يهتم المدرسون غالبا بالجوانب المعرفية لدى التلميذ ومواقفه تجاه الدراسة، وقلما يهتمون بالجوانب العاطفية والعلائقية. في حين يولي التلميذ اهتماما للقيم الإنسانية والعلائقية لدى المدرس أكثر مما يهتم بإمكانياته البيداغوجية. ويبدو أن هذا الاختلاف في الاهتمامات بين طرفين رئيسين في العملية التربوية يقف وراء تقويض العلاقة التربوية في ممارساتنا التربوية والتي تنعكس سلبا على عطاء تلامذتنا وأساتذتنا على السواء.
حينما يهتم التلميذ أكثر بالجوانب العلائقية والإنسانية للمدرس، فإنه يحتاج إلى إشباع حاجات سيكولوجية ووجدانية التي تبدو أساسية لنموه، فهو يحتاج حسب "ماسلو" Maslowإلى إشباع حاجته إلى الاطمئنان والأمان، وحاجته إلى العطف والحب والانتماء، وحاجته إلى الاهتمام والتقدير والاستقلالية، والحاجة إلى تقدير الذات وتحيينها وتحقيقها. ولا يمكن إشباع هذه الحاجات إلا في فضاء تربوي يوفره مدرس قادر على نسج علاقات مع تلامذته مبنية على التقدير المتبادل والتفاهم والتواصل والانفتاح والتفاوض والتقبل المتبادل.
غير أن المدرس غالبا ما يهتم بالجوانب المعرفية للتلميذ فقط، فيركز في علاقته التربوية على عملية التحصيل، حيث يتمركز اهتمامه أكثر على كيفية نقل المعرفة الجاهزة في البرنامج الدراسي، معتمدا في ذلك غالبا على بيداغوجية التلقين والشحن. وغالبا ما تقوم هذه البيداغوجية على الصرامة والضبط والإكراه، حيث تغدو العلاقة التربوية علاقة توتر وتشنج ونفور مما ينعكس سلبا على هذا التحصيل وعلى الطفل و الأستاذ معا..
في الواقع، فإن الفضاء الأنسب للتربية والتكوين هو الذي يعطي أهمية للجانب العلائقي، حيث تحظى الجوانب الوجدانية والسيكولوجية بموقع مركزي في العلاقة التربوية . ويقتضي تفعيل هذه العلاقة أن يوفر هذا الفضاء التربوي بنيات استقبال جاذبة وحاضنة لأنشطة الطفل التلقائية والعفوية... بنيات نشطة متفاعلة تمنح الطفل فرص اختيار سلوكه وأسلوبه في التواصل والتعبير والحكم...هكذا يتمكن الطفل من بناء استقلاليته وإشباع حاجاته وتحقيق ذاته ...إنه في حاجة إلى ذلك بالقدر الذي هو في حاجة إلى المعرفة... هكذا سيتمكن الطفل في هذا الفضاء من الانخراط في العملية التربوية والإقدام على التعلم...
ومن جانب آخر فإن أهمية الجانب العلائقي في التربية يتجلى أيضا في تمكين الطفل من حياة ممتعة في المدرسة..ذلك أن الحياة المدرسية تشكل جزءا هاما من حياة الطفل، وعليه بات لزاما أن تكون هذه الطفولة ممتعة سواء في المدرسة أو خارجها.. ويقتضي تحقيق هذا المرمى إيجاد مكانة مركزية للطفل في المدرسة، حيث ينبغي أن يحظى بالاعتبار والتقدير و يكون له وزن، يجعله يشعر بالانتماء والفخر وعزة النفس والكرامة. ولا شك أن هذه الوضعية الاعتبارية ستوقظ لدى الطفل الرغبة والإرادة والتحفيز يجعله يكتشف المتعة في الإقبال على التعلم، والمتعة في الانخراط في الحياة المدرسية، والمتعة في العلاقة التربوية ..
إن كل الدول التي عرفت نهضة تنموية وازدهارا، قد راهنت في ذلك على الاستثمار في الموارد البشرية...أي راهنت على المدرسة ..واعتمدت بالأساس على هذه الاختيارات الحديثة في التربية التي تمكن الطفل من استثمار إمكانياته وموارده وتفجير طاقاته..واكتشاف المتعة في إنجاز ذلك ... هذا ما يجله يتعلق أكثر بالمدرسة ...غير أنه في بلدنا سمعت امرأة تهدد ابنها الذي كان يزعجها بالبكاء في الشارع : "اسكت وإلا سأقودك إلى المدرسة، فسكت على الفور"... هكذا تقدم الآخر وتخلفنا ... هل سنتدارك ما فاتنا في الأفق المنظور... إنه سؤال؟؟