مَنْ سَرَقَ الشَّمسْ ؟ - شعر : مصطفى ملح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
هُنا حَفَرَتْ وَشْمَها هِنْدُ
بالفَحْمِ والزَّيْتِ والدَّمْعِ والطّينِ
والتَفَتَتْ نَحْوَ أَطْلالِ خَيْمَتِها ثُمَّ قالَتْ وَداعا ،
وَلَمْ تَبْكِ مِثْلَ الأَميراتِ
حينَ يُضَيِّعْنَ أَصْدافَهُنَّ الثَّمينَةَ في المَوْجِ ،
لكِنَّها حينَ حَرَّكَها الحُزْنُ قالَتْ وَداعاً
وَلَمْ تَنْسَ إِرْسالَ بَعْضِ الرَّسائِلِ
للذِّئْبِ في المُرْجِ والنَّسْرِ في البُرْجِ ،
قالتْ وَداعاً وَطارَتْ
وَبَعْدَ دَقائِقَ غَابَتْ كَقَوْسِ قُزَحْ !
*****
هُنا نَسِيَتْ شَعْرَها هِنْدُ
يَلْتَفُّ حَوْلَ الرُّبا وَالكُهُوفِ القَديمَةِ مِثْلَ الثَّعابينِ .
مُشْطُ الحَبيبَةِ يُكْسَرُ ،
يَنْدَلِقُ الكُحْلُ كَاللَّيْلِ فَوْقَ المَشاعِرِ ،
أَظْفارُ هِنْدٍ وَصَيْحَةُ فارِسِها
وقَصائِدُ عُكَاظَ
وقَدْ عُلِّقَتْ فَوْقَ أَعْمِدَةِ الوَقْتِ ،
والخَيْلُ نَامَتْ .. ولكنَّ أَعْيُنَها لَمْ تَنَمْ
تُراقِبُ في حَذَرٍ
كَيْفَ تُولَدُ آخِرُ قافِيَةٍ مِنْ رَمادِ العَدَمْ !

          2

وإِنّي لَباكٍ على طَلَلٍ كانَ لي :
كَمْ أَحِنُّ إلى فَرَسي الخَشَبِيَّةِ ، رائِحَةُ
الطّينِ مَمْزُوجَةٌ بِدُمُوعِ المَطَرْ ..
صَخْرَتي وكِتابي
وصَرْخَةُ والِدَتي حينَ ذَاعَ الخَبَرْ :
قَوافِلُ قادِمَةٌ ،
دَمُ هِنْدٍ وَبَعْضُ حَريرِ ضَفائِرِها ،
جُرْحُ مِرْآتِها ،
ثَغْرُها يَلْثُمُ الشَّمْسَ فَوْقَ النَّدى ،
وسُيُوفٌ على بَعْضِها تَنْكَسِرْ ..
أَحِنُّ إلى خَيْمَةٍ كانَ يُوقِظُها الفَجْرُ
ثُمَّ أَحِنُّ إلى كُلِّ أَطْلالِ هِنْدٍ ؛
إلى حَجَرٍ كانَ مَصْرَعُها فَوْقَهُ
عِنْدَما رُمِيَتْ ذَاتَ لَيْلٍ
بِعاطِفَةٍ قَاتِلَةْ ..

         

هُنا نَسِيَتْ رُوحَها عِنْدَ مُفْتَرَقِ الماءِ والطّينِ ،
ثُمَّ تَعَرَّتْ تَماماً كَشَمْسِ الظَّهيرَةِ
قُدَّامَ فاكِهَةِ المَوْتِ ،
كانَتْ يَدٌ مِنْ حَديدٍ تَقُودُ خُطاها ؛
يَدٌ خَرَجَتْ فَجْأَةً
مِنْ شُقُوقٍ بِذَاكِرَةِ الرَّمْلِ ،
ساعَتَها صاحَ نايٌ تَحَطَّمَ قَلْبُ الرَّبابَةِ
والخَيْلُ نامَتْ .. ولكنَّ أَعْيُنَها لَمْ تَنَمْ
تُراقِبُ في حذَرٍ
كَيْفَ تُولَدُ قافِيَةٌ مِنْ رَمادِ العَدَمْ !

      3

ثَلاثُونَ ثُمَّ ثَماني سِنينَ وَبِضْعُ ثَوانٍ
يَسيرُ قِطارُ المَحَطَّةِ في رَصيفِ الطُّفُولَةِ
مُنْدَفِعاً بِرَوائِحِ أَوَّلِ طُبْشُورَةٍ داعَبَتْها يَدي ؛
كُنْتُ أَصْغَرَ ِمنْ نُقْطَةٍ في جَناحِ الفَراشَةِ
أَجْمَلَ مِنْ وَتَرٍ في فَمِ النُّورِ ،
ثُمَّ مَرَّتْ لَيالٍ فَعامٌ وَراءَ عامٍ
فَشاخَ قِطارُ المَحَطَّةِ ؛
لَمْ تَكُ هِنْدٌ بِداخِلِهِ يَوْمَها
رُبَّما الشُّعَراءُ الصَّعاليكُ قَادُوا جَنازَتَها
نَحْوَ مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ السَّبْعِ ؛
حَيِثُ زَئيرُ الصَّدى في مَقابِرِ صَحْراءَ
مَحْرُوسَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ قَوْسٍ مُحَطَّمْ ..
ثَلاثُونَ ثُمَّ ثَماني سِنينَ مَضَتْ
وَأَنا حامِلٌ جَرَساً أُوقِظُ النَّاسَ ؛
عِشْرُونَ قَبْراً بِها أَلْفُ مَلْيُونِ جُثَّةْ !
هَياكِلُ عَظْمِيَّةٌ بُعْثِرَتْ في القُبُورِ ؛
عِظامُ القَصائِدِ ، وَجْهُ الحَبيباتِ ، أَجْنِحَةُ
النَّهْرِ ، صَوْتُ عُكاظَ ، دُمُوعُ امرئِ القَيْسِ ،
حِنَّاءُ هِنْدٍ وَوَشْمُ الذِّراعَيْنِ
يَطْفُو فَوْقَهُ دَمٌ : دَمُ مَنْ ؟؟
جَرَسي شاخَ والطَّبْلُ حَطَّمْتُهُ ،
هَذِهِ البِئْرُ أَعْمَقُ مِنْ شَمْسِ كَفِّي ،
وَأَعْيُنُ عائِلَةِ المَيِّتينَ قَدِ انْطَفَأَتْ
كَحَقْلٍ مِنَ الشَّمْعِ في يَدِ شَيْطانْ !
وَأَحْصِنَةُ العُمْرِ نامَتْ .. ولكنَّ أَعْيُنَها لَمْ تَنَمْ
تُراقِبُ في حَذَرٍ
كَيْفَ تُولَدُ آخٍرُ قَافِيَةٍ مِنْ رَمادِ العَدَمْ !

 مصطفى ملح - المغرب

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟