تعليق على نص " تمرد في المسيد"(1) لعبد الفتاح كيليطو – عبد الحفيظ ايت ناصر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

إن كان ثمة حق في التعليق؟
ماهو التعليق؟ إنه الارجاء، انه القراءة المرجأة دائما، قد يكون هذا سبب تسمية المعلقات بالمعلقات، قراءة مرجأة ومفتوحة دائما ليتم الاضافة إليها.
***
هل عرف الاستاذ شيئا آخر في المسيد غير ما نراه في نصوص اخرى من شراسة في تصوير المسيد [ ... ] ؟
***
عرف الكتابة، عرف كيف يخلق لغة داخل لغة أخرى. لَكم يغمرني الشعور بالأسف، اذ لم اتعرف على/عن نصوص الاستاذ باكرا، ذلك أني في افضل أحوالي لست إلا قارئا كسيحا، أعاني الكساح كعاهة قرائية.
***
ماهو الأدب؟
إننا لا نَعرفه ولا نُعرفه، او أننا نعرف ما ليس ادبا، او في افصح حالاتنا نقول ان الادب هو ما يخترقنا تماما كالحب، الادب/الحب هو ما يجعلنا في مهب نسيم الاغيار، وهذا النص – تمرد في المسيد – لو لم يكتبه الاستاذ كله لكتبت بعضه، هل يُسمح للمتعلم ان يقول كهذا كلام؟ هل يحق للمحضرية ؟ في مثل هذه الإلتقاءات نحن دائما داخل نوع من المسيد حيث ثمة دوما من يجلس على دكة اعلى/عليا.

مالذي يعلم الكتابة بلغة أخرى داخل اللغة؟ كنا نمحو ألواحنا كلما ( حصينا) أحصينا ما كتبناه آنفا، ينقلنا الاستاذ الى زمن الطفولة الأولى، زمن كل الممكنات، ويرسم لنا خطوطا هروبية، لم يكن ثمة طرق يهرب بها الطفل من رتابة المسيد، لكني كنت اهرب منه، رغم انه كان لهروبي ضريبة مضاعفة، كنا نقرأ في المسيد مناوبة مع دراستنا في المدرسة، اذا كان دوام المدرسة صباحا ففترة ما بعد الظهيرة للمسجد وعكس الامر كذلك، دخلت المسيد في سن الاربع سنوات تقريبا، وهناك تعلمت الحروف، وقضيت وقتا قبل أن أكون مؤهلا لحمل اللوحة، اللوحة شيء مقدس فكم خُطّ على وجهيها كلام الله، وثمة هامش اسفل اللوحة يخصص للمتون، وللاسف غادر " نعاماس" قبل أن أكون مؤهلا الى مرحلة المتون، لكني حفظت سمعا أجزاءً مهمة من منظومات كان يرددها الكبار، من السابعة صباحاً الى الحادية عشرة ومن صلاة الظهر الى صلاة العصر، وبين المغرب و العشاء، كان هذا نظام المسيد.
كانت الكتابة المحو التي نمارسها على ألواحنا ممكنا، وأرضا خصبة للتفكير لكني لم افكر فيها يوما الى ان قرأت نص الاستاذ – تمرد في المسيد – حيث يكون هذا هو التمرد الحقيقي على رتابة الفكر، كانت اذن هذه الطفولة الأولى زماننا العلوي الذي هبطنا منه الى هذا الزمن الباهت حيث اصابنا النسيان ( المعرفة تذكر...) ونسينا كل امكانات الفكر التي رسمها لنا المسيد، فـ شقاء البشر صادر عن نزوعهم الى النسيان ( حصان نيتشه، ص32).
كيف اذن تتخالط او تتشابك او تتعانق الكلمات على وجهي اللوحة هذا التعانق الأبدي؟ ان كل ما يتم محوه لا يمحى ولا يَمَّحي، إنه يظل متواريا، ثمة اشباح حروف كأغصان شجرة دوما تبدو لنا وتطل علينا من وراء حجاب، لكننا لا نستطيع قراءتها، لقد تحولت الى رموز غير منظومة، بعد ان انتقلت الى ذاكرتنا التي تنسى بسرعة، ولهذا بني المسيد على الاستحضار، على استحضار النص، وان يكون النص دائما في رحلة استحضار، لا / لم يستطع الصلصال أن يمسح كل علامات اللوحة، وكذلك الشمس، والنار في الأيام الباردة الممطرة، انها عوامل لم تغلب النص ولم تغلب الذاكرة، هل تعتمد الذاكرة على الكتابة ام انها ضرورة استحضار، ( لماذا لم يكتب سقراط، وماذا كانت وظيفة هرمس).
عندما كنت اهرب من المسيد كنت اذهب الى (الواد) ثمة رافدين يلتقيان في قريتنا المنسية في الزمن، وقد كنت ابن الصيرورة من منذ الزمن الاول، لأني عرفت النهر جدا كما عرفني، وذات يوم وانا اؤدي ضريبة خطوطي الهروبية ضُربت بلوحتي الى الرأس، لكني لم أكف عن هذه الهروبات، كانت حافظتي نشيطة احفظ كل ما اسمع، حفظت جزءً مهما من متن فقهي سمعا من وسط تختلط فيه الاصوات و ( الاسوار)، وأشاد بي نعاماس في حضرة ابي وحصلت بموجب هذه الشهادة على مكانة اخرى، استطيع اذن ان اكتب لوحتي بيدي، كما اني اصنع الصمغ الخاص بي بنفسي، اما اللوحة في أكثرها مكتوبة بدم سبابتي، فكم مرة جرحتها وانا أُقلم قلمي [ قطعة من القصبة التي سقاها النهر] حيث يصير النهر قصبة. ستكون هذه القصبة/ النهر نايا في المرعى.
الكتابة لتغريق الكتابة ( حصان نيتشه، ص 32) هكذا فكر الاستاذ في الكتابة على لوحة المسيد، الحالة الوحيدة التي تحضر فيها العلامات والاشارات المستدعيةُ التأويلَ [ وظيفة هرمس ] في الحقيقة كانت المسألة اقوى تمرين للذاكرة، يحدث أن احفظ لوحتي وانا اكتبها فتكون الكتابة حفظا في ذاكرتي وحفظا على اللوحة، تماما عكس ما ظنه افلاطون في الكتابة ( إضعاف الذاكرة ، إشاعة الحكمة بين غير مستحقيها)، فلا يمكن للفكر ان يعيش في الكلام ( الكلام قذر والكتابة نظيفة ، دولوز)، ولن نعرف الأول والمنتهى في كتابة اللوحة، الكتابة شكل جذموري وليس يستطيع الفكر ان يعيش الا فيما هو مكتوب، [ نشاط الفكر يحدث في الكتابة، دولوز // الفكر يفقد حيويته فيما هو مكتوب هيدجر ].
هذا ما كنا نعرفه من حيث لا يظهر في المسيد قبل أن يفسدنا النسيان.
في المدرسة كنا نجيد العربية بالنسبة لتلامذة في الابتدائي وما هو مطلوب منهم أن يعرفوه، وبدأنا نتعلم الفرنسية وحفظ اناشيد بها، تعلمنا قراءتها ونوعا ما كتابتها ، وذات يوم ونحن ننتظر المعلم امام المدرسة واقفين بجانب السور يمر نعاماس ويعاقبنا بدون معرفة سبب لذلك؟! ربما لأننا كنا نقف في اللامكان فلم نكن لا في المسيد ولا في المدرسة ولا في البيت وليس هذا وضعا يحق لنا، يجب ان نكون دائما داخلا، كان الخارج هو خطنا الهروبي الاخر.
مرت سنوات وما زلت اهرب الى النهر ولكن لا مسيد اذهب اليه ولا مدرسة، كبرت في غفلة مني وهربت الطفولة في غير رجعة، وبعد سنوات التقيت بنعاماس لقاء التلميذ بالمعلم ولكن بشيء من الندية لم انجح في حفظ القرآن الكريم، لقد تابعت دراستي، استحضرنا الذكريات الماضية بشيء كبير من التسامح.
ثمة ما خسرناه بغياب المسيد، خسرنا كوننا كنا نعيش في حالة ترصد ( دولوز)، خسرنا الحذر ( سقراط )، أليست العباءة البيضاء هي نفسها ما تحول إلى وزرة بيضاء،
رأيت صبيين يرميان شيخا بالحجر ولم يكن هذا يحدث في هذه القرية المنسية في الزمن ايام المسيد، من لسان الى لسان اخر في المسيد الى لسان اخر في المدرسة، كانت هذه خريطة ترحالنا، وان كنا في صغرنا نهرب من المسيد، فقد كان هو وسيبقى خطنا الهروبي الأصيل، والى تلعثماتنا و ثغثغاتنا وحروفنا، صيرورتنا كانت في المسيد.
وعلى اكتافهم أدى مناسك الحج ( حصان نيتشه، ص 35) اولا استدعت هذه العبارة الى ذهني ألذع بيت هجاء؛
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي ( الحطيئة )
هل كانت غاية الطلبة/ المحضرية رد دين شيخهم ، ام إظهار نوع من السلطة لم يستطيعا ممارستها في الصغر، يشبه الامر الذي يحلم انه ضرب شخصا من حيث هو رغب في ذلك دون ان يستطيع تحقيق هذه الرغبة، ولكن ثمة غلو في هذا السرحان، وثانيا انه كما تم ليس ما كان يُهرب منه الا المهرب الاصيل، انه نوع من وضع الذات امام ذاتها ( الحذر ) وامام الاخر ليتم ابداعها بهذا الشكل المغاير، وقد كان هناك ندية في لقائي بنعاماس فلم يكن يمثل اصدارا لحريتي بقدر ما كان موجهي الى الصيرورة.
أما والان اكتب هذا النص فإن راسم الخط الهروبي هو صاحب النص " تمرد في المسيد" يجلس فوق دكته وهذا القارئ الكسيح يعيد متلعثما قراءة النص وهو يكتب، لهذا السبب وفقط اخترقني النص ولهذا السبب وحده كذلك كتبه ولم تكتبه.

1- النص ضمن؛ حصان نيتشه، عبد الفتاح كيليطو، دار توبقال للنشر، ط 3/2014 ترجمة، عبد الكبير الشرقاوي، ص ( 29-35)

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة