ما الغاية من ممارسة الفلسفة؟ - أحمد رباص

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

في أساس كل النظريات الفلسفية، هناك أسئلة شرعية وأساسية، أسئلة يطرحها الجميع على أنفسهم وتنشأ عن حاجة حقيقية للوعي البشري.
أصبحت الفلسفة في الوقت الحاضر ظاهرة جماهيرية. إنها موجودة في كل مكان: في المجلات والإنترنت والمنتديات والتلفزيون والمقاهي. الفيلسوف نفسه ليس استثناء من النجومية الإعلامية. علاوة على ذلك، غالبا ما يُدعى الفيلسوف للتعبير عن رأيه في موضوعات لا تدخل في اختصاصه المباشر: الاقتصاد، علم النفس، المناخ، إلخ.
لكن بالنسبة للبعض، الفلسفة منفصلة عن الحياة، إنها ليست أكثر من تحليل لغوي، تأملات فارغة حول المجهول، لعبة فكرية عقيمة. لهذا السبب، يعتقد معظم الناس أن الفلسفة مضيعة للوقت.

إذن لماذا تصلح الفلسفة؟ لماذا الفلاسفة؟
كما سنبين لاحقا، الفلسفة هي الإطار الذي يستطيع الإنسان من خلاله فهم العالم والتصرف في حياته الخاصة. إنه يوفر الأدوات التي يمكن للإنسان من خلالها اكتشاف الحقيقة واستخدام عقله لتحسين حياته.
- المعرفة سلطة
بالنسبة للفلاسفة القدماء، كانت الفلسفة ذات أهمية حاسمة، مسألة حياة أو موت. في اليونانية، تعني "الفلسفة" "حب الحكمة". لذلك ولدت الفلسفة كدراسة للطبيعة الأساسية للوجود، للإنسان ولعلاقته بالوجود.
بدون تأويل أو تفسير للعالم من حولنا، سنكون عاجزين عن التصرف وفقا للواقع. لا يمكننا التصرف بحرية للحفاظ على حياتنا أو تحسينها. نحتاج إلى معرفة ما نفكر فيه بشأن الأسئلة الفلسفية، لأن إجاباتنا يمكن أن تؤثر على مجرى حياتنا. كلما كانت رؤيتنا للعالم صحيحة، كلما أصبحنا أكثر قدرة على فهم العالم والتصرف بالنتيجة. بدون هذا الأساس المتين، يصبح أي إجراء مشكوكا فيه.
للفلسفة منذ البداية هدفان لا ينفصلان: تعلم كيف نعيش بشكل أفضل على هذه الأرض ومعرفة الحقيقة.
هل التفلسف هو السعي وراء السعادة؟ نعم، ولكن في الحقيقة. يمكن لفكرة أن تجعلني سعيدا، لكنها قد تكون خاطئة. إذا كان لدي الاختيار بين الحقيقة والسعادة، فأنا أكون فيلسوفا فقط بقدر ما اخترت الحقيقة. بعبارة أخرى، لا يكفي البحث عن السعادة لتعريف الفلسفة، وهي حب الحكمة. فإذا كانت السعادة حقا هي هدف الفلسفة، فهي ليست معيارا لها.
إن الواقع هو المعيار المطلق في أي تقييم. في الواقع، كل معرفة هي معرفة بالواقع. مفهوما الصواب والخطإ لا معنى لهما إلا بالرجوع إلى الواقع. إن مقارنة أحكامنا بالواقع هي الطريقة الوحيدة لتحديد الحقيقة الموضوعية.
الأفكار الفلسفية مهمة لأن الحياة مهمة والحياة تفرض الاختيار. لكي تكون اختياراتنا حرة، يجب أن تكون ذات دوافع عقلانية ومتعالية. وبعيدا عن كونها لعبة عديمة الفائدة، فإن الفلسفة هي بالتالي عامل أساسي من عوامل الحرية.
- المنظور السقراطي: "اسأل نفسك"
"كيف عرفت ما تعرفه؟ هذا باختصار السؤال السقراطي. وقد أمضى سقراط حياته في تعقب تناقضات محاوريه. لا يمكن أن تكون القضيتان المتناقضان صادقتين في نفس الوقت وتحت نفس العلاقة. أحداهما صادقة والأخرى كاذبة. كان لسقراط أيضا شعار مشهور: "اعرف نفسك بنفسك". من المهم تحديد المقدمات الفلسفية الخاصة بنا. نفكر دائما في إطار من المبادئ. لكننا لا نعرف ذلك دائما. لذلك يجب أن تقود الفلسفة المرء أولاً إلى التفكير في ذاته، في آرائه الخاصة:
1 هل لدي رؤية للعالم؟ وماهي؟
2 ما هي مبادئي؟ ما هي المبادئ التي أبني عليها رؤيتي الخاصة للعالم؟
3 ما هي حججي؟ هل أنا قادر على تبرير كل تأكيداتي؟
4 هل أنا منسجم مع نفسي؟ هل أنا قادر على تحمل كل عواقب وجهة نظري، بما فيها تلك التي قد تزعج الآراء المشتركة؟
اقترح آين راند صورة جميلة للمنهج الفلسفي: "أفضل طريقة لدراسة الفلسفة هي مقاربتها كتحقيق بوليسي: اتباع كل مسار، كل دليل وكل اقتضاء، لمعرفة من هو القاتل ومن هو. البطل. معيار البحث موجود في هذين السؤالين: لماذا؟ وكيف ؟ إذا بدت أطروحة معينة صحيحة - لماذا؟ إذا بدت أطروحة أخرى خاطئة - لماذا؟ وكيف لي أن أصدق ذلك؟ »(الفلسفة، من يحتاجها؟)
تدعونا قصة الكهف أيضا، التي رواها أفلاطون في كتابه "الجمهورية"، إلى تحدي المظاهر والأفكار المكتسبة. وبالتالي، يمكن للفلسفة، من منظور سقراطي، أن تعطي عقلا نقديا، بله هداما، فيما يتعلق بالثقافة المحيطة والأنماط اليومية.
- الفلسفة في متناول الجميع
الكل يمارس الفلسفة، بوعي أو بغير وعي. في أساس كل النظريات الفلسفية، هناك أسئلة شرعية وأساسية، أسئلة يطرحها الجميع على أنفسهم وتنشأ عن حاجة حقيقية للوعي البشري:
ما هو الإنسان؟ ماذا عساني أن اعرف؟ كيف أدير حياتي؟ كيف يتم حكم المدينة؟ ما هي العناصر النهائية للواقع؟ هل تنجو من الموت الجسدي؟ هل القيم الأخلاقية حقيقية؟ هل نحن أحرار؟ هل يفترض العالم خالقا اول؟ إلخ.
الإنسان حيوان موهوب بذكاء روح أو عقل. لذلك يتميز عن الحيوانات بميل محدد للتفكير والاستدلال. التفلسف هو طرح هذه الأسئلة الأساسية ومحاولة الإجابة عليها.
- المنهج في الفلسفة
ولكن كيف يمكن ممارسة الفلسفة بطريقة منهجية في ضوء تعدد الأنساق الفكرية التي لها تماسك داخلي معين ولكنها تتعارض مع بعضها البعض في معظم الأوقات؟
من المسلم به أن هناك الكثير من الأفكار السخيفة والشاذة في تاريخ الفلسفة. لكن هذا ليس سببا لرفض الفلسفة. على العكس من ذلك، كلما تعمقت دراستنا لها، كلما كنا في مستوى دحض هذه الأفكار الخاطئة.
دماغنا شبيه إلى حد ما بالقرص الصلب. يستوعب كل ما يرسل إليه سواء كان أحسن أو أسوأ. ولكن إذا لم تقم ببرمجته، فإنك تخاطر بتحويله إلى سلة مهملات. لا تتطور الفلسفة اللاواعية في حد ذاتها، بسبب الافتقار إلى المواجهة مع الواقع، ولكن يمكنها أيضا أن تتطفل على أفعالنا بسبب التحيزات والمفاهيم الخاطئة التي تنقلها.
بعبارة أخرى، من الضروري تحديد مجموعة من المبادئ العقلانية، وتشكيل نسق متماسك، يمكن لأي إنسان أن يتبناه مهما كان دينه أو غيابه عن الدين. في ضوء هذه المبادئ العقلانية، والتي تعتبر عالمية قدر الإمكان، سيصبح من الممكن مقارنة الأنساق مع بعضها البعض وتحديد الأنساق غير المتوافقة مع النسق الذي يعتبر الأكثر عقلانية.
يبقى الحجاج هو السبيل الوحيد، في الفلسفة، لضمان أكبر قدر ممكن من حقيقة الأطروحات التي يتم الدفاع عنها. ومن هنا تأتي أهمية العقلانية. حواسنا هي طريقتنا الوحيدة للحصول على معلومات حول العالم. لكن العقل وحده يسمح لنا بفهم الواقع وتبرير تأكيداتنا والحفاظ على الاتساق ضمن معارفنا.
- تعليم الفلسفة اليوم
ولدت الفلسفة في البكالوريا في أربعينيات القرن التاسع عشر على غرار أستاذ جامعي. تم التأكيد على الكتاب والنصوص بإفراط. في الستينيات، أردنا كسر هذا النموذج من خلال التركيز على الموضوعات والمفاهيم. ثم وقعنا في الإفراط المعاكس: الديماغوجيا. ومن هنا الشكلان المرضيان لتدريس الفلسفة في السنة النهائية:
درس "أطروحة الدكتوراه" على غرار أستاذ جامعي، ودرس "تبديل المحطات" أو المناقشات الزائفة حول القضايا الاجتماعية الذي دائما ما ينتهي بجزئية أخلاقية عن النازية أو العنصرية.
بدلاً من ذلك، فإن الطريقة الصحيحة لتعليم الفلسفة هي النظر إلى الماضي للحصول على إجابات للأسئلة التي نطرحها على أنفسنا. يتعلق الأمر بالخوض في نصوص المؤلفين العظماء من أجل: فهم أطروحاتهم وحججهم، تقييم مدى صحتها، حل الأسئلة الفلسفية التي تطرح اليوم.
إنها ليست مسألة إعادة بناء علمي لمذاهب الماضي بقدر ما هي تتعلق بالفهم العقلاني لكيفية الإجابة على أسئلتنا، وإلقاء الضوء على حاضرنا. تفترض هذه الطريقة أن فلاسفة الماضي طرحوا نفس المشاكل التي نواجهها وأننا نشاركهم نفس معايير العقلانية.
ومعلم الفلسفة يشبه إلى حد ما مرشد الجبل: عليه أن يرسم خريطة للمناظر الطبيعية، ويضع علامة عليها، ويقترح مسارات، ونقاط دخول وخروج. بمرور الوقت، سيتمكن الطالب من الاستغناء عن المعلم وإيجاد طريقه الخاص.

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟