مقدمة
إن أهم خاصية تميز المجتمعات المعاصرة بما يميزها من توجه نحو الفردانية هي بروز مفهوم الذات والهوية الخاصة، والتوجه أكثر نحو التحلل من ضوابط الجماعة وقواعدها، وما ينتج عن ذلك من تبعات. إن هذا الحكم وبالرغم مما قد يكون لنا عنه من تحفظ خصوصا في المجتمع الذي نعيش فيه، فهو يبقى ذو أهمية قصوى إذا ما استحضرنا طبيعة العينة التي أجرينا معها هذه الدراسة، والتي يتراوح سنها ما بين 14 و 17 سنة، أي أنها تعيش مرحلة المراهقة بكل ما ينتج عنها من تغيرات واضطرابات، وإعادة صياغة أفكارها حول الكون بصفة عامة وحول المواضيع التي تدخل معها في علاقة مباشرة .
مناسبة هذا الاستهلال هو كون التلاميذ الذين يشكلون عينة بحثنا يتميزون بتلك الخصائص. وبالتالي، من الأكيد أنهم يتأثرون أيضا بما ينتج عنها من نتائج مرتبطة ببروز مفهوم الذات، وبالسعي لتحقيق الاستقلالية الخاصة والتي يكون من أهم تجلياتها تحقيق الاستقلال على المستوى المعرفي، والسعي لبناء تصورات خاصة نحو ما يرتبط بكل ذلك. وإذا كانت هذه الفئة من المتمدرسين كذلك، فإن سعيها سينصب على بناء موقف من الفضاء المدرسي والمؤسسي بالدرجة الأولى.
من أجل مقاربة بعض مكونات هذا الفضاء المذكور بمنهجية علمية في علاقته بالتلميذ، اخترنا دراسة تمثلات التلاميذ لمكون من مكونات هذا الفضاء وهو مدرس مادة الفلسفة، وعلاقة تلك التمثلات بتحقيق توافقهم الدراسي، كونه يعبر عن مدى نجاح أو فشل التلميذ في التعامل مع الواقع بناء على ما قام ببنائه من تمثلات سابقة حوله.
1- موضوع الدراسة
إن نجاح العملية التعليمية التعلمية لن يكون مكتملا دون وجود تكامل ما بين المتدخلين في هذه العملية عموما والمتدخلين بشكل مباشر على وجه الخصوص، ونقصد هنا التلميذ والأستاذ في علاقتهما البينية من جهة وعلاقتهما بالمعرفة من جهة أخرى .
إن العلاقة الأولى في اعتقادنا تؤسس بشكل سليم، إذا ما كانت ناجحة، لسلامة إنجاز العملية التعليمية التعلمية في جميع المواد الدراسية وخصوصا في مادة الفلسفة، نظرا لكون طبيعة المادة الفلسفية تتطلب نوعا خاصا من التواصل مع التلميذ، إضافة إلى أن التحويل الديداكتيكي للمعرفة والمنهجية الفلسفية يفترض التفاهم الجيد ما بين التلميذ والأستاذ على مستوى دلالة اللغة. كما أن حاجة التلميذ لنوع من الخطاب الفلسفي المتوازن "والصادق" بأن يكون المدرس أولا ممثلا للقيم الفلسفية على مستوى سلوكاته وتفاعله مع التلاميذ، وذلك في سبيل بناء تمثلات إيجابية ومتوازنة اتجاهه من طرف التلميذ، كون التمثلات كصياغة خاصة من طرف الفرد لمعطيات الواقع تلعب دورا هاما في نشأة علاقة متنافرة أو متناغمة بين شخصين.
ونظرا للدور الذي تلعبه مختلف تلك المعطيات المذكورة، فإن توفرها في إطار العلاقة ما بين التلميذ والمدرس سيؤثر حتما على طبيعة علاقتها بالمعرفة وعلى العلاقة التربوية التي تقوم بينهما، إلا أن ما قد يعرقل توفير هذا الجو هو حضور نوع من التمثلات لدى التلاميذ عن مدرسي مادة الفلسفة، هذه التمثلات التي تبقى جزءا من بنية التمثلات الاجتماعية السائدة داخل المجتمع، مما يضع المدرس أمام رهانين على الأقل؛ الأول يرتبط بتحويل المعرفة الفلسفية (المدرسية) للتلميذ، والثاني يرتبط بالعمل على تصحيح تمثلات التلميذ حول المدرس من جهة، ومن جهة أخرى خلخلة تمثلات التلميذ للمفاهيم الفلسفية المدرجة في المنهاج .
هكذا إذن تبرز أهمية تمثلات التلميذ سواء للمعرفة الفلسفية أو لمدرس مادة الفلسفة، باعتبارها "بارومتر" تتحكم بقدر غير يسير في توجيه طبيعة العلاقة مع الدرس الفلسفي ومع مدرس الفلسفة على وجه الخصوص كونه ممثل السلطة الفلسفية الظاهرة للتلميذ على الأقل.
من هنا تطرح إشكالية المدى أو الحد الذي قد تؤثر به تمثلات التلميذ عن مدرس مادة الفلسفة في تحقيق التوافق الدراسي المنشود. بناء على المعطيات السابقة، وعلى ما تم رصده من ملاحظات ميدانية فإن الصفة التي يحضر بها المدرس يكون لها أثر على طبيعة تعامل التلاميذ داخل الفصل معه وعلى توافقهم الدراسي بصفة عامة.
2- أهمية الدراسة
تكمن أهمية هذه الدراسة في جانبين: الجانب الأول يجد صيغته في الأهمية التي تحتلها التمثلات في بناء الدرس الفلسفي، وذلك من خلال تركيز الوثائق الرسمية على ضرورة "رصد التمثلات الثاوية وراء اللفظ أو المفهوم العام، وإبراز ما تحمله من مفارقات"[1] وأيضا من خلال الدعوة للاشتغال على تمثلات التلميذ عند معالجة مفهوم معين قبل الانتقال إلى الاشتغال الفلسفي عليه، أي أننا في هذه الحالة لا نقوم سوى بخلخلة تمثلات التلميذ حول المفهوم المدروس من أجل بناء تمثل جديد حول نفس المفهوم، لكن مضامين هذا التمثل تحمل دلالات فلسفية أكثر مما كان يحمله تمثله الأول حول هذا المفهوم. إن هذه الفكرة تحمل دلالة أساسية ترتبط بالوعي بأهمية كل التمثلات في بناء المفهوم، ومن ثم إعادة صياغتها بمضمون ومحتوى يعبر عنه بالمضمون الفلسفي، وهو ما يفرض ضرورة الكشف الدقيق عن الجوانب المختلفة التي تتدخل في صياغتها التمثلات داخل الحياة المدرسية برمتها. وقد اخترنا في هذه الدراسة تحليل التمثلات الموجهة لعلاقات التلميذ بالمدرس كعنصر له دور مركزي وحاسم في إنجاح العملية التعليمية التعلمية.
أما الجانب الثاني الذي يبرر أهمية هذه الدراسة فهو ما تطرحه التمثلات لدى كل الأفراد في بناء المعارف وفي إعادة بنائها أو في عرقلة عملية البناء هذه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمدرس مادة الفلسفة الذي قد يصطدم بتمثلات سلبية حوله، فيجد نفسه مطالبا بتصحيح تلك التمثلات وأيضا بتحويل المعرفة للتلميذ، وهي الوضعية الغالبة التي يتموقع داخلها كل مدرس، لأن نجاحه في الحصول على تمثل إيجابي من طرف التلميذ يعني بدرجة أساسية مساهمة ذلك بشكل سلس في مساعدة التلميذ على تحقيق التوافق الدراسي، في حين أن حضور التمثلات السلبية عنه يعرقل عملية تحقيق التوافق الدراسي بالنسبة للتلميذ.
3- مشكلة الدراسة
يمكن لنا صياغة مشكلة هذه الدراسة في التساؤلات التالية:
1) هل هناك فروق على مستوى تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة، وعلى مستوى توافقهم الدراسي؟
1.1) هل هناك فروق على مستوى تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة؟
• هل هناك فروق على مستوى تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة حسب جنسهم (ذكور، إناث)؟
• هل هناك فروق على مستوى تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة حسب شعبهم (أدبي، علمي)؟
• هل هناك فروق على مستوى تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة حسب سنهم؟
2.1) هل هناك فروق ما بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة؟
• هل هناك فروق ما بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة حسب جنسهم (ذكور، إناث)؟
• هل هناك فروق ما بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة حسب شعبهم (أدبي، علمي)؟
• هل هناك فروق ما بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة حسب سنهم؟
2) هل هناك علاقة ارتباط ما بين تمثلات التلاميذ، وما بين توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة؟
4- فرضيات الدراسة
إن مشكلة الدراسة كما تم عرضها آنفا ترتكز على التساؤل عن العلاقة ما بين تمثلات التلميذ عن مدرس مادة الفلسفة وما بين توافقه الدراسي؟ وإذا كانت التمثلات كما اشتغلت عليها مختلف المقاربات النظرية تلعب دورا أساسيا في توجيه سلوك الفرد بل والتحكم فيه في بعض الأحيان، وإذا كانت أيضا تمثلات الفرد لا تخلو من تأثير، إن لم نقل إنها تخضع لتأثير الوسط الاجتماعي الذي يعيش داخله الفرد. فإننا نفترض إجابة عن هذا التساؤل مفادها أن لتمثلات التلميذ عن مدرس مادة الفلسفة دورا أساسيا في تحقيق التوافق الدراسي لديه. وللإجابة عن هذه المشكلة وضعنا فرضية مركزية، ومجموعة من الفرضيات الفرعية وهي على الشكل التالي:
الفرضية الرئيسية: نفترض بان طبيعة تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة تؤثر على توافقهم الدراسي أو في عدم توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة.
الفرضيات الجزئية:
1.توجد فروق بين تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة وما بين توافقهم الدراسي في نفس المادة.
• هناك فروق بين الذكور والإناث فيما يرتبط بتمثلاتهم عن مدرس مادة الفلسفة، وفي توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة
• هناك فروق بين التلاميذ حسب مسالكهم الدراسية (علمي/ أدبي) في تمثلاتهم لمدرس الفلسفة، وفي توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة.
• هناك فروق بين التلاميذ حسب سنهم في تمثلاتهم لمدرس الفلسفة، وفي توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة.
2.هناك علاقة ارتباط ما بين تمثلات التلاميذ لمدرس مادة الفلسفة، وبين توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة.
5- الخطوات المنهجية للدراسة
سنعمل في هذه المرحلة على تحديد المفاهيم المعتمدة في الدراسة تحديدا إجرائيا، بالإضافة للإشارة إلى بعض الجوانب النظرية التي تتقاطع مع طبيعة استعمالنا للمفهوم، كما نقوم بتحديد أدوات الدراسة ومراحل إنجازها، ثم في الأخير تحديد عينة الدراسة ومختلف خصائصها، خصوصا تلك الخصائص التي لها علاقة بمتغيرات الدراسة.
أ- التحديد الإجرائي لمفاهيم الدراسة
قمنا باستخدام أربعة مفاهيم مركزية في هذه الدراسة، بكونها تعبر عن المدخل الأساسي لفهم الموضوع المعالج. وتتعلق هذه المفاهيم بمفهوم التمثلات والتوافق الدراسي، ثم التلميذ والمدرس. فما القصد من كل مفهوم من هاته المفاهيم؟
• مفهوم التمثلات
يمكن تلخيص أهم خصائص التمثلات من خلال ثلاثة جوانب رئيسية، يرتبط الجانب الأول منها بما هو سوسيولوجي من خلال التمثلات الجمعية كما حددها (اميل دوركايم)[2]، في مقابل التمثلات الفردية التي تتخذ طابعا فرديا يجعل الفرد هو المسؤول عن تشكلها، ذلك أنها تشير في هذه الحالة إلى مجموعة من الأفكار والمعارف والمضامين حول موضوع من المواضيع. أما الجانب الثالث لمفهوم التمثلات فيرتبط بتحديد علم النفس المعرفي لها، بكون التمثل عبارة عن عملية إعادة إنتاج للمعارف والمعطيات، شأنه في ذلك شأن باقي المليات المعرفية الأخرى كالإدراك والانتباه وغيرهما.
ونتبى في هذه الدراسة تحديدا للتمثلات يعتبرها مضامين ومحتويات معرفية، فهي مختلف الأفكار والانطباعات والتصورات العامة أو الخاصة حول الخصائص النفسية والجسمية والتفاعلية والمعرفية التي يتبناها التلميذ، أو يعتقد بأنها صفات أو سمات تميز مدرس مادة الفلسفة عن غيره من المدرسين .
• التوافق الدراسي
نقصد بالتوافق الدراسي في هذا البحث قدرة التلميذ على الانضباط لمختلف المعايير النموذجية التي يجب أن تسود داخل الفصل وفي محيطه، وهي محددة في إطار علاقة التلاميذ بزملائهم سواء في القسم أو في المؤسسة ومحيطها، وعلاقتهم بالمدرس ومدى احترامهم للعلاقة القائمة بينهم، ثم علاقتهم بالمعرفة ومدى توافقهم معها .
• التلميذ
يعرف [3]Paul Foulquieالتلميذ باعتباره ذلك الذي يتلقى الدروس من المعلم، أو ذلك الذي يتابع دروسه في مؤسسة تكوينية معينة، ويبقى هذا التحديد مرتبطا بالتصور التقليدي للتلميذ الذي يعطي الأهمية للحفظ والتخزين، ولا ينظر للتلميذ بالتالي باعتباره فاعلا في محيطه، بل ينظر إليه كمتلق سلبي للمعطيات والمعرفة عموما، ويمكن القول بأن هذا التصور تبلور بالأساس مع البيداغوجيا التقليدية التي تعطي أهمية قصوى للمحتوى، ومع ظهور مقاربة جديدة في البيداغوجيا تتمثل في بيداغوجيا الكفايات فقد تغير هذا التصور السلبي للتلميذ، فأصبح ينظر إليه باعتباره فاعلا في المحيط وقادرا على تغييره أو على الأقل التفاعل معه .
ونقصد بالتلميذ في هذا البحث كل فرد يتابع دراسته بالجذع المشترك من التعليم الثانوي التأهيلي ويتابع دروسه في مادة الفلسفة .
• المدرس
يعرف بول فولكي المدرس باعتباره ذلك الذي يحكم عادة لأنه يمتلك المعرفة أو ذلك الذي يلقن. من خلال هذا التعريف يبرز التصور التقليدي للمدرس باعتباره مالكا للسلطة المعرفية والرمزية داخل القسم، وسيعرف هذا التحديد تحولا في البيداغوجيا المعاصرة مع تبلور تصور جديد ينبني على فاعلية التلميذ وهو ما نتج عنه خروج عن المركزية المعطاة للمدرس، فيصبح دوره بالتالي هو تنشيط وتفعيل العملية التعليمية وليس التحكم فيها وفي التلميذ وبلورتها حسب تصوراته فقط، وإنما بحسب حاجيات التلميذ أيضا.
ب- أدوات الدراسة
- استبيان قياس تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة
يضم هذا الاستبيان ثلاثة أبعاد مرتبطة بمدرس مادة الفلسفة، وبناء على هذه الأبعاد تم تحديد تمثلات التلاميذ لمدرس الفلسفة؛ وهذه الأبعاد هي البعد المعرفي والبعد التفاعلي ثم البعد السلوكي. وقد حددنا مجموعة من العبارات الدالة على أحد هذه الأبعاد، والتي استقينا بعضها من دراسات سابقة حول نفس الموضوع، إضافة إلى تحديدنا لغالبية هذه العبارات انطلاقا من احتكاكنا بالتلاميذ ومن مطالعاتنا النظرية حول الموضوع. وفي مرحلة ثانية قمنا بدراسة استطلاعية لعينة من التلاميذ كان الهدف منها معرفة العبارات التي وجد التلاميذ صعوبة في فهم معناها، ولحذف العبارات الأكثر غموضا بهدف الحفاظ على ملائمة الأداة بتحقيق وضوح عباراتها وملائمة عددها بحيث حددنا عدد عبارات الاستبيان النهائية في 30 عبارة.
تم وضع ثلاث اختيارات للإجابة على فقرات الاستبيان هي (دائما، أحيانا، أبدا). وعند تصحيح الاستبيان أعطيت الدرجات (3، 2، 1) للفقرات الايجابية وبالعكس الفقرات السلبية (1، 2، 3).
أما كيفية حساب درجة تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة فيكون من خلال جمع درجات فقرات الاستبيان بأكملها لتمثل الدرجة الكلية حيث كلما كانت الدرجة الكلية مرتفعة كان ذلك مؤشرا على أن لدى المبحوث تمثلات ايجابية لمدرس مادة الفلسفة، أما إذا كانت الدرجة الكلية ضعيفة فإن ذلك يدل على أن للمبحوث تمثلات سلبية عن مدرس مادة الفلسفة.
وتتراوح درجات الاستبيان في صورته النهائية ما بين (90) كأعلى درجة، و (30) كأدنى درجة، وبمتوسط مقداره (60) درجة، والذي يمثل المتوسط الفرضي لدرجات الاستبيان، فإذا حصل المبحوث على درجة أعلى من المتوسط يدل ذلك على أن لديه تمثلات ايجابية عن مدرس مادة الفلسفة، أما إذا حصل على درجة أقل من المتوسط فإن ذلك يدل على أن لديه تمثلات سلبية عن مدرس مادة الفلسفة، وتعتبر العبارات رقم (10، 22) عبارات سلبية، في حين أن باقي عبارات الاستبيان هي عبارات إيجابية.
- مقياس التوافق الدراسي
يتمحور موضوع هذا الاختبار حول التوافق الدراسي لدى التلاميذ للدكتور (حسين عبدالعزيز الدريني)[4]، ويسعى لقياس درجة هذا التوافق من خلال الدراسة أو الاحاطة بمجموعة من أبعاده المتمثلة في:
• علاقة التلميذ بالمدرس
• علاقة التلميذ بالمحيط أو الفضاء الدراسي
• علاقة التلميذ بزملائه.
تتضمن هذه الأبعاد 32 عبارة تم تعديلها من حيث إعادة صياغة بعض العبارات لغة وتركيبا، كما تمت كذلك إعادة صياغة تعليمات الاختبار وحذف غير المناسب منها وتعويضها بأخرى. ومن أجل تحديد ثبات هذا المقياس تم اعتماد طريقة التجزئة النصفية بتقسيم بنود الاختبار إلى قسمين حيث أن العبارات ذات الأعداد الفردية (1، 3، 5 ...29، 31 ) شكلت الجزء الأول في حين أن العبارات ذات الأعداد الزوجية (2، 4، 6 ...30، 32 ) شكلت الجزء الثاني للمقياس.
بعد إدخال البيانات في البرنامج الاحصائي SPSS تم الحصول على معامل ارتباط بين نصفي المقياس يساوي 0.63 وهو دال عند الدرجة 0.5، ما يمكننا من الاعتماد على هذا المقياس باعتباره يقيس ما أعد لقياسه ويلائم طبيعة العينة المستهدفة.
• تصحيح بنود المقياس
تم وضع اختيارين للإجابة على عبارات المقياس وهما (نعم، لا). وعند تصحيح المقياس أعطيت الدرجات (2، 1) للفقرات الايجابية وبالعكس الفقرات السلبية (1، 2).
أما كيفية حساب درجة التوافق الدراسي فيكون من خلال جمع درجات فقرات المقياس بأكملها لتمثل الدرجة الكلية، وكلما كانت الدرجة الكلية مرتفعة كان ذلك مؤشرا على أن للمبحوث توافقا دراسيا جيدا، أما إذا كانت الدرجة الكلية ضعيفة فإن ذلك يدل على أن للمبحوث توافقا دراسيا سيئا.
تتراوح درجات المقياس في صورته النهائية ما بين (64) كأعلى درجة و(32) كأدنى درجة، وبمتوسط مقداره (48) درجة، والذي يمثل المتوسط الفرضي لدرجات الاستبيان، فإذا حصل المبحوث على درجة أعلى من المتوسط دل ذلك على أن لديه توافقا دراسيا جيدا، أما إذا حصل المبحوث على درجة أقل من المتوسط فإن ذلك يدل على أن لديه توافقا دراسيا سيئا، والجدول التالي يوضح الفقرات ذات المضمون الإيجابي والسلبي للمقياس.
ت- عينة الدراسة، وخصائصها
تتشكل عينة الدراسة التي يتم الاشتغال عليها من فئة ممثلة للمجتمع الأصلي وتتكون من مجموعة من التلاميذ الذكور والإناث الذين يتابعون دراستهم بمختلف مستويات التعليم الثانوي التأهيلي بشعبه المتنوعة، كما أنهم يدرسون مادة الفلسفة. وتتحدد الخصائص الإحصائية للعينة كالتالي:
- الجنس: تساوي عدد الإناث وعدد الذكور، حيث تمثل كل فئة 50% من أفراد العينة.
- السن: يتراوح سن أفراد العينة ما بين 14 و 17 سنة، حيث أن متوسط السن في العينة هو 15.70 سنة، ويمثل التلاميذ الذين يبلغ سنهم 16 سنة نسبة %46.7 وهي أعلى نسبة، في حين أن التلاميذ الذين يبلغ سنهم 14 سنة يمثلون 10% من أفراد العينة، وتتوزع النسب المتبقية (%26.7 و 16.7%) على التلاميذ الذين يتراوح سنهم على التوالي (17 و 15) سنة.
نلاحظ من خلال متوسط أفراد العينة الذي يساوي 15.70 سنة أنهم يعيشون مرحلة المراهقة بكل ما تحمله من دلالات ومعاني بالنسبة إليهم، سواء في علاقتهم مع ذواتهم أو مع الآخرين. وهو ما سيفيدنا في تحليل وتفسير الكثير من المعطيات الواردة في الدراسة.
- الشعبة (المسلك الدراسي): تبلغ نسبة التلاميذ من أفراد العينة الذين يتابعون دراستهم بالشعبة الأدبية 60%، في حين أن التلاميذ الذين يتابعون دراستهم بالشعب العلمية تبلغ نسبتهم %40 من مجموع عدد أفراد العينة.
6- تحليل ومناقشة نتائج الدراسة
يرتكز محور الاشتغال لدينا حول مدى وجود علاقة ارتباط بين تمثلات التلاميذ لمدرس مادة الفلسفة وما بين توافقهم الدراسي، كما يقارب هذا البحث أيضا الفروق الممكن تواجدها على مستوى تمثلات التلاميذ لمدرس مادة الفلسفة من جهة، ومن جهة أخرى على مستوى توافقهم الدراسي وقد ربطنا هذه الفروق بمتغيرات الجنس والشعبة والسن حيث افترضنا للإجابة عن هذه المشكلة بأن هناك فروقا في تمثلات التلاميذ وفي توافقهم الدراسي، وأن هناك أيضا علاقة ارتباط فيما بين تمثلاتهم وتوافقهم الدراسي. ومن أجل التأكد إجرائيا من هذه الفرضيات اشتغلنا على عينة من ممثلة تتنوع خصائصها على مستوى متغيرات الجنس والسن والشعبة.
إن تحليلنا للنتائج المحصل عليها سيكون عن طريق دمج الفرضيات الرئيسية ضمن ثلاثة محاور اساسية:
- تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة
- التوافق الدراسي لدى التلاميذ في مادة الفسلفة
- تأثير تمثلات التلاميذ على توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة
كما تجدر الإشارة إلى أن منهجية مناقشتنا للنتائج تنبني على مدخلين أساسيين؛ يرتبط المدخل الأول بالأساس الاختباري الذي اعتمدناه والمتمثل في "وسائل البحث المعدة لدراسة الظاهرة ميدانيا"[5] ، وأما المدخل الثاني فإنه سيرتكز بالإضافة إلى تحليلات وتصورات الدراسات السابقة في الموضوع على تصورنا حول الظاهرة وما يساهم في تشكيلها من متغيرات سوسيولوجية مرتبطة بالتصور العام للمجتمع المغربي حول الفلسفة وحول كل ما يحيط بها، أو متغيرات سيكولوجية ترتبط أساسا بعملية تشكل الأطر المعرفية حول مختلف المواضيع التي يتفاعل التلاميذ معها، خصوصا وأن عينة بحثنا تنتمي لفئة المراهقين حيث متوسط السن فيها هو 15.75 سنة.
1.6- تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة
يلزم التأكيد على أن نسبة %60 من التلاميذ عبروا عن تمثلات إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة وهو ما يخلخل لدينا التصور السائد بكون تصورات التلاميذ تنحى في مجملها إلى تبني تمثلات سلبية عن مدرس مادة الفلسفة، لكن يمكننا فهم هذا المعطى على ضوء متغير أساسي وهو زمن تطبيقنا لأدوات البحث في آخر السنة الدراسية، بمعنى أن التلاميذ قد احتكوا لفترة لا بأس بها بمدرسهم في مادة الفلسفة وبالمادة نفسها وتعرفوا بالتالي على بعض خصائصها التي تكذب ما قد يكون التلاميذ قد تبنوه انطلاقا من تمثلات سابقة حول المادة والمشتغلين بها.
يتضح من خلال النتائج أن هناك فروقا في تمثلات التلاميذ لمدرس مادة الفلسفة على مستوى مختلف المتغيرات التي اشتغلنا عليها، وتتأكد هذه الفروق بشكل واضح على مستوى متغير الجنس الذي عبر فيه 80% من التلاميذ الذكور عن تمثلات إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة، في حين لم تتجاوز نسبة التلميذات اللاتي عبرن عن تمثلات إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة بنسبة 40%، حيث ان قيمة t=2.36 وهي دالة عند 0.01 . وتتأكد هذه الفرضية كذلك من خلال بروز الفروق على مستوى الشعب التي ينتمي إليها التلاميذ، فإذا كانت نسبة التلاميذ في الشعبة الأدبية قد عبروا عن توازن على مستوى تمثلاتهم بنسبة 50% لكل جانب (سلبي-إيجابي) فإننا نجد لدى تلاميذ الشعبة العلمية ميلا نحو تبني تمثلات إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة حيث عبر 75% منهم عن هذه التمثلات، وتساوي قيمة t=1.36 وهي دالة عند 0.1. لكن السؤال الذي يطرح في هذا الجانب هو ما الذي يجعل تمثلات تلاميذ الشعبة الأدبية أكثر سلبية من تلاميذ الشعبة العلمية؟ والحال أنهم الأكثر ارتباطا بمادة الفلسفة وبمدرسها خصوصا في السنتين القادمتين من سلك الباكالوريا من خلال أهمية معاملها في احتساب معدلات النجاح. وما المبرر الذي يجعل التلميذات يتبنين تمثلات سلبية لمدرس مادة الفلسفة أكثر من الذكور؟ وكيف يمكننا فهم وتفسير كون التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 16 و17 سنة بأن تمثلاتهم أكثر إيجابية من التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 14 و15 سنة؟
قبل الشروع في تفسير ومناقشة هذه الفروق على مستوى مختلف المتغيرات (الجنس، الشعبة، السن) يلزم التذكير على أن طريقة بناء الاستبيان الذي اعتمدناه في تحديد تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة يضم ثلاثة محاور أساسية والتي ستظهر لنا أهميتها في عملية التفسير، ويرتبط الجانب الأول بتمثلات التلاميذ للبعد المعرفي لدى مدرس مادة الفلسفة والبعد الثاني يرتبط بتمثلاتهم للبعد العلائقي والانفعالي لمدرس مادة الفلسفة، في حين أن البعد الثالث يتعلق بتمثلاتهم للبعد السلوكي لمدرس مادة الفلسفة. كما أننا نشير إلى كون طبيعة العينة التي نشتغل عليها تعيش مرحلة المراهقة بكل ما ينتج عنها من متغيرات مختلفة حسب كل جنس وحسب الخبرات الفردية لكل شخص (متغيري الجنس والسن)، وأيضا حسب المسار الدراسي (أدبي- علمي) الذي يتبعه كل تلميذ، رغم أن تأثيرات هذا الجانب لا تكون ظاهرة على مستوى البناء المعرفي للتلاميذ لأنهم يتوفرون على نفس الحمولة المعرفية في السنة الثالثة من التعليم الثانوي الاعدادي، بل إن ما يؤثر في التلميذ حسب هذا المتغير هو طبيعة التصور الذي استدمجه حول ذاته لأنه يعيش هوية جديدة بكونه تلميذ ذو توجه أدبي أو علمي بكل ما ينتج ذلك من إعلاء "لشأنه" وإنقاص لشأن الآخرين حسب مساره الدراسي.
- التمثلات، ومتغير الجنس
بعودتنا للتساؤلات السابقة حول ما الذي يجعل تمثلات التلميذات أكثر سلبية لمدرس مادة الفلسفة من التلاميذ الذكور؟ نحيل هنا إلى أهمية جنس المدرسين الذي اقتصرنا فيه على المدرسين الذكور وما يمكن أن يلعبه ذلك من تأثير على التمثلات، بحيث أن عملية بناء تمثل حول مدرس ذكر بالنسبة للتلميذة سيتأثر باتجاهها نحو الجنس الآخر عموما وطبيعة العلاقة التي تقيمها معه. فإذا كانت تمثلات التلميذات إيجابية للبعد المعرفي لمدرس مادة الفلسفة فإننا نلاحظ بالمقابل أن هناك تمثلات سلبية للبعدين السلوكي والانفعالي، الشيء الذي يدفعهن للاعتقاد بأهمية المضمون المعرفي لمادة الفلسفة وقدرة المدرسين على التحكم المعرفي والمنهجي فيها، خصوصا وأن الأساتذة الذين ينتمون لعينة الدراسة يتوفرون على تجربة كبيرة في التدريس تتراوح ما بين 28 و 30 سنة، إلا أن تمثلاتهن للجانب الانفعالي والسلوكي تبقى سلبية وهو ما لا يمكن فهمه إلا في إطار المرحلة التي تعيشها التلميذات، خصوصا وأن مدرسي مادة الفلسفة يتميزون بتفهمهم لتلاميذهم وتلميذاتهم عموما. فالتغيرات النفسية والفسيولوجية التي تعيشها الأنثى لا يمكن بأي حال أن تكون موضوعا مشتركا مع مدرس ذكر، وبذلك فحتى إن تبنى المدرس صيغة تفاعلية منفتحة مع التلميذات فلن تكون هناك استجابة من طرفهن على اعتبار حاجز الاختلاف الجنسي وعلى اعتبار أن التلميذات يعشن تلك التغيرات للمرة الأولى في حياتهن، رغم أن هذه التغيرات تبقى في حد ذاتها غير كافية بالنظر لعدم حضور مدرسة أنثى في عينة البحث لنعرف طبيعة تمثلات التلميذات حولها. من هنا نطرح سؤالا جوهريا حول درجة تأثير جنس المدرس في تمثلات التلاميذ للمدرس عموما، ولمدرس مادة الفلسفة على وجه الخصوص؟
تؤثر طبيعة التمثلات حول البعد التفاعلي والعلائقي لمدرس مادة الفلسفة على تمثلهن للبعد السلوكي حيث ستصبح طبيعة ذلك التمثل عائقا أمام ترجمته إلى سلوكات، ففي حالة تعامل المدرس من الناحية السلوكية مع التلميذات بانفتاح فإن الهاجس التفاعلي يبقى حاضرا لديهن وهو ما يؤثر على طبيعة التمثل العام الذي يوجه علاقتهن بالمدر.
أما بالنسبة للتلاميذ الذكور فيمكن فهم تمثلاتهم الايجابية لمدرس مادة الفلسفة على ضوء فهمنا السابق لتمثلات التلميذات، فإذا كان جنس الأنثى يلعب دور العائق خصوصا وأنهن يعشن مرحلة المراهقة بمختلف تغيراتها، فإن التلاميذ لا يكون لديهم هذا الهاجس بل يكونون أكثر تحررا، وبالتالي فأي تعامل منفتح للمدرس معهم يجد استجابة مباشرة من طرف التلميذ، فإذا ما قارنا تمثلات التلاميذ للأبعاد الثلاثة المحددة نجدهم عكس التلميذات يتوفرون على تمثلات إيجابية للبعدين التفاعلي والسلوكي، في حين لديهم تمثلات وإن كانت إيجابية للبعد المعرفي لمدرس مادة الفلسفة إلا أنها تبقى أقل من التلميذات، وذلك لأن أي مبادرة تفاعلية للمدرس يتعامل معها التلميذ بأريحية بكونه في حاجة للتواصل ولتأكيد الذات خصوصا وأن المدرس من نفس الجنس وهو ما يؤثر على طبيعة السلوك الذي ينشأ بين المدرس والتلميذ وعلى طبيعة تمثل البعد المعرفي لأن تركيز التلميذ على علاقته بالمدرس يكون على الجوانب العلائقية والسلوكية أكثر، في حين أن التلميذات يضعف لديهن هذا الاهتمام وهو ما يجعل تركيزهن يقتصر على الجوانب المعرفية لمدرس مادة الفلسفة، بحيث نجد نسبة الذكور المتوافقين دراسيا تصل إلى 90% في حين أن نسبة التلميذات المتوافقات دراسيا تبقى في حدود 80%. فرغم أهمية هذه النسبة إلا أن تأثير تمثلاتهن على الجوانب التفاعلية والسلوكية تظهر دلالتها هنا، ورغم تمثلاتهن الايجابية لمدرس مادة الفلسفة وهو ما يفترض اهتماما أكثر بالمادة إلا أننا لا نجد ذلك ظاهرا على مستوى توافقهن الدراسي. في حين أن التلاميذ الذكور وعلى الرغم من أن تمثلاتهم الايجابية للجانب المعرفي أقل من الاناث إلا أنهم أكثر توافقا منهن، وذلك بالنظر لكونهم (التلاميذ) يعيشون حالة من الراحة النفسية في علاقتهم مع المدرس وهو ما قد يؤثر في خلق بياضات زمنية وتواصلية في علاقة المدرس بالتلميذات، وبالتالي التأثير على اهتمامهن المعرفي الذي يؤثر بدوره على توافقهن الدراسي. من هنا يظهر أن الأساس الذي ينشا عنه التوافق الدراسي لا يرتبط بالتفوق المعرفي للمدرس فقط، بل إنه يرتبط أكثر بمدى تفوق المدرس في الجوانب التفاعلية والسلوكية نحو تلاميذه. إن هذه النتيجة تحيلنا مباشرة إلى دعوات البيداغوجيا الحديثة المرتكزة على استهداف "تنمية شخصيات المتعلم وتطوير قدراتهم الابداعية التي تؤهلهم للمساهمة بفعالية في تنمية وتقدم مجتمعاتهم"[6] ، ولن يتم ذلك إلا باعتماد آليات تفاعلية وتواصلية أكثر انفتاحا على التلميذ وابتعادا عن انغلاقية المدرس حول معارفه الخاصة.
- التمثلات ومتغير الشعبة- المسلك الدراسي
إضافة إلى وجود فروق بين التلاميذ في تمثلاتهم لمدرس مادة الفلسفة حسب الجنس، فإننا نجد فروقا أيضا على مستوى تمثلاتهم مقارنة بالشعبة التي ينتمون إليها، فإذا كان تلاميذ الشعبة الأدبية قد عبروا عن تمثلات متكافئة حيث أن 50% منهم تمثلاتهم إيجابية لمدرس مادة الفلسفة في حين أن 50% منهم لديهم تمثلات سلبية، فإن تلاميذ الشعبة العلمية قد عبرت نسبة 75% منهم عن تمثلات إيجابية لمدرس مادة الفلسفة. إن هذه النتيجة يمكن فهمها بكونها تعبير عن تناقض في مستوى اختيارات التلاميذ، لكننا إذا ما ربطناها بواقع الممارسة وأيضا بطبيعة المواد التي يدرسها تلاميذ كل شعبة فإننا قد نجد ما يبررها، وننطلق هنا من التأكيد على أن أغلب المواد التي يدرسها تلاميذ الشعب العلمية تؤثر على طبيعة التفاعل وأيضا على مستوى لغة التواصل التي لا تخرج عن نطاق اللغة الرمزية، وما تتسم به من طابع جاف لا يعطي الفرصة للتلاميذ من أجل التعبير عن خصوصيات تفكيرهم وآرائهم. لأن المعادلة في الرياضيات مثلا ليس لها سوى حل واحد صحيح، إما يقترحه أحد التلاميذ أو يقدمه المدرس، فلا مجال هنا إذن للرأي الذي يمكن مناقشته. إن هذا الوضع لا يترك مجالا للتواصل الإنساني بين التلاميذ وذواتهم من جهة وبينهم كخلية من جهة ثانية، وبينهم وبين المدرس من جهة ثالثة، وذلك بالنظر لفضاء التواصل المحدود الذي تفرضه طبيعة الشعبة العلمية. في حين أن مادة الفلسفة، ودون الاغراق في المدح بكونها متميزة عن المواد الأخرى، إلا أنها وكما يتضح من خلال الدروس التي تتناولها وأيضا من خلال طبيعة الممارسة تلتزم بتقديم فرصة للتلميذ من أجل التعبير عن رأيه واقتراح "حقيقته"، إنها بهذا المعنى المجال الحر الذي يخرجه مما ألحقناه من أوصاف وخصائص تميز الشعبة العلمية من قبل.
بذلك تكون تمثلات التلاميذ الايجابية في الشعبة العلمية نوعا من التعبير عن مقارنة بين فضائين تواصليين، فإن كانت تمثلاتهم سلبية للبعد المعرفي لمدرس مادة الفلسفة بكونه يقدم آراء معرفية فقط، عكس ما يدرسونه من حقائق علمية في موادهم الأساسية (الفيزياء، الرياضيات...) والتي اختاروها عن كفاءة وقناعة، فإن ما يبرر تمثلهم الايجابي هو البعد العلائقي والسلوكي لمدرس مادة الفلسفة كونه أكثر انفتاحا وأكثر ضمانا لحرية الرأي بالنسبة للتلميذ، خصوصا إذا ما ربطنا ذلك بحاجة التلميذ إلى تعزيز تصوره حول ذاته من خلال ما يقترحه من أفكار.
إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لتلاميذ الشعبة العلمية فما الذي يجعل تلاميذ الشعبة الأدبية أكثر سلبية في تمثلاتهم لمدرس مادة الفلسفة بالرغم من أن نصفهم لديهم تمثلات إيجابية نحوه؟ وهل معنى ذلك أن تلاميذ الشعبة الأدبية ليسوا في حاجة لتعامل المدرس وسلوكه وأنهم لا يعتبرونه كفئا من الناحية المعرفية؟
إذا ما اعتمدنا نفس مدخل الفهم والتفسير السابق المرتبط بان تلاميذ الشعبة العلمية هم في حاجة أكثر لفضاء تواصلي منفتح، فإن ذلك يعني أن تلاميذ الشعبة الادبية ليسوا في حاجة لذلك بالنظر للنسبة المهمة للتمثلات السلبية المعبر عنها، أي أنهم يجدون فضاءات أخرى يعبرون فيها عن ذواتهم وأفكارهم كمادة اللغة العربية والاجتماعيات... ومعنى ذلك أن فضاء النقاش في هذه المواد يكون أكثر رحابة، وبالتالي فتشكل تمثلاتهم سينبني على مقارنة مدرس مادة الفلسفة بباقي مدرسي المواد الأخرى، أي أن المقارنة هنا ستكون بين الأشخاص ومقوماتهم الذاتية بدرجة أولى، عكس تلاميذ الشعبة العلمية الذين تنبني مقارناتهم على المقارنة بين الفضاءات وخصائصها وبين الأشخاص بدرجة ثانية. فعند مقارنة مدرس مادة الفلسفة مع مدرس مادة علمية معينة سيكون التفوق على المستوى التواصلي لمدرس مادة الفلسفة بالنظر لطبيعة المجال والمادة التي تساهم في ذلك، لكن هذا التفوق كما اقترحناه لا يرتبط أبدا بخصائص ذاتية للمدرس (مدرس مادة الفلسفة، مدرس مادة علمية) بل يرتبط أكثر بالشروط الموضوعية التي يشتغل وينشغل بها كل طرف.
- التمثلات ومتغير السن
وفي المستوى الثالث المرتبط بالفروق في تمثلات التلاميذ حسب سنهم فإننا نجد فروقا واضحة على هذا المستوى، فإذا كان التلاميذ الذين يترواح سنهم ما بين 16 و 17 سنة قد عبروا عن تمثلات إيجابية أكثر لمدرس مادة الفلسفة بنسبة 70% منهم، فإننا نجد هذه النسبة لدى التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 14 و 15 سنة لا تتعدى 45% بحيث قيمة t=1.22 وهي دالة عند 0.1 . ونستطيع فهم هذا المعطى انطلاقا من جانبين؛ الجانب الأول يرتبط بالخبرات التي يتوفر عليها التلاميذ الأكبر سنا في علاقتهم بالغير عموما، والجانب الثاني يحيلنا إلى أن التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 16 و 17 سنة قد درسوا سابقا مادة الفلسفة وبالتالي فإن لديهم معرفة سابقة بالمادة وبمدرسها. فالتلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 16 و17 من المفترض أن يكونوا في السنة الأولى باكالوريا على الأقل، وبذلك فإن الفترة التي من المفترض أن التلاميذ قضوها في المؤسسة ساهمت في التأثير على تمثلاتهم نحو مدرس مادة الفلسفة، وبذلك أصبح للخبرات التي اكتسبوها دورا أساسيا في هذا الجانب، عكس التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 14 و 15 سنة والذين يتواجدون في مرحلة لم يكتسبوا فيها بعد تصورا مسبقا قد يغير من تمثلاتهم حول مدرس مادة الفلسفة، وبذلك فعلى مستوى متغير السن فإن الاختلافات والتمايزات الفردية المرتبطة بكل فئة يكون لها دور حاسم ومهم في توجيه طبيعة تمثلاتهم لمدرس مادة الفلسفة، كما يمكن القول أن تمثلات التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 14 و 15 سنة ما زالت تعتبر في جانب كبير منها استمرارا للتمثلات السائدة داخل المجتمع، في حين أن تمثلات التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 16 و 17 سنة تنم عن تصور موضوعي، إلى حد ما، من خلال المعايشة المباشرة لمدرس مادة الفلسفة والاحتكاك بالموضوعات التي تدرسها الفلسفة.
خاتمة
هكذا إذن تتأكد فرضيتنا التي مفادها أن هناك فروقا في تمثلات التلاميذ على مستوى جميع المتغيرات (السن، الجنس، الشعبة ). حيث أن هذه المتغيرات، إضافة لأخرى، تلعب دورا توجيهيا لتمثلات التلاميذ حول مدرس مادة الفلسفة، ويمكن اختزال أهم الأسباب التي تساهم في بناء تمثلات سلبية لمدرس مادة الفلسفة انطلاقا من مناقشتنا السابقة في:
• فيما يرتبط بمتغير الجنس لدى التلاميذ فإن أهمية جنس المدرس يلعب دورا أساسيا كون التلميذات لديهن تمثلات سلبية مقارنة بالذكور عن مدرس مادة الفلسفة، وهو ما يلزمنا بإنجاز دراسة للتأكد من طبيعة تمثلات التلميذات لمدرسة مادة الفلسفة وبالتالي الحسم في هل لجنس المدرس (ذكر، أنثى) دور في التأثير على تمثلات التلاميذ؟
• فيما يتعلق بمتغير الشعبة التي ينتمي إليها التلميذ فإن طبيعة المناخ الدراسي والتواصلي والعلائقي الذي يخلق أثناء تدريس المواد يكون له تأثير حاسم في تمثلات التلاميذ لمدرس مادة الفلسفة.
• أما متغير السن فيلعب دورا مهما من ناحية توفر التلاميذ على خبرات سابقة مع الفلسفة ومع مدرسها، وهو ما يعطي الفرصة لإعادة صياغة التمثلات الاجتماعية السائدة في المجتمع حول الفلسفة والموسومة غالبا بطابع سلبي.
2.6- التوافق الدراسي لدى التلاميذ في مادة الفلسفة
هدفنا في هذا المحور هو مناقشة جوانب الفرضية الثانية القائمة على أن هناك فروقا بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي حسب متغيرات (السن، الجنس، الشعبة) ويبرز من خلال النتائج أن هناك فروقا بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي في مادة الفلسفة، ويظهر ذلك جليا على مستوى تأثير متغيري السن والشعبة. لكن قبل التفصيل في تأثير كل متغير حدة نشير هنا إلى أن نسبة كبيرة من التلاميذ بلغت 86.7% من أفراد العينة عبروا على أنهم متوافقين دراسيا في مادة الفلسفة. وهذا المعطى يمكن فهمه انطلاقا من النسبة المهمة من التلاميذ التي وصلت إلى 60% والذين عبروا عن تمثلات إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة، وبذلك فتمثلات التلاميذ ساهمت في تحقيق التوافق الدراسي في المادة خصوصا وأننا حددنا التوافق الدراسي انطلاقا من ضوابط موضوعية أكثر منها ضوابط ترتبط بالمعدل المحصل عليه من طرف التلميذ، حيث أن المقياس الذي تم اعتماده يحدد توافق التلميذ الدراسي من عدمه في إطار علاقته بالمدرس وزملائه التلاميذ إضافة إلى علاقته بالمحيط وبالمؤسسة، كما أن الضوابط التي تفرضها المؤسسة ونظامها يساهم في تحقيق التوافق الدراسي.
- التوافق الدراسي حسب متغير الشعبة- المسلك الدراسي
نلاحظ اختلافا كبيرا بين تلاميذ الشعبتين، فإذا كانت نسبة تلاميذ الشعبة العلمية الذين عبروا عن كونهم متوافقين دراسيا قد بلغت 100% بمعنى أن جميع التلاميذ متوافقين دراسيا، فإن هذه النسبة لدى تلاميذ الشعبة الأدبية استقرت في حدود 22% فقط وهي نسبة جد ضعيفة. كما أن قيمة t=1.78 وهي دالة عند 0.01، وإذا كنا قد أرجعنا تمثلاتهم السلبية عن مدرس مادة الفلسفة إلى بعض العوامل المرتبطة بطبيعة تخصصهم، فكيف يمكننا فهم هذه النسبة من التلاميذ غير المتوافقين دراسيا في الشعبة الأدبية والتي تبلغ 78%؟ وهل يمكن أن نقتنع بأن طبيعة تمثلات التلاميذ السلبية كافية وحدها لتوجيه توافقهم الدراسي، أم إن هناك عوامل أخرى تتعدى ذلك إلى علاقة تلاميذ الشعبة الأدبية بزملائهم وبالمؤسسة وبالمحيط؟
يمكن فهم نتائج الفروق في التوافق الدراسي بين التلاميذ حسب متغير الشعبة انطلاقا مما قدمناه في المحور السابق على مستوى الجوانب المساهمة في بناء تمثلاتهم حول مدرس مادة الفلسفة؛ فإذا كانوا يعتبرون حصة مادة الفلسفة فضاء للحوار والتواصل أكثر انفتاحا من حصص المواد العلمية التي تطغى فيها اللغة الرمزية الصارمة المعبرة عن الحقيقة وليس عن الرأي، إضافة إلى أنه من خلال هذه الحصة يسعون لتحقيق حاجياتهم التفاعلية من خلال ما يتوفر لهم من هامش للحرية، وبذلك فتركيزهم سيكون على أساس بناء وتطوير علاقاتهم بمدرس مادة الفلسفة لأنه يمثل في اعتقادهم السبب الرئيسي في خروجهم من المجال الصارم للتدريس الذي يعيشونه يوميا في المؤسسة، وهو ما يؤثر على طبيعة علاقتهم ببعضهم وعلاقتهم بالمؤسسة ومحيطها عموما. إلا أن المفارقة التي تصعب الاجابة عنها وتمثلها في إطارها المنطقي هي كون 78% من تلاميذ الشعبة الأدبية عبروا على أنهم غير متوافقين دراسيا، بمعنى أن علاقاتهم بالمدرس يطبعها التشنج والصراع. إن هذا الوضع يمكن تفهمه على ضوء تمثلاتهم السلبية عن مدرس مادة الفلسفة بحيث أن هذه التمثلات توجه سلوكهم نحوه، لكن لا يمكن أن نعتبر أن هذه التمثلات توجه أيضا سلوكهم بين بعضهم البعض وبينهم وبين المؤسسة، إلا إذا اعتبرنا بأن تلاميذ الشعبة الأدبية ينحون نحو السلبية كنمط عيش في الفضاء المدرسي، خصوصا وأن التمثلات الاجتماعية للشعبة الأدبية تتميز بنوع من الاحتقار والسلبية[7] نظرا لربطها بمستقبل التلميذ وبسوق الشغل وبما تم إنتاجه من تصورات حولها، الشيء الذي يدفعنا إلى تبني مفارقة أساسية نعتبر من خلالها بأن تمثلات التلميذ عن مدرس مادة الفلسفة تحتفظ بالطابع المميز عموما للتمثلات الاجتماعية حولها، إلا أن ما يصادفه التلميذ داخل المؤسسة من خبرات هو ما يدفعه إلى تعديل تمثله هذا، كما أن للخبرات المختلفة للتلاميذ حسب شعبهم تأثير في مسارات تمثلاتهم وتوافقهم الدراسي.
- التوافق الدراسي حسب متغير السن
يظهر جليا وجود فروق في التوافق الدراسي للتلاميذ حسب متغير السن، حيث إن التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 16 و 17 سنة هم الذين يعبرون عن عدم توافق دراسي أكثر بنسبة بلغت 21%، في حين أن جميع التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 14 و 15 سنة يعيشون جميعهم توافقا دراسيا في مادة الفلسفة بنسبة بلغت 100%. وهو ما يعني أن علاقتهم بالمدرس وبزملائهم وبالمؤسسة ومحيطها علاقة جيدة لا يشوبها أي صراع أو توتر. وإذا كنا قد اعتبرنا في مناقشتنا لنتائج الفروق على مستوى التمثلات بأن التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 14 و 15 سنة يتميزون بصغر سنهم وبضعف خبرتهم في المجال الدراسي عموما بالمقارنة مع التلاميذ الآخرين، وهذا المعطى يجعلهم يلعبون دور المكتشفين للفضاء الجديد فلا تكون لديهم الجرأة مثل التلاميذ الآخرين (فئة 16 و 17 سنة) للخروج عن القواعد المرسومة داخل الفضاء المدرسي، مما يجعلهم منضبطين لطبيعة الشروط المحددة في إطار علاقتهم بالمدرس المبنية على الاحترام والخجل أو القهر والخوف، وهو ما يؤثر أيضا على طبيعة علاقتهم بزملائهم التلاميذ داخل الفضاء الفصلي أو المؤسسي عموما، لأن هذه العلاقة تنضبط لشروط المؤسسة وقواعدها. بحيث أن أي خلل قد يظهره التلميذ سيحاسب عليه بناء على ضوابط المؤسسة، وليس بناء على طبيعة العلاقة التي تربطه بزميله. إضافة إلى أننا إذا ما استحضرنا النتائج المرتبطة بتمثلات هذه الفئة (14 و 15 سنة) عن مدرس مادة الفلسفة سنجد أن 55%منهم عبروا عن تمثلات سلبية، وهو ما يعني حضور هاجس سلطة المدرس لدى التلميذ، والأمر الذي يبرر افتراضنا هذا هو أن التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين 16 و 17 سنة عبر 70% منهم عن تمثلات إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة، أي أن احتكاكهم بالمدرس جعلهم يغيرون من طبيعة التصور الذي كان لديهم عن المدرس وعن حدود سلطته.
يمكن القول أن صورة المدرس القهرية تلعب دورا هاما سواء على مستوى تمثلات التلاميذ أو على مستوى توافقهم الدراسي، خصوصا وأن التلاميذ انتقلوا من مرحلة التعليم الثانوي الاعدادي إلى مرحلة التعليم الثانوي التأهيلي بكل ما يرتبط بهذا الانتقال من تغير في الفضاء والعلاقات والتصورات، وبذلك فإذا كانت تمثلات تلاميذ الفئة العمرية (14 و 15) سنة بنيت على تصورات قهرية حول سلطة المدرس فإن توافقهم الدراسي يرتبط في جانب كبير منه بقهر هذه السلطة، خصوصا وأن التلاميذ الذين يتراوح سنهم ما بين (16 و 17) سنة عرفوا حدود هذه السلطة وأضحوا يتعاملون بحرية أكبر معها.
- التوافق الدراسي حسب متغير الجنس
يتبين من خلال النتائج المحصل عليها أن هناك فروقا بين التلاميذ والتلميذات، حيث عبر 90% من التلاميذ عن كونهم متوافقين دراسيا في مادة الفلسفة، في حين كانت نسبة التلميذات اللائي عبرن عن كونهن متوافقات دراسيا في حدود 80%. فهل يمكن فهم هذا المعطى بناء على ما ناقشناه سابقا من نتائج متمثلة في أن التلاميذ الذكور لديهم تمثلات إيجابية أكثر من الإناث عن مدرس مادة الفلسفة؟ أم أن هناك متغيرات أخرى تسهم في تفوق التلاميذ على التلميذات في مستوى التوافق الدراسي؟
إذا كانت نسبة التلاميذ الذين عبروا عن كونهم متوافقين دراسيا قد بلغت 90% فإن فهمنا لها لا يمكن أن يتم إلا على ضوء التمثلات الإيجابية التي عبروا عنها بنسبة بلغت %80، إضافة إلى مساهمة المتغير المرتبط بضوابط المؤسسة. وأما التلميذات فقد عبرت نسبة 80% عن كونهن متوافقات دراسيا، وهي نسبة بالرغم من أهميتها إلا أنها تبقى أقل من الذكور، وهذا المعطى يمكن فهمه أيضا على ضوء نسبة التلميذات اللاتي عبرن عن تمثلات سلبية عن مدرس مادة الفلسفة والتي بلغت 60%.
يتضح من خلال مناقشتنا السابقة أن الفرضية المرتبطة بوجود فروق بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي حسب مختلف المتغيرات (السن، الشعبة، الجنس) قد تأكدت. وقد أبرزنا فيما سبق أهم العوامل التي تساهم في خلق تلك الفروق على مستوى التوافق الدراسي بالنسبة للتلاميذ في:
• إن تمثلات التلاميذ والتلميذات عن مدرس مادة الفلسفة وحول سلطة المدرس عموما تلعب دورا رئيسيا في التأثير على تحقيق توافقهم الدراسي أو في عدم تحقيقه.
• إن الاحتكاك لفترة أكثر بالمدرس والتعرف على سلطته الفعلية داخل الفصل وكيفية تدبيرها يوجه علاقات التلاميذ نحو المدرس ونحو المؤسسة ومحيطها أيضا.
• إن الحضور الفعلي للضوابط والرقابة المؤسسية، ومدى قدرة التلميذ وجرأته على التحايل عليها يلعب دورا أساسيا في عملية التوافق الدراسي لديه.
3.6- علاقة تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة بتوافقهم الدراسي في مادة الفلسفة
يتضح من خلال ما تم تناوله سابقا ان هناك فروقا على مستوى تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة حسب متغيرات الجنس والسن والشعبة، كما تبين أيضا، ومن خلال النتائج الاحصائية والملاحظات الميدانية أن هناك فروقا بين التلاميذ على مستوى توافقهم الدراسي وذلك حسب متغيرات الجنس والسن والشعبة. وقد حددنا بعض عوامل الفهم والتفسير لهذه المعطيات في أن خصائص السن والجنس والشعبة تخلق اختلافات على مستوى الخصائص الذاتية للتلاميذ، إضافة إلى أن هناك العديد من العوامل الموضوعية المرتبطة بالمؤسسة وبمحيطها وبالتمثلات الاجتماعية حول الفضاء المدرسي، والتي تؤثر بقسط مهم في بناء تمثلات التلاميذ وتحديد درجة توافقهم الدراسي.
كما تبين أيضا من خلال الدراسة الوصفية الاحصائية للعلاقة بين النتائج المرتبطة بالفروق على مستوى التمثلات، والنتائج المرتبطة بالفروق على مستوى التوافق الدراسي أن هناك تأثيرا للنتائج الأولى يمكن من خلالها فهم نتائج الفروق على مستوى التوافق الدراسي وهو ما قمنا بتفسيره سابقا.
إن تلك النتائج جميعا تؤكد على وجود علاقة ارتباط إيجابية ما بين تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة وما بين توافقهم الدراسي، ويمكن التعبير عن هذه العلاقة في أنه كلما كانت تمثلات التلاميذ إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة كان لديهم توافق دراسي جيد، في حين أنه كلما كانت تمثلاتهم سلبية عن مدرس مادة الفلسفة كانوا غير متوافقين دراسيا، وقد تعززت هذه الفرضية أكثر من الناحية الإحصائية من خلال معامل الارتباط بين متغيري التمثلات والتوافق الدراسي R=0.11.
يمكن فهم هذه العلاقة انطلاقا من أن التمثلات كبناء معرفي ونفسي تتضمن مجموعة من المعارف والمضامين والمحتويات ذات البعد المعرفي والأخلاقي التي تعمل على توجيه سلوك التلاميذ نحو المدرس والفضاء المدرسي برمته، وهو ما ينعكس على توافقهم الدراسي. وبذلك فكلما كانت المضامين والمحتويات المعرفية والأخلاقية والتصورات السيكولوجية للتلميذ إيجابية عن مدرس مادة الفلسفة وعن المحيط والفضاء المدرسيين ساهمت في بناء توافق دراسي جيد لدى التلميذ، لأنه في هذه الحالة لا يسعى للانضباط مع ما تفرضه سلطة المدرس وضوابط المؤسسة، بل لأنه يسعى لأن يكون متوافقا مع ما يحمله من تصورات ومضامين معرفية، أي أن المسألة هنا ترتبط بتحقيق التوافق مع الذات أولا، هذا التوافق الذي يتماشى فيما بعد مع ما ترغبه سلطة المدرس وضوابط المؤسسة. فالتلميذ لا يخضع لسلطة المدرس وضوابط المؤسسة بالنظر لقهريتها، بل لأن تطابق تلك القواعد والضوابط في أهدافها مع ما يتبناه من تمثلات هو ما يجعله متوافقا دراسيا أكثر.
خلاصة
انطلق مسار هذه الدراسة من إشكالية رئيسية ارتبطت بالتساؤل عن المدى الذي يمكن أن تسهم به تمثلات التلاميذ في تحقيق توافقهم الدراسي، وبعد الملاحظة والدراسة الميدانية لأهم جوانب الظاهرة، اتضح من خلال النتائج الاحصائية كما تم عرضها وتحليلها ومناقشتها سابقا، أن هناك تأثيرا ذو دلالة إحصائية لتمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة في تحقيق توافقهم الدراسي، وهو ما أوضحناه بتفصيل في السابق. لكننا نعود لنحدد أهم النقاط الرئيسية التي دفعتنا لتبني هذا التصور وللمداخل التحليلية التي اعتمدناها.
نعتبر بناء على الدراسات السيكولوجية المعاصرة المرتبطة خاصة بعلم النفس المعرفي أن ما يتبناه الانسان من أفكار ومعتقدات هو ما يوجه سلوكه الواقعي حول المواضيع التي يدخل معها في علاقة ما، ومعنى هذا الكلام في هذا السياق، هو أن ما يتبناه التلاميذ من تصورات حول معارف وانفعالات وتواصل وسلوك ومعتقدات مدرس مادة الفلسفة سيحدد تمثله نحوه. وبناء على هذا التمثل سيظهر سلوك مطابق له، بمعنى أنه سيؤثر على تصرف التلميذ مع مدرسه داخل الفضاء المدرسي والمؤسسي عموما، بحيث أن التمثل السلبي عن مدرس مادة الفلسفة ينتج عنه تصرف سلبي نحو المدرس والفضاء المدرسي بما أن هذه المتغيرات الوسيطة (المدرس، الفضاء المؤسساتي) تشكل عوامل أساسية في تحقيق التوافق الدراسي العام. وهو ما يتأكد من خلال علاقة الارتباط الدالة إحصائيا ما بين تمثلات التلاميذ عن مدرس مادة الفلسفة وبين توافقهم الدراسي.
ببليوغرافيا
بالعربية:
1. أحرشاو الغالي (2009)، الطفل بين الأسرة والمدرسة، منشورات علوم التربية 19، الطبعة الأولى.
2. اندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، المجلد الثالث، تعريب خليل أحمد خليل (2001)، منشورات عويدات، بيروت.
3. أوزي أحمد (2008)، منهجية البحث وتحليل المضمون، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية.
4. بلحاج عبد الكريم (2009)، المدخل إلى علم النفس المعرفي، دار أبي رقراق للطباعة والنشر الرباط، الطبعة الأولى.
5. بلحسن سيدي محمد (2007)، سيكولوجية العلاقة بين مفهوم الذات والتوافق النفسي، دار نشر المعرفة الرباط، الطبعة الأولى.
6. تميم المصطفى (2002)، التمثلات وتوظيفها في اكتساب المعرفة، مطبعة النجاح الجديدة الداراليضاء، الطبعة الأولى .
7. جــون بياجـــه، التربية والنمو الذهني، ترجمة محمد الحبيب بلكـــوش (1993)، مطبعة النجاح الجديدة.
8. ربيع مبارك (1991)، مخاوف الأطفال وعلاقتها بالوسط الاجتماعي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، الهلال العربية للطباعة والنشر.
9. لعمش أحمد (1995-1996)، تمثلات المتمدرس لشخصية المدرس وعلاقتها بتوافقهم الاجتماعي، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الانسانية الرباط
10. لمباشري محمد (2002-2003)، تمثلات المتعلمين للمعرفة المدرسية وعلاقتها بتوافقهم الاجتماعي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، كلية الآداب الرباط.
11. مجموعة من الباحثين (1972)، معجم الوسيط، المكتبة الإسلامية تركيا، الجزء الأول، الطبعة الثانية.
12. مجموعة من الباحثين (2008)، سيكولوجية الطفل مقاربات معرفية، مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء، الطبعة الأولى.
13. مديرية المناهج (نونبر2007 )، كتاب التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة، وزارة التربية الوطنية الرباط .
14. مومن محمد (2013)، بيداغوجيا النظام التعليمي المغربي، ضمن مجلة علوم التربية، العدد 55 أبريل 2013.
بالفرنسية
1. Brigite Monfroy (2002), La définition des élèves en difficulté en ZEP le discours des enseignants de l’école primaire, in Revue française de pédagogie, volume 140.
2. Chi-lando (2007), Les représentations de la grande difficulté scolaire par les enseignants.
3. F.Hotyat et D.Delphine (1973), Dictionnaire encyclopédie de pédagogie moderne , édition lober .
4. Grand dictionnaire de la psychologie (1997) , 2eme édition .
5. louis arénilla et autre (2004), Dictionnaire de pédagogie , bordas pédagogie .
6. Michèle ROBERT (direction), (1982), Fondement et étapes de la recherche scientifique, PARIS .
7. Robert Levon (1973), vocabulaire de psychopédagogie et de psychiatrie de l’enfant, PUF.
8. Émile DURKHEIM (1898), Représentations individuelles
et représentations collectives,
[1] كتاب التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة، مديرية المناهج، نونبر 2007، ص. 5.
[2] Émile DURKHEIM (1898), Représentations individuelles et représentations collectives.
[3] F.Hotyat et .Delphine (1973), Dictionnaire encyclopédie de pédagogie moderne, édition lober .
[4] حسين عبدالعزيز الدريني (بدون تاريخ)، مقياس التوافق الدراسي، دار الفكر العربي، القاهرة.
[5] مبارك ربيع، مخاوف الأطفال وعلاقتها بالوسط الاجتماعي، ص.409.
[6] محمد مومن (2013) ، بيداغوجيا النظام التعليمي المغربي، ص. 13 .
[7] لم تعد تقتصر هذه السلبية على عامة أفراد المجتمع، بل إنها انتقلت لتصدر عن مسؤولين عن الشأن التعليمي في الدولة، بل الأكثر من ذلك أن التوجهات الرسمية تعطي انطباعا بمصداقية هذا الحكم.
اللوحة المرافقة للمقال من إنجاز الفنان التهامي أبادي