1
الرَّجُلُ الأَكْثَرُ حُزْناً يَتَعَلَّمُ ابْتِكارَ الفَرَحِ الأَخيرِ ،
يَهْوي بِيَدِ قَوِيَّةِ عَلى زَوايا الصَّنَمِ السَّاكِنِ فيهِ ،
فَرْخَةٌ تَأْكُلُ مِنْ يَدَيْهِ ضَوْءا ..
طائِرُ الفينيقِ يَدْخُلُ الحُرُوبَ ضِدَّ فُرْسان أَثينا .
يَتَعَلَّمُ ابْتِكارَ وَرْشَةٍ كُبْرى لِتَصْنيعِ الجَمالِ ؛
طَعْنَةٌ في بَدَنِ القُبْحِ
انْقِلابٌ ضِدَّ امْراطُورِيات اللَّيْلِ
رَقْصٌ عائِلِيٌّ بَيْنَ أَحْضانِ النَّهارِ
حائِطٌ يَرْسُمُهُ في دِفْتَرِ الحَياةِ :
حائِطٌ يَخُطُّ فَوْقَهُ أَرْواحَ مَنْ أَحَبَّهُمْ ..
بَعْدَ لَيالٍ ذَبُلَتْ بَنَفْسَجَةُ الحُزْنِ
وَأَزْهَرَتْ شُجَيْراتُ الفَرَحْ ...
2
اللَّيْلُ شاتٍ ، عاطِفِيٌّ .
مَطَرٌ يَلْطِمُ خَدَّ الصَّمْتِ .
رُعْبٌ جالِسٌ في غُرْفَةِ الرُّوحِ كَثُعْبانٍ ..
وَكانَ الرَّجُلُ الأَكْثَرُ حُزْناً يَحْضُنُ المَشْهَدَ :
يَمْشي حافِيَ الإِحْساسِ تَحْتَ المَطَرِ العاصِفِ /
لَيْتَني أَصيرُ عَظْمَةً في جَسَدِ العاصِفَةِ الهَوْجاءِ ،
لَيْتَني أَصيرُ كائِناً مُنْدَمِجاً في بِئْرِ كَيْنُونَةِ هذا اللَّيْلِ ،
شاتِياً أُحِبُّهُ .
كَأَنَّهُ عَريسٌ / فَرَسٌ تَحْمِلُهُ .
زُغْرُودَةُ الرَّعْدِ وَفانُوسٌ يُمَزِّقُ قَميصَ العَتَمَه .
3
الرَّجُلُ الأَكْثَرُ حُزْناً نَفَضَ الغُبارَ عَنْ كِيانِهِ .
في الحَلْقِ طَعْمُ آيَةِ الكُرْسِيِّ
أَحْلى مِنْ يَدٍ تُصافِحُ الحُقُولَ وَ الرُّبى ..
يَحْلُمُ دَوْماً بِلِقاءِ المُصْطَفى في الحَوْضِ في الصِّراطِ في الميزانِ .
كُلَّما أَذابَ سُكَّراً في النَّهْرِ ؛
نَهْرِ الأَبَدِيَّةِ العَميقِ
فاضَ في شِرْيانِهِ دَمُ الحَياةِ .
كُلَّما اسْتَحَمَّ في المِحْرابِ قَلْبُهُ تَساقَطَتْ ذُنُوبُهُ كَأَوْراقِ الخَريفِ .
كُلَّما باضَتْ إِناثُ الفَرَحِ اسْتَلَذَّ طَعْمَ النُّورِ في أَعْشاشِها ،
وَصارَ يَوْمَها الفَتى الأَقَلَّ حُزْنا :
صارَ مَوْلُوداً جَديداً كَصَباحٍ أَبْيَضْ ..
4
الرَّجُلُ الأَقَلُّ حُزْناً يَحْضُنُ العالَمَ في وِجْدانِه .
يَحْضُنُ أَيْتاماً وَأغْراباً وَشاعِراً تَعَوَّدَتْ يَداهُ دائِماً
أَنْ تَحْلُبَ المَجازَ مِنْ ثَدْيِ الكَلامِ ،
يَحْضُنُ المارَّةَ وَ البِنْتَ التي ماتَ أَبُوها في اصْطِدامِهِ مَعَ الحَياةِ ،
وَ الأَرْمَلَةَ التي تَنامُ في فَمِ الغابَةِ بَحْثاً عَنْ مَنامَةٍ أَخيرَةٍ ،
وَيَحْضُنُ المُسافِرينَ في الصَّحْراءِ باحِثينَ عَنْ خَرائطِ الكَنْزِ ،
وَيَحْضُنُ الرُّعاةَ وَالجِيادَ والذِّئابَ
مِنْ تَناقُضٍ يَجُرُّها إِلى مَعْرَكَةٍ قاسِيَةٍ ،
وَيَحْضُنُ الحُرَّاسَ فَوْقَ القَلْعَةِ العُلْيا : هُناكَ
حَيْثُ يُولَدُ الفَرَحْ ..
5
في الحَلْقِ طَعْمُ سُورَةِ الإِخْلاصِ .
في المَنامَةِ التي تَرُشُّ لَيْلَهُ بِالسِّحْرِ أَجْراسٌ تَرِنُّ .
في غُرُوبِ الشَّمْسِ أَكْواخُ الأَشِعَّةِ التي تَنامُ .
في الغُرْفَةِ بابٌ لِدُخُولِ آخِرِ الأَلْوانِ :
عالَمٌ تَغْمُرُهُ الحَشائشُ الخَضْراءُ وَالظِّلالُ
وَابْتِسامَةٌ تُولَدُ في بُحَيْرَةٍ تَحُفُّها الأَغْراسُ ..
عالَمٌ سَديـمِيٌّ .
بَياضٌ مَرِحٌ .
حُورِيَّةُ النَّهْرِ عَرُوسُ أَوَّلِ التَّكْوينِ .
فارِسٌ يُضيفُ دائِماً إِلى الصَّهيلِ نَسْمَةً شَرْقِيَّةً
قادِمَةً مِنْ جُزُرِ الحَواسِّ ..
عالَمٌ يَقُودُ مَوْكِباً نَحْوَ السَّماءْ ..
شعر مصطفى ملح
المغرب