منذ 11 شتنبر 2011، ظهرت على السطح مسألة تأثير العامل الديني في النزاعات التاريخية. اليوم، بينما ينخرط المجتمع الغربي في الدنيوية (sécularisation) ينكب كبار المثقفين في دراسة ومناقشة العلاقة التي يقيمها الجنس البشري مع التعالي. فبعد مسار سياسي ملتزم ، يعود ريجيس دوبري إلى جو الدراسات (يدرس حاليا الفلسفة بجامعة ليون 3) ليؤسس علما اجتماعيا جديدا: الميديولوجيا (علم الوسائط. نشر مؤخرا بحثا حول فكرة الله عبر مختلف الحضارات تحت عنوان “الله، بيان رحلة” (مطبوعات أوديل جاكوب).
اما الباحث الأنثربولوجي روني جيرار، الأستاذ منذ مدة طويلة بجامعة ستانفورد الأمريكية، فقد قام بإعادة قراءة المسيحية بواسطة العلوم الاجتماعية. جعلت منه نظريته حول “الرغبة التكيفية” و”كبش الفداء” أحد المفكرين الأكثر أصالة. في كتابه الأخير المعنون “الذي أتت على يده الفضيحة” (مطبوعات ديسلي دوبروار) يعطي خلاصة لأبحاثه. من أجل تسليط بعض الأضواء على مسألة عودة الديني في الوقت الراهن، ارتأت مجلة “لوفيغارو ماغزين” الفرنسية الجمع بين ذينك المفكرين وإثارة الحوار بينهما عن طريق طرح مجموعة من الأسئلة فكان هذا النقاش الذي نعرض فيما يلي لأهم ما جاء فيه.
في السؤال الأول أشار ممثل المجلة إلى أن هناك حاليا تفكيرا جديدا حول المسألة الدينية، بعدما ادعى فكر الأنوار والعقلانية والمادية تصفية الحساب مع الدين.. انبرى ريجيس دوبري للاجابة مفترضا أن عصر الأنوار صفى حسابه مع السلطة الدينية، مع الديني كنظام سياسي، ولم يتخل عن الديني. فولتير كان مؤمنا بالله؛ الشيء الذي بدا خاطئا في فكر الأنوارهو الأمل في “دنيوية” تامة، أي الفكرة التي مفادها أن المدارس سوف تعمل على دفع الكنائس إلى التراجع وأن العلم، مثل بزوغ الشمس في الظلام، سوف يبدد عتمات الخرافة وأن التقدم سوف يحمل الديني على التراجع، شأنه في ذلك شأن النهار بالنسبة لليل. هذا التأويل لم يواصل سيره على الدرب.
أما رونيه جيرار فقد بدأ جوابه بأن في فكر ماركس يفسر الديني بالسوسيولوجيا. أما فيما يخصه، فإن الديني هو الذي يفسر الاجتماعي. إن الرغبة في التخلص من الديني هي بمثابة استحالة فكرية وإبستمولوجية؛ الشيء الذي لا يعني أنه لا ينبغي تحليل الدين بمصطلحات سوسيولوجية وأنثروبولوجية. فإلى جانب مشاهدتنا لعودة الديني، نخوض في نفس الوقت تجربة تجاوز التصورات التي اعتبرت الدين ظاهرة اجتماعية عارضة.
تساءل الناطق باسم ذات المنبر: هل هي عودة للمكبوت؟ استدرك روني جيرارقائلا: أو قل عودة للمهمل. لقد تجاوزنا الان عدم القدرة على فهم الديني..
تدخل ريجيس دوبري ليقول إن ماركس كان متدينا بشكل عميق. كتابه “الرأسمال” تأمل يسوعي حول استحالات النقود وتحولات السلع. إن تصوره للبروليتاريا التي تكابد لأجل خلاص البشر، من ضمنهم البرجوازيون، يتسم بميسم مسيحي ومهدوي قوي. صحيح، مع ذلك، أن ماركس كان يعتبر أن المسألة الدينية تجد حلها في الأنثروبولوجيا، وتجده في التصور الاقتصادي للبروليتاريا. بعد ذلك، صرح المتحدث بأنه سمح لنفسه بهذا الهامش لأن تعبير “عودة الديني” يسلم بأن الديني انصرف ولم يعد حاضرا، لقد صار مقنعا (بفتح القاء وتشديد النون) بالأحرى. ها نحن الآن نعثر عليه مجددا في أشكاله الأولية، بفضل الرجوع إلى النصوص المؤسسة، إلى ما أسماه بعضهم بالنصوص القديمة. هذا ينم عن قليل من الغباء، لأن النصوص القديمة تكون في الغالب أمامنا وليس وراءنا. إذن، ليس هناك أي منعطف. ومع ذلك، اعترف بأن العمل الذي أنجزه جيرارحول العنف والبحث الذي قام به حول التوسط يحيلان بوضوح إلى النصوص المقدسة.
تدخل رونيه جيرار بدوره ليؤكد أن السؤال المطروح يتعلق بالمعرفة الصريحة. لكن، بالفعل، الضمني عند ماركس هو دائما ديني. بالنسبة له، تبقى المسيحية وحدها ديانة كونية. وهو مايثير الاستغراب تجاه رجل يهودي. هنا يتفق المتحدث مع زميله، حيث وافق على أن مشروعه (ماركس) ديني من حيث استناده إلى تحديد الجزء الأكبر من المجتمع كضحية لجزء آخر منه. إن وجهة النظر القائمة على إنصاف الضحايا ورد حقوقهم لا نجدها إلا في حضارة متشربة بالمسيحية. إذن، ماركس ، إلى حدما، مسيحي على نحو راديكالي.
أخذ ريجيس دوبري الكلمة ليفترض أن ماركس هو آخر الأنبياء اليهود الكبار، فرد عليه رونيه جيرارقائلا: ربما يجب مع ذلك تمييز الصريح عن الضمني، لأن ماركس، رغم ذلك، ساهم في محو دور الكنائس في العالم الغربي. لقد مارس تأثيرا حاسما حتى يكون المجتمع الحالي بدون شكل ديني: لغته ومؤسساته منفصلة عن الديني. بهذا المعنى، نلاحظ على أية حال عودة الديني.
قال الناطق باسم المجلة: لا أحد اتهم الله بأنه ارتكب إثما هل فكرة الله الواحد حمالة سلم أو حرب؟
أجاب رونيه جيراربأن فكرة الله مرتبطة بتاريخ. ظهرت بشكل مبكر جدا وبصيغة المتعدد. يمكن الحديث عن الآلهة القديمة المسماة بدائية، عن الأوثان التي عبدت ثم فيما بعد عن الإله الواحد. الانتقال إلى ديانة التوحيد بقي غامضا.
من جانبه أوضح ريجيس دوبري أن الغموض قل شيئا ما بعد صدور كتابه.. لكن رونيه جيرارقال وهويضحك:ك قل شيئا ما، أتمنى ذلك …ثم واصل كلامه مشددا على أنه يتعين موقعة الديني من وجهة نظر علمية، على أساس من النظرية الداروينية. بعد ذلك تساءل: في أي لحظة بدأ الديني بحصر المعنى؟ إلى أي حد لا يشكل الديني والإنساني نفس الشيء؟ ألم يتم الانتقال من الحيوان إلى الإنسان بإيعاز وإبداع من الديني؟ نحن عاجزون عن إعادة كتابة هذا التاريخ لأن النصوص تعوزنا. كل ما نستطيع وصفه بالمقدس عند البولينيزيين وقبيلة السيو (من الهنود الحمر)، كل هذه هي أسلاف لله لكننا لا نستطيع أن نقول في أي لحظة ظهرت كلمة الله ومرادفاتها في مختلف اللغات.
استحسن ريجيس دوبري صنيع نظيره جيرار عندما ربط بين الديني وفكرة الوحدانية. الديني بدأ حوالي 100 ألف سنة قبل ميلاد المسيح. المدافن الأولى جسدت بداهة علاقة رمزية بين الحياة والموت. لكن الله/الأسطورة، الله الواحد جاء متأخرا جدا. للإجابة عن السؤال حول ما إذا كانت فكرة الله حمالة للسلم أو للحرب، أقول إن المجابهة توافق اللهعندما نأخذ نشأة الوحدانية (ديانة التوحيد)، ما نسميه باليهودية -في بداية عصرنا المسيحي- نجد بان الانتصارات الكبرى تتقاطع مع تهديد وطني، مع حالة فقدان الهوية، مع فوران سياسي. داخل الوحدانية، نجد علاقة خاصة وحصرية بين قوة وصية وشعب..”سوف تكون إلهي وسوف أكون شعبك”. الانتقال من “لا أحب إلا إله واحدا” إلى “لايوجد سوى إله واحد” تم في سياق بناء طائفة. فبما أن الطائفة تفرض ذاتها بالتعارض مع طائفة مجاورة، تظهر غيرة الله، غضب الله؛ هذا الل الأصلي الذي ليس خاصا بالوسط اليهودي مادام هناك طائقة أخرى تحب إله واحدا آخر. إذن، هناك إله قومي، حصري، يطالب بخصوصيته. هكذا، منذ البداية، احتملت فكرة الله الأحد قدرا من العنف.
استأنف رونيه جيرار النقاش بهذا السؤال: هل نستطيع حقا تفسير انبثاق ديانة التوحيد؟ ثم أردفه بالاشارة الى أن ماكس فيبر استعان بأطروحة نيتشه وقال إن اليهود ابتكروا ديانة التوحيد بسبب مساوئ سياسية. لكن الشعوب كلها عاشت مساوئ وبادت الواحدة تلو الأخرى. في حين أن الشعب اليهودي، بصرف النظر عن وجود مساوئ أم لا، ظل حاضرا عبر استمرارية تكتنفها الأسرار. “الغيرة” الصادرة عن إله إنجيلي لم تتحقق في مكان آخر. هنا نكون أمام ظاهرة فريدة.
بخصوص السؤال عن الشيء الذي يميز المسيحية أجاب روني جيرار بأن هذا هو السؤال الأساسي.كل الديانات مرتبطة ببنية نجدها في الأسطورة. الأنثروبولوجيا المعاصرة هي ضد المسيحية؛ على اعتبار أن علماء السلالات الأوائل اعتقدوا بأن المسيحية أسطورة موت وبعث مثل غيرها. إذن، خشي المسيحيون أن تؤدي دراسة الأساطير إلى الكشف عن هوية المسيحية إلى جانب الديانات الأخرى. اعتقد المتحدث أنه يجب بالعكس تعميق هذا التشابه الحميمي بين مذاهب تعدد الآلهة وبين المسيحية. الأساطير تبدأ كلها بكارثة تحل بجماعة، ثم نكتشف أن هذه المصيبة تسبب فيها شخص مفرد. الحل،إذن، يتمثل في المشاركة الجماعية في تنفيذ الإعدام، يتمثل في توحيد ضد هذه التضحية. هذا ما سماه بآلية “كشف الفداء” أو الضحية الوحيدة.
بعد ذلك طرح جيرارهذا السؤال: لكن ماذا يقع في المسيحية وفي اليهودية إلى حد ما؟ كجواب قال إن في اليهودية، نصوصا مسماة نبوية وهي غالبا تلك التي تعبأ فيها جماعة ضد فرد واحد، لكن الله يكون دائما إلى جانب الضحايا. في اليهودية النبوية وفي المسيحية، عوض أن يتم الاعتراف للضحية بألوهيتها مع كونها آثمة، يعترف لها بالألوهية على اعتبار أنها بريئة. هكذا يكون الرواد الأوائل آثمين. حدث انقلاب جذري بين الديني القديم والتقليد الإنجيلي. الوحيد الذي رد الاعتبار للضحية الأسطورية. وما دمنا لم نلمس هذه العلاقة، الحميمية والمتعارضة في ذات الوقت، بين الدين القديم والتقليد الإنجيلي، فلن نستوعب ما يوجد من عظمة في مجتمعنا، ما يجعلنا نقف إلى جانب الضحايا.
من جهته، طرح ريجيس دوبري سؤالا آخر عن ما هو الجديد الذي جاءت به المسيحية. فقال إنما جاءت للعالم، بالجسد وبالصورة. النقطة الأولى، جاءت بالعالم إلى الله لأننا انتقلنا من إله إثني إلى إله اصطفائي، من إله قومي إلى إله كوني. جاءت المسيحية بفكرة الإيمان، بفكرة أن العبادة ليست شيئا يكتسب من لدن الآباء لكن يتم اختبارها ضدا عليهم. كل شخص قابل لأن يصطفى من طرف إله واحد وليس من طرف شعب من الشعوب. بعبارة أخرى، المصطفون موجودون في أي مكان عبر العالم. النقطة الثانية هي أن المسيحية أعطت ابنا لله الأب. واسطة التجسيد، وضعت الله على الأرض دون التعالي في فقدان تعاليه. هذا بالفعل انقلاب بالنسبة للعالم اليوناني: الجسد ليس قبرا للخلاص بل هو الطريق المؤدية إليه. من هنا نتأدى إلى النقطة الثالثة، الأساسية. إنها عودة المؤنث وعودة الصورة لأنه حيثما لا توجد الصورة لا توجد المرأة وحيثما تنعدم المرأة تنعدم الصورة. المسيحية هي الأقل ذكورية واهتماما بالفكر المجرد من ديانات التوجيد الأخرى. من خلال إجازة الصورة، تمكنت من إعطاء الانطلاقة لكل الأشكال الملموسة للمشاركة والعبادة: رسم، نحت، موسيقى أو هندسة معمارية. العالم، الجسد والصورة، تلك ثلاثة تجديدات ندين بها إلى المسيحية.
وعن سؤال عما إذا كانت الرؤى حول العالم التي تقترحها المسيحية والديانة الإسلامية مختلفة جذريا، أجاب دوبري بأن المسلمين أنفسهم لا يتقفون حول من هو المسلم ومن هو ليس بمسلم. بحكم أن الإسلام كان أكثر انقساما من المسيحية، فلم يكن العنف الذي اختزنه أقل من العنف الذي اختزنته المسيحية. إذن، من الصعب الحديث عن الإسلام كمجموعة متكتلة: هو لا ينصاع لهذه الرؤى اللاتاريخية العزيزة على صمويل هنتينغتن والتي ضمنها كتابه “صراع الحضارات”. في القرآن، توجد سور ناطقة بالعنف وأخرى ناطقة بالسلم..المشكل في الإسلام هو أنه ليست هناك أية سلطة تأويلية: من هب ودب بإمكانه قول أي شيء عن كتاب يقول الكل عن الكل. لنكن حذرين..وفضلا عما قيل، لا يمكن تصور ظهور الإسلام إذا لم نر أن محمدا كان يسبح في مناخ يهودي-مسيحي، وأنه برهن على إرادة التعارض مع هذا المناخ. في الإسلام نجد مذهبا وحدانيا خالصا وصلبا: الله الثالوثي فكرة لايقبلها العقل عند المسلمين.
بخصوص نفس السؤال قال جيرار: كان لابد من مرور عدة قرون للوصول إلى التعريف الثالوثي. هناك الإله الوحداني في العهد القديم، الذي لا ينبغي القطيعة معه، ثم كان هناك المسيح. هذا الأخير إنسان كامل. لكن بخضوعه للموت، كما فعل، قطع مع الوثنية، بطريقة لا مثيل لها في اليهودية. بالنسبة للمسيحيين، ما قاله الله للناس يمكن التعبير عنه كما يلي: كل هذه الضحايا وأكباش الفداء تمت إجازتهم، لكنكم تستطيعون الصفح عن الله ما دام قد صار هو الآخر ضمن الثالوث (المقدس).
لكن ريجيس دوبري قاطعه قائلا: الله مات في ابنه..فرد عليه روني جيرار بالإيجاب، مذكرا إياه بأنه في كتابه، استعمل هذه الصيغة: “الأب يموت في الإبن”. ثم أضاف أن استيعاب المسيحية يعني استيعاب أن الله مات، وأن المسيح ليس تابعا. الذين يضعون جانبا التصليب لا يدركون إلى أي مدى يكون هذا الأخير أساسيا. لولا تصليب المسيح، لولا الثالوث، لكانت الوحدانية ناقصة.
في محاولة من المجلة لتعميق النقاش كان هذان السؤالان: سواء كنا مؤمنين أو غير مؤمنين، هل تتساوى جميع الديانات؟ هل الآلهة جميعهم متساوون؟ أجاب روني جيرار على نحو صريح بالسلب، حجته في ذلك أن التقليد اليهودي-المسيجي هو التقليد الأساسي، وهو مقتنع بذلك لكنه (التقليد إياه)، في الكثير من تعابيره وفي مختلف المجالات، يقف موقف المتردد، ويعرب عن جهله. إنه التقليد الوحيد القادر على أن يناقض نفسه. إذا أخذت الأناجيل أو رسائل بول، تجد أن المسيحية تأتي دائما بعناصر للنقاش: القديس بول، وهو يواجه مشاكل مختلفة، تصرف بطريقة عفوية وصدرت عنه نبرات تلقائية.
أما ريجيس دوبري فقد بذأ جوابه بالاشارة الى أن أحكام القيمة تزعجه دائما دون السقوط في النسبوية، استنادا الى قولة لكلود ليفي-ستروس: “لا مجتمع سيء حتى النهاية ولا مجتمع طيب للغاية”. باعتباره من دعاة النزعة الإنسانية، هو لا ينظر إلى التسلسل التاريخي في وضعه العادي. كان يفضل أن يكون مسلما في القرن 11 على أن يكون مسيحيا في نفس العصر؛ لأن المسلم كان إذاك قادرا على التحاور مع الفكر اليوناني. من جهة أخرى، كان يفضل أن يكون مسيحيا في القرن 16 على أن يكون مسلما في ظل الإمبراطورية العثمانية. وبصريح العبارة قال إنه يتماهى مع ثقافته التي هي مسيحية. فهو يقوم بأدائها، يستكشفها ويحاول فهمها، ويجد فيها شخصيا عدة مزايا ، لكنه لا يريد إصدار حكم حول المطلق..وذلك بغية إمداد روني جيرار بمسوغ للتناقض معه في هذا النقاش؛ الشيء الذي بدونه يوشكان على الظهور متفقين بإفراط.
لكن جيرار تحفظ كثيرا على الإقرار بأن المجتمعات التي تنتسب إلى اليهودية أو إلى المسيحية هي أعلى قدرة من المجتمعات الأخرى. هي ليست كذلك بكل تأكيد. وعندما يلتمس المسيحيون الصفح عن سلوكهم، يكونون على حق، لأنهم بالنظر إلى مرجعياتهم، خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن الضحايا، يكونون روادا أوائل ويتبين أنهم ليسوا أهلا لتعاليم التسامح المتضمنة في نصوصهم. ربما كان ينبغي على المسيحية أن توجد في مجتمع لا يفهمها حتى تكون في أحسن حال. الكتاب المقدس يعلن عن سوء الفهم هذا: “هل يجد ابن آدم الإيمان عندما يعود؟” الأصوليون بمختلف مشاربهم يريدون أن يكون عنف النصوص القيامية، اليهودية، المسيحية والإسلامية، ذات أصل إلهي. لكن إذا كانت ثمة قيامة، إذا قدر للمسيحيين أن يصبحوا ضحايا عنف، فذلك بسبب خطئهم، لأنهم سوف يكونون عاجزين عن اتباع نصوصهم. لسوء الحظ، النصوص القيامية هي اليوم مهملة..
وفي نهاية هذه الندوة الفكرية، تدخل دوبري ليبين المميزات التي وجدها في إله الحضارة التي ينتمي إليها، معللا كلامه بإنه (الإله) يسمح له بالمناقشة، إنه إله أوجد كنيسة، بداخلها كان ممكنا في اللحظة المواتية التعاطي لشرح تاريخي نقدي للوحي ووضعه في سياقه وتنسيبه. بتعبير آخر، لفصل الأسطورة عن نواة الوحي. فانطلاقا من المرحلة السكولائية، وبشكل أوسع انطلاقا من الإصلاح، كانت هناك حرية تجاه الإرث المقدس. هذا العمل لم تستطع مذاهب وحدانية أخرى الخوض فيه.