كَيْفَ نَتَعَلَّمُ ابْتِكارَ الفَرَحِ الأَخير ..؟- شعر: مصطفى ملح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
   1            
الرَّجُلُ الأَكْثَرُ حُزْناً يَتَعَلَّمُ ابْتِكارَ الفَرَحِ الأَخيرِ ،
يَهْوي بِيَدِ قَوِيَّةِ عَلى زَوايا الصَّنَمِ السَّاكِنِ فيهِ ،
فَرْخَةٌ تَأْكُلُ مِنْ يَدَيْهِ ضَوْءا ..
طائِرُ الفينيقِ يَدْخُلُ الحُرُوبَ ضِدَّ فُرْسان أَثينا .
يَتَعَلَّمُ ابْتِكارَ وَرْشَةٍ كُبْرى لِتَصْنيعِ الجَمالِ ؛
طَعْنَةٌ في بَدَنِ القُبْحِ
انْقِلابٌ ضِدَّ امْراطُورِيات اللَّيْلِ
رَقْصٌ عائِلِيٌّ بَيْنَ أَحْضانِ النَّهارِ
حائِطٌ يَرْسُمُهُ في دِفْتَرِ الحَياةِ :
حائِطٌ يَخُطُّ فَوْقَهُ أَرْواحَ مَنْ أَحَبَّهُمْ ..

بَعْدَ لَيالٍ ذَبُلَتْ بَنَفْسَجَةُ الحُزْنِ
وَأَزْهَرَتْ شُجَيْراتُ الفَرَحْ ...

              2

اللَّيْلُ شاتٍ ، عاطِفِيٌّ .
مَطَرٌ يَلْطِمُ خَدَّ الصَّمْتِ .
رُعْبٌ جالِسٌ في غُرْفَةِ الرُّوحِ كَثُعْبانٍ ..
وَكانَ الرَّجُلُ الأَكْثَرُ حُزْناً يَحْضُنُ المَشْهَدَ :
يَمْشي حافِيَ الإِحْساسِ تَحْتَ المَطَرِ العاصِفِ /
لَيْتَني أَصيرُ عَظْمَةً في جَسَدِ العاصِفَةِ الهَوْجاءِ ،
لَيْتَني أَصيرُ كائِناً مُنْدَمِجاً في بِئْرِ كَيْنُونَةِ هذا اللَّيْلِ ،
شاتِياً أُحِبُّهُ .
كَأَنَّهُ عَريسٌ / فَرَسٌ تَحْمِلُهُ .
زُغْرُودَةُ الرَّعْدِ وَفانُوسٌ يُمَزِّقُ قَميصَ العَتَمَه .

           3

الرَّجُلُ الأَكْثَرُ حُزْناً نَفَضَ الغُبارَ عَنْ كِيانِهِ .
في الحَلْقِ طَعْمُ آيَةِ الكُرْسِيِّ
أَحْلى مِنْ يَدٍ تُصافِحُ الحُقُولَ وَ الرُّبى ..
يَحْلُمُ دَوْماً بِلِقاءِ المُصْطَفى في الحَوْضِ في الصِّراطِ في الميزانِ .
كُلَّما أَذابَ سُكَّراً في النَّهْرِ ؛
نَهْرِ الأَبَدِيَّةِ العَميقِ
فاضَ في شِرْيانِهِ دَمُ الحَياةِ .
كُلَّما اسْتَحَمَّ في المِحْرابِ قَلْبُهُ تَساقَطَتْ ذُنُوبُهُ كَأَوْراقِ الخَريفِ .
كُلَّما باضَتْ إِناثُ الفَرَحِ اسْتَلَذَّ طَعْمَ النُّورِ في أَعْشاشِها ،
وَصارَ يَوْمَها الفَتى الأَقَلَّ حُزْنا :
صارَ مَوْلُوداً جَديداً كَصَباحٍ أَبْيَضْ ..

             4


الرَّجُلُ الأَقَلُّ حُزْناً يَحْضُنُ العالَمَ في وِجْدانِه .
يَحْضُنُ أَيْتاماً وَأغْراباً وَشاعِراً تَعَوَّدَتْ يَداهُ دائِماً
أَنْ تَحْلُبَ المَجازَ مِنْ ثَدْيِ الكَلامِ ،
يَحْضُنُ المارَّةَ وَ البِنْتَ التي ماتَ أَبُوها في اصْطِدامِهِ مَعَ الحَياةِ ،
وَ الأَرْمَلَةَ التي تَنامُ في فَمِ الغابَةِ بَحْثاً عَنْ مَنامَةٍ أَخيرَةٍ ،
وَيَحْضُنُ المُسافِرينَ في الصَّحْراءِ باحِثينَ عَنْ خَرائطِ الكَنْزِ ،
وَيَحْضُنُ الرُّعاةَ وَالجِيادَ والذِّئابَ
مِنْ تَناقُضٍ يَجُرُّها إِلى مَعْرَكَةٍ قاسِيَةٍ ،
وَيَحْضُنُ الحُرَّاسَ فَوْقَ القَلْعَةِ العُلْيا : هُناكَ
حَيْثُ يُولَدُ الفَرَحْ ..

             5

في الحَلْقِ طَعْمُ سُورَةِ الإِخْلاصِ .
في المَنامَةِ التي تَرُشُّ لَيْلَهُ بِالسِّحْرِ أَجْراسٌ تَرِنُّ .
في غُرُوبِ الشَّمْسِ أَكْواخُ الأَشِعَّةِ التي تَنامُ .
في الغُرْفَةِ بابٌ لِدُخُولِ آخِرِ الأَلْوانِ :
عالَمٌ تَغْمُرُهُ الحَشائشُ الخَضْراءُ وَالظِّلالُ
وَابْتِسامَةٌ تُولَدُ في بُحَيْرَةٍ تَحُفُّها الأَغْراسُ ..
عالَمٌ سَديـمِيٌّ .
بَياضٌ مَرِحٌ .
حُورِيَّةُ النَّهْرِ عَرُوسُ أَوَّلِ التَّكْوينِ .
فارِسٌ يُضيفُ دائِماً إِلى الصَّهيلِ نَسْمَةً شَرْقِيَّةً
قادِمَةً مِنْ جُزُرِ الحَواسِّ ..
عالَمٌ يَقُودُ مَوْكِباً نَحْوَ السَّماءْ ..


شعر مصطفى ملح
 المغرب

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟