الأدب الرقمي التفاعلي والتعددية الإبداعية ـ إيمان العامري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

arton13766-5d4f6يعد الأدب الرقمي التفاعلي من مجموعة الإبداعات التي تولدت مع توظيف الحاسوب والتكنولوجيات الحديثة، وهو" جنس أدبي جديد ظهر على الساحة الأدبية، يقدم أدبا جديدا يجمع بين الأدبية والتكنولوجية. ولا يمكن لهذا النوع من الكتابة الأدبية أن يتأتّى لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، من خلال الشاشة الزرقاء المتصلة بشبكة الانترنيت العالمية، ويكتسب هذا النوع من الكتابة الأدبية صفة التفاعلية بناء على المساحة التي يمنحها للمتلقي، والتي يجب أن تعادل أو تزيد عن مساحة المبدع الأصلي للنص"(1) مما يعني قدرة المتلقي على التفاعل مع النص بكل حرية وإبداعية لأنه يكون في مواجهة مباشرة مع النص عن طريق الروابط، التي تتيح للمتلقي العديد من الخيارات في عملية التلقي أو الإبداع ، فهو يبدع نصا جديدا ومختلفا كلما اختار رابطا مختلفا يتحكم بمساراته القرائية، إذ لم يعد المتلقي في إطار الأدب التفاعلي مجبرا على اتخاذ بداية موحدة بينه وبين مجموع المتلقين الآخرين، لان البدايات غير موحدة وكذلك النهايات.


وتتّصف نصوص (الأدب التفاعلي) بعدد من الصفات التي تميّزها عن نظيرتها التقليدية.كما ترى الناقدة   الإماراتية (فاطمة البريكي) منها على سبيل المثال، ما يلي: 
    1-أن (الأدب التفاعلي) يقدّم نصًا مفتوحًا، نصًا بلا حدود، إذ يمكن أن ينشئ المبدع، أيًا كان نوع إبداعه، نصًا، ويلقي به في أحد المواقع على الشبكة، ويترك للقرّاء والمستخدمين حرية إكمال النص كما يشاؤون..

 


   2-أن (الأدب التفاعلي) يمنح المتلقي أو المستخدم فرصة الإحساس بأنه مالك لكل ما يقدم على الشبكة، أي أنه يُعلي من شأن المتلقي الذي أُهمل لسنين طويلة من قبل النقاد والمهتمين بالنص الأدبي، والذين اهتموا أولا بالمبدع، ثم بالنص، والتفتوا مؤخرًا إلى المتلقي..
   3-لا يعترف (الأدب التفاعلي) بالمبدع الوحيد للنص، وهذا مترتب على جعله جميع المتلقين والمستخدمين للنص التفاعلي مشاركين فيه، ومالكين لحق الإضافة والتعديل في النص الأصلي.


   4-البدايات غير محددة في بعض نصوص (الأدب التفاعلي)، إذ يمكن للمتلقي أن يختار نقطة البدء التي يرغب بأن يبدأ دخول عالم النص من خلالها، ويكون هذا باختيار المبدع الذي ينشئ النص أولا، إذ يبني نصه على أساس ألا تكون له بداية واحدة، والاختلاف في اختيار البدايات من متلقٍ لآخر يجب أن يؤدي إلى اختلاف سيرورة الأحداث (في النص الروائي، أو المسرحي، على سبيل المثال) من متلقٍ لآخر أيضًا، وكذلك فيما يمكن أن يصل إليه كل متلقٍ من نتائج..


  5-النهايات غير موحّدة في معظم نصوص (الأدب التفاعلي)، فتعدد المسارات يعني تعدد الخيارات المتاحة أمام المتلقي/ المستخدم، وهذا يؤدي إلى أن يسير كل منهم في اتجاه يختلف عن الاتجاه الذي يسير فيه الآخر، ويترتب على ذلك اختلاف المراحل التي سيمر بها كل منهم، مما يعني اختلاف النهايات، أو على الأقل، الظروف المؤدية إلى تلك النهايات وإن تشابهت أو توحدت.     


     6-يتيح (الأدب التفاعلي) للمتلقين/ المستخدمين فرصة الحوار الحي والمباشر، وذلك من خلال المواقع ذاتها التي تقدم النص التفاعلي، رواية كان، أو قصيدة، أو مسرحية، إذ بإمكان هؤلاء المتلقين/ المستخدمين أن يتناقشوا حول النص، وحول التطورات التي  حدثت في قراءة كل منهم له، والتي تختلف غالبًا عن قراءة الآخرين.


7-أن جميع المزايا تتضافر لتتيح هذه الميزة وهي أن درجة التفاعلية في الأدب التفاعلي، تزيد كثيرا عنها في الأدب التقليدي المقدم على الوسيط الورقي.
   8-في (الأدب التفاعلي) تتعدد صور التفاعل، بسبب تعدد الصور التي يقدّم بها النص الأدبي نفسه إلى المتلقي/ المستخدم(2).
 
و يعرفه  الناقد المغربي–سعيد يقطين-بأنه"مجموع الإبداعات والأدب من أبرزها التي تولدت مع توظيف الحاسوب،ولم تكن موجودة قبل ذلك،أو تطورت من أشكال قديمة ولكنها اتخذت مع الحاسوب صورا جديدة في الإنتاج والتلقي"(3).
أما  الناقدة المغربية–زهور كرام- التي اختارت تسميته بالأدب الرقمي  فترى بأنه  التعبير الرقمي عن تطور  النص الأدبي الذي يشهد  شكلا جديدا من التجلي الرمزي باعتماد تقنيات التكنولوجيا الحديثة والوسائط الالكترونية،فلأدب الرقمي أو المترابط أو التفاعلي  يتم في علاقة وظيفية مع التكنولوجيا الحديثة ويقترح رؤى جديدة في إدراك العالم، كما أنه يعبر عن حالة انتقالية لمعنى الوجود ومنطق التفكير.(4).

ما يفهم من مصطلح الأدب التفاعلي والذي يقوم على تقنية النص المترابط؛"نظام يتشكل من مجموعة من النصوص ومن روابط تجمع بينها متيحا بذلك للمستعمل إمكانية الانتقال من نص إلى آخر حسب حاجياته(5)" هو أنه كتابة وقراءة معلوماتية غير خطية للنص الأدبي الذي يدخل عصرا جديدا بإيقاع تكنولوجي رقمي  وبأدوات إبداعية تواكب مجريات العصر (الحاسوب المتصل بشبكة الانترنت) والإفادة من عناصر الميلتميديا التي لم تعد فيه الكلمة سوى جزء من عناصر متعددة كالصوت والصورة والموسيقى والألوان، ويفتح هذا النمط من الكتابة الرقمية فضاء واسعا من التداخل والتفاعل بين الكتاب والقراء المتلقين الذين يتحولون بدورهم إلى مبدعين في النص التفاعلي الذي لا يعترف بالمبدع الوحيد للنص ويفتح المجال واسعا أمام المتلقي ليشارك في العملية الإبداعية ويسهم عبر قراءته التفاعلية الرقمية في خلق نصوص جديدة ولا نهائية.


يقدم  الأدب التفاعلي معايير جمالية جديدة وخصائص لم تكن متاحة من قبل في النص الورقي كخاصية تعدد المبدع والتأليف الجماعي للنص الرقمي وتعدد الروابط التي تؤدي  بدورها إلى تعدد النصوص حسب اختيارات المتلقين، بعكس الأدب الورقي الذي تكون البداية موحدة والنهايات محدودة، إضافة إلى صعوبة الحصول على الكتاب الورقي مقارنة بنظيره الرقمي الذي يسهل حمله و تحميله من خلال الحاسوب، لذلك فمن الطبيعي أن يعرف  هذا الأدب  في المستقبل القريب انتشارا واسعا ورواجا كبيرا في الأوساط الأدبية ليحل محل الأدب الورقي المطبوع، سواء أكان هذا الإحلال كليا أم جزئيا، فإن هناك عملية إحلال متسارعة تتسع وتستحكم باستحكام التكنولوجيا ومدى توظيفها في الحياة اليومية، وهذا لا يعني أن الصيغ التقليدية للإبداع الورقي مهددة بالزوال وإنما هي قادرة على الصمود والاستمرار من خلال تعايش الإبداعين معا.خاصة في التجربة العربية التي تعرف تأخرا نوعيا في الإفادة من الإمكانيات التكنولوجية المتطورة، وبالتحديد طبيعة علاقة المبدع الأدبي العربي بالإمكانات الهائلة التي تتيحها شبكة الإنترنت، ومدى إفادته منها، وتوظيفه لها في نصوصه، نجده لا يزال مرابطًا عند الخطوة الأولى التي خطاها المبدعون الغربيون في بداية تعاملهم مع هذه الشبكة، وهي تقديم نسخة رقمية للنسخة الورقية لأعمالهم،وقد وصف الناقد المغربي (محمد أسليم) حالة الركود الإلكتروني التي يعيشها المشهد الثقافي العربي في عصر الثورة المعلوماتية ب (الغفوة الإلكترونية) في دراسته (المشهد العربي في الانترنيت:قراءة أولية)(6) حاول فيها تقييم الحضور العربي على الشبكة، موضحا صعوبة ذلك وانعدامه تقريبا لأسباب عديدة ورد ذكرها في دراسته، وفي حديثه عن بناء المواقع العربية على الشبكة أشار إلى غياب البعد التفاعلي مستخدما لفظة (التفاعلي) بالمعنى الغربي المعاصر، منتقدا الإبداع العربي على الشبكة الذي وصفه بالسطحي التقليدي، كونه لا يعدو أن يكون نسخة الكترونية عن النسخة الورقة التقليدية.


الهوامش والإحالات:
1 -فاطمة البريكي، مدخل إلى الأدب التفاعلي، المركز الثقافي العربي،بيروت، 2006، ص49.
2-المرجع نفسه،ص53.

3-سعيد يقطين، من النص إلى النص المترابط،مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2005، ص10.
4- زهور كرام،الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيية،رؤية للنشر والتوزيع،القاهرة،ط1،2009،ص22
5-المرجع السابق، ص 101.
6-محمد أسليم، انظر الرابط: http ://www. addoubaba.com/aslim.htm

الأستاذة إيمان العامري
  جامعة سكيكدة

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة