اثْنا عَشَرَ قَفَصاً لِتَرْويضِ الزَّمَنْ – شعر : مصطفى ملح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
الصَّيَّاد :
نَصَبَ الفِخاخَ
ونامَ يَنْتَظِرُ الذي يَأْتي ولا يَأْتي .
ثَوانٍ ثُمَّ ساعاتٌ فَأَيَّامٌ فَأَعْوامٌ ؛
تَبَدَّلَ شَعْرُهُ صَدِئَتْ مَحاريثُ الشِّتاءِ
تَزَوَّجَتْ صُغْرى البَناتِ فَصارَ جَدّاً ،
غَيْرَ أَنَّ فِخاخَهُ في أَسْفَلِ الوادي
أَحاطَ بِها نَسيجُ
العَنْكَبُوتْ !
المُسافِر :
وَجَدَ القِطارَ مُعَطَّلاً ،
والسّْكَّةُ اصْطَدَمَتْ بِها قَدَمُ الحَياةِ
فَحَوَّلَتْها عَظْمَةً سَوْداءَ تَنْخُرُها نُسُورُ الصَّيْفِ .
أَبْصَرَ في المَحَطَّةِ نِصْفَ مِرْآةٍ
وبِالقُرْبِ النِّساءُ الخائِفاتُ مِنَ النُّسُورِ
وقَدْ نَسينَ بَياضَهُنَّ يَسيلُ فَوْقَ المِرْآةْ ..
فَتَحَ الحَقيبَةَ
ثُمَّ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فيها وماتْ !

المَيِّت :

بَحَثُوا عَنِ الكَفَنِ المُناسِبِ لي
ولَكِنْ ماتَ حَفَّارُ القُبُورِ قُبَيْلَ مُنْتَصَفِ القَصيدَةِ .
عادَ جيراني وأَهْلي إِلى أَكْواخِهِمْ
ونَمَتْ على قَبْري النَّباتاتُ القَصيرَةُ ،
ثُمَّ حينَ يَجِنُّ لَيْلي
أَخْلَعُ الكَفَنَ الذي فَوْقي
وأَدْخُلُ مِثْلَ لِصٍّ مِنْ شَبابيكِ الحَياةِ ؛
فَأُبْصِرُ الأَحْياءَ كُلَّهُمُو
عَبيداً رُكَّعاً غُرَباءَ عُمْياناً
وأَكْثَرَ مَوْتاً مِنّي !

العَريس :

سَقَطَ الجَمالُ على السَّريرِ
فَذابَتِ الحِنَّاءُ في جِسْمِ الأَميرَةِ :
ثَغْرُها فَجْرٌ مُغَطًّى بِالحَريرِ
بَياضُها مِثْلَ اصْطِدامِ قَصيدَتَيْنِ
ووَجْهُها قَمَرٌ مِنَ الياقُوتِ في كَفِّ الصَّباحِ ..
على السَّريرِ جَمالُها تَعِباً ومُنْتَظِراً ؛
لِماذا لَمْ يَعُدْ ، بَعْدُ ، العَريسُ ؟
أَجابَتِ الحَسْناءُ في التِّلْفازِ :
ماتَ بِساحَةِ الحَربْ !

الظِّلّ:

يَمْشي وَرائي
ثُمَّ أَتْبَعُهُ إِذا ما الشَّمْسُ مالَتْ
كَالمُريدِ يَقُودُهُ شَيْخُ الطَّريقَةِ نَحْوَ تُفَّاحَةِ التَّصَوُّفِ .
ذاكَ ظِلّي :
سَيِّدي عَبْدي أَميري قائِدي قَيْدي
هُوَ امْتِدادي في المَكانِ وصُورَتي الأُخْرى ..
ولَكِنْ إِنْ أَنا يَوْماً رَحَلْتُ مُوَدِّعاً
هَلْ يا تُرى ظِلّي يَمُوتْ ؟!

الرِّحْلَة :

حَمَلُوا على ظَهْرِ البِغالِ الماءَ والزَّيْتُونَ
والقِصَصَ القَصيرَةَ والسَّجائِرَ والكِلابَ الضَّالَّةْ ..
كانَ الرِّجالُ يُفَتِّشُونَ هُناكَ في الصَّحْراءِ
عَنْ بَعْضِ الأَميراتِ اللَّواتي
خانَهُنَّ حِصانُهُنَّ فَمُتْنَ في وَسَطِ الحِكايَةِ ،
مَرَّتِ السّاعاتُ
لَمْ يَجِدُوا سِوى كَهْفٍ قَديمْ
دَخَلُوا إِلَيْهِ .. ونَامُوا !

الزَّمَن :

جَدّي عَلى ظَهْرِ الحِمارِ
يُراقِبُ اللَّقْلاقَ وهْوَ يَلُفُّ في مِنْقارِهِ
وَطَناً صَغيراً مِنْ حَشائِشَ ذَابِلَةْ ..
جَدّي يُراقِبُ حَفْلَةَ الميلادِ في الكُوخِ المُجاوِرِ ،
رَأْسُهُ مُتَمايِلٌ مَعَ آهَةِ المِزْمارِ
والطَّبْلِ الذي يَهْتَزُّ كَالنَّاقُوسِ ..
مَرَّتْ أَشْهُرٌ
هَزَمَ الشِّتاءُ دُوَيْلَةَ اللَّقْلاقِ ،
أَطْفَأَتِ السُّيُولُ مَشاعِلَ الميلادِ ..
مَرَّتْ أَشْهُرٌ
سَقَطَ الحِمارُ ماتَ جَدّي !
 
النِّسَاء :

في القَلْبِ سَبْعُ نِساءٍ :
أُولى تُقَبِّلُني فَأَتْبَعُها إِلى الصَّحْراءِ ،
ثَانِيَةٌ تَصُبُّ المِلْحَ والقَطْرانَ في رِئَتَيَّ ،
ثَالِثَةٌ مُحايِدَةٌ كَتَشْكيلٍ رَمادِيٍّ ،
ورَابِعَةٌ تُواري جُثَّثي بِالرَّمْلِ ،
خَامِسَةٌ تُزيلُ الرَّمْلَ تَرْميني إلى الأَشْباحِ ،
سَادِسَةٌ تَمُرُّ ولا تَقُومُ بِشَيءٍ ،
وأَخيرَةٌ تَبْكي عَلَيَّ .. وتَمْضي !

شَهْرَزاد :

وَقَفَتْ أَمامَ الكُوخِ مَرْكَبَةُ الأَميرِ
وجيءَ بِالحُرَّاسِ فَاقْتَحَمُوا زَوايا الكُوخِ ،
لَمْ تَكُ شَهْرَزادُ هُناكَ ..
عادُوا يَحْمِلُونَ فَقَطْ عَقَارِبَ ساعَةِ الحَائِطْ
رَسائِلَ كانَ يَبْعَثُها الغَريبُ إِلَيْها 
قَارُورَةَ الكُحْلِ العَتيقَةَ والعُطُورَ الهَادِئَةْ ..
عادُوا فَظَلَّ لأَجْلِها
قَصْرُ الخَليفَةِ ساهِراً حَتَّى طُلُوعِ النَّصّْ !

السِّرْك :

كُلُّ التَّذَاكِرِ بيعَتْ
مُلِئَتْ زَوايا السِّرِْكِ بِالمُتَفَرِّجينْ
زَأَرَتْ أُسُودُ البَهْلَوانِ وَلَمْ تُخِفْ أَحَداً ،
لأَنَّ زَئيرَها لا يَبْرَحُ الأَقْفاصَ ..
قَبْلَ نِهايَةِ العَرْضِ الرَّتيبِ ،
رَأَيْتُ أَنَّ النَّاسَ قاطِبَةً
مُجَرَّدُ بَهْلَوانِيِّينَ في سِرْكِ الحَياةِ :
جَميعُهُمْ يَثِبُونَ كَالقِرَدَةْ
ويَقْضُونَ الفَراغَ بِداخِلِ الغيرانِ ،
ثُمّ أَخيراً
يَتَساقَطُونَ على زَرابي السِّرْكْ !

الشَّاعِر :

حَمَلَ المُحارِبُ بُنْدُقِيَتَهُ وأَطْلَقَ ناراً ،
والعازِفُ احْتَضَنَ الرَّبابَةَ لاِكْتِشافِ جَزيرَةِ المُوسيقى ،
ومُرَوِّضُ الأَبْقارِ قامَ إِلى حَظيرَتِهِ ،
وبائِعَةُ الرَّغيفِ إِلى الرَّصيفِ ،
وقَارِئُ القُرْآنِ هَبَّ لِيَفْتَحَ الكُتَّابَ ،
والبَنَّاءُ يَذْهَبُ في اتِّجاهِ الوَرْشَةِ ،
والمُصْلِحُونَ إِلى منابِرِهِمْ
وصَاحِبُنا رَأَى قَلَماً وقِرْطاساً
وبَعْدَ تَرَدُّدٍ .. كَتَبَ القَصيدَةْ !

القَنَّاص :

تَحْكي العَجائِزُ أَنَّ قافِلَةً مِنَ النَّجْماتِ
مَرَّتْ لَيْلَةً فَوْقَ المَداشِرِ والبَيادِرِ والجِبالِ ،
فَزَغْرَدَتْ فَرَحاً نِساءُ الحَيِّ ،
واجْتَمَعَ الرِّجالُ يُلَوِّحُونَ لِضَيْفِهِمْ ،
وتَوَثَّبَ القَنَّاصُ يَقْصِفُها بِأَلْف رَصَاصَةْ ..
نامَتْ عُيُونُ القَوْمِ في حَذَر
تَوالَتْ سَبْعُ ساعاتٍ وحَلَّ الصُّبْحُ ؛
فَاصْطَدَمُوا بِرُؤْيَةِ جُثَّةِ القَنَّاصْ !

العُصْفُور :

وَضَعُوهُ في قَفَصٍ
 فَغَرَّدَ غَيْرَ مُكْتَرِِثٍ ،
لأَنَّهُ مُدْرِكٌ ألاَّ فَوارِقَ بَيْنَهُمْ :
هُوَ صارَ مَسْجُوناً ولَكِنْ
يَسْتَطيعُ الشَّدْوَ في قَفَصٍ صَغيرْ
لَكِنَّهُمْ سُجَناءُ في قَفَصٍ كَبيرْ !


             مصطفى ملح - المغرب



تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟