الدار الخالية هو العنوان الذي ارتضته الكاتبة المغربية نبيلة عزوزي لروايتها الأولى ، وهي التي خبرت كتابة القصة القصيرة ، وأصدرت عدة مجاميع قصصية ، بعدما حصلت على الجائزة الأولى للأدباء الشباب عن مجموعتها القصصية " لا تئدني مرتين" سنة 2004 ، الرواية من إصدارات مكتبة سلمى الثقافية بطنجة سنة 2014 وتقع في 278 صفحة ، تتناول فيها الكاتبة فترة الإستعمار الإسباني للمنطقة الشمالية للمغرب ودور النساء في المقاومة ، والقمع والذل والاستغلال الذي تجرعنه في تلك الحقبة السوداء ، من خلال حكاية الدار الخالية التي تحكيها الجدة للساردة :
"كان يا مكان .. في زمان الجمر والنار
دار خالية
نارها شاعلة
أرضها حامية
ترقص عليها النسا حافية
ويخاف منها الكبار والصبية "
الدار الخالية ، هي منزل فقيه المدشر ، الرجل الوطني الذي ضيق عليه القائد العميل للاستعمار الاسباني وخيره بين الرحيل أو الاعتقال ، ليتخذها أعوانه وزبانيته مكانا للهو والمجون برفقة الضباط والجنود الإسبان حيث يمارسون لهوا شاذا وساديا ،وذلك بإجبار نساء القرية على الرقص فوق أرض حامية تحت نير السياط التي تلهب ظهورهن في حين التمنع أو المقاومة ، وحيث يستمتع رجال القائد برائحة الجدي المشوي ترافقه رائحة جلد النساء الراقصات على جمر الدار الخالية ، ومن خلال النص يبدو رجال المدشر مستسلمين للأمر كقدر محتوم ، حيث تساق نساؤهم إلى الدار الخالية من منازلهم وهم لا يملكون من أمرهم شيئا ، كما تساق كل عروس إلى فراش القائد قبل أن تزف إلى زوجها .
إن الرواية تصور معاناة النساء في هذه الحقبة المظلمة حيث الاغتصاب والتعذيب ، وأعمال السخرة سواء بالاحتطاب أو جلب الماء إلى دار القائد أو العمل في " دار المزاوكات " أعمال تهدر كرامتهن وآدميتهن وتحولهن إلى آلات للعمل والمتعة ، يتم التخلص منها بسهولة حالما تبلى ، وفي جو الخنوع المذل تقدم ميمونة درسا في الكرامة الإنسانية حيث رفضت أن تخضع لرغبات زبانية القائد وفضلت ان تحترق داخل منزلها بدل الاستسلام ، ولم ترحل إلى دار البقاء إلا بعد أن أخذت معها أرواح من حاصروا بيتها بواسطة بندقيتها ، إن ميمونة أيقونة للمعسكر الآخر ، معسكر المقاومة ورفض الخنوع والخضوع ، معسكر يضم رجالا تركوا كل شيء وتجمعوا في الجبال يشنون هجمات متكررة على العدو سيرا على خطى أمير المقاومة عبد الكريم الخطابي ، وهو معسكر لا يخلو من نساء قمن بحمل السلاح وتوفير المؤونة وتجميع الأخبار ... ، بل تمكنت " قبيلة النسا " من أسر أعوان القائد الذين كانوا يخطفون النسوة والحكم عليهم بالأشغال الشاقة .
إن رسالة الرواية تختصرها كلمة روبرت كابلان في كتابه انتقام الجغرافيا حين يقول : { صحيح أن الفظائع تقع ، فهكذا يسير العالم ، لكنها يجب ألا تكون مقبولة إلى هذا الحد ، و لأن الإنسان كائن عقلاني ، فهو يمتلك في نهاية المطاف القدرة على الكفاح ضد المعاناة والظلم } ، إنها دعوة إلى الاستفادة من درس التاريخ وعدم التطبيع مع الظلم والاستغلال والقمع والقهر ، فالخوف والخنوع لايزيد إلا جرعات هذا الاستغلال والقهر ، وحدها المقاومة والتصدي والممانعة من تأتي بالخلاص .