"إن الشعراء و الروائيين هم أعز حلفائنا وينبغي أن نقدر شهادتهم أحسن تقدير،لأنهم يعرفون أشياء بين السماء والأرض لم تتمكن بعد حكمتنا المدرسية من الحلم بها، فهم في معرفة النفس شيوخنا، نحن الناس العاديون، لأنهم يرّتوون من منابع لم يتمكن العلم بعد من بلوغها " .
سيغموند فرويد
نبتغي من خلال هذه المقالة المنجزة تبيان أوجه الرباط الوشيج الذي يجمع الشعر بالتحليل النفسي، فكلاهما يجيد قراءة رسائل الآخر، من مدخل اللغة طبعا يتيسر هذا اللقاء و التجاذب. بل لن نجد في الأمر أدنى غرابة، ما دام التحليل النفسي قد وهب نفسه منذ بزوغه لقراءة لغة الأعراض، من خلال عمله المضني على تشفير نظام الترميز الذي يتشكل أو يتبنين ضمنه الخطاب / الكلام، وجعل هذا الملفوظ قابلا للفهم، للتعقل، بعد أن كان منفلتا من دائرة المعنى والدلالة، ومحجورا عليه من قبل المكبوت، الملفوف هو الآخر في لسان اللاوعي المقفول والمغلوق. وعلى رأس هذه الخطابات / النصوص التي يعمد التحليل النفسي إلى تحطيم أقفالها والغوص في سراديبها يتواجد خطاب الشاعر، الذي يبقى كلاما ليس كأي كلام. أي ذلك الكلام الذي يأتي من دون أن يأخذ موعدا مع زائره. تماما مثل العرض symptôme، يطفو على السطح دون سابق إنذار، مع حرصه على التقنع والتضليل والالتفاف الماحي للأثر، للعلامة الهادية إلى تثبيت الدّال ضمن حقل المعنى.
ومن ثم، إذا كان بإمكان التحليل النفسي قراءة العرض، فذلك لأنه سبق له أن انكتب، هو نفسه، ضمن صيرورة للكتابة، وباعتباره تشكلا معينا للاشعور. من هذا المنطلق، وجد المحلل النفسي نفسه مدعوا إلى تعلم لغات عديدة – فالذات توجد ضمن عناصر اللغة التي تتكلمها – بدءا بلغة الصمت وهي لغتنا الأم، فالكلام يمكن أن ينبثق عن الصمت. هذا على الأقل ما توصل له المحلل النفسي الراحل برتراند بونتاليس بعدما أرهقته متاهات المهنة، ليخبر بدوره تجربة الفناء والغياب (أي الموت). إن الصمت في التحليل النفسي هو شرط الكلام، هو بمثابة خلفية لا بد منها حتى ينطلق المحلل من ما هو غير متوقع، أو ما يسميه بونتاليس الفكرة الطارئة. إنها الفكرة التي تأتيك رأساً، وبمنأى عن الخطاب المنظّم للمحادثات العادية (1). فالصمت كلام، ولغة. انه أحيانا الأبلغ، والأشد توترا، والمولد الأكبر للخواف والتخلخل. فهو خطاب في حد ذاته، وهو موقف، وهو قلق وتوتر. وتلك الرسالة، ذلك الصمت، تؤذي وظيفتين: الإرسال والتلقي أو التعبير (الأداء) والفهم. إنها في بنية النطق، وهي نطق أو نوع منه، وتتمركز حول تلك الوحدة التي صارت تحوي على نحو مدروس بارز اللغة التحتلفظيّة أيضا (2).
أما بالنسبة للشاعر، فهناك دوما شيء ما يتكرر، يستعاد، يوشوش، يعبر هامسا على أطراف الأصابع في موكب من الدوال / الظلال، متقطع السلاسل ومترامي الأطراف. ومن هذه الفجوة تحديدا يلفت جاك لاكان الانتباه إلى أهمية الكلمة في مضمار البحث عن المعنى الذي يلح ضمن سلسلة الدلالة دون أن يتمثل أي أحد منها. هذا الأخير الذي ألح طيلة مشواره على ضرورة إقامة الفرق أو الحدّ بين المنطوق من الكلام والمسموع منه. بمعنى ليس كل الكلام يجد آذانا صاغية لدى المرسل إليه (ثنائية الاستماع والإنصات). لقد أضحت وظيفة الكلمة في التحليل النفسي هي أن تتعقل ما أمكن ما يتكرر كعرض، بمعنى الرسالة la lettre المكبوتة التي تصّر على أن يتم التعرف عليها من قبل الموضوع (3). فالكلمة هي حضور الشيء الذي تدل عليه وغيابه في آن معا، أو بتعبير الفيلسوف ديدرو "الكلمة ليست الشيء ولكن وميض ندرك من خلاله الشيء". بمعنى آخر، إن الغياب الذي يكمن في العلاقة القائمة بين الكلمة والشيء هو الذي يضمن الرغبة، لكن، لا يمكن لهذه الرغبة ان توجد إلا بغياب الشيء المرغوب فيه (4). ان هذا الإفصاح المتردّد للاشعور، يكتم المقال في الوقت الذي يصرّح به، جعل التحليل النفسي يقدم نفسه ولازال كفن الإصغاء (إيريك فروم)، فالكلمات قد تكون نوافذ كما يمكنها أن تصير جدران. على هذا النحو يدخل المحللون النفسانيون في عداد مفهوم اللاشعور ما داموا يعتبرون هم المرسل إليهم، اللذين يتوجه إليهم اللاشعور (لاكان، كتابات).
وبما أن التجاسر بين الشعر واللاوعي متين لهذه الدرجة، كان لزوما على المحلل النفسي إعارة بالغ اهتمامه لما يأتي على ألسن الشعراء، بل قبله، عليه أن يلتفت إلى تفاصيل حياتهم، بيئتهم، طفولتهم، طبائعهم، أمزجتهم وباقي العوامل المؤثرة في نفسياتهم والحوافز التي تقف وراء إبداعهم، والتي تكون دون أن يساورنا أدنى ريب من المحركات الباطنية المحرضة في انسيابية القيء الذي تلفظه أقلامهم المتنفسة من فجوات الثقوب التعبيرية داخل اللغة. كما قد لا يخفى على أهل الأدب كتابا ونقادا وقراء، أن النص الشعري من منظور تحليلي نفسي لسني هو أقرب ما يكون بنص مخطوط "بقلم اللاشعور" القصيدة بما هي زلة أو فلتة قلم. فالقصيد هو ذلك المحترف في تقديم الغموض بوضوح أو دعونا نقل'لمس ما لا يفسّر بشكل لا يفسّر' مقتبسا العبارة من لسان الشاعر الايطالي جوزيف انغرتي.
لهذه الأسباب وغيرها، قد يحسن التحليل النفسي توجيه الأدب في ارتياد المسارات السريالية الملتبسة ذات الوجهات المجهولة التي يحرثها التعبير الشعري. إذ لا يكفي مثلا أن يكون الناقد الأدبي متمرسا في تقنيات البلاغة وقواعد النحو والصرف أو لنقل علم اللغة بشكل عام، لكي يستطيع ولوج مكنون النص الروائي أو تفكيك طلاسم القصيدة الشعرية، بقدر ما ينبغي عليه الاتكال على معول التحليل النفسي، كي يحيط علما بملابسات إنتاج النص ودفائنه، وينفذ منها إلى المطمور والظلي والمستور في الحديقة الخلفية للكاتب. لقد أمكنت القراءة التحليلة النفسية للنتاج الأدبي من توقيد المشعل إذا جاز التعبير، لإنارة هذا النفق المزدوج الذي يمكّن الناقد / المحلل سلكه، الانتقال من أدب الأديب إلى نفسيته، أو العكس العبور من نفسيته إلى أدبه (5). وأفتح قوسا في هذا الباب للإشارة إلى صدى النقد النفسي المعاصر ومجالات تطبيقاته التي تحفل بمجموعة من النماذج المنجزة، يراهن الناقد النفسي من خلالها تجاوز المنظور الكلاسيكي بتطبيقه الأدب على التحليل النفسي، انطلاقا من تسخير ميكانيزمات رؤيوية تستهدف في جوانب منها الكشف عن البنيات المجازية ذات العلاقة مع التوهمات، وعن الإيقاع و تقطعات النصوص والآثار المتبقية، وتنعش من زاويته نظره حقل التحليل النفسي عندما تضيف إليه - من مخزون الأدب - بدل أن تسحب منه*.
وتصويبا للمرمى نحو هذا الهدف بالتحديد، نجد فرويد قد انتبه باكرا لهذه الحقيقة الذاتية المتوارية والكامنة في تلافيف الخطاب الشعري، حينما صرح قائلا: " كلما وصلت إلى اكتشاف شيء حيال اللاشعور وجدت الشعراء قد سبقوني إليه" . ليعرب عن إمكانية تقويض التحليل النفسي والعثور على مادته من خارج أسوار العيادة والجلسات الاستماعية العلاجية (التحليل النفسي كعلاج بالكلام). بهذا القدر من التواضع الغير معهود على شخص فرويد (6) ، يكون قد أقرّ للشعراء ولو بشكل ضمني بأسبقية اكتشافهم السبيل للاشعور - عبر بوابة الكلام وقنوات ذات صلة كالوهم الفني- قبل أن تحظى بهذه الفرصة في القادم من الزمن كشوفات التحليل النفسي. هذا وإن كان الناقد الأمريكي ليونيل ترلينغ على سبيل الطرافة قد اعتبر فرويد بطل الشعراء. فهذا الأخير والحقيقة تقال قد رسم عمارة متاهية للكائن الإنساني حسب تعبير جورج باتاي.
لقد كان عراب التحليل النفسي جد متبصر بالقرابة الوثقى القائمة بين الشعر ومبحثه، أو بمعنى آخر بين مخيلة الشاعر مأوى الهوامات، الكلمات، والصور، ونطاق اللاشعور أين يجري ترميزها وتنحيتها، و بما هو أيضا الحصن المنيع الذي تحافظ فيه الحروف على قوتها وسلطانها. أما القاسم المشترك الذي يوحد المسعى بين كل منهم، فهو المضي قدما نحو اكتشاف المجهول ومعرفة حقيقة الذات والدوافع التي تخترقها، مع ترسيخ فكرة أن الإنسان محكوم عليه بقدره التاريخي ومدفوع بقوى مجهولة لاواعية تحركها حبائل خفية ملتفّة من وراء المشهد القناعي البارزة فيه "الأنا" أمام العالم.
واستمساكا بهذا الحبل السميك الذي ربط به فرويد التحليل النفسي بالشعر، مصدر الحديث فيما بعد عن شاعرية اللاشعور لدى جاك لاكان (7). فالقصيدة الشعرية هي حلم rêve أو حتى هذيان délire، يكتنفه حشو دلالي مفرط، مستند على مجموعة من الميكانيزمات يأتي في مقدمتها: التكثيف، الاستعارة، الرمزنة، الإزاحة، المجاز (...) الخ، إذ يحصل لدى الشاعر انجاز متنكر أو تعويض إعلائي لرغبات محظورة ومنفية في مجاهل النفس، لينزلق به 'الهوام' في لحظات من التداعي الحر للأفكار وإطلاق صراح الانفعالات التي تأتيه مزدحمة في شكل تخيلات، ذكريات، خواطر، كلمات وصور مبتورة في بعض الأحيان عن سياقاتها، تعبّر عن تلك الصراعات الداخلية الكتيمة في نفسيته والتي لم يحسم فيها بشكل نهائي، طالما أن الرغبة هي ذاتها تعيش حالة سراح مؤقت.
فالشاعر يحاول تمويه رغباته الحقيقية وإلجامها في طوق اللغة، لهذا جاءت القصيدة في انتظاماتها وتراكيبها شبيهة بلغة الحلم. من جهة أخرى تظل الحالة الشعرية من وجهة نظر التحليل النفسي محكومة بمتلازمات نفسية تجد تعبيرها في الثلاثية التالية: التنفيس: وهي حالة من الكاتارسيس أو التطهير المفضي إلى بلسمة المشاعر. لتأتي بعد ذلك الإثارة: ويقصد بها المبالغة إما في استعراض المتع و الملذات التي تنغمس فيها الذات سواء عبر تجربة حسية-حية أو خيالية مصطنعة، أو بالمقابل تضخيم للألم وتهويل حجم المعاناة. وآخرها الإشباع: وهو القاضي إلى الانشراح و الارتياح الذي تخمد معه وطأة القلق.
ومن الملفت للانتباه مسألة لطالما راودتنا ونحن نقرأ لبعض الأشعار الخالدة من باب الاضطلاع المغني لمخيلة الباحث في حقل التحليل النفسي. حيث لمن المعهود على أهل الشعر ردّ الحالة الشعرية إلى ما يصطلحون عليه ب"الدفقة الشعورية"، وهي اللحظة الأثيرة التي تنتاب الشاعر قبل أن يمسك قلمه ويبدأ في اقتناص الكلمات. إن هذا التوصيف قد يقابل بتفسير معكوس في تجربة التحليل النفسي مع الكلام، نقصد أن الحالة الشعرية منظور إليها في بعض الأحيان كونها ناتجة عن "دفقة لاشعورية" هي بالأساس، وليدة، أو نابعة على الأقل من هزات حاصلة على المستوى الباطني للنفس. فالشاعر غالبا ما يدّقق عقارب ساعته على زمنه النفسي اللاشعوري، والذي يظل في الحقيقة زمن اللازمن أو بتعبير آخر لازمنية اللاشعور (8). وعبر هذا التشويش النفسي والسفر الفجائي بين الأزمنة لدى القصيد، يحضرنا مفهوم الأثر ، كما طوره جاك دريدا الجوال المحترف في جسد المتن، والمولع بخبايا الكتابة الأوّابة إلى الأصل، والتحقق اللحظي للغياب.
ان القصيدة ليست فقط مجال سماع ما هو جمالي، متناسق، موزون، مؤثر، جامح وساحر (...) الخ ، لأن وراء كل نظام نحوي أو بلاغي تتمفصل الكلمات بالأشياء قبل أن تصير منطوقا مرصّن في قالب لغوي. يجب علينا إذن قراءة ما بين السطور، ليس لمعرفة اللغة التي تتكلمها الذات، وإنما اللغة التي تتكّلم فيها. مادامت الذات ليست هي التي تملك اللغة، وإنما اللغة هي التي تملك الذات. وتلكم من خواص القوة الميتاشعرية للغة.
إن تجربة التحليل النفسي مع الشعر، خاصة منه جنسه الدرامي أو الرثائي (نموذج العقدة الخنسائية على سبيل المثال) ترفع بلا شك الحجاب عن مخاوف وهواجع الإنسان الكهوفي الذي يجتاف أقراحه في مسبوك، نص، خطاب، يغزوه الأثر والاستشباح. فالموضوع المخاطب المرثى أو المؤبن يتسم بكونه مفصول عن الواقع، موجود في العالم اللامرئي، في حضرة الأموات والظلال والأشباح، مما يجعله ينطوي على نزعة نيكروفيلية nécrophilie شديدة الانغماس في الفقدان والضياع وما يتعدى الروح إلى فضاء الأثير حيث يعانق الوجود العدم ولا ينفي أحدهم حضور الآخر. فمفعول الكلمة الشعرية هنا هو وحده القادر على إبقاء العلاقة المبهمة مع المجهول. هذا مع الاقتراب من ملامسة إشكالات فلسفية شائكة ترهق كاهل الإنسان الفاني والموسوم بالوجود الزائف. وهنا لا يسع التحليل النفسي من باب اهتمام الشعراء الفلاسفة / الفلاسفة الشعراء بسؤال الكينونة، سوى التنويه بأعمال شاهقة لفلاسفة من قبيل شوبنهاور، نيتشه، هايدغر، قدموا نصوص فلسفية عميقة لابد من تدبّرها فيما يفيد الاستثمار المثمر لبعدها الانطولوجي النازع إلى فهم غربة الإنسان عن ذاته ومن تم عن عالمه. وبما أنها من ناحية ثانية تكشف عن تشظي الكينونة، ارتباك العواطف، اغتراب الذات، تشوهات الأنا، لغزية الجسد، والقائمة قد تطول إذا ما طرقنا أبواب أعمال أخرى معاصرة تحافظ على امتداد نفس الخيط الفلسفي الفكري.
ونغتنم الفرصة في ختام هذا العمل، لنحيل ولو بإيجاز على بعض الشخصيات الشعرية المرموقة التي أخضعت للتحليل النفسي، نذكر من ضمنهم: أبو النواس، المتنبي، نزار القباني، آدونيس، جبران خليل جبران، خليل حاوي، محمود درويش، هولدرلينغ، الفرد دوفيني الذي كان يعاني من مزاج تشاؤمي حاد، و لا ننسى ذكر الشاعر المتمرد شارل بودلير إذ يعد منجزه "ديوان الشر" كما درسه رينيه لافورغ من الإبداعات الحبلى بالبقع السوداء الملطوخة في نفسية الشاعر الفرنسي، إلى جانب تجليات أعراض السوداوية على متنه، وكذلك منسوب العقدة الاوديبية البادية في حبه وكرهه المزدوج لأمه ومشاعره المتناقضة تجاه زوج أمه المنافس والمهيمن على موضوع الرغبة. هذه الخيانة المشعور بها من قبل أقرب الناس إليه قد تسببت له في وحشة وغربة عن العالم، حملته على الهجرة إلى ذلك الطرف الأقصى من ذاته، كما لو أن قدره قد كان مخبوءا في شعره الذي لم يبح به بعد.
لائحة المراجع:
1.مقتطف من حوار متأخر أجري مع الفيلسوف والمحلل النفسي الفرنسي الراحل برتراند بونتاليس، ترجمة وتقديم يقظان التقي.
2.د، علي زيعور، التحليل النفسي والاناسي للذات العربية (الثاني عشر) اللاوعي الثقافي ولغة الجسد والتواصل غير اللفظي في الذات العربية، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت، ط 1، 1991، ص 88 .
3.La fonction de la parole dans la psychanalyse est de faire résonner ce qui se répète comme symptôme, c’est – à – dire le message refoulé qui insiste pour se faire reconnaitre du sujet.
4.كاترين كليمان، التحليل النفسي، ترجمة محمد سبيلا و حسن أحجيج، ط 2004، منشورات الزمن، ص 63.
5.راجع كتاب : التحليل النفسي والأدب، جان بيلمان نويل، ترجمة حسن مودن،المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة،1997.
* هناك أصوات احدث في هذا المجال، ولعل من أبرزها الناقد البريطاني آدم فيلبس. فبالرغم ان التحليل النفسي هو حقل اختصاصه المهنيّ، إلا انه، ومن خلال إقباله على كتابة المقالة الأدبية، افلح في الانعتاق من القيود التقليدية لهذا الضرب من المعرفة. فكتابة المقالة عند آدم فيلبس ليست مجرد نشاط إضافي منفصل، وإنما هي محاولة لفتح نوافذ التحليل النفسي على ميادين واهتمامات ثقافية أخرى ولا سيما الأدب. الأمر كذلك ينطبق على ميشال ليريس الذي يجمع بين التحليل النفسي والكتابة، وهو يكتب أحلامه وتحليله لنفسه.
6.يذكر إيريك فروم عن فرويد انه كان ذو كبرياء شديد إزاء استقلاله ويبدي حدة عنيفة أمام فكرة من هذا النوع. كان غروره يدفعه لكبت كل وعي بهذه التبعية ورفضها تماما، بأن يقطع كل علاقة صداقة منذ اللحظة التي يشعر فيها أن الصديق لا يقوم بدوره الامومي. لهذا السبب اتخذت علاقته مع الأصدقاء منحى واحد: صداقة مكثفة خلال بضع سنوات، ثم قطيعة تامة، تصل بشكل عام حد الكراهية. تلك كانت نهاية علاقته مثلا مع برويير، فليس، يونغ، آدلر، رانك، وأيضا مع فرنيزي التلميذ المثالي الذي لم يفكر يوما في الانفصال عنه وعن حركته.
راجع مؤلف: اريك فروم، مهمة فرويد –تحليل لشخصيته وتأثيره، ترجمة طلال عتريسي، المؤسسة الجامعية عن للدراسات والنشر والتوزيع، ط 2، 2OO2، ص 41، 63.
7.إن مفتاح اللاوعي هو كونه يحدث تأثيرا كلاميا (أي) كونه بنية لغوية، تبعا للتحليل النفسي اللسني اللاكاني.
8.تظل عمليات اللاشعور عمليات لازمنية، أي أنها غير منظمة في الزمن، إنها لا تتغير بفعل انسيابية الزمن، وليس لها علاقة اطلاقا بالزمن.
يوسف عدنان أستاذ الفلسفة
باحث في التحليل النفسي والفلسفة
رئيس جمعية عبد الكبير الخطيبي للعلوم الإنسانية