موليير قرن الوضوح بالغموض ضمن إبداع فرض ذاته - ترجمة وتقديم أحمد رباص

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

تقديم:
بعد إشرافه على إدارة المعهد الوطني العالي للفن المسرحي خلال ثمان سنوات، أنيطت بمارسيل بوزونيه Marcel Bozonnet مهمة الإدارة العامة لمؤسسة المسرح الفرنسي منذ خمسة عشر سنة. بعد مرور سنوات على هذا التعيين، اشتغل هذا المخرج المسرحي على عرض مسرحية "Le Tartuffe" بدار موليير. بهذه المناسبة التقت مجلة "لوبوان" الفرنسية الذائعة الصيت بمارسيل بوزونيه وأجرت معه هذا الحوار الذي أنقل في ما يلي نصه الكامل إلى العربية.

- "لوتارتيف" مسرحية ساخنة وسوف تبقى كذلك. لماذا؟
+ إنها ملتهبة حتى! مهمتي هي إدارة مسرح: أنا لا أتواجد أمام المواقد، بل أمرر الأطباق. عندما أقوم بتشخيص موليير، ألامس النار. هذا مشروع مختلف تماما..نستطيع مراكمة جميع المعارف: القليل من التنقيب غير مضر..لكن في ما بعد، نكون جميعا عراة، محروقين بنار الوضعية. إنها تجربة صدق مع الممثلين، مع الجمهور ومع الذات.

ثمة العدم والسواد واليأس، عند موليير كما عند سوراه كان، أو ألفريد جينيليك حاليا، غير أنه يمدك بأسلحة لأجل الخروج (من هذا الوضع). إنه لا يتركك وحيدا على الطريق. فهو يتأمل في الضحك أكثر مما يتأمل حول الدموع. يمنحك قوة عجيبة وحيوية رائعة، وبالأخص، حرية استثنائية. لماذا تحب الشعوب موليير؟ لأنه محرر..

- بالمعنى السياسي؟
+ بكل المعاني..في ماي 1664، دعا الملك الشاب موليير وأعضاء فرقته المقيمين بمسرح القصر الملكي إلى المشاركة في أول احتفال كبير في عهده. لم تكن فرساي آنذاك سوى فسطاس قنص. كل شيء كان يتم في الحدائق حيث تتعاقب السباقات الدائرية واستعراضات العربات والولائم ومشاهد الباليه. هذه الاحتفالات أزعجت آن دوتريش، أم الملك الكاثوليكية حتى النخاع، و الكنيسة وطائفة من الورعين، خصوصا وأن موليير قدم بهذه المناسبة لجمهور البلاط ثلاثة فصول من مسرحيته الجديدة: Le tartuffe، التي تضع على الركح مدعيا ورعا، وهذا بموافقة الملك. هذه الواقعة كانت الأولى من نوعها.

- لوتارتيف هي أول مسرحية في تاريخ فرنسا الحديث؟
+ المؤكد هو أن موليير أبدع المسرح البورجوازي: يا لها من سلالة (استمرت) حتى إبسن، تشيخوف أو بيرانديللو! أنا لست مؤرخا، لكن يبدو لي أيضا أنه، مع لوتارتيف، تم تدشين فضاء نقدي، هش دونما شك (لأن لويس الرابع عشر يجيز في الأول ما سوف يحظره لاحقا)، ومهدد دوما، حتى في الوقت الراهن. لنسم هذا لائكية. إنها فكرة فرنسية مائة في المائة..في العصر الوسيط، كانت الكنيسة تتساهل مع السلوكات والطقوس الجارية في رحابها ومع ما يقع خارجها من طيش ومغالاة قبل الصوم الكبير. موليير قطع مع هذا التقليد (القائم) على الخضوع والامتثال.
ما بقي من الحقيقة اليوم، هو ماذا؟ نعاين في كل الأيام الأشرار وهم يفلتون من العدالة الإلاهية والعدالة البشرية. الحرية الوحيدة، السلطة الوحيدة التي نملكها هي أن نضعهم فوق الخشبة ونضحك عليهم.

- ألأنهم مثيرون للسخرية؟
+ اللحظة التي تعقد فيها الأمر، بشكل لا يخلو من روعة، هي عندما جعل موليير منافقا يتفوه بواحدة من أجمل ما في اللغة الفرنسية من عبارات البوح بالحب. يختفي تارتيف، في الفصل الرابع، عند اللحظة التي ينكشف فيها ويقول الحقيقة لإلمير. كم نود الكشف عن فضيحته، لكن هذا الذي ينفجر تحت رغبته المجنونة، أليس حبا؟ في هذه اللحظة يكون "الوحش" صادقا بينما "المرأة العفيفة" تبدو حاذقة في التصنع والكذب (ما دامت تعلم أن زوجها مختبئ تحت المائدة). موليير مرتبط بالحكايات والقصص الشعبية للعصر الوسيط التي تتحدث عن الزوج والمرأة والكاهن.
الحقيقة في المسرح لا تنفصل عن الغموض: نطرح أسئلة، لا نعطي أحوبة..من هو تارتيف. لا نتوصل لمعرفته خلال الفصلين الأولين، يحكي لنا دون أن نتمكن من رؤيته. في ما بعد، لم يقدم أي مونولوج يكشف فيه عن أعماق قلبه. منذ ظهوره نعلم أنه يكذب، لكنه يظل بمثابة لغز. إنه يجسد الممثل الخالص، المسرح نفسه.
أن يكون أورغون، في العمق، أكثر إثارة للسخرية منه، ذلك ما يؤجج غضب رجال الدين. من جهة أخرى، الموضوع الحقيقي للمسرحية، اللغز الحقيقي هو أورغون.
- هل كان موليير ملحدا؟

+ نعم، بمعنى لم يعبد أي إله. لكن عدم الاحترام ليس إلحادا..إذا كان موليير كافرا وحتى مقاوما للإكليروس، غهو ى يبتكر التعالي والحاجة إليه. مرة أخرى، هو يسائل ما كان ينبغي ألا يوجد في عصره. إنه رجل عاش في القرن السابع عشر: دحض الأب، الآباء الذين يظنون أنفسهم أزليين.
في هذا السياق، نستحضر كلمة "السماء" التي تملك كل دلالاتها ولا زالت تحدث الزلزال. موليير يوجه نقدا لا ذعا للتزمت والتعصب والتفاق. فهو لا يستهدف المؤمنين بل أولئك الذين يتظاهرون بأنهم كذلك ويجنون منه منافع شخصية. لقد عشق موليير المحبة والإيمان الصادق إلى درجة غدا معها منكرا. لقد قرن موليير الوضوح بالغموض ضمن إبداع فرض ذاته، أدهش وحير. يتناول الإنسانية كما لو كانت عانسا حزينة يتعين تقويمها ومواساتها بتسليتها.

- كيف تصرفت من أجل وضعه في الأضواء المناسبة؟
+ آه، الأضواء..كل شيء حاضر هناك.. شاهدت كثيرا لوحات نيكولا بوسان الذي كان معاصرا لموليير، والإخوان مينيار وسيمون فوويه..
استمعت إلى أنغام فاسولو، وهو نابولي من القرن السابع عشر، التي عزفتها الفرقة الموسيقية برئاسة فانسان ديميستر. عبر هذه الصور الوضاءة والنغمات الإيطالية، حصل لدي الانطباع بأني قريب من موليير. يوجد عند موليير فرح هادئ ورحب غير معطى، فرح قاهر للشر والألم، مثل الموسيقى تماما.
إن خاصية التسكع والمغامرة عند دوم خوان هي التي أجبرت موليير على المسرح. هذا يرجع بنا إلى شكسبير: بلا فتح عار، فارغ بسيط، يقع على أطراف الغابة والبحر، مع دومينيك بريغيير، الذي ابتكر الأضواء، ودانيال جانيتو، المختص في المشاهد المسرحية، تخيلنا نوعا من ساحة داخلية؛ عبارة عن فضاء حميمي ومغلق، عائلي، وفي نفس الوقت يقع في العراء. نحن الآن في منتصف الطريق بين المدينة والبادية، في الهواء الطلق. ثمة شجرة وتبن متناثر فوق الأرضية وعربة، وبالتالي كنت أريد أن يتحرك الممثلون بسهولة وحيوية. إن موليير مصمم رقصات كذلك: فهو لم يؤلف مسرحيات الباليه هدرا.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟