ذاكرة النرجس: أزمة الهوية الزنجية وعنف الذاكرة المشروخة - حمدي عمر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

يعالج الروائي المغربي رشيد الهاشمي في روايته ذاكرة النرجس قضية الهوية الزنجية في واقع متشظ لا يرحم المستضعفين، ويرصد لنا مآسي السود في مجتمع مسكون بعنف يجسد بؤرة الغطرسة البيضاء والتعالي العرقي وإقصاء الآخر.
لن ننكر أن رواية ذاكرة النرجس هي تجربة صعبة، وعالم يحتاج إلى التحلي بالكثير من الشجاعة كي يلج إليه روائي في بدايات المشوار. لكن الكاتب تحلى بالجرأة وتوغل بخطى ثابتة في عالم السود المنزوي في العتمة في ثقافتنا العربية. عالم مجهول الملامح، ومحكوم عليه بالاقصاء وكتم الصوت مدى الحياة.
يصور الهاشمي في روايته الأولى، الصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع يناير 2018، كيف أن الحيف الممارس على الهوية السوداء يدفع بشخصياته التي تحمل أعباء الذاكرة وأوزار التاريخ فوق رؤوسها إلى مسالك وعرة ومضطربة، إلى دروب البؤس والهشاشة، إلى أنفاق ظلامية لا نور فيها.

يبقى الهاشمي المزداد عام 1993 بطل روايته، التي تمكنت من اختراق حجب البداية خالقة لنفسها حيزاً لا بأس به من النقاش الثقافي والاعلامي، في واقع أنهكته الصراعات والاختلالات، فبحكم التكوين الأكاديمي الدي تلقاه بجامعة مولاي اسماعيل، وتأثره بالأفكار الإنسانية والنبيلة التي بلورها أمين معلوف، وعبد الكبير الخطيبي، وفرانز فانون وآخرون، يقدم الهاشمي نفسه ككاتب عربي أمازيغي يدافع عن انتمائه الإفريقي وعن هؤلاء السود الذين يتقاسم معهم هم الأرض والوطن.
الحرة هي واحدة من أبطال الرواية. امرأة زنجية تعيش بمدينة الصويرة حياة هادئة تكاد تكون مملة في بعض الأوقات، فجأة يدفعها السؤال القاهر عن الهوية والجذور والتاريخ إلى التخلي عن حياتها هاته وتمضي في مغامرة البحث عن المضني وكشف النقاب عن المستور إلى أقاصي الجنون والحلم.
السفر إلى الجنوب قصد نفخ الغبار عن الماضي ولملمة الذاكرة المعطوبة، لكن رغم الجهد الجهيد والتعب الكبير لم تصل إلا إلى نتف من هنا وهناك، لم تطفئ نار لهفة بلوغ الحقيقة، وتحقق تصالح أوكد مع الذات المغتربة في هذا الوجود.
العبدي، البطل الثاني في الرواية، لم يكن أقل بؤسا من الحرة. فهو يعيش تجربة غربة متعاظمة، وأزمة هوية حقيقية. هو نفسه لم يعرف كيف هرب من ذلك الجنوب المهمش، وألفى نفسه ابناً بالتبني لامرأة مسيحية تعيش في المدينة. اطمئنان العبدي لهذا الحضن الدافئ وارتياحه لهذه الحياة الجديدة جعله يشيد أحلامه وطموحاته، لكن الموت الدي انتزع الأم مدام ماري يقلب حياته رأساً على عقب، ويضعه من جديد وجهاً لوجه مع وابل من الأسئلة المحرقة.  
إنه لمن باب المجازفة أن نصنف رواية ذاكرة النرجس في خانة الرواية الافريقية، أو حتى جعلها مجاورة لحركة ما يعرف بفكرة الزنوجة التي تناوبت على تقعيدها أجيال من الإنتلجنسيا السوداء، ما دام، من جهة، لكل مفهوم من هذه المفاهيم خصائصه ومميزاته، وقراءتنا المتأنية للرواية، من جهة أخرى، لا يبسر تسويغ تفكير من هذا القبيل، لكن ما يمكن التأشير عليه فعلا هو أن النص يصب في صلب القضية الزنجية بالبلاد العربية، ومن هنا جاز لنا التفكير، بنوع من التبصر والحيطة في الوقت نفسه، في هدا الأدب العربي الزنجي.

حمدي عمر، أستاذ باحث في النقد العربي الحديث.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة