سيزيف - قصة : جاسم الحمود

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

( 1 )sisyphus-abstract-lenore-senior
وقف سيزيف منهك القوى ، و العرق  يغسل جسده ، و خلف  المنصة  يجلس  كبار  الآلهة ،  يشربون الكولا  .
خاطبه كبير الآلهة بابتسامته السماوية : سيزيف  أيها  البشري  المغتر  بقوته ، ألم  تتعب ؟.
هل أعجبتك الصخرة ؟ .
-  تعبت ، تشققت يداي ، أحرقني حرّ  الصيف ، و جمدني  ثلج  الشتاء ، ولكن لن أركع … عندي  بقية من الأمل  .
- أي  أمل  يا  سيزيف ! .
- أن يتحرر الإنسان من قيود الآلهة  ، قد  ينقضي  زماني  دون  ذلك ، ولكن لا بد  من زمن   يلد رجالاَ ، يطهرون الأرض ، هذا  الزمن  قادم  لا  محالة  ، لا  أدري  بعد  مائة عام أو مائتين  أو  أكثر ، ولكنه  قادم  بلا ريب .

- حسناً اسمعْ يا سيزيف قررت الآلهة أن ترحمك ، ولن  تغضب من كلامك ، فالآلهة  أكبر  من  أن يثيرها كلام صعلوك مثلك ، سنعفيك من عقوبة دحرجة الصخرة ، و سننقلك إلى عالم بعيد  لتعيش فيه ، وسنرى  النتيجة .
نهض كبير الآلهة ، مدّ  عصاه  السحرية ، انطلق  شعاع  قوي ، أغمض  سيزيف  عينيه ، أحسّ  بأنه  يدور .
( 2 )
فتح سيزيف عينيه ، تأمل نفسه ، ضحك : ما  هذه  الملابس  الغريبة  التي  ألبسها .
تطلّع  حوله ، رأى  على  مسافة  قريبة  مدينة كبيرة  ببوابةٍ  ضخمة  و أبنية مرتفعة .
دخل  المدينة …
الجميع  يلبسون  مثله ، أو  الأصح  هو  يلبس  مثلهم .
ركب سيزيف في الباص ، جلست  أمامه صبية جميلة ، ابتسمت الصبية ، ابتسم  سيزيف  … غمزت له ، غمز  لها ، هبّتْ  صارخة ، صفعته ، و انهالت  الضربات عليه من كل الجهات .
مضى أسبوعٌ ، النقود تكاد تنفد ، صاحب الفندق  أنذره  بإخلاء  الغرفة خلال  يومين ، ماذا  يفعل ؟ ! .
لم يجد عملاً  حتى  الآن  ، و أكوام من  قصاصات  الجرائد  تعلن  عن  حاجتها  لموظفين  وعمال .
( 3 )
طرق سيزيف على الباب بلطف ، ثم دخل .
وراء  المكتب  تجلس  عجوز  متصابية ، تغطي  المساحيق  الملونة وجهها ، و برغم  الذهب  الكثير الذي يطوق عنقها وساعديها بدا جلدها مثل جلد التمساح ، و أقعت خلف مكتبها  كمسخٍ  مشوه .
أخبرها سيزيف أنه قرأ  الإعلان ، و أخرج من الحقيبة  المنتفخة  شهادته  الجامعية  وشهادة  اللغة  و الحاسوب ، كوّمها  أمام  السيدة  الجميلة  التي  كانت  تتأمل  بنيته  القوية  وجسده  الضخم  فقالت له : ليس  لدينا  عمل، ولكن  أنت  بالذات  لك  عمل  عندي  …  ستكون  حارسي  الشخصي ، أنت  قوي  جداً  ، ثم نظرت  إليه  باشتهاء ، و أضافت : وربما  أستخدمك  لعمل آخر  ليلاً .
نظر  إليها  بقرفٍ ، و بصق  في  وجهها ، و خرج .
دخل رجال الشرطة غرفة سيزيف ، و جرّوه  إلى السيارة .
وقف  سيزيف ، نظر  إلى  المحقق  خلف  مكتبه ، تذكّر  الآلهة .
ـ أنت  متهم  بالتحرش  بسيدةٍ  محترمة .
-  أنا ؟ !! ..
أراد  سيزيف  أن  يكذب  التهمة ، و لكن  العصي  السحرية  حطّمت  أنفه .
- لن  أتعامل  مع  النساء  أبداً .
قال  سيزيف  بعد  خروجه  من  السجن .
( 4 )
وقف  سيزيف  أمام  صاحب  الشركة … رجلٌ  بدين  يجلس  وراء  مكتبه ، و مع  أن  باقات  الورود كانت تزين  المكان ، بدا  الرجل  نتناً ، وطغت  رائحته  الكريهة  على  عطر  الورود  الفواحة .
-  ليس  لدينا  عمل .
شخر  الرجل  البدين ،  و تأمل بنيته القوية ، و  أضاف : ولكن  أنت  بالذات لك  عمل  عندي  سوف ……
-  تريد  أن  أكون  زعيماً  للمهربين  عندك ، أبيع  الموت  والسم  لأهل بلدي ، أنت خائن  . صرخ  سيزيف ، ثم  تقدم  نحو  الرجل  البدين ، ولكمه ، فحطم  أنفه .
جرّ  رجال  الشرطة  سيزيف  إلى  السيارة  .
وقف  سيزيف ، نظر  إلى المحقق  خلف  مكتبه ، تذكّر  الآلهة  .
-  أنت  متهم  بالتهجم  على  رجل  أعمال  ممن  يخدمون  الوطن .
- أنا  ؟!.
أراد  سيزيف  نفي  التهمة ، لكن  العصي  السحرية  حطّمت  أنفه .
- لن  أتعامل  مع  التجار  أبداً  . 
قال  سيزيف  بعد  خروجه  من  السجن .
( 5 )
وقف  سيزيف بأدبٍ  أمام  صاحب  المكتب… رجل  أنيق  يجلس  وراء  مكتبه ، وبالرغم  من  كل  مظاهر  النظافة  بدا  أثرٌ  لسائلٍ  هلامي  في فوهة  منخريه  الواسعين  .
- ليس  لدينا  عمل . 
قالها  الرجل  النظيف  بمكر ، ثم  أضاف : لكن  أنت  بالذات  لك  عمل  عندي  سوف……
- ماذا ؟ !! . تريد أن  أغتال  غريمك  في  الانتخابات ، أيها  القذر  إزهاق الروح  يجعلني قاتلاً .   صرخ  سيزيف ، ثم  تقدم  نحو  الرجل  الأنيق  النظيف ، ولكمه ، فحطّم  أنفه .
جرّ رجال الشرطة سيزيف إلى السيارة مع  بعض  الركلات  الخفيفة .
وقف  سيزيف  ينظر  إلى  المحقق  خلف مكتبه ، تذكّر  الآلهة .
- أنت  متهم  بتهديد  سياسي  نزيه  .
-  أنا  ؟ ! .
أراد  سيزيف  أن  يتكلم ، لكن  العصي  السحرية  حطّمت  أنفه  .
- لن  أقرب  السياسة  أبداً .
قال  سيزيف  بعد  خروجه  من  السجن .
( 6 )
استيقظ  سيزيف من نومه ، وجد  نفسه  بثيابه  القديمة على قمة  الجبل ، و أمامه  المنصة  ، يجلس  خلفها  كبار  الآلهة ، يلعبون ( الورق ) و أكياس  البطاطا  المقلية  - التي  ستكون  من نصيب  الفائز  في اللعب -  تتكدس  فوق  بعضها مثل جبل  الأولمب .
نظروا  إليه ، ضحكوا  ،  خاطبه كبير  الآلهة  بابتسامته السماوية  : لماذا  عدت يا سيزيف ؟ ماذا  جرى  لأنفك  يا مسكين ، يبدو  مشوهاً ؟ .
ـ  أرجوكم ، أريد  أن  أبقى  هنا .
ـ  ياللعجب ، العالم الذي كنت فيه  عالم متقدم راق ، و يسبقنا  بآلاف  السنين .
ـ  أرجوكم ، أريد  أن  أعود  إلى  صخرتي ، وداعاً .
لم  ينتظر  سيزيف  ليسمع  رأي الآلهة ، و انحدر راكضاً  إلى  أسفل  الجبل  حيث  تنتظره  الصخرة .

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة