التجربة الإصلاحية المغاربية زمن القرن التاسع عشر : الإصلاحات السلطوية - تونس والمغرب – نموذجا ـ عبداللطيف بلمعطي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

 تنبعث فكرة الإصلاح بالبلاد المغاربية خلال القرن التاسع عشر، من عدة اعتبارات فرضت نفسها كقوة ضاغطة حتمت صناعة حل شامل لما هو عليه الوضع بالمنطقة يومها. وقد تجلت هذه الاعتبارات الضاغطة فيما هو داخلي وآخر خارجي، أ كدت بوقعها ضرورة تفعيل هذا الإصلاح. فانتشار الازمات الداخلية المتمثلة في العاملين البشري والطبيعي كالثورات التي ارتفعت الى حد تهديد وجود السلطة الحاكمة والتي كان لها الأثر البالغ فيما آلت إليه الأحوال المغاربية زمنئذ، لعل أبرزها تلك التي قادها الثائر "بوبكر امهاوش" مطلع القرن التاسع عشر بالمغرب، حيث استطاع هذا الشخص أن يجمع تحالفا مهما بالنسبة للقبائل الأطلسية مشكلا بذلك تهديدا خطيرا للسلطة المركزية[1]؛ توازيها حدة في البلاد التونسية ثورة "علي ابن غداهم" 1864م التي جرت على البلاد ويلات التطاحن والصراعات إثر السياسات المغرمية التي انتهجها البايات الحسينيين[2].
ينضاف الى هذا العامل البشري أخر طبيعي أبى إلا أن يزيد المنطقة جروحا الى جروحها، فالجوائح والمصاغب التي كانت تعصف بالبلدان المغاربية من حين لآخر جعلت المنطقة تحت رحمة الطبيعة، فكان من أهمها الطاعون الذي آلم بالبلاد التونسية أواخر القرن الثامن عشر سنة 1784م، حيث تم نقله عن طريق الحجاج والتجار إلى الايالة[3]؛ هذا كما عصفت بالبلاد أيضا جملة من الأوبئة أهمها وباء الكوليرا الذي أزهق سنة 1849م العديد من الأرواح[4].


وقد عاشت البلاد المغربية الشيء ذاته حينما اجتاحتها خلال الفترة الممتدة ما بين 1818 إلى حدود 1820م، مجموعة من الجوائح كان أهمها وباء الطاعون الذي كان منفذه عبر البوابة الشمالية للمغرب طنجة والذي هلك بموجبه خلق كثير[5]، ثم مجاعة 1825م التي أضرت بالبلاد زمنئذ بسبب السنوات العجاف التي توالت قهرا على البلاد[6]، وهي نفسها السنة التي تزامنت وبداية حكم السلطان المولى "هشام بن عبدالرحمان".
      كل هذه الظروف الطبيعية والبشرية كانت كفيلة بجعل منطقة الضفة الجنوبية للحوض المتوسط منخورة القوى، ما جعلها صائغة التمكن أمام الصدامات الخارجية، حيث سيتأكد هذا الضعف جليا أمام الألة العسكرية الامبريالية الفرنسية حينما قدمت الى المنطقة كمستعمر. هذه الأخيرة التي كانت تعتبر نفسها وريثة الإرث الروماني بالمنطقة حينما زاحمتها بعض القوى الامبريالية الاخرى.

أمام كل هذه التطورات الداخلية والخارجية، جاءت فكرة الإصلاح التي تبنتها في خطوة أولى السلطة المركزية زمن القرن التاسع عشر، والتي رفع شعارها البايات الحسينيون التونسيون والسلاطين العلويون المغاربة؛ إصلاحات حملت في طياتها كمشاريع ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، آملين تنزيلها في الجسد المغاربي بغرض الحد من النزيف الهواتي أمام ثقل القوة الاستعمارية.

 المبحث الأول:  التجربة الإصلاحية بالبلاد التونسية
ظلت الايالة التونسية خاضعة للنفوذ العثماني منذ مجيئهم للمنطقة خلال القرن السادس عشر، وقد تجلت التبعية التونسية في اعترافات البايات الحسينيين من خلال ضرب النقود باسم السلطان العثماني وكذا ارسال الهدايا في المناسبات والأعياد، كما أنها كانت تمد الأسطول العثماني بالإعانات البحرية زمن اندلاع الحروب[7]. إلا أن هذا الاستقرار السياسي الذي ستعرفه الايالة التونسية منذ القرن السابع عشر، سينقلب لواقع حال اللاستقرار فور اقتطاع الايالة الجزائرية من الإمبراطورية العثمانية ودخول هده الايالة مرحلة الانفلات السياسي من تبعية العثمانيين الى الخضوع الفرنسي، ومتاهات فشل الإصلاحات مطلع القرن التاسع عشر، وبدايات التهديدات الامبريالية على الحدود الجزائية التونسية. الشيء الذي ألزم سلطة البايات التدخل بشكل اجتهادي ذاتي من خلال العمل على اتخاذ مجموعة التدابير الإصلاحية بغية الحد من هذا التدهور.

بالفعل، لقد وعت الطبقة الحاكمة بالايالة التونسية من أن جملة من التهديدات التي أضحت محدقة بها، وأن استقلالها قد أضحى في خطر امام شراسة اللهفة الامبريالية في ضم أكبر عدد من المستعمرات بالمنطقة. وهو الأمر الذي عبرت عنه السلطة المركزية في العديد من مراسلاتها الاستغاثية للباب العالي؛ ولما كان التماطل والعجز جوابا للباب العالي لظروفه الخاصة، لجأت سلطة البايات إلى إيجاد حلول محلية تكون كفيلة بمحاولة استباق قدر الاستعمار الذي أضحى يومها حتميا ولا مناص منه. ليرفع البايات شعار الإصلاح كسبيل لتدارك ما يمكن تداركه للحفاض على استقلال الايالة التونسية، وقد رعى هذه الإصلاحات زمن القرن التاسع عشر كل من الباي "أحمد باشا"، والباي "محمد الثاني"، والباي "محمد الصادق".

1-1           التجربة الإصلاحية زمن  الباي أحمد باشا ( 1837 ـ 1855 م )
 تميزت التجربة الإصلاحية في الايالة التونسية على عهد أحمد باشا[8] بنوع من الحنكة القيادية، حيث عرفت مرحلته السير وفق خطى ثابتة طبعتها الدقة الفائقة في الأخذ بأسباب التقدم، غايته منها ترسيخ نوع من استقلال الهوياتي للبلاد في ظل الضعف العثماني وكذا إفشال الطموحات الأوربية[9]. وقد ساعدته في ذلك تربيته العسكرية فقد نشأ في مرحلة الإصلاحات العسكرية التي أقدمت عليها الايالة التونسية[10]، فأعاد بذلك تنظيم الجيش والضرائب والعدة والعتاد العسكري، كما كان لانفتاحه على التيارات الثقافية في أوروبا الأثر البالغ على عزيمته الحداثية، حيث شاهد ما كانت عليه هذه البلدان من تقدم وازدهار وأمل في نقل كل هذه التمظهرات إلى الايالة التونسية.

وحتى إذا ما آثرنا الوقوف عند الدوافع الأساسية لهذه التجربة الإصلاحية على عهد الباي أحمد باشا، جعلناها تتوافق والعوامل الثلاث التالية:
ـ     أولا: خطر التهديدات الخارجية التي أضحت محدقة بالإيالة التونسية.
ـ     ثانيا: آثر تجربة محمد علي باشا الإصلاحية بمصر في قناعات الباي أحمد باشا.
ـ     ثالثا: المحاكاة والتجاوب مع القفزة التي سارت إليها الضفة الشمالية[11].
لقد همت تجربة "أحمد باشا" الإصلاحية في البداية الجانب العسكري وهي محاولة لتقعيد جيش نظامي عسكري بمواصفات عصرية، فعمل الباي على الزيادة في عدد الجند النظامي حتى التفت حوله جموع لم تنتظم لغيره من ملوك تونس على حد تعبير "ابن ابي الضياف"[12]، وارتفعت معه عدته العسكرية التي كلفت خزينة الدولة الكثير، فقد كاد يدخل إثر هذه التجديدات الحربية البلاد في ضائقة مالية، لولا مقترح حل الجباية التي فرضت على الرعية. كما أن اهتمامه بالعلوم العقلية كان أكبر من غيرها فتأسيسه للمدرسة العسكرية "بباردو" ميزه إدراج العلوم العصرية كالهندسة والحساب[13].

إلى جانب ما هو عسكري فقد كان للجانبين الإداري والسياسي أهميتهما البالغة في تجربة الباي "أحمد باشا"، حيث حاول إعادة تصحيح هياكل الدولة والنظم وذلك من خلال إحداث مجموعة من التدابير التي كانت في جملتهما إجراءات تحاكي ما كانت عليه البلدان الاوربية من تطورات في هذا الميدان، كما تجلت بعض هذه التدابير في تغير طقوس البلاط التي كان معمولا بها، مقلدا في ذلك بعض الممارسات التي تقام في البلاطات الأوربية مثل قصر فرساي بفرنسا الذي زاره في رحلته عام 1864م، عاقدا العزم فور عودته على بناء قصر مشابه له ولما شهدته عيناه بفرساي بناءا وطقوسا[14].

كذلك حضي الجانب التعليمي على عهد "أحمد باي" بأهمية خاصة، هذه الأهمية التي كانت تتوافق ونزعة الباي العسكرية، فإلى جانب إصلاح جامعة الزيتونة ومحاولة إدخال تعليم عصري بها، ثم إنشاء المكتبة الأحمدية التي كانت تحوي ما يزيد عن 2600 مجلدًا، ثم تأسيس المدرسة الحربية التي كان الغرض منها صناعة قواد عسكريين، والتي تخرج منها مجموعة من النخب التونسية ذات النزعة الإصلاحية لعل أبرزهم "محمد الطاهر بن عاشور" و"خير الدين باشا".

لقد كلفت تجربة "أحمد باشا" خزينة الدولة مصاريف ثقيلة ما جعل طموحات وامال الباي تجد صعوبات وعقبات حالت دون الوصول الى المبتغى المنشود، فتموين الجيش بالطريقة التي رآها الباي "أحمد" أزهق ميزانية الدولة الشيء الذي لم تستطع معه هذه الاخيرة مسايرة ما كان يصبو إليه هذا الباي، إلى جانب ذلك كان لميل كبار العساكر للترف والبذخ سببا في استنزاف خيرات البلاد حيث كثرت الاختلاسات والنهب والتهريب[15]، فأوجب هذا الأمر حل زيادة الضرائب على الأهالي الشيء الذي أثقل كاهل الرعية وساهم في انتشار الفقر[16]، كما كان لشخص "محمود بن عياد" أثره البالغ في التقهقر الاقتصادي الذي سارت إليه الايالة، فبتعينه على رأس بيت المال الذي أحدث سنة 1846م، سيُهرب هذا الأخير ما يعادل أربع أضعاف مداخيل الدولة إلى فرنسا، ولما أحس أن الأنظار تتجه إليه وأن وقت المحاسبة قد حان فر سنة 1850م إلى فرنسا[17].

إلا أنه ومع كل ما عرفته التجربة الإصلاحية التونسية على عهد "أحمد باي" من أزمات داخلية وخارجية حالت دون اكتمال المشروع الإصلاحي للباي "أحمد"، فتجربته تعتبر محاولة جادة ذات عزيمة حقيقية في الإصلاح والمضي قدما؛ الأمر الذي حد بمجموعة من الولاة التونسيين بعد وفاة "أحمد باشا"، الى الحفاظ على النهج الإصلاحي الذي خطه والسير على دربه.

فقد بادر العزم الإصلاحي بعده كل من البايات "محمد الثاني"[18] و"محمد الصادق"[19] في مراحل متتالية، والسير وفق خطى ثابتة وكذا محاولة الحفاظ على هذا المسار الاصلاحي رغم ما اعترى فترتهما من صعوبات تجلت بشكل جلي في الضغوطات الأجنبية على تونس وكثرة القلاقل التي أضحت محدقة بالمنطقة ككل، ومساهمة العديد من المتغيرات الداخلية والمتمثلة في الثورات بدرجة كبيرة، في إثقال كاهل الدولة حيث ستكلفها ميزانية مهمة لتتبعها وتأديبها[20].

وعليه، فقد حالت كل هذه العوامل الأنفة الذكر دون اكتمال الفكرة الإصلاحية الشمولية، التي رسمها "أحمد باشا" والتي سينظر إليها في شموليتها هذه فيما بعد على أنها مكلفة ماليا وقد تسقط الدولة في الاستدانة الخارجية التي بحدوثها قد تجلب الويلات للبلاد؛ ما جعل المسار بعد الباي "أحمد باشا" يتغير شيئا ما من حيث استراتيجية العمل، وأضحت بذلك اللمسة العسكرية باهتة مع البايات الذين خلفوه. فهمت التعديلات التي اجراها كل من البايات "محمد الثاني" و"محمد الصادق" المجالين الاقتصادي والسياسي للبلاد بدرجة كبيرة، وتم غض النظر نوعا ما عن المجال العسكري حيث سيتم التقليص من عدد الجنود مراعاة لإمكانيات خزينة الدولة.

1-2           التجربة الإصلاحية زمن الباي محمد الثاني (1855ـ 1859 م)
تولى "محمد باي" العهد إثر وفاة ابن عمه "أحمد باي" سنة 1855م، فكاتب كل جهات الإيالة بخبر الوفاة وولايته العهد، فاستقام له الأمر وبايعه الجميع على السمع والطاعة لما عهد عليه من الاستقامة والرشاد. كما أنه أقر مناصب الوزراء ورجال الدولة في مراتبهم لم يغير شيئا مما كان عليه الأمر زمن ولاية بن عمه[21]، وكانت له العديد من المراسلات الدبلوماسية للسلطان المغربي زمنئذ المولى "عبدالرحمان بن هشام" يستشيره فيها الرأي والسداد، وضاما بذلك يده الى السياسة العلوية بالمغرب تواصلا واتفاقا وائتلافا[22].
قام هذا الباي بإصدار ما عرف في المصادر التونسية بــ "عهد الأمان" الذي يعتبر الانطلاقة الحقيقية لمشروع الإصلاحات السياسية بالبلاد التونسية، فكانت انطلاقة هذا القانون يوم 10 سبتمبر1857م الذي يحتوي مضمونه على إحدى عشر قاعدة سياسية يتساوى فيه جميع الرعية على اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم... ومع كل ما وصف به هذا القانون من صبغة العدل وانه جاء كورقة تنظيمية، إلا أن المرحلة التي سن فيها هذا النص اعتبرها العديد من المؤرخين من أنها بمثابة بدايات التدخل الفعلي للأجانب في السياسية الداخلية للبلاد وكذا ضغط القوى الأجنبية لضمان حقوقهم في البلاد التونسية.
كما شهدت مرحلته التي لم تدم طويلا (1855-1859) الاتجاه نحو الإصلاحات الاقتصادية في محاولة للتخفيف من ثقل الضرائب عن الأهالي من جهة، وكذا تنظيمها وتقنينها من جهة ثانية في شكل جباية موحدة سيطلق عليها فيما بعد تسمية "المجبى أو الإعانة"، حيث حددها الباي بستة وثلاثين ريالا يدفعها القادرون من الرجال[23] ولا يستثنى منها أحد من أهل الخيام ولا المداشير ولا القرى ولا البلدان، بل يستوي فيها القوي والضعيف الغني والفقير، عدا نواب الشريعة من قضاة ومفتين لما لهؤلاء من وقار في نفوس العامة والخاصة بالبلاد التونسية[24].
لقد عرفت فترة حكم "محمد باي" على قصر مدتها والفترة التي تلتها السير بنفس الوثيرة، حيث ميزها التدرج نحو واقع الاستعمار محطة تلو الأخرى، فحين تولى "محمد الصادق باي" زمام السلطة بالإيالة وهي تعيش اخر أيام استقلالها نحو قدر مختوم امبرياليا، وهي المرحلة التي ستدخل فيها البلاد مجموعة من الاقتراضات فرضت نفسها كقوة ضاغطة وحل لا سيل له الا هو في الحفاض على ما يمكن الحفاظ عليه من استقلال البلاد زمن الباي "محمد الثاني"، والتي بوقعها أكدت حقيقة أن الدولة تسير نحو قدر الاستعمار الامبريالي شبيه الى حد ما بما وقع بالجارة الايالة الجزائرية، فكانت الديوان والضرائب المجحفة في حق الرعية أحد تمظهرات الازمة الاقتصادية بالبلاد والتي كان أثرها حادا على البلاد والعباد.

1-3           التجربة الإصلاحية زمن الباي محمد الصادق ( 1859 ـ 1883 م )
همت الإصلاحات التي قام بها محمد الصادق الذي خلف العهد إثر وفاة أخيه محمد باي 1859م، الجانب الدستوري إذ أنشأ هذا الباي في رغبة يكتنفها الإصلاح من جميع جوانبها، ما كان يعرف بالمجالس الأهلية سنة 1861م[25] كجواب لما أضحت عليه البلاد من قلائل على المستوى الداخلي، وقد كان هذا يضم ستين عضوا للفصل في الشؤون الداخلية للبلاد، إلى جانب منح الأجانب نفس الحقوق التي كان يتمتع بها التونسيون في العديد من المجالات لعل أبرزها التساوي في المثول أمام القضاء، وهو ما اعتبر  خلال المرحلة طفرة في الإصلاح الدستوري ونقلة نوعية لما كانت عليه تونس خلال عهد الأمان، وسابق فيما يخص التجربة الإصلاحية  الدستورية بالبلاد العربية عموما والمغاربية على وجه الخصوص.

وبالرغم من أهمية هذا الدستور سياسيا إلا أنه لم يخلو من نواقص، حيث أن وجوب إقراره فعل حق تعيين أعضاء المجلس الأكبر لا انتخابهم ما اعتبره البعض نوعا من غياب الديمقراطية، الأمر الذي تأكد لاحقا من خلال السيطرة المنصبية على هذا المجلس من قبل بعض الرموز المتنفذة في الدولة مثل الوزير "مصطفى خزندار" [26] وأعوانه، وقد وصفت بعض الدراسات من كون سلطة الباي خلال هذه المرحلة قد كانت مغيبة[27] إثر استئثار هذه الرموز بقرارات البلاد، لتعرف الايالة التونسية إثر ذلك الثورة الشعبية لعام 1864 المعروفة بثورة "علي بن غذاهم" (ثورة ضد السياسة الضريبية للدولة وضد تنامي النفوذ الأجنبي في البلاد) ليقرّر "الصادق باي" التراجع عن العمل بهذا الدستور 1861.
لقد أضحت البلاد التونسية خلال هذه المرحلة تسابق الزمن في محاولة عدم الوقوع ضحية الاستعمار واضحت أكثر حرجا من ذي قبل، فالأزمات الداخلية والخارجية كانت عائقا في وجه كل التجارب الإصلاحية التي كانت تبوء بالفشل قبل تفعيلها.
 وعليه وفي محاولة ثانية أصدر "محمد الصادق" في 1863م مرسوما عمق بشكل غير مباشر من جراح البلاد خصوصا الرعية منها حيث كانت المتضرر الأول في مثل هذه القرارات، إذ عرف هذا المرسوم في المصادر التونسية ب "قرض 1863م"، الذي حاول الباي محمد الصادق من خلاله كف أزمة الديون عن البلاد، لكن الرعية لم يكن في مقدورها تحمل كل أعباء هذه الديون التي أضحت في توال مستمر وقد رآها البعض من أنها كانت تصرف في ملذات وأهواء القصر. كذلك أوجبت الضرورة في نظر "الصادق باي" الرفع من القيمة النقدية التي كانت تؤدى فيما يخص "ضريبة الاعانة" على جميع الرعية، وقد تزامنت أحداث هذه السنة مع بدايات التحرش الفعلي للأجنبي على الحدود الجزائرية التونسية[28].

 كل هذه الازمات كانت تكبت في نفوس الرعية التي لم تعد ترى في سياسات الولاة من منفعة قد تخرج البلاد من ويلات الأزمات الخارجية والداخلية، الشيء الذي سيدفعها الى الرفض القاطع لكل المحاولات الاصلاحية التي سيتبناها الباي "محمد الصادق" فيما بعد معبرة عن سخط هذا في شكل ثورات محلية.
ويبدو أن الخاصية التي ميزت سياسة الباي محمد الصادق، هي الرفع من قيمة الضرائب التي لم تزد البلاد إلا ضغطا وتوثرا، ولم ترقى لمستوى رد آفة الديون التي كانت قد عرفتها الايالة التونسية يومها لتدخل البلاد في متاهات اللاستقرار.
عديدة هي الاصلاحات التي خاضها البايات التونسيون خلال القرن التاسع عشر، التي تنوعت بين سياسية واقتصادية وعسكرية وحتى اجتماعية يبقى أهمها تجربة أحمد باشا بطابعها العسكري، وعهد الأمان، ودستور 1861، نجمل أهمها في المجالات التالية:
الجانب العسكري: إنشاء مؤسسة عسكرية سنة 1840[29] لتخريج الضباط مدعمة بأساتذة أجانب من إيطاليا وانجلترا وفرنسا.
الجانب السياسي: عرفت سنة 1861م نقلة نوعية بالإيالة حيث أحدث خلالها أول دستور بالبلاد التونسية والعربية عامة وقد شارك في إعداده وصياغته كل من خير الدين التونسي وابن أبي الضياف.
 الجانب الاقتصادي: اتجهت الدولة إلى التخفيف من مصروفات الحكومة في محاولة لموازنتها مع وارداتها وكذا تنظيم الجبايات وتوحيدها في ضريبة "المجبى" أو "الإعانة".
 الجانب الاجتماعي الثقافي: عرفت هذه المرحلة (القرن التاسع عشر) رحلات اتجهت صوب الغرب، حيث مكنتها من تتبع الاخر.

المبحث الثاني:  التجربة الإصلاحية بالبلاد المغربية
 حفظت مجموعة من الاحداث التاريخية للمغرب هيبته لدى القوى الأجنبية كقوة محترمة الجانب[30]، وقد تمسك المغرب بهذه الصورة رغم التأرجح الذي كان يعرفه بين التأزم الداخلي والخارجي للبلاد. إلا أنه ومع بداية القرن التاسع عشر وبالتحديد نهاية فترة المولى سليمان، سيدخل المغرب عصرا جديدا، حيث ولى زمن التكافؤ بين المغرب والضفة الشمالية، وانطفأت معه صورة المغرب العتيد، وانتهى عصر ما سمي بعصر العزلة[31]، وبدأت مرحلة الاقبال على الغرب، وفتحت الأبواب الاقتصادية للبلاد مرغمة امام الغزو الأوربي العسكري والاقتصادي والفكري إلخ. ليجد المغرب نفس أمام كل هذه المتغيرات في أمس الحاجة إلى المزيد من المداخيل بغية اصلاح الجيش وتحصين الثغور وكذا القضاء على التمردات الداخلي.

أمام تردي الأوضاع يومها لم يكن أمام السلاطين المغاربة إلا تبني فكرة الإصلاح ومواجهة الأزمة على المستويين الداخلي والخارجي، خصوصا بعد أن تصاعدت حدة الاضطرابات الداخلية وتعالت النداءات والصيحات في شكل مقترحات نخبوية داعية للإصلاح، وأخرى جماهيرية عبرت عنها الرعية في شكل ثورات رافضة لما آلت إليه الأوضاع الداخلية، الشئ الذي دفع السلطة المخزنية المتمثلة في كل من المولى عبدالرحمان بن هشام والمولى محمد الرابع والمولى الحسن الأول إلى تبني الفكرة والعمل على تحقيقها، وقد شملت هذه التجارب التي اختلفت باختلاف أصحابها عدة مجالات همت ما هو إداري وسياسي وعسكري واقتصادي وآخر اجتماعي...

2-1 التجربة الإصلاحية زمن السلطان عبدالرحمان ابن هشام (1822-1859)
عُرف السلطان عبد الرحمان ابن هشام بأخلاقه الحميدة وملازمته للعبادة والجد في الأمور كلها[32]، الشيء الذي جعل من المولى سليمان يعلي من شأنه أمام أبنائه، ولما كانت هذه الخصال مقومات لشخصية المولى عبد الرحمان ابن هشام أولى له عمه الولاية وجعله سلطان على البلاد[33]، لتتوافد عليه البيعة من جميع اقطار البلاد ومن حتى معارضي عمه.
اتجهت سياسة السلطان اثر توليه الحكم صوب المجال الاقتصادي، فضرورة تنظيم الجيش وتحصين الثغور والقضاء على التمردات التي تكالبت على البلاد يومها واحدة تلوى الأخرى[34]، أفضت إلى الانفتاح على الأجانب، وبذلك تمت مضاعفة الإيرادات الجمركي للبلاد كما عقد السلطان عدة معاهدات ما بين 1823 و 1825م مع كل من البرتغال وانجلترا وفرنسا[35]، وأصدر أوامره إلى أمناء المراسي يأمرهم في العديد من الرسائل السلطانية بتشجيع التجارة وتعمير المراسي، إلا أن إرادة السلطان كانت تتسابق والحتمية التاريخية التي ستجسدها معركة ايسلي 1844م، والتي كشفت حجابة الهيبة عن المغرب وأزاحت النقاب عن الخلل الذي يسري في الجسد المغربي، فأضرت بما هو اقتصادي وسياسي واجتماعي... وفرضت إعادة النظر لدى السلطان المولى عبدالرحمان ابن هشام في الواقع الداخلي للبلاد.

 لقد كان للشأن التعليمي اهتمامه الخاص لدى السلطان خصوصا بعد ان تجلى التفوق العسكري للقوة الفرنسية في معركة ايسلي، حيث خلص السلطان الى ربط هذا التفوق بالمكانة التي كان يحتلها التعليم في نفوس هؤلاء القوم، وكيف بواسطته تم الرقي إلى مستوى التنظيم المحكم للجيش الفرنسي يوم واقعة ايسلي، وقرر العزم على الرفع من مكانة السياسة التعليمية وربطها بما يتوافق وحاجيات البلاد، خصوصا المجال العسكري ليتسنى للمشرفين على الجيش أن يستمدوا من المعرفة العلمية العقلية العامة[36] ما يمكنهم من تكون أطر ومعدات تقارب لا تشابه ما توصل اليه الغرب. فتم على عهده تحديد العلوم التي يتوجب الأخذ والاستعانة بها، فكان الرقي من مرتبة الاكتفاء بالعلوم التقليدية إلى مرتبة الاهتمام بالعلوم العصرية ضرورة حتمية فرضتها المرحلة بكل تجلياتها، وهي العلوم التي تهم كل من العلوم الرياضية والطبيعية والهندسة... وكذا تحديد الطرق الكفيلة بتحقيق الغاية المنشودة من هذه التجربة[37]، وكما هو معلوم فإن الاقبال على مثل هذه التجارب ووفق ذهنية المرحلة فقد تخللتها بعض الصعوبات، فالانفتاح على التجربة الغربية ظل دائما يدخل ضمن ما كان يعرف بعقدة "الذات الكافرة" إن صح القول، الشيء الذي يدفعنا هنا إلى التساؤل: إلى أي حد كان المغاربة على استعداد بقبول هذه التجربة ؟

وعليه، فإن تجربة الإصلاح في هذا المجال كان بمباركة من السلطان أي بمعنى إصلاح فوقي، رأى فيه الفعل بالانتقال من ما هو قولي إلى ما هو تنفيذي عملي يتولاه السلطان قبل الرعية[38]، وبعد أن حدد السلطان المجالس الكفيلة بتدريس هذه العلوم، جعل ممن يتلقون هذا التعليم ابنه وخلف سلطانه المولى محمد بمدينة مراكش للاحتكاك بما كان عليه الغرب زمنئذ والتهيؤ القبلي لجسامة المسؤولية التي تنتظره والتي تجليها المرحلة التي سيتولى فيها الحكم.
 أيضا كانت هناك مجموعات أخرى من المدارس بكل من فاس ومكناس وطنجة وتطوان تجتهد في تلقين هذه العلوم تحت رعاية السلطان وبأمر منه، ولما أحس السلطان عبدالرحمان بن هشام بقرب أجله أولى خلافة عهده لابنه المولى محمد الذي كان قد صاحب السلطان في العديد من القرارات التي اتخذتها البلاد في شتى الأمور فكان بذلك أهل لهذه المكانة.

2-2 التجربة الإصلاحية زمن السلطان محمد بن عبدالرحمان (1859-1873)
  تميزت شخصية السلطان محمد الرابع  بخصال العلم والمعرفة وحب مجالسة أهل العلم، كما كان الرجل متنورا ومتفتحا حريصا على مزيد من الاطلاع  لمجريات واوضاع الساحة الأوربية، واشتهر بشغفه بالعلوم التجريبية والعقلية[39] مساهما بذلك في رواج العديد من هذه العلوم كالحساب والهندسة، أيضا انفتحت علاقاته الديبلوماسية على الشرق كما كانت عليها نظيرتها بالغرب، وذلك بإرساله بعثات طلابية إلى أوربا ومصر بغرض الأخذ عن العلوم المزدهرة هناك وتعلم فن الطباعة خصوصا وأن عهد السلطان قد عرف دخول أول مطبعة للبلاد على يد القاضي "محمد الطيب الروداني" وذلك سنة 1864م.

حاول السلطان محمد بن عبدالرحمان الذي عرف باقتفاء عهد ابيه الإصلاحي، اجراء مجموعة من التدابير على المستوى السياسي والاداري والاقتصادي وكذا تنظيم الجيش، بغية تجاوز الحالة المتردية للبلاد زمنئذ خصوصا هياكل الدولة الإدارية، وقد دخلت الدولة المغربية على عهد هذا السلطان مرحلة جديدة أضيفت خلالها مجموعة من التغيرات التي مست هياكل الدولة، فخلاف للأمس القريب الذي كانت الدولة فيه تعتمد وزيرا واحدا إلى جانب السلطان، أضحت البلاد المغربية تتألف من وزارات ومنها: وزارة الحرب التي يعرف رئيسها باسم "العلاف الكبير" ووزارة العدلية والتي تعرف باسم "وزاراة الشكايات" بالإضافة إلى وزارات أخرى أحدثت فيما بعد على عهد السلطان المولى الحسن الأول ونعني القول هنا فيما يخص وزارتي الخارجية والمالية.

أولى السلطان فيما يخص الوضع الداخلي للبلاد الاهتمام بالمجال الاقتصادي، وفي محاولة منه للرفع من مستوى التجارة الداخلية كانت وجهته صوب اصلاح طرق المواصلات[40] وتطويرها للربط بين أهم المراكز التجارية للبلاد، كما ظهرت على عهد مجموعة من المشاريع كتجهيز السواحل، إذ تم توسيع مستودعات الجمارك وتوفير الديار لفائدة التجار الأجانب على المراسي ومن أهم المدن التي عرفت هذه النقلة الصناعية نجد: أسفي، الصويرة...

كذلك همت إجراءات السلطان الإصلاحية الجانب العسكري، فمنذ أن تولى السلطان مقاليد الحكم بالبلاد جعل هذا الجانب ضمن أولوياته الأساسية، خصوصا وهو الذي حضر يومها واقعة ايسلي 1844م التي تعرى فيها حجاب الهيبة، وضغط القوات الاسبانية التي أبانت عن نيتها الاستعمارية في معركة تطوان 1859م، حيث تأكدت الهوة الشاسعة بين الجيش النظامي المجهز بأعتد الأسلحة وأحدث التنظيمات، في مقابل جيش النفير، الهش، المكون جله من مجموعة من الجنود الذين غالبيتهم فلاحون يلبون نداء السلطان زمن الحركات والمعارك[41]، كما أن جل الدراسات التي همت موضوع الإصلاح ذهبت القول إلى أن كل الإحصاءات المعتمدة في تعداد الجيش ومعطياته، وكل ما يمكن الحديث عنه فيما يخص هذا الجيش قبيل وقعة ايسلي، تظل نسبية ليس لها أية صبغة جزمية نهائية[42].

وقد أوجبت الظروف التاريخية التي تولى فيها السلطان محمد الرابع الحكم، إعادة هيكلة الجيش المغربي حتى يواكب تطورات المرحلة، فأولى الخطوات التي تمت أجرأتها كانت تزويد الجيش بأسلحة تم استيرادها من دول اجنبية، وقام بإرسال حوالي مائتي جندي ما بين سنتي (1870-1873) إلى جبل طارق للتدرب العسكري ليصبحوا ضباطا للجيش النظامي، كذلك تم على عهده إنشاء نواة صناعية للإنتاج السلاح (دار السلاح) بمراكش.

كما آثر السلطان استشارة أهل الحل والعقد كي يضفي على محاولاته الإصلاحية خصوصا فيما يتعلق بموضوع الجيش صبغة المشروعية والمشورة، إلا أن هذه الاستشارة ستعرف نوعا من الازدواجية من قبل الفقهاء انفسهم في موضوع الجيش النظامي، بين من أيدها وأقر القول أن العديد من الآيات والأحاديث تؤكد وجوبها ووجوب اتخاد جيش نظامي مجهز بأعتد الأسلحة، وبين من رأى أن الجيش المغربي يجسده كافة الناس فلاحون وتجار وحرفيون[43] بمعنى أن الكل يتوجب عليه حماية البلاد حماية لا مشروطة، هذا اللجوء من جهة يؤكد إلى جانب الاستشارة الشرعية صعوبة اتخاد قرارات خلال المرحلة؛ إلا أنه ومع ذلك نتساءل إلى أي حد كانت هذه المشورة توافقية؟

لقد دخلت البلاد خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حالة فوضى فقد تدهورت الأحوال يومها وانتشرت المجاعات وغلت الأسعار وتفشت الأوبئة التي حصدت أرواح الرعية، وازدادت الحالة سوءا بسبب الخصومات القبلية والثورات الداخلية المتعددة كما أن جل أقطار العالم يومها إن لم نقل كلها أضحت تحت المشروع الامبريالي.

2-3 التجربة الإصلاحية زمن السلطان الحسن بن محمد -الحسن الأول- (1873-1894)
تولى السلطان المولى الحسن الأول الحكم إثر وفاة ابيه السلطان المولى محمد الرابع، والبلاد يومها تشهد تمردات قبلية زعزعت أركان الدولة، فآثر الفعل كخطوة أولى في مشروعه الإصلاحي، إعداد جيش نظامي قادر على مواجهة تحديات المرحلة، فمجموع التمردات التي عصفت بالبلاد جعلت السلطان يتخذ قاعدة الحزم والصرامة في الحكم خصوصا بعد وقعتي الدباغين سنة 1873م وقبائل "غياثة 1876م"، لدى عمد إلى الزيادة في عدد الجند وتسليحه بما يجعله أهلا للحملات الواسعة التي كان يقوم بها السلطان والتي كان هدفها تأديب القبائل المتمردة وجعل السلطة الكاملة للبلاد في يد السلطة المركزية، هذا الأمر الذي سيأخذ من حكمه الوقت الكثير. كما عرف بشغفه للعلم وحبه مجالسة اهله واعتبر عهده عهد نهضة جديدة، فقد أولى السلطان العلوم عامة والمعارف الإسلامية خاصة الاهتمام البالغ[44].
كان السلطان الحسن بن محمد المحرك الأساسي للمخزن المغربي له صلاحياته الواسعة في الشؤون السياسية والإدارية للبلاد[45]، وعليه كان اختياره للموظفين والوزراء يقتضي تحقق شرطي الأمانة والصدق، وهو الشأن الذي غاب لاعتبارات أهمها ضعف مداخيل أمناء المراسي وما ترتب عنه زمن الحماية القنصلية من تبعات أضرت بخزينة الدولة؛ كما أن قرارات الوزراء كانت مقيدة وذات صبغة ثانوية بالموازاة لقرارات السلطان المولى الحسن الأول.
أيضا خضع الجهاز الحكومي للبلاد الذي أضحى بمثابة "ديوان ملكي" زمن السلطان المولى الحسن الأول، إلى تعديلات مزجت بين ما كان عليه هذا الجهاز وما اقتبس عن الغرب حيث أحدثت وزارات جديدة، وقسم الجهاز الحكومي إلى قسمين:
القسم الأول وهو تابع للقصر وبه المسؤول عن الحجابة وهي مهمة يكون صاحبها المتصرف الأول في الشؤون الداخلية للقصر، ثم قيادة المشورة ويكلف صاحبها بمهمة حراسة القصر وتدبير شؤونه بصفة عامة[46]
 أما القسم الثاني فقد شمل كل من الصدر الأعظم ووزير البحر وأمين الأمناء وباقي هياكل الوزارة التي أحدثت زمنئذ، فتأسست الخارجية والعدل والحربية والمالية وغيرها. حيث كان كل ذلك بيد كتاب يرجعون في الأمور إلى الصدر الأعظم، الذي بدروه لم تكن مهامه تتجاوز مساعدة واستشارة السلطان الذي يقر بصواب القرارات المتخذة أو بطلانها[47].
إلى جانب التحديثات التي عرفهما الجهاز المخزني، حظي كذلك موضوع الجيش ومستلزماته بأهمية بالغة لدى السلطان المولى الحسن، فقد أوجبت أزمة الجيش ومفهومي الحرب والجهاد بعد كل من معركتي ايسلي ومعركة تطوان إعادة النظر، فمفهوم الجهاد بمعناه التقليدي أضحى بعيدا كل البعد عما سارت إليه التنظيمات العسكرية الأوربية.
وعليه، كان لزاما على السلطان أن يقدم بديلا لكل المفاهيم التقليدية المتعلقة بموضوع الجيش، فأحدث ما سمي بالمصادر التاريخية المغربية "بالجيش النظامي"، حيث كلف موضوع هذا الجيش توسيع قاعدة الجيش المخزني وتوفير الموارد الضرورية للنفقات العسكري، كما جاء هذا الأمر بمباركة الفقهاء الذين شرعوه بآيات وأحاديث.
اختلفت وجهة الاقتباس المقتدى بها في تطوير الجيش هذه المرة عن سابقتها، فإن كانت المراحل الأولى تتجه صوب التجربة المشرقية وبدرجة كبيرة، للاقتباس عن الأتراك العثمانيين وما لهذا الاقتباس من مؤثرات لعل أبرزها قاعدة: "موالاة المؤمن خير من موالاة الكافر"، فإن مرحلة السلطان المولى الحسن سار خلالها نموذجه الاصلاحي إلى تجاوزه هذه القاعدة بشكل واضح لتشهد مرحلته الأخذ عن الأوربيين، حيث أرسل السلطان أفواجا من الطلبة هذه المرة صوب الضفة الشمالية للأخذ عن ما وصلته الثقافة الأوربية في هذا المجال والاستعانة بأطرها العسكرية لتدريب الطلبة المغاربة[48]، وقد عمل مجموعة من هؤلاء الطلبة فور عودتهم في مصانع الأسلحة التي أحدثت بالبلاد كمصنع البارود بمراكش وهو ما اصطلح عليه القول يومها ب "فابريكة الحبة" ومصنع السلاح بفاس "فابريكة السلاح"[49].
كما قدر عدد الأسلحة التي اقتناها المغرب زمن السلطان المولى الحسن الأول بالآلاف وتنوعت ما بين مكحلات وبندقيات كما يبين الجدول.[50]
أيضا عمل المولى الحسن على تتبع خطى ونهج والده في مختلف الميادين ومنها الميدان الثقافي، فكان سخي الاعتناء بالعلم والعلماء والتقرب لمجالسهم، فأنشأ المدارس وأرسل البعثات الطلابية إلى الخارج. فكان المغرب يومها زاخرا بمجموعة من الكتاتيب القرآنية والتي تعتبر من أهم المراحل التعليمية بالمغرب حيث يتهيأ كل طلاب العلم بهذه المجمعات التعليمية، فكانت هي الاخرى تعد بالآلاف إذ بلغ مجموع تعدادها في فاس وحدها 135 كتابا منها 120 للذكور و15 للإناث[51]، بعد الكتاب كان المتعلم يلتحق بالمدارس التي تتواجد بالحواضر.
وقد هم كذلك مشروع اصلاح التعليم الذي نهجه السلطان المولى الحسن طريقتين الغاية منهما الرفع من جودة التعليم، فكانت الأولى اعتماد مضمون سليم وتحديد العلوم التي يجب الاعتناء بها والعمل على إشعاعها، فقد رأى السلطان توسيع دائرة التعليم وعدم الاكتفاء بالعلوم التقليدية فقط سواء منها التي لها علاقة بالإطار الديني أو الأدبي، وتوسيع دائرة الاهتمام المعرفي بالعلوم العصرية كالفلك والرياضيات والهندسة... هذا من جهة، أما من جهة ثانية فقد تم العمل على تطوير سبل إيصال هذه المعارف وإحداث طرق تعليمية تربوية الكفيلة بتحقيق الغاية المنشودة منها. كما أمر كل المدرسين باتباع الطرق السليمة في شرح المعلومة ومحاولة ابتعادهم عن كل التعقيدات التي تهم الفهم والشرح حتى تكون في متناول المتعلم[52]. 

لعل أهم ما يمكن التأكيد عليه فيما أحدثه السلطان الحسن الأول من تجارب إصلاحية همت ميادين عديدة لا يسعفنا المجال لذكرها، هو أن قدر البلاد كان يخطو تجاه الحماية التي أَضحت مسألة تفعيلها تحصيل حاصل أمام الضغوطات التي مورست في حق المغرب زمنئذ، إذ لن تمر على البلاد أكثر من عشرين سنة بعد وفاة هذا السلطان حتى أخضعت للإدارة المباشرة لسلطات الحماية الفرنسية والإسبانية.
خلاصة:
إن رهن مصير هذه التجارب التحديثية التي تبنتها السلطة المركزية في كل من البلاد التونسية والمغربية، في الاعتماد على الخبرة الأوربية والاقتباس عن الأخر؛ كان دليلا قاطعا على وجود أزمة إصلاح رسمي. دوامة من القراءات والتجارب التي افتقرت الى منطق الاستمرارية، وجد البايات والسلاطين العلويين أنفسهم معها عاجزين عن صناعة حل شمولي واستمراري، يفضي بالإصلاحات المعتمد الى الديمومة وبذلك الوصول إلى نتائج المرجوة. والحالة هذه، أن رجال السلطة المركزية لم يكن بمقدورهم يومها مقاومة الضغوط التي كانت تمارسها الدول الأجنبية على المنطقة، ولم يكن للإصلاح أي معنى أمام تردي الأوضاع الداخلية.

وبالرغم من المحاولات الإصلاحية التي عرفتها البلاد التونسية على عهد البايات الحسينيين خلال الفترة الممتدة من بداية القرن التاسع عشر إلى حدود استعمار تونس سنة 1881م، فإن فعلها لم يكن ليلف واقع البلاد ككل خصوصا وأن جلها اصلاحات فوقية اللحظة، نابعة من راهنية شخصية معينة تنتهي سيرورتها بوفاته، ما يؤجل أو ينتهي معه كل ما تم بناءه تحت مبررات انها لا تتوافق والمرحلة أو انها قد تكلف خزينة الدولة ما لا يحمد عقباه. وهو الواقع الذي وجدناه حاضر في العديد من المرات وتجلى لنا واضحا من خلال تجربة الباي أحمد باشا، فبوفاة هذا الباي ستتوقف جل رؤاه وطموحاته المستقبلية، تحت مبررات من قبيل أن الاصلاحات التي سنها الباي كانت مكلفة بالنسبة لخزينة الدولة، لتحول هذه التكلفة دون مواكبة خلفائه للمسار الاصلاحي رغم حرصهم عليه.
كما افتقرت التجارب الإصلاحية للبلدين معا بغض النظر عن بعض ايجابياتها، إلى مشاريع إصلاحية شاملة ترمي إلى تحديث المجتمع تحديثاً جذرياً ينطلق مما هو فكري ويقعد لمقاليد حكم وتسير سياسي جديدة، الأمر الذي يستوجب تنزيله قناعات حقيقية نابعة من الرغبة العارمة لفكرة الإصلاح، والتي تفترض تضحيات سلطوية يؤمن بها الجميع؛ رغبة يكفلها كحق جهاز من موظفي دولة يؤمنون بالإصلاح والتحديث قصد الرقي بالبلاد والعباد، الشيء الذي وجدناه غائبا عن هذه التجارب الإصلاحية. وحتى لا نكون مثاليين في طرحنا الذي نخلص اليه الان، فالواقع البنيوية للمنطقة المغاربية لم يكن يومها أرضية صلبة على أساسها تقوم مقتضيات التحضر والرقي بمعانيهما الحقيقية.  
وعليه، فإن الرعية في كل من تونس والمغرب لم تلمس إيجابيات الإصلاحات والتحديثات التي رفعت زمنئذ كشعارات كون جلها رأت فيه إصلاحاً فوقياً هُمش خلالها وجودها كمكون أساسي، الشيء الذي لم تقبل معه هذه الاصلاحات لمجموعة من القناعات أولا كونها جاءت جلها كاستخلاص ضريبي حملت الرعية أوزاره، وثانيها أنها إصلاحات جاءت متأثر بالتطور الأوربي هذا الأخير الكافر من منظورها؛ فلم ترتح له مخافة أن تتسبب الإصلاحات الجديدة في اختلالات مالية تكون على إثرها كالمستجير من الرمضاء بالنار، ما حذا بها الى التعبير عن رفضها وجام غضبه في أشكال انتفاضية وثورات داخلية حملت شعار العصيان.

البيبليوغرافيا
المصادر والمراجع العربية
·      محمد القبلي، تاريخ المغرب تحيين وتركيب، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011.
·      جان غنيان، أصول الحماية الفرنسية بالبلاد الونسية، الباب الخامس ثورة علي ابن غذاهم 1864، ترجمة لجنة كتابة الدولة للشؤون الثقافية، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، 1965.
·      محمد الّأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1992م.
·      محمد الهادي الشريف، "مشكلة الإصلاحات التونسية وارتباطها بمسألة العلاقات التونسية-العثمانية حوالي 1840"، ضمن: الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، تنسيق أحمد توفيق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1983.
·      أحمد شوقي عطا الله، المغرب العربي الكبير في العصر الحديث (ليبيا-تونس-الجزائر-المغرب)، المكتبة الانجلو المصرية، 1977.
·      أحمد بن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، المجلد الثاني، الجزء الرابع، تحقيق وزارة الشؤون الثقافية، الدار العربية للكتاب، تونس، 1999.
·      على المحجوبي، النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر، سراس للنشر، تونس، 1999.
·      محمد بيرم الخامس التونسي، صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، المطبعة الإعلامية، مصر، 1302هـ.
·      جان غانيان، أصول الحماية الفرنسية بالبلاد الونسية، ترجمة لجنة كتابة الدولة للشؤون الثقافية، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، تونس، 1965.
·      حمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، الجزء الأول، منشورات الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة، 1973.
·      علي عامر محمود و محمد خير فارس، تاريخ المغرب العربي الحديث المغرب الأقصى- ليبية، الجزء الأول، منشورات جامعة دمشق، 1999.
·      الناصري أحمد، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الجزء التاسع، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب ساحة المسجد المحمدي، الدارالبيضاء، 1997م.
·      السملالي العباس بن إبراهيم، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، راجعه عبدالوهاب ابن منصور، الجزء العاشر، الطبعة الثانية، المطبعة الملكية، الرباط، 1993.
·      مجلة دعوة الحق، سياسة التعليم في عهد المولى عبدالرحمان ابن هشام، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، العدد 211.
·      سيمو بهيجة، الإصلاحات العسكرية بالمغرب 1844-1912، المطبعة الملكية، الرباط، 2000.
·      برادة ثريا، الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1997.
·      بروفنصال ليفي، مؤرخو الشرفاء، ترجمة عبدالقادر الخلادي، مطبوعات دار المغرب، الرباط، 1977..
·      معريش محمد العربي، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول 1871-1894، دار الغرب الإسلامي، بيروث، 1989.
·      مجلة دعوة الحق، سياسة التعليم في عهد المولى عبد الرحمان بن هشام، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، العدد 211.
 
المصادر والمراجع بالعربية
·      Henri Terrasse, Histoire du Maroc des origines à l'établissement du Protectorat français, Edition atlantides, casablanca, 1952.
·      Lucette Valens, "Calamites Démographique en Tunisie et en méditerranée orientale aux XVIIIe et XIXe siècle". In : Annales Economies Sociétés Civilisation, 24e année, N.6, 1969 p 1558.
·      Ganiage jean, les origines du protectorat francais en tunisie (1861-1881), Edition Berg, paris, 1959.
·      Auguste Pavy, Histoire de la Tunisie, Edition tours Alfred Cattier, France, 1894.
·      Laroui abdellah, Les origines sociales et Culturelles du nationalisme Marocain (1830-1912), Maspero, Paris 1977.
 [1]   محمد القبلي، تاريخ المغرب تحيين وتركيب، منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011، ص 451.
  [2] جان غنيان، أصول الحماية الفرنسية بالبلاد الونسية، الباب الخامس ثورة علي ابن غذاهم 1864، ترجمة لجنة كتابة الدولة للشؤون الثقافية، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، 1965، ص19.
[3]   محمد الّأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1992م، ص87.
[4]  Lucette Valens, "Calamites Démographique en Tunisie et en méditerranée orientale aux XVIIIe et XIXe siècle". In : Annales Economies Sociétés Civilisation, 24e année, N.6, 1969 p 1558.
[5]  محمد الأمين البزاز، ن م، ص 104.
[6]  محمد الأمين البزاز، ن م، ص 119.
[7]   محمد الهادي الشريف، "مشكلة الإصلاحات التونسية وارتباطها بمسألة العلاقات التونسية-العثمانية حوالي 1840"، ضمن: الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، تنسيق أحمد توفيق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1983، ص134.
[8]  أحمد باشا: تولى الحكم بالايالة التونسية فيما بين 10 أكتوبر 1837 و30 ماي 1855، وهو عاشر البايات الحسينيين بتونس.
[9] Ganiage jean, les origines du protectorat francais en tunisie (1861-1881), paris, 1959, p15.
[10]  أحمد شوقي عطا الله، المغرب العربي الكبير في العصر الحديث (ليبيا-تونس-الجزائر-المغرب)، المكتبة الانجلو المصرية، 1977، ص288.
[11]   محمد الهادي الشريف، مشكلة الإصلاحات التونسية وارتباطها بمسألة العلاقات التونسية-العثمانية حوالي 1840، ضمن: الإصلاح والمجتمع...، م س، ص137.
[12]  أحمد بن أبي الضياف، أتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، المجلد الثاني، الجزء الرابع، تحقيق وزارة الشؤون الثقافية، الدار العربية للكتاب، تونس، 1999، ص 25.
[13]  على المحجوبي، النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر، سراس للنشر، تونس، 1999، ص87.
[14]   محمد الهادي الشريف، مشكلة الإصلاحات التونسية وارتباطها بمسألة العلاقات التونسية-العثمانية حوالي 1840، ضمن الإصلاح والمجتمع...، م س، ص139.
[15]  أحمد بن ابي الضياف، ن م، ص 48.
[16]  محمد بيرم الخامس التونسي، صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار والأقطار، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، المطبعة الإعلامية، مصر، 1302هـ، ص 7.
[17]  نفس المصدر، محمد بيرم التونسي، ص 7
[18]  محمد باي: ابن حسين أو محمد باي تولى الحكم بالايالة التونسية من 30 ماي 1855 إلى 20 سبتمبر 1859، وهو الباي الحادي عشر من البايات الحسينيين بتونس.
[19]  محمد الصادق: باشا باي تولى الحكم بالايالة التونسية من 20 سبتمبر 1859إلى 29 أكتوبر 1882، وهو الباي الثاني عشر من البايات الحسينيين بتونس.
[20]   جان غانيان، أصول الحماية الفرنسية بالبلاد الونسية، ترجمة لجنة كتابة الدولة للشؤون الثقافية، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، تونس، 1965، ص 20.
[21]   أحمد بن ابي الضياف، ن م، ص 186.
[22]   نفسه، ص 192.
[23]  نفس المرجع، عطا الله أحمد شوقي، ص289.
[24]   أحمد بن ابي الضياف، ن م، ص 205.
[25]  أحمد شوقي عطا الله، ن م، ص 291.
[26]  مُصْطَفَى خَزْنَدَار: أو جيورجيوس سترافلاكيس Giorgios Stravelakis سياسي تونسي من أصل يوناني، ولد عام 1817 بقردميلة بجزيرة خيوس وتوفي في 26 جويلية 1878 بمدينة تونس.
[27] •  Auguste Pavy, Histoire de la Tunisie, tours Alfred Cattier, 1894, 359.
[28]  جان غانيان، ن م، ص16.
[29]  أحمد شوقي عطا الله، ن م، ص288.
[30]  محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، الجزء الأول، منشورات الأوقاف والشؤون الإسلامية والثقافة، 1973، ص 2.
[31]  علي عامر محمود و محمد خير فارس، تاريخ المغرب العربي الحديث المغرب الأقصى- ليبية، الجزء الأول، منشورات جامعة دمشق، 1999، ص 129.
[32]  الناصري أحمد، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، الجزء التاسع، تحقيق جعفر الناصري ومحمد الناصري، دار الكتاب ساحة المسجد المحمدي، الدارالبيضاء، 1997م ص3.
[33]  السملالي العباس بن إبراهيم، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، راجعه عبدالوهاب ابن منصور، الجزء العاشر، الطبعة الثانية، المطبعة الملكية، الرباط، 1993، ص107.
[34]   أحمد الناصري، ن م، ص 9.
[35]  نفس المرجع، القبلي محمد، ص 457.
[36]  محمد المنوني، ن م، ص 96.
[37]  مجلة دعوة الحق، سياسة التعليم في عهد المولى عبدالرحمان ابن هشام، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، العدد 211.
[38]  نفس المرجع.
[39]  أحمد الناصري، ن م، ص80.
[40] Laroui abdellah, Les origines sociales et Culturelles du nationalisme Marocain (1830-1912), Maspero, Paris 1977, p 237.                                      
[41]  سيمو بهيجة، الإصلاحات العسكرية بالمغرب 1844-1912، المطبعة الملكية، الرباط، 2000، ص 115.
[42]  برادة ثريا، الجيش المغربي وتطوره في القرن التاسع عشر، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1997، ص 103.
  [43] ثريا برادة، ن م، ص.231
[44]  بروفنصال ليفي، مؤرخو الشرفاء، تعريب: عبدالقادر الخلادي، مطبوعات دار المغرب، الرباط، 1977، ص 252.
[45]  معريش محمد العربي، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول 1871-1894، دار الغرب الإسلامي، بيروث، 1989، ص82.
[46] Henri Terrasse, Histoire du Maroc des origines à l'établissement du Protectorat français, Edition atlantides, casablanca, 1952, P 332.
[47] محمد العربي معريش، ن م، ص 74.
[48]  ثوريا برادة، ن م، ص 248.
[49]  بهيجة سيمو، ن م، ص 249.
[50]  ثوريا برادة، ن م، ص 268.
[51]  محمد العربي معريش، ن م، ص 157.
[52]  مجلة دعوة الحق، سياسة التعليم في عهد المولى عبد الرحمان بن هشام، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، العدد 211.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟