدة فقط أرجوك.
كانت نظراته مسددة نحو النهر القريب بشكله الملتوي ووسطه الممتد والمجعد بالأمواج تلتمع عليه أصداف الشمس، ثم تنفس بعمق وهز رأسه بهدوء.. تكلم:
ـ نعم سأبوح لك يا رؤى..
كم أخاف وقوف المرتفعات وسط الآفاق المفتوحة التي توحي بالسفر الدائم والرحيل نحو المطلق.. وهناك عند أطراف المدن حيث يداهمني خوف مبهم ويمسك بي قلق وإحساس.. بأني لا أجيد لعبة هؤلاء الذي يسعون على أرصفة الشوارع.
ـ أما الآن ـ أيقنت أننا نعيش في عالم رحب الآفاق وأن هذا العالم لا يفهم بلغة واحدة أو يتسع لمشهد واحد.