آرنست همنغواي من الأسماء المبدعة التي جسدت السينما أعماله كالشيخ والبحر، ولمن تقرع الأجراس 1941، ومازالت الشمس تشرق 1926، ووداعاً للسلاح 1929 ، وثلوج كلمنجارو.
أعظمها وأقربها إلى نفسي ، الشيخ والبحر، الرواية التي حقق فيها ذاته بالموت الذي يشكل هاجساً يقض مضجعه ، ويثير في نفسه تلك المسافة النسبية التي تفصل الميت عن الحي . الموت ... تجسم معه ... ورافقه خلال رحلة حياته العبثية.. في كتاباته .. سواء قصصاً أو روايات ، ليصبح كظله يلازمه ، ويقبع في زوايا نفسه وينبعث برائحته في (لمن تقرع الأجراس ) حاداً رهيباً بائساً ، متشعب الدروب ، متواصلاً مع الهمة ، وقتل الذات .
وتراه ليناً مترعاً بالهم قبل أن يلقي حتفه في ( مازالت الشمس تشرق) إنه همنغواي لا يتغير على الإطلاق ، قرأته بلغة أجنبية، وقرأته بالعربية الجميلة، فرأيت الموت بحد السيف يقصم مخيلتي ، ضمن عُباءة يتدثر بها عبر مسيرة حياته ، التي يقال إنه قد أنهاها بيده في شكل درامي يقول ضمن ما يقول عن هذا الحق ، ألا وهو الموت ، إنه القناع الذي يلبسنا صباح مساء ونستحي أن نحتفي به عنوة أمام أنفسنا ، والآخرين ، إنه صديقي ، وسامنحه نفسي عربوناً لهذه الصداقة!!
عرفته في أتعس أيام حياته جاعلاً من روما قاعدة له ، أو بالأحرى (جادة فيا فينتو) الشهيرة ، لايمل الجلوس على الإطلاق أمام الساقي في تلك الحانة الأنيقة التي تنتهي بإنتهاء الجادة، وعلى خطوات قليلة من تلك الحدائق الرائعة لعائلة بورغيزي العريقة، كان هذا الإنسان الملتحي البدين يجلس من العاشرة صباحاً يحتسي الجعة، ويتناول طعام الغذاء على الطريقة الأمريكية، ويواصل مسيرته حتى منتصف الليل يلهو يثرثر، يضحك يصخب يهدر الساعات تلو الأخرى على هذه الشاكلة، كانت تلك الفترة من أكثر الفترات ضحالة لا كتابة ولا نشاطاً ثقافيا له ، يحاول أن يغرق وقته بالكثير من الصخب والقليل من الفائدة وكأنه يحلل نفسه ليتهيأ للرحلة الأبدية.
يتحدث عن ذاته في شكل لمحات مهمة عن الماضي، ليتوقف بحذر شديد عند بعض العلامات المميزة في مسيرة حياته المكتظة بالأحداث المثيرة في شكلها الخارجي والداخلي ، والذي صنع منها أسطورة حياته ، التي وصفها ذات مرةً عند سقوط طائرته في وسط افريقيا (التي عشقها) في عام 1954 وهو العام الذي نال فيه جائزة نوبل للآداب وقصة نعيه في معظم الصحف العالمية بقوله إن الرجل الذي يظل يبحث عن الموت طول حياته لا يمكن أن يموت في سن السادسة والخمسين، هذا المُبدع الفنان الذي استعدى غضب السلطة الأمريكية نتيجة ممارساتها المغايرة لما تفصح به تجاه حقوق الانسان وحرية الفرد ، دفعه إلى أن يجعل كغيره من عديد المُبدعين الأمريكيين إقامته خارج بلاده ، فقد حمل طيلة سنوات الحرب الأهلية في أسبانيا البندقية والقلم في وجه الفاشية الأسبانية، ليرسم صورة إبداعية منتقاة عن تلك المرحلة القاتمة من الحكم الذي عم أوروبا ، وليقاتل بالجهد في صفوف من أعتقد بأنهم صنو للحرية، حتى أنه واجه الموت في كثير من المرات متحدياً بعنف قدره المرسوم في البقاء ، وأنه من العبث عند رسم تفاصيل حياة هذا المبدع الذي وهب حياته وقلمه لدلالات مضيئة في مسار الحرية حتى أضناه التعب، أن ينهي حياته منتحراً ؛ لأن من واجه الموت عنوة من الآخرين لا يستطيع أن يتقبلها بطلقة جبانة من سبابته .
وكما يقول:- صلاح عبد الصبور في أحد فصول كتابه
(مدينة العشق والحكمة)الصادر عام 1971 ( إن حياته قد لا تقول لا مرة واحدة... أما أدبه فإنه يقول لا ... آلاف المرات فقد كانت شهامة الرجولة هي المحور الذي يدور حول أدبه .
فهو مصارع ثائر ضد الموت ثائر ضد الأقدار ولذلك يعطي نفسه حقاً لا تملكه إلا القدرة الإلهية، حتى الموت ، كما يتمثله في روايته ( مازالت الشمس تشرق) ، و( وموت عند الظهيرة) جسم فيهما الموت الرهيب للثور كأداة وحشية قاسية يملؤها الحقد على حياة خام ليقهرها الموت في شكل قدر مرسوم ينفذه( المصارع) كشعائر لتقديم الموت لضحيته ... هذا المصارع في رأيه ثائراً أعطى لنفسه حقاً تملكه القدرة الإلهية.
ولكن هذا لا يعني أنه استهل الموت من خلال عمل الآخرين بل أنه أصر على أن ينذر به نفسه في شكل مواجهة قاسية نستطيع أن تطلق عليها صيد الأخطار ابتداءاً بالصيد وانتهاءً بتجربته القاسية مع الحرب ، التي أحبها كوسيلة لتحرير الانسان من ربقة الظلم ليكرهها في ذاتها عندما فُرضت عليه لملاقاة مصيره .
هذا الهدف جسَّده كعهده في كل معنى من معاني إبداعاته المتعددة الجوانب والمتمثل في روايته ( وداعاً للسلاح) و (لمن تقرع الأجراس) هذا التجسيد للموت في أعماله الإبداعية من خلال الحرب التي جعل منها هذا الرجل الملتحي حرفة يصنفها في قوائم الرجولة، ولكنه في ذات الوقت يقبلها عن مضض لا بديل له حيث يقول( علينا أن ندخلها مهما كانت قذارتها ، لنهزم قوى الشر، لأن التخلي عن مكاننا أكثر قذارة من الحرب) إن من أهم المفارقات التي تشد انتباه المتعمق في إبداعات همنغواي التداخل الكبير الذي تفرزه أعماله بين حبه للموت ، والتصاقه بالحياة ليعيشها بكل تفاصيلها في شكل بوهيمي شديد الإمعان في ذات الشيء ، وذلك من منطلق الاندماج الإنساني في غريزة الموت ،هذا الموت الأبدي في ذات نفسه والذي يراه في كل خطواته المجسدة في مسيرته الحياتية عبر الممارسة الحقيقية نحو الموت المحقق، لايواريه ضمن اقنعة استعراضية بل عن اقتناع متأصل في أعماقه ينبثق من ذلك البريق الذي يرسم خطواته نحو قدرية الموت ، هذه القدرية التي وصفها أحد النقاد الإيطاليين في مقال له بمجلة( لوسبكيو) المرآة في عدد فبراير عام 1962م بأن همنغواي قد صنع من قدرية الموت فكراً وفلسفة تتجلى في منتهاها تلك النظرة المقدسة لهاجس(الموت) الذي يصبغ به أعماله ، ويعتمد الناقد في القول على أن الموت عنصر من عناصر القوى لدى آرنست همنغواي في شكل ارجعه إلى مفهوم إرادة القوة عند المُبدع، بوصفها مجاورة لذات نفسه من خلال معنى من المعاني المتجسمة في تصرفاته الحياتية المرتبطة والموثقة بعقلانية التصرف تجاه المستجدات اليومية، التي كانت تملؤ حياته ، والكاره لأدواتها في شكل محاربة عنيفة للفاشية، والتي تمثل بالنسبة إليه مظهراً مزيفاً للعقلانية الغربية التي تمخضت عنها ( اللاعقلانية) المترعة بظلال الموت الكئيب.
ومن هذه المجسَّدات التي رسمها همنغواي ضمن فلسفة مكتملة الجوانب ، وحدد مفهومها في شكلها المدثر بالموت في كل ما خطه قلمه تقريباً ، نجد أن هذه الفلسفة في مضمونها الشمولي تأخذ منحنى الإيمان بالشيء أولاً وثانياً الرغبة الأكيدة في تذوق طعم الموت من خلال شخوصه الذين يمثلون قوة التمرد الفعلي على طبيعة الواقع ، وذلك بفرضه للموت عليهم من خلال شعائرية وصفية للتجربة الإنسانية.
وهو بفلسفته الجدلية، التي عمَّقت البعد الإبداعي لديه، يضعنا أمام مفارقة بحثية لنقتنص منها نتفاً من الحقيقة للوصول إلى تلك القناعات التي بدأت بامتهان الموت في صورة ( المقاتل المناضل) وانتهاء بدخوله للعالم السرمدي القدري الذي هيأه لنفسه ، هذه المفارقة نجدها فيما وصل إليه الفيلسوف الفرنسي(جورج ياطايل) المعروف بفيلسوف الرغبة عن جدارة المتذوق لطعم الموت ، والذي يرى أنه لا مناص منه في النهاية وهو لايبقي من وسيلة لتقمص هذه القساوة سوى الكتابة عنها ، على الرغم من أنه لا يكشف كل أسرار الكائن، لكنها تبقى الوسيلة الأنجع لاختراق مكنوناته الباطنية الدفينة لإظهار الجسد الميت العاري ، وعنف الموت والارتواء الجنسي، وكلاهما تعبير عن الإفراط، أو شكل من أشكال التطرف الشعائري الذي يصفه تعبيراً عن انتهاك الحدود الموضوعية في التفريد.
لأنه لن يظل بإمكاننا التمييز بين الموت والجنسانية فهما لحظتان لعيد تحتفل فيه الطبيعة مع الكثرة التي لا تستنفد للكائنات المفردة ، فكل منهما يحمل معنى الهدر اللامحدود في القدرة الإنسانية.
وهذا ما نراه يتمثل في كل ممارسات همنغواي العملية في مراحل حياته من خلال أفعال وكتابات إبداعية جل أن يداريها بفعل مناف لما يشعر به ، حتى لو كان ذلك الموت الذي قال عنه( إنه صديقي وسأمنحه نفسي عربوناً لهذه الصداقة).
وكما يقول:- صلاح عبد الصبور في أحد فصول كتابه
(مدينة العشق والحكمة)الصادر عام 1971 ( إن حياته قد لا تقول لا مرة واحدة... أما أدبه فإنه يقول لا ... آلاف المرات فقد كانت شهامة الرجولة هي المحور الذي يدور حول أدبه .
فهو مصارع ثائر ضد الموت ثائر ضد الأقدار ولذلك يعطي نفسه حقاً لا تملكه إلا القدرة الإلهية، حتى الموت ، كما يتمثله في روايته ( مازالت الشمس تشرق) ، و( وموت عند الظهيرة) جسم فيهما الموت الرهيب للثور كأداة وحشية قاسية يملؤها الحقد على حياة خام ليقهرها الموت في شكل قدر مرسوم ينفذه( المصارع) كشعائر لتقديم الموت لضحيته ... هذا المصارع في رأيه ثائراً أعطى لنفسه حقاً تملكه القدرة الإلهية.
ولكن هذا لا يعني أنه استهل الموت من خلال عمل الآخرين بل أنه أصر على أن ينذر به نفسه في شكل مواجهة قاسية نستطيع أن تطلق عليها صيد الأخطار ابتداءاً بالصيد وانتهاءً بتجربته القاسية مع الحرب ، التي أحبها كوسيلة لتحرير الانسان من ربقة الظلم ليكرهها في ذاتها عندما فُرضت عليه لملاقاة مصيره .
هذا الهدف جسَّده كعهده في كل معنى من معاني إبداعاته المتعددة الجوانب والمتمثل في روايته ( وداعاً للسلاح) و (لمن تقرع الأجراس) هذا التجسيد للموت في أعماله الإبداعية من خلال الحرب التي جعل منها هذا الرجل الملتحي حرفة يصنفها في قوائم الرجولة، ولكنه في ذات الوقت يقبلها عن مضض لا بديل له حيث يقول( علينا أن ندخلها مهما كانت قذارتها ، لنهزم قوى الشر، لأن التخلي عن مكاننا أكثر قذارة من الحرب) إن من أهم المفارقات التي تشد انتباه المتعمق في إبداعات همنغواي التداخل الكبير الذي تفرزه أعماله بين حبه للموت ، والتصاقه بالحياة ليعيشها بكل تفاصيلها في شكل بوهيمي شديد الإمعان في ذات الشيء ، وذلك من منطلق الاندماج الإنساني في غريزة الموت ،هذا الموت الأبدي في ذات نفسه والذي يراه في كل خطواته المجسدة في مسيرته الحياتية عبر الممارسة الحقيقية نحو الموت المحقق، لايواريه ضمن اقنعة استعراضية بل عن اقتناع متأصل في أعماقه ينبثق من ذلك البريق الذي يرسم خطواته نحو قدرية الموت ، هذه القدرية التي وصفها أحد النقاد الإيطاليين في مقال له بمجلة( لوسبكيو) المرآة في عدد فبراير عام 1962م بأن همنغواي قد صنع من قدرية الموت فكراً وفلسفة تتجلى في منتهاها تلك النظرة المقدسة لهاجس(الموت) الذي يصبغ به أعماله ، ويعتمد الناقد في القول على أن الموت عنصر من عناصر القوى لدى آرنست همنغواي في شكل ارجعه إلى مفهوم إرادة القوة عند المُبدع، بوصفها مجاورة لذات نفسه من خلال معنى من المعاني المتجسمة في تصرفاته الحياتية المرتبطة والموثقة بعقلانية التصرف تجاه المستجدات اليومية، التي كانت تملؤ حياته ، والكاره لأدواتها في شكل محاربة عنيفة للفاشية، والتي تمثل بالنسبة إليه مظهراً مزيفاً للعقلانية الغربية التي تمخضت عنها ( اللاعقلانية) المترعة بظلال الموت الكئيب.
ومن هذه المجسَّدات التي رسمها همنغواي ضمن فلسفة مكتملة الجوانب ، وحدد مفهومها في شكلها المدثر بالموت في كل ما خطه قلمه تقريباً ، نجد أن هذه الفلسفة في مضمونها الشمولي تأخذ منحنى الإيمان بالشيء أولاً وثانياً الرغبة الأكيدة في تذوق طعم الموت من خلال شخوصه الذين يمثلون قوة التمرد الفعلي على طبيعة الواقع ، وذلك بفرضه للموت عليهم من خلال شعائرية وصفية للتجربة الإنسانية.
وهو بفلسفته الجدلية، التي عمَّقت البعد الإبداعي لديه، يضعنا أمام مفارقة بحثية لنقتنص منها نتفاً من الحقيقة للوصول إلى تلك القناعات التي بدأت بامتهان الموت في صورة ( المقاتل المناضل) وانتهاء بدخوله للعالم السرمدي القدري الذي هيأه لنفسه ، هذه المفارقة نجدها فيما وصل إليه الفيلسوف الفرنسي(جورج ياطايل) المعروف بفيلسوف الرغبة عن جدارة المتذوق لطعم الموت ، والذي يرى أنه لا مناص منه في النهاية وهو لايبقي من وسيلة لتقمص هذه القساوة سوى الكتابة عنها ، على الرغم من أنه لا يكشف كل أسرار الكائن، لكنها تبقى الوسيلة الأنجع لاختراق مكنوناته الباطنية الدفينة لإظهار الجسد الميت العاري ، وعنف الموت والارتواء الجنسي، وكلاهما تعبير عن الإفراط، أو شكل من أشكال التطرف الشعائري الذي يصفه تعبيراً عن انتهاك الحدود الموضوعية في التفريد.
لأنه لن يظل بإمكاننا التمييز بين الموت والجنسانية فهما لحظتان لعيد تحتفل فيه الطبيعة مع الكثرة التي لا تستنفد للكائنات المفردة ، فكل منهما يحمل معنى الهدر اللامحدود في القدرة الإنسانية.
وهذا ما نراه يتمثل في كل ممارسات همنغواي العملية في مراحل حياته من خلال أفعال وكتابات إبداعية جل أن يداريها بفعل مناف لما يشعر به ، حتى لو كان ذلك الموت الذي قال عنه( إنه صديقي وسأمنحه نفسي عربوناً لهذه الصداقة).