ارتحالَات النَصّ من بارمينيدس إلى افلاطون ومنه إلى هيدغر - مصطفى الكيلاني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

1 – بَدْءًا: إمْكَان مُغَالَبَة دُوغما القِرَاءَة وَالفَهْم بِالمُقَارَبَة التَنَاصِّيَّة
القَوْل بِواحديّة النصّ المُطلقة مِن غَيْر الإحالة إلى التَعدُّد داخل بنيته ينتهي إلى الدوغما بِفَهْم واحديّ أيْضًا يَلُوذ بِظاهر الشَكْل ولا ينفُذ إلى عَمِيق اشتغال مَعانِيه، كالسائد في الدِراسات النقدِيَّة الأَدَبِيَّة الوَصْفِيَّة المُكتفِيَة عَادةً بالدَوَالّ ابْتِداءً مِن مُفرد النَصّ مُطْلَقًا وعَوْدًا إليْه، في حِين أنّ النصّ عَدَدٌ في واحد، فُسَيْفساء نُصوص صُغرى مُتحرّكة تتعالق بِنَواةٍ عميقة مُفرَدَة تَصِل بَيْن مُختلف أجزائه في كُلٍّ واحدٍ له دَوالُّه ودَلالتُه وتِدْلالاتُه الخاصّة.وكَذَا القَوْل أيْضا بِمُختَصَر النَصّ في مفهوم واحد واحديّ، إنْ حَوَّلْنَا النَظَر مِن الأدَبِيَّة إلى التَفَلسُف الّذِي يُؤدِّي هُو الآخر إلى الدُوغما بِتَغْييب العَدَد الماثل في بِنْيَة النَصّ الواحد وتَحْويل مُجْمله إلى مَقُولة مُبتَسَرَة ساكنة، بَلْ مُشوّهَة أحيانا بالاستخدام الاستدلالِيّ المُعَمَّم الاعتِباطِيّ عَادَةً.
فَالتَناصّ (intertextualité) هُو مُصطلح لِمَنْهَجٍ، لِمُقاربة تُجاوِز مُفرد النَصّ، أَيّ نَصّ، وتعتبره مُتَعَدِّدًا في واحد، إذْ لَهُ سُلالتُه (أَصْله الجِينيالوجِيّ) بِمَا يَتضمّنهُ في عَمِيق بِنائه مِن آثار تجارب وقِراءات، وَله أُفُقُه، بَلْ آفاقه بِمَا يشتمل عَلَيْه مِن إِمْكاناتٍ عِدَّةٍ للقِراءة/القِراءات.

وإلى ذلك فَلَهُ “مَادّته”، دَوالُّه اللّسانِيَّة الخاصّة بِه الّتِي بها يَتشكّلُ عَدَدًا في واحد، “أجزاء” نُصوص صُغرَى تستحيل مِن ثابتة إلى مُتحرّكة عند القِراءة بِقَصْدِيّته الدالّة ابْتِداءً، وبالاشتِراك بَيْن هذه القَصْدِيَّة وقَصْدِيَّة القِراءة واحدةً مُتعدّدةً هِي أيْضًا في واقع التحقّق.
فَكَيْف يشتَغل النَصُّ الأدَبِيّ في اتِّجاهٍ؟ وكَيْف يشتغل النَصُّ الفَلْسَفِيّ في اتِّجاهٍ آخر؟ كَيْف يَتركّب النَصُّ الفلسفِيّ مَفاهِيمِيًّا؟ كَيْف تَتعالقُ النُصوص- الأجزاء داخله بِسِياق وِحْدته الحادثة وبِمُختلف سابقه وَتَوْلِيدًا لِأفكار حادثة جديدة؟ وَكَيْف تَتنادَى وتَتَصادَى النُصوص الأدَبِيَّة عِنْد وَصْل اللَّاحق بالسابق؟ وكَيْف يَتعالق الفلسفيّ والأدَبِيّ ارْتِحالًا تَواصُلِيًّا في الاتِّجاهَيْن؟ وَهل القَصْد مِن ذلك في المَجال الفَلسَفِيّ هُو تَوْسِيع دائرة المعنى وتَحَاشِي البَعْض الكثير مِن الدوغما باستخدام الاستِعارة الشِعْرِيَّة والأَدَبِيَّة عامَّةً؟ وفي المجال الأَدَبِيّ تَوْسِيع أُفُق المَعْنَى عند التَوَسُّل بالفكرة؟ وَمَتى يَتعسّر الفَصْل بَيْن الفلسفِيّ والأدَبِيّ؟
وكَمَا أَلْمَحْنَا إلى أنَّ التَناصّ مفهوم أَوْسع من أن يُحَدّ بالأَدَبِيَّة، كَأنْ يُجوّز البَعْض مِن الباحثين والنُقَّاد تطبيقه على اللَّوْحة أَو المَعْزُوفة أو العَمَل المَسْرَحِيّ أو السيِنمائيّ، شَأن ارْتِحال السَرْد الأَدَبِيّ إلى اللَّوْحة والمَعْزُوفة والعَمَل المَسْرَحِيّ والسِنمائيّ وارْتِحال آثار الرَسْم والمُوسِيقَى والمَسْرح والسِنما إلى الشِعْر والسَرْد الرِوائيّ والأُقصُوصِيّ اليَوْم بِمَا قَدْ يُشِير إلى مَآلات جديدة قادمة لِمُختلف هذه الفُنون، لا ينحبس الفَلْسَفِيّ في مُطلق مُفْرد دالٍّ عَليْه، لِكَوْنِهِ تكرارا مُتغيّرا عَبْر الأزمنة لِقضايا الوُجود والمَوْجُود، وفَنًّا مُتجدّدًا للسُؤال الّذِي لا يَنشُدُ مُفْرد الإجابَة ولا تَسْتَهْوِيه طُمَأنينة المعرفة المُنْتَهِيَة المُكتفية بِذاتها المَدْفُوعة في مُختلف سِياقات المُساءَلَة والتَساؤل إلى إدراك “الحَقِيقَة” الّتِي هِي مشروعٌ دائم لِلفهم، إنْ تَوهّمَ المُتسائل إدْراكها فَقَدَ صِفَةَ المُفَكِّر بالفلسفة وانتهَى به الاستفسار إلى الدوغما (وَهْم الحقيقة مُطلَقًا ولا حَقِيقَة).

2 – مَدْلول التَنَاصّ تَحْدِيدًا.
لحظةَ يَنفتحُ النَصّ على قارئه يَسْتحِيل مِن بِنيَة (Structure) إلى تَبَنْيُن (Structuration)، وتحديدا مِن بِنية لِسانِيّة لها نِظامُها السِيميائيّ الخاصّ إلى “سِيمياء دلالِيَّة” (Sémanalyse).
وإنْ تَعَدَّدتْ مُصطلحاتُ الباحِثين في الظاهرة النَصِّيَّة واختلفت فَقَد أجمعت البُحوث لحظةَ تفكيكه وتحليله على ما سُمِيَّ ملفُوظًا (énoncé) وتَأويله أَداءً (énonciation). وإذَا هُو المُتعدّد في واحد بِفِعْل تَشكُّله البراديغميّ ولِكَوْنه دَالًّا ودَلالةً وتِدْلالًا، كالّذِي أَوْضحه رولان بارط (1)، و”نَصّ- ظاهرة” (phéno-Texte) و”نَصّ مُنجب، عَمِيق” (Géno-Texte)، حَسَبَ جُوليا كريستيفا (2)، “إنتاجِيَّة” بالبراديغم الحادث المُختلِف عَن غَيْره مِن براديغمات النُصوص الأُخرى (3)، إذْ بالكِتابَة الأَدَبِيَّة وغَيْر الأدَبِيَّة أَيْضًا يَتّسع مجال تَحْوِيل المَقُولات النَحْوِيَّة في ذلك مِن مَدْلُول “الإنتاجِيَّة” لدى كُلّ مِن ماركس وفرويد، كَالحُلم إنتاجا وإعادَةَ إنتاج لِلْواقع، وبِهوسرل وهيدغر فينيمونولوجِيًّا، وبِميخائيل باختين في مفهوم “تعدّد الأَصْوات”، وللنَصّ في تعريف فيليب سوليرس مُسْتويات ثلاثة سِيمانطيقِيَّة: “بِنية سَطحِيَّة” سِيميولوجِيَّة، و”بِنْيَة مُتوَسِّطة” دَلالِيَّة، و”بِنْيَة عَمِيقة” تِدْلالِيَّة (4)، وهو تَعَدُّد أَصْوات (Polyphonie)، “بِنْيَة حِوارِيَّة”، بِمَنْظُور مِيخائيل باختين آنَ بَحْثه في الظاهرة السَرْدِيَّة الرِوائِيَّة مُقارَنةً بِـ”تَعَدُّد النَبرات” داخل الصَوْت الواحد في ما يَخُصّ الظاهرة الشِعْرِيَّة (5).
إنتاجِيَّة النَصّ، التَعَدُّد داخل بِنيَته الواحدة، انفِتاحه على نُصوص وتجارب كِتابِيَّة أُخرى، سِيَاقه المُحايِث باعتباره حَقْلًا لِتجربة مَخصُوصَة عند تثبِيت (Fixation) قَصْدِيّة كاتِبه، “وجْهة نَظر” مُتفاعِلة مَع وُجهات نَظر وَخبرات أُخرى، مجال تَنادٍ وتَصادٍ بَيْن عَدَد وَفِير مِن النُصوص- الخبرات هِي في صَمِيم الفهم التَناصِّيّ للنُصوص تبعًا لِاختِلاف وَظائفها ومَقاصدها وغَاياتها.
وَلَفظُ “الإنتاجِيَّة” (Productivité) تَدْلِيلا على اشتِغال النَصّ واحدا مُتعدّدًا هُو المُتداوَل مفهُومِيًّا في الاستقبال النَقْدِيّ اللّاحق لِأَبْحاث جوليا كريستيفا في التَناصّ، كَخَوْض تيفان سامبولت تحديدا في “ذاكرة الأَدَب” (جِينيالوجيا النَصّ) (6).
وإنْ ذَهبت العَرَبِيَّة في “نَصّ” إلى التَدْليل على معانِي الظهور والتَرْكِيب والحَرَكة والتَعْيين والتَوْقِيف والثابت مِن السُنَّة والانتِصاب والاسْتِقامَة…(7) فَقد ربطت الفرنسِيَّة بَيْن Texte (مُقابل “نَصّ” في العربِيَّة) و Texture (السَدى أو النَسْج)، كَالمُتمثَّل لدى رُولان بارط عند البَدْء في تعريف النَصّ مِن “مَادّته” مُقابَسةً بَيْن الألفاظ والخُيوط، وبِتَجاوُر الأَلفاظ (تَشابُك الخُيوط في السَدَى) تَتشكَّل الجُمَل، وبالجُمَل يَتَكوَّن النَصّ، وَفِي مُتضمَّنه دَلالات وَتِدْلالات (مَا خفي مِن الدَلالات واسْتَدْعَى الكَشْف).
فَلِلنَصّ، إذن، ذاكرتُه، تُراثُه الخاصّ، إذْ هُو لاحق لِسابق، حَسَب ناتالي بييغاي غرو (8).
إنَّ تَرْكِيب النَصّ، فُسَيْفُساءه، يَقضِي تَحْلِيلَه الفَصْل بَيْن مُختلف عناصره لِمَعْرفة نُصوصه الصُغرى، وَبِإعادة التَرْكِيب بَعْد تَفْكِيكٍ يَتحقّق فَهْمٌ مَّا (فهمه)…
كَذَا التَناصُّ، بِناءً على السابق، هُو تنقّلات النُصوص، ارتحالاتها مِن…إلى… ولِأيّ واحد مِن هذه النُصوص- الأجزاء المُتعالقة تَفاعُلًا داخل ذات النصّ الواحد بِنْية شذْرِيَّة تُحِيل في الأَصْل الجِينيالوجِيّ إلى زَمن سابق عن زَمن النَصّ الجامع، واشتِغالُها الدَلالِيّ والتِدْلالِيّ مُقترن باشتِغال دلالِيَّة النَصّ الجامع وتِدْلالِيّته، كَقَوْل ناتالي بييغَاي- غرو في تعريف النَصّ:”هُو تَرْكِيبٌ، مَكان التبادُل الدائم بَيْن شذرات تُعِيد الكِتابةُ توزيعها بإنشاء نَصّ جَدِيد (حادث) انطِلاقا مِن نُصوص داخليّة، مُهَدّمة، مَنْفِيَّة، مُسْتَعادة” (9).
وإذَا التَناصّ “إنتاجِيَّة دِينامِيكِيَّة” على شاكلة “طِرْسيَّة” أو “تطريساتِيّة” مُتحرّكة. فَكُلَّما قَارَبْنا أَجْزاء البِنْيَة الواحدة كَشَفَت لنا هذه الأجزاء عن أجزاء أُخرى مُتحرّكة.
وَلَيْس أَدلّ على هذه الدِينامِيكيّة البالغة التَفَرُّع والانقِسام والدقّة مِمّا ذهب إليْه جيرار جينات مِن تَفْرِيع شذْرِيّ اصطِلاحِيّ ومَفاهيميّ، كَفَتح “التَناصّ”، مَفْهُومًا مركزِيًّا، على عِدَّة مفاهيم مُتفرّعة عَنْه، مثل “العبوريّة النَصِّيَّة” (Transtextualité) و”جامعيّة النَصّ” (architextualité) و”المُجاورة النَصِّيَّة” (ParaTextualité) و”المِيتَا- نَصِّيَّة” (métatextualité) و”النُصوص الصُغرَى السابقة” (Hypotextualité) و”النُصوص الصُغرى اللَّاحقة” (Hypertextualité)…
وكَمَا للنَصّ، أَيّ نَصّ، صِفته الأَثَرِيَّة، نِسْبَةً إلى الأَثَر (Trace)، بِمَنظُور جاك درّيدا (10)، ذاكرته أيْضًا، تاريخ إنتاجِيّته، “مَكْتَبَته” الخاصّة، فَلَهُ أَيْضًا صِفَته الاستِباقِيَّة عند التَحوّل مِن الماضي إلى المُسْتقبل بِأُفق/آفاق قِراءته.

3 – قَصِيدَة بارمينيدس: البِنْيَة المُزْدَوجَة اشتِراكًا بَيْن الشِعْرِيّ وَالفَلْسَفِيّ.
في عَمِيق النَصّ البارمينيدسِيّ عِدَّة آثار لِبِدَايات التفكير بالفِيزيس (طاليس وأناكسيماندر وأناكسيمان، ثُمّ بِيتاغور…).
إثنانِ وخَمْسُون ومائة بَيْت شِعْريّ ضمن تسع عَشرة شَذْرة مِن قَصِيدة بارمينيدس هِي المُتبَقّيَة. والشَذْرة الثامنة هِي الأَطول بِعَدد أَبْيَاتها الواحد والستِّين. وقد تُرجمت مُباشَرةً مِن اليُونانِيَّة القديمة إلى مُختلف اللُّغات الأُوروبِيّة الحَدِيثة، عَدَا شذرتان هُما الرابعة والثامنة عَشرة فَهُمَا غَيْر مُتَرجمَتَيْن عن الأَصْل، بَلْ عن اللَّاتِينِيَّة، ومِنها إلى الفرنسِيَّة، النُسْخة الّتِي اعتَمدْناها في هذه القِراءة. ومِن التَرْجَمات إلى الفرنسيّة نَذْكر عَمَل جان بوفري (Jean Beaufret) (1955)، وجان بول ديمون (Jean Paul Dumond) (1988) وجان بولّاك (Jean Bollack) (2006).
فَلِلرحلَة، شَأنَ الطَرِيق، أُفقُها، ولِبَدْء التفكير أُفقه أَيْضًا في نَصّ بارمينيدس، كَأيّ بِدَاية، فَهو لَحظَةٌ فارقةٌ استثنائِيَّة تَصِل بَيْن سابق ولاحق، ولَحْظة حال مُلتبسة، لا هِي شعْرِيَّة تماما ولا هي فِكْرِيَّة تماما أيْضا، وإنّمَا هِي مُتردّدة واصِلة بَيْن الشِعْرِيّ والفِكرِيّ.
كَذَا هِي الرِحْلَة، الطريق، حَالُ الشاعر المُفكِّر أو المُفكِّر الشاعر يَخُوض مُنذ البَدْء مُغامرة التفكير البَدْئِيّ والبِدائِيّ مَعًا في الحَقِيقَة وبالحقيقة، كَالمُتمَثَّل حُضورًا سَرْدِيًّا في الآلهة.
الرِحْلةُ هِي مُغامَرة، والتفكير أو بَدْء التفكير هُو مُغامَرة أيْضًا، كما الرِحْلَة هِي شَبِيهة بالحُلم، والحُلم هُو الآخر شَبِيه بِرِحْلة، إذْ يركب بارمينيدس العَرَبَة الّتِي يَقُودها “عَذَارَى، فَتَيات الشمس تارِكاتٍ وَراءهنّ مَوَاطن الظلمة، مُتّجهات إلى النُور (نُور الحَقِيقة)، وَقَدْ أَزَحْنَ الأَحْجبة عَن جباههنّ، وَلِلْعَجلاتِ صَرِيرُها المُشتدُّ المُحْتدّ (الشَذْرة الأُولَى).
حَرَكَةٌ فائقة السُرْعة يَبْتدئ بها المَشْهد في أَوّل انطِلاق المُغامرَة على طريق الآلهة (الحقيقة) حَدَّ الوُصُول إلى “بَاب سُبُل اللَّيْل والنَهار” بِإطاره وعَتبته الحَجَرِيَّة، المُوصَد بِمِصْراعَيْه العَرِيضَيْن على الأَثِير حَيْث العَدْل الزاجرُ واقِفٌ ومَعه مَفَاتِيح الستر.
إنَّ للبَاب، هُنا، صِفته الحَدِّيَّة الفاصِلة والواصِلة بَيْن مَشْهد وآخر لاحق ينكشف إثْرَ حَدَث الدُخول، وقَدْ ساعدت عَليْه “العَذَارَى، فَتَيَات الشَمْس…” مُتَوَسِّلاتٍ لِلعَدْل الزاجر الّذِي استَجابَ لَهُنّ وعَجّل في فتح الباب فَكانَ التقابُل بَدْءًا بَيْن الظُهور (l’apparaître) وَبَيْن الوُجود (être)، عَقبه التقابُل بَيْن الكَيْنُونَة (existence) وَاللاَّ- كَيْنُونَة (non-existence) بِتَحْفِيز الإلهة بارمينيدس على التفكير في الوُجود بَدَلًا عن اللَّا- وُجود (الشَذْرة الثانِيَة).
إنَّ مَفاد الحَقِيقَة أو يَقِينها الوارد على لِسان الإلهة- الحَقِيقَة أنَّ “الوُجود مَوْجُود” (L’être est) واللَّا- وُجُود غَيْر مَوْجُود. والمُتولِّد عَن هذه الحَقيقة اليَقِينِيَّة البَدْئيّة ما له صِلَة بِ”اللَّا- وُجُود غَيْر المَوْجُود” تَحْذِيرًا مِن السَيْر فِيه (الشذرة الثالثة)، إذْ لَيْس بالإمْكَان مَعْرفة ما لا يُوجد بِإمْكان فهمه والتعبير عَنْه.
وإذَا مُختصر الدَرْس الأَوّل، بَلْ الدَرْس الأَساس المرجعيّ في مُجمل النَصّ “أَنَّ المُفَكَّر فيه والوُجود شَيْء واحد” (11).
لَقَد اعتبرَ جان بول ديمون، أَحَد مُتَرْجمِي قَصِيدة بارمينيدس إلى الفرنسِيَّة، أَنَّ بارمينيدس يُعْتَبر مُؤسّس الكوجيتو (Cogito) قَبْل دِيكارت لِوَصْله بَيْن المُفَكَّر فِيه والوُجود (12). وَلَكِنْ، ما مَأتَى الوُجود؟ وَمَا الوُجود ذاته؟
فَيَذهب بارمينيدس إلى الكوسمولوجِيّ مُرجّحًا نَشأة العالم ابْتِدَاءً مِن عُنصر واحد أو عِدَّة عَناصر. إلَّا أنَّ مَاهِيَّة الوُجود، كَالوارد على لِسان الآلهة، تَظلُّ مَوْسُومةً بالغُموض، لِذَلك يُضطَرّ بارمينيدس لِلتراجُع بَعْد انْدِفاع في سَبِيل مَعْرفة الحَقِيقَة، إذْ تختلط عَلَيْه السُبل والاتِّجاهات، ويَقِينُه أَنّه أَيْنَما سارَ واتَّجَهَ عادَ القهقرى إلى حَيْث نُقطة البَدْء (الشذْرة الرابعة) (13).
فالحَيْرةُ، الدَهْشَة، اللَّا- يَقِين بَعْد يَقِين قائمةٌ في الشذْرة الخامِسة تَلِيها الشذرتان السادسة فَالسابعة، لِيَتشكّلَ في الأثناء شِبْه يَقِين ناشئ مُختَصَرَهُ “الوُجود المَوْجُود”، وبِتَحْفِيز الإلهة بارمينيدس عَلَى مُوَاصلة الاسْتِماع إلَيْها مِن غَيْر إنهاء تَواصُلِه مع عالم البَشَر الّذِي هُو قائم في صَمِيم الوُجود، وَحُجَّةُ الآلهة في ذلك أنَّ “اللَّا- مَوْجُود” سَبِيلٌ لا يُؤَدِّي إلى الحَقِيقة، لِأنَّ المائتين لا يَعلمُون شَيْئًا مِنه وَسَيْرُهم فِيه مُشابهٌ لِبَقائهم في النُقطة ذاتها لا يَبرحُونها، كَأن ينطلقوا مِنها لِيَعُودُوا إليْها، فَلَا تَمَدُّدَ ولا انبِساط ولا اتِّجاه ولا أُفُق.
وَمَا مَعْنَى الوارد في الشذْرة السادسة إلَّا تِكرارٌ لِلْمَعْنَى ذاته في الشذْرة الأُولَى: السَبيل يَمْتدُّ وَيَتّضح إنْ فَكّرنَا بالوُجود، ويستحيل إلى مَتاهَة إنْ فَكَّرْنَا بالعَدَم، كما لا إمكانَ للسَيْر في السَبِيلَيْن مَعًا، بَلْ لا بُدّ مِن اختِيار أَحَدِهما الّذِي هُو سَبِيل الوُجود تَحْدِيدًا.
كَذَا الآلهة تَدْعُو صَراحةً إلى التفكير بِمَا هُو كائن مَوْجود وصَرْف النَظر عَن التفكير في أَصْل الوُجود ومَآلِه، وفي المَوْت، وفي كُلّ ما يعجز العَقْل عن الإلمام به لِاتِّصاف هذه المواضيع بالإطلاقِيَّة وإغراقها في عَتمة الغَيْب.
ومُختصرُ السَبِيل الّذِي تَدْعُو الإلهة بارمينيدس إلى السَيْر فِيه هُو العَقل، التفكير، الاستدلال لِبُلوغ الحقيقة.
ومَجالُ التفكير هُنا مُحَدَّدٌ بالوُجود، لا العَدَم (اللَّا- وُجود).
لَقَد مَثَّلَ مَبْدَأ التفكير بالوُجود لِبُلوغ الحَقيقة فِكرَةً أساسِيَّة مرجعيّة شهدت تَفصِيلًا في الشذْرة الثامنة تأكيدا على النَظر في الحَياة والأَحْيَاء بَدَلًا عن المَوْت والأَمْوات، وفي المَعْلوم عِوَضًا عَن المجهُول، وفي السِيَاق زمنا ومكانا بعيدًا عن المُطلق الغَيْب.
ومَرْجعُ هذه الحَقِيقة الّتِي سَلّمت بها الإلهة وحَفّزت عَليْها “ولدها” (بارمينيدس) ماثِلةٌ في الوَاصل والفَاصل بَيْن الظُلمة والنُور. وللاستدلال على هذه الثُنائِيَّة (ظُلمة- نُور) أحالت الإلهة إلى الكَوْن (Univers)، ذَاك “المُمْتلئ في الآن ذاته بالنُور والظُلمة تَساوِيًا”، كَالوارد في الشذرة التاسعة.
إنَّ صُعوبة تَعْرِيف الوُجود بارمينيدسِيًّا تفتح على ما يُشبه اليَقِين بِأنَّ هذا الوُجود واحد، وفي ذلك وُضوحٌ ظاهِرٌ يُخفِي غُموضًا، كَالقَوْل بِأنَّ “الوُجود مَوْجُود” (L’être est)، كَما يُعَّرف بِواحديّته (Unicité de l’être)، اختِلافًا مع المُعتقد الشائع (Doxa) لَدَى عَدَد مِن المُفكّرين بالفلسفة في زَمن بارمينيدس وقَبْل زَمنه، إلَّا أنّه لَحْظةَ تَفْصِيل القَوْل في ماهِيَّة الوُجود يَحدث اصطِدام بِمَا هُو مُعْتم مُلتبس. والثابتُ التَقرِيبِيّ لدى بارمينيدس أنَّ “الوُجود مُجرَّدٌ مَحْضٌ”، إذْ لَيْس له ماضٍ ولا مُسْتقبل، فَقَط “هُو مَوْجُود”. ومُقابل وِحْدَة الوُجود وواحديّته يعرض المُتعدّد، الكَثرة، مِثل التَضادّ بَيْن الظُلمة والنُور، بَيْن الخَفِيف اللَّطِيف والثَقِيل الوازن…
ولِأنَّ المُسَمَّى نُورٌ وظُلمةٌ فالأشياء مُمْتلئة بِكُلّ مِنهما تَساوِيًا، شَان الوُجود يُظهِر ويُخفِي، يَنكشف ويَحتجب.
وَكُلَّما تعتّمَ أُفُق التفكير البارمينيدسِيّ في الوُجود والمَوْجُود لاذَ بارمينيدس بالكَوْنِي، كَالأَثِير والشمس والنُور والقَمَر وتَمَدُّد السماء والكَواكب، واصِلًا في ذلك بَيْن سابقيه مِن فلاسفة الفِيزيس الإيونيّين (ioniens) الأَوائل وَبَيْن حادث أفكاره، كَالبَادِي في الشذْرة العاشِرَة..
هِي، إذنْ، حَالٌ شَبِيهة بالفِرار مِن صُعوبة تعريف الوُجود بالوُجود إلى تعريف الوُجود بالكَوْن والعالم، وبالفِيزيس عامَّةً، كَأنْ يحرص بارمينيدس على عَرْض تفسير عِلْمِيّ عَقْلِيّ لِنَشأة العالم مُجِيبًا في ذلك على سُؤال هزيود التِيُولوجِيّ خِلال الشذرَتَيْن الحادية عَشرة والثَانِيَة عَشرة بِوَصْف الظاهر الكَوْنِيّ ابْتِداءً ثُمّ بالمُختفِي تفسِيرًا بالنار الّتِي لا يُخالطها شَيْء، وفي وَسطها آلهة تَسُود كُلّ الأشياء وتَسُوس العلاقات الجِنْسِيَّة بِقُوَّة قاهرة يخضع لها الجميع، هِي قُوَّة حياة ودَمَار في الآن ذاته (14).
وإذَا الكَوْن، في مُتَمثَّل بارمينيدس، مَسْكُون بالنار والنُور، وبالحَرَكَة لَيْلًا نَهارًا، وفي وَسَطه ألوهِيَّة تُسيّر الكُلّ وتَسُود جميع الأمْكنة وتُبارك كُلّ الزِيجات وتَسْهر على آلام المَخاض وتَدْفع الذَكَر إلى الأُنثى والأُنثَى إلى الذَكَر.
فَمَأْتَى الوُجود، بِناءً على السابق، لا يُفَسَّر بالفِيزيس فَحَسْب، نَشأة الكَوْن وحَيَاة الكَواكب، بل بِعامِل آخر هُو المَحَبَّة، كَالوارد في الشذْرات الثالث عَشرة والرابع عَشرة والخامس عَشرة، إذْ تَتصدّر المَشهد الكَوْنِيّ والوُجودِيّ العامّ ويَلمَعُ حُضورها لَيْلًا وتغمر الأَرْض بِألقها العَجِيب.
وبِهَذا الوَصْف نَتمثّلُ خَلْق الإنسان ب”أَعْضاء شتات تائهة”، كَالماثل في الشذْرة السادسة عَشرة، تُجمّعها وتسكنها الرُوح بالمُزدَوَج الماثل دَلالةً في الشذْرة السابع عَشرة:” إلى اليَمِين فتْيَان، وإلى اليَسَار فَتيات”، وعِنْد تَواصُل الرَجُل والمَرْأة تَكُون بِهِمَا مَعًا بُذور فينوس (Vénus) (15).
فَتَتكوّنُ أجسامٌ مُكتَمَلَة بالجَسَد الواحد المُتَأتّي عن الاثنَيْن، كَالوارد ذِكرُه في الشذْرة الثامنة عَشرة، وتحصل إثْرَ ذلك الوِلادَة بالشذْرة التاسعة عَشرة، ثُمّ يَتغذَّى الوَلِيد ويَكبر ويَشِيخ ويَهْلك أخيرا…
فَيَتعالقُ في نَصّ بارمينيدس أَسالِيب السَرْد والشِعْر والتفكير. أَمَّا السَرْد فَهو الإطار والسَدى لِأحداث وأَقوَال صادرة عن ذاتٍ مُتكلّمة واحدة هِي الآلهة. أَمَّا الشِعْر فَهو حال حُلْمِيَّة لا تُفارق بَيْن الواقع والخَيَال، بَيْن الحِسّ والمَا- وَرَاء بِمَزْجٍ خاصّ يذهب إلى التَعْجِيب. وأمَّا التفكير فَهو المُؤَدَّى بالسَرْد والشِعْر مَعًا، وهو أُفُق لِلتفكير أكثرَ مِنه تفكير بالمُسْتَقَرّ.
وإنْ تَناظمت بِنْيَة النَصّ بِهذا التَرْكِيب الواصل بَيْن السَرْد والشِعْر والتفكير، وبِنَواة حال التفكير ذاته فَهو المُتعدّد بِمُختلف الأَسالِيب المَذْكُورة وبِنَسِيج واسع مِن الأفكار السابقة عَن بارمينيدس، وقَدْ تَضمّنَتْها ثقافة الكِتابة لَدَيْه ومِن الأفكار الناشئة الّتِي سَعَى إلى تَوْلِيدها بِسِياق الكِتابة الحَادث.
فَإذَا اعتَمَدْنَا تَداوليّة الأَدَاء مَنْهَجًا مُرادفًا لِمُقاربتنا التَناصِّيَّة تَبَيَّنَ لَنَا حُضور أَطياف مِن مَعانٍ لِكُلّ مِن هزيود وهيرقليطس وهيروديت وهومير، على سَبِيل المِثال لا الحَصْر… ولَفْظُ “وُجود” (être) هُو العلامة- الدَلالة الأُولَى المَرْجعيَّة، والحَقيقةُ هِي تِلك المُحايثَةُ لها، إذْ لا مَعْنَى للحَقِيقة، هُنا، إلّا بالوُجود، وعَدَا ذلك عَتْمَةٌ وتَعْتِيم ومَتاهة ولا أُفُق.
إلَّا أنَّ الوُجود لَيْس بالإمكان فَهْمه بارمينيدسِيًّا بالوُجود ذاته، لِذَلك اصطدمَ بارمينيدس باسْتِحالة مَنْهَجِيَّة ومَفْهُومِيَّة استدعت تَوَسُّله بالكوسموس والتَشْمِيل الكَوْنِيّ، وهُمَا القائمان في صَمِيم الجُهْد التَأسِيسِيّ للفِكر بالفلسفة، لِأنَّ هذا التَفْكِير لا يقبل الاجْتِزاء. غَيْرَ أنَّ الكوسموس البارمينيدسِيّ مُختلِفٌ في الماهِيَّة عن فَلسَفَة الأفكار لدى أفلاطون لاحِقًا. لِذَا بَدَا بارمينيدس خاضِعًا لِتَأثِير سابِقيه مِن فلاسِفة الفِيزيس الأَوائل الإيُونيّين، مَدْفُوعًا بِمُناقَشة المُعْتَقَد العامّ الشائع (Doxa) القائل بالمُتَعدِّد، لا الوِحْدة، مُجادِلًا بِصِفَةٍ ضِمْنِيَّة، رُبَّمَا، لِهيرقليطس، مُنتَصِرًا لِدياليكتيكه الناشئ القائل بِواحديَّة الوُجود والمُتَعدِّد داخل الوِحْدة مُقابِلَ دِياليكتيك العَدَد والمُتناقضات الهِيرقليطسِيّ…
إلَّا أنَّ للنَصّ البارمينيدسِيّ أُفُقَه، بَلْ آفاقه الواسِعة على قادم الأزمنة الفَلْسَفِيَّة، وَأَدَبِيَّتَه سَرْدًا وشِعْرًا، مَع تَوَهُّج لَحْظةِ البِدَاية/البِدَايات تَفْكِيرًا ساعدت على انتِشاره واستمرار بَقائه عَبْر الأزمنة بِكَثْرة القِراءات واختِلافها إلى اليَوْم.

4 – أَفلاطُون قَارِئًا لِبَارمينيدس.
لِلنَصّ البارمينيدسِيّ ذاكرَتُهُ، كَمَا أَسْلفنَا، وَلَه أيْضًا أُفُقه/آفاقه بِقابليّة قِراءته/قِراءاته. إلَّا أنَّ الحِوار مِن طَرَفٍ واحد في هذا النَصّ بالإلهة المُتكلِّمَة استرسالا وبِبَارمينيدس المُسْتَمِع الشاهد على قَوْلها استَحالَ في كِتاب “بارمينيدس” لِأفلاطون إلى ما يُشبه الحِوار الدائر بَيْن كُلّ مِن بارمينيدس وسيفال (Céphale) وأديماند (Adimande) وغلوكون (Glaucon) وأنتيبون (Antippon) وبيتودور (Pythodore) وسُقراط (Socrate) وَزينون (Zénon) وأرسطو (Aristote) (16) .
وإِنْ تَناوَبَت هذه الأَسْماء على مُحاوَرة بارمينيدس فَالمُتحدّث الأَوّل هُو بارمينيدس الّذِي تَحوَّل مِن مُسْتمع للآلهة في نَصّه إلى مُعَلّم شارح مُفَسِّر في نَصّ أفلاطون، وإنْ بِضَرْب مِن الحِوار، كَالمُتَّبَع أُسْلوبًا في مُجْمل ما كَتَبهُ أفلاطون (17)، وهو الأُسلوب الّذِي شَهد نقلة معرفيّة تارِيخِيَّة مِن ثقافة المُشافهة إلى ثَقافة التَدْوِين الّتِي ظَلّت على اتِّصال مع ماضِيها الشَفَوِيّ بِمَا يَظْهر أَدَاءً حِوارِيًّا.
لَقَد حَرص أفلاطون على المُجايَلة بَيْن الأَسْمَاء المَذْكُورَة رَغم فارق الزَمن، فَأبدَى بارمينيدس شَيْخًا بَلَغَ مِن العُمُر خَمْسا وَستِّين سَنَةً، وزينون قاربَ الأَرْبَعِين، أمَّا سُقراط فَهو فَتًى صَغِير…
“كُلّ شَيْء يَعُود إلى واحد” هِي فِكرة البَدْء ومُنْطَلق الحِوار. وَمِن سُؤال الواحد والمُتعَدِّد أُثِيرَ سُؤال التشابُه واللَّا- تَشابُه، إذْ كُلّ شَيْء واحد ومُتعدّد، ولِأنّه مُتعَدّدٌ يَتّصفُ بِالواحد.
إنَّ تَغايُر الأشياء دالٌّ على أنَّ الشَيْء واحد، وَلَوْ لا واحديّته لما كانَ هُناك أَيّ مَعْنى للتَغايُر (18).
وإنْ ذَهَبَ سُقراط المُحاوِر لِبارمينيدس إلى تَنْسِيب الواحد والشَكل والصِغَر والكِبَر فَقَد اكتَفَى بارمينيدس بالواحد مفهوما مرجعيًّا يُفارق به بَيْن الوُجود واللَّا- وُجود.
وإلى ذلك يَقُول بارمينيدس بالشَيْء في ذاته. وانطلاقا مِن معرفة الشيء في ذاته يختلف عن شَيْء آخر، لَيْس بالشَكْل في ذاته، لِأنّه لا وُجود لِلشَكل في ذاته، وإنَّما الشَيْء ظاهرةٌ حِسِّيّة (19). لِذَا فمن الخطأ قِيَاس المفاهيم على الأشياء، كَالجَمال لا يَعْنِي شَيْئًا في ذاته، وكَالخَيْر والشَرّ، إذْ هِي جَمِيعُها أَحْكَام.
فَتذهبُ قِراءة أفلاطون لبارمينيدس إلى ضَرْب مِن التَأويل المُحايِث ينتهج سَبِيل التفكير بالشَيْء ونَقِيضه لِمَعْرفة هذا الشَيْء، كالتفكير بالعَدَد وبِعَدَد آخر مُختلف عَنْهُ قَصْدَ التَدْلِيل على أنَّ الواحد هُو الأَصْل والمَرْجع.
وبالأجْزَاء نَتمثّلُ الواحد في قِرَاءة أفلاطون لِبارمينيدس القائل:”الجُزْء (…) هُو جُزْء مِن كُلّ (…) والكُلّ، أَلَيْسَ الدالّ على أنّه يشتمل على كُلّ الأجزاء؟ ” (20).
وقِياسًا مَفْهُوميًّا على السابق فَالأَنَا واحد كَثِير (plusieurs) ولَيْس مُتعدِّدًا (multiple)، إذْ بالأجزاء يَتركّبُ الكُلّ، والكُلّ هُو كُلٌّ بالأجزاء ابْتِدَاءً وانتِهاءً.
إنَّ لِلواحد أجزاءه، كالوارد على لِسان بارمينيدس في النَصّ الأفلاطونِيّ المُتولّد قِراءَةً عن النَصّ البارمينيدسيّ، ولهُ نواته الّتِي بها تتحدّد شَيْئيّتُه الخاصّة، وله أيْضًا نِظامُهُ الحَرَكِيّ بِتناظُم الأجزاء داخل بِنْيَة الكُلّ تَجْسِيدًا للواحد الهُوَوِيّ (L’un identique).
فَلَا مُمَاثَلةَ، إذنْ، في تَعْرِيف الواحد، لِكَوْنه واحدًا مُفْردًا لا يُماثِل واحدا آخر. لِذَا فالمُمَاثَلة قد تَعْنِي المُتَعَدِّد في الواحد، ذلك أنَّ الواحد، في المُحَصَّلِ، هُو المُختلِف عَنْ أَيّ واحد آخر (21).
كَذَا يقترن وُجود الواحد بالهُوَوِيّ والمُختلِف مَعًا، وبِالزَمن أَيْضًا، بالأَقدم والأَحْدث، بِمَا كانَ ويَكُون وسَيَكُون أو قَدْ يَكُون.
وإذا فقِرَاءَة أفلاطون لِنَصّ بارمينيدس هِي قِراءة مُفَسِّرَة ومُتأوّلة مَعًا، كَأن تحرص على مُقاربة المَعْنَى البارمينيدسِيّ ولا تَكتفِي بِنَقله كَمَا هُو، لاستِحالة ذلك، إن اقتَرَنَ المَشْغَلُ بِغَيْر المَعْلُوم وغَيْر المُحَدّد، كـ”الوُجود” ذاتِه الّذِي هُو أُفُق، وكالواحِد يُعَرَّف به الوُجود، كما المَوْجُود يَعَرَّف هُو الآخر بالواحد.
“الوُجود مَوْجُود” (L’être est)، و”الوُجود واحد”، وبالواحد يَكُون الهُوَوِيّ (l’identique)، وبالأجزاء يَكُون الكُلّ، ولا كُلّ إلّا بالأجزاء، ولا اختِلافَ للواحد مع آحادٍ أُخْرَى إلَّا لِكَوْنِهِ واحِدا مُتكثّرًا في ذاته بِمُجْمل وِحْدَته…، هذه الأفكار مَثَّلتْ أُسُس التفكير البارمينيدسيّ، وقد أَعادَ أفلاطون كِتابتها بِتَفسير يعتمد منهج التَأوِيل المُحايِث بالتِكرار المُتعمَّد التعليميّ أَحْيانًا.
“مَوْجود” أو “يُوجد” (est): صِفَةٌ زَمَنِيَّةٌ يُعَرّفُ بها الوُجود. إلَّا أنَّ الزَمن، كَالماثل بارمينيدسِيًّا ثُمّ أفلاطونِيًّا، وَوَصْلًا بَيْن السابق واللَّاحق، هُو مَفْهُومٌ مُلتبِسٌ، كَالوُجود في ذاته، إنْ لم نَتوَسل باللَّحْظة الدَالّة عَلَيْه الّتِي هِي “نُقطة انطِلاق للتَغَيُّر في الاتِّجاهَيْن” لِحُضورها “بَيْن الحَرَكَة والاسْتِكانة” بِمَا يَقْضِي التَغيُّرَ سَواء كان ذلك مِن الحَرَكَة إلى الاستِكانة أو مِن الاستِكانَة إلى الحَرَكَة (22).
كَذَا الوُجودُ بالزَمَن، هُو حَرَكَة انتِقال مِن وَضْعٍ إلى آخر، بالتِكرار والتَغَيُّر، وهو إلى ذلك واحِدٌ قابل لِلقِسْمَة، نَقِيض اللَّا- وُجود (23).

5 – مارتن هِيدغر قَارِئًا لِبَارمينيدس وَأفلاطون.
أُفُق النَصّ البارمينيدسيّ هُو أَوْسع مَدى مِن أن يُحَدّ بِتَقبُّل واحد، إذْ مَثَّلت الصِفَةُ السَرْدِيَّة المُلغزة للوُجود مُحَفِّزًا داخل بِنْيَة النَصّ ذاته على التفكير بِما هُو أَبْعد مِن الدَلالات الظاهرة. وما خَفِيَ في النَصّ وعلى بارمينيدس في لَحْظة تفكيره الأُنطلوجِيّ الناشئ مِن مَعانٍ دَعَا القِراءة/القِراءات إلى النَفاذ داخل عَمِيق المُحْتجِب المُلغَز.
لَقَد عادَ مارتن هيدغر إلى فَلسفة البِدايَات، إلى نَصّ بارمينيدس ضِمْن مَشْرُوعه الفلسَفِيّ القائم على نِسْيَان الكَيْنُونَة بالتفكير في الوُجود والزَمن والمَوْت والقَلق، وبِالحِرْص على تَجاوُز تأثِير المِيتافِيزيقا. وكِتابُ بارمينيدس هُو دَرسه الّذِي أَلْقاه خِلال سُداسِيَّة شِتاء (1942م- 1943م) بِجامعة فريبورغ (Fribourg-en-Brisqau) بَعْد أن قَرَّرَ ترجمة قَصِيدة بارمينيدس إلى الأَلْمانِيَّة مُفكِّرا في الإغريق وبالإغريق (24).
إنَّ بَدْء التفكير أو التفكير بِالبَدْء اسْتَلزَمَ العَوْدة إلى مَراجع ثقافة بارمينيدس في كِتابة نَصّه، وتَحْدِيدًا إلى هومير وهزيود وسوفوكل وأفلاطون…
وَمَوْضوع التفكير، هُنا، تَحَدَّدَ بِصِلَة الوُجود بالإنسان، والإنسان بالوُجود لِبَيان أنَّهُ لا حَدَّ للتفكير بالتفكير و”لِمَعرفة حَقِيقة الحَقِيقِيّ” (Savoir la vérité du vrai).
وإذَا النَصّ البارمينيدسيّ بِمَا يُثِيره مِن قَضايا أُنطلوجِيَّة بِبَدْء التَفْكِير ومَشْرُوعه المُستقبليّ مَثَّلَ دَلِيلًا على أنَّ الفلسفة، مُنذ نَشأتها الأُولى، إغرِيقِيَّةٌ غَرْبِيَّةٌ، كَما لهذا النَصّ صِفَة تارِيخِيَّة إذْ مَثَّلَ بدْءًا أو ما يُشْبه البَدْء، وِلادَةً لِمَشرُوع في التفكير الفَلْسَفِيّ الّذي سَيتواصل أكثر مِن خمسمائة وأَلْفَيْ عَام (ابْتِداءً مِن 540 ق.م- 560 ق.م)، إلى أَرْبَعِينات القَرْن الماضِي، زَمن قِراءة هيدغر لِبارمينيدس.
وما لَفتَ انتِباهَ هيدغر في مُحاضرته الأَلفاظ الثَمانِيَة الأُولى مِن الشذْرة السادسة في قَصِيدة بارمينيدس، وَبِتَأثير قِراءة نِيتشه أَيْضًا لِهَذا النَصّ التَأسِيسِيّ.
إنَّ القَصْد الهيدغريّ مِن الرُجوع إلى النَصّ، إلى أَصْله الإغريقيّ هُو تَمثُّل السِياق الإغريقِيّ ذاته عِند انتِهاج سَبِيل التَرْجمة مِن الإغريقيَّة إلى الأَلْمانِيَّة، وذلك للتفكير بالإغريقيَّة وتحقيق فهْم مُحايث للنَصّ الأَصْلِيّ.
فَبَحَثَ هيدغر في اللَّحْظة البارمينيدسيّة، وهي لحظة فارقة استثنائيّة في تاريخ الفِكر الإنسانِيّ الّذِي شهد بها نَشأة الفَلسفة ضِمْن سِياق ثقافِيّ معرفيّ إغريقيّ (25).
“صُبْح التَفْكِير” (Le matin de la pensée)، بِهَذه التَسْمِيّة تَمثّل هيدغر مَشْرُوع التفكير الأُنطلوجِيّ في الوُجود، وتَحْدِيدًا مَرْحلة التفكير الفَلسَفِيّ مَا- قَبْل السُقراطِيّ، أَوّل النُور، والشَمْس على وَشك أن تَبزغ، لَحْظة الفَجْر العَمِيق لِانفِتاح الوُجود فَلْسَفَةً، قَبْل تَوَلُّد المَفْهُوم (concept)، رَعْشة المَوْجُود (Etant) الأُولى، انفِصاله وتَواصُله مَعَ الوُجود في الآن ذاته، لَحْظة انبِثاق النُور مِن الظُلمة، تقريبا، بِمَا يُشْبه مَا حَدَث لِلْكَوْن ونَشأة العالم فِيزيائيًّا، بِانفجار آخر حَدَث، بِانبِلاج صُبْح وَعْي إنسانِيّ ناشئ للوُجود، لَحْظة سَعادة صَباحِيَّة بِبارمينيدس في اتِّجاهٍ وهيرقليطس في اتِّجاهٍ آخر، كَالمُتمَثَّل قِراءةً جَدِيدَةً بِنِيتشه ثُمّ هيدغر…
وإذَا التفكير الأَوّل، كَالماثل في النَصّ البارمينيدسيّ، وبالاستقبال الهيدغريّ بَعْد الاستقبال النِيتشهيّ، يتحرّك داخل العَتمة المُلْغَزة.
“الفتيان إلى اليَمِين، والفَتَيات إلى اليَسار”: شَذْرةٌ تَختصر ذلك الغُموض البِدائيّ، كَأوّل الفَجْر في يَوْم جَدِيد بِأوّل الأُفُق المُنفَتِح على أرسطو ثُمّ على كانط، بَعْد قُرون.
فَاعتبرَ هيدغر اللَّحْظَة البارمينيدسيّة بالغة الدِقّة لِكَوْنها لَحْظة فَجْرِيَّة، وَضَوْؤُها عِنْد حُدوثها ظَلَّ لَيْلِيًّا، وَذَلك بالاتِّجاه مِن… إلى…
وإذَا اللَّحْظة البارمينيدسيَّة، في التَقَبُّل الهيدغريّ، تَختصر زَمَنًا كان وزَمَنًا يَكُون وَسَيَكُون، إذْ هِي لَيْست لَحْظة تَفْكِير، وإنّما بَدْء التفكير، لِتَمِيل الكَفّة إلى ما سَيَحْدث بَعْد الّذِي حَدَث.
وعِندَ البَدْء تَتشكّل صُورَة المشروع، أَي التفكير الفَلسفِيّ الناشئ أَو بَدْء التفكير في التفكير بِالمِيتافِيزيقا استمرارا بالأُنطلوجِيَا وتَواصُلًا طِفْلِيًّا بِدائِيًّا.
كَذَا يُحِيل سُؤال التفكير (مَأتاه) بالضَرُورة إلى هذا البَدْء الأَوّل لِمَعْرفة حِكايَة البَعْض مِن الأَصْل، مِن جِينيالوجيا الذات الإنسانِيَّة المُفَكِّرَة بالوُجود وفي الوُجود، بِاستقراء مَا يَصِل ويُفارق بَيْن الفِكر واللُّغَة في التفكير الفَلْسَفِيّ المِيتافِيزيقيّ القَدِيم ومَا يَصِل ولا يُفارق بَيْنهُما في أُفُق التفكير الهيدغريّ الّذِي يَعُود في ضَوْء النَصّ البارمينيدسيّ أو عَتْمته شِبْه المُضِيئة إلى أَصْل الواحد، الكُلّ بِمُتعدّد أَجْزائه، إلى الهُوَوِيّ (L’identique) الماثل في صَمِيم هذا الواحِد وُجُودًا والواحد مَوْجُودًا، وإلى الاختِلاف بِناءً على القَوْل بالوَاحِد الكُلّ وبالأَجْزاء (العَدَد) ضِمْن بِنْيَة الواحد.

6 – مِن قَبِيل الخاتِمَة:
في المُؤتَلِف وَالمُختَلِف بَيْن جِينيالُوجِيَا النَصّ الأَوّل وجِينيالوجِيَا نُصوص قِراءته.
هُناك، إذنْ، مُشتَرَك قائم بَيْن النَصّ البارمينيدسيّ وقِراءَة كُلّ مِن أفلاطون وهيدغر له. وَمَفادُ هذا المُشترك الأَوّل بِنْيَة النَصّ البارمينيدسيّ ذاته، ارْتِباكه الناتج عن تَرَدُّده بَيْن الاستمرار في لَيْل المِيتافِيزيقا السالف ونَهار الفلسفة الوَشِيك القادم.
وهذه الحَيْرة مُتلبِّسَةٌ بالنَصّ تَلبُّسَهَا بِذَاتِ صاحبها، فَلَا هُو خِلو مِن أَثَر المِيتافِيزيقا وتَأثِير كُلّ مِن هومير وهزيود وسوفوكل وطاليس وأناكسيماندر وأناكسيمان وبيتاغور والبِيتاغوريّين والمُختلف عَنْه تفكيرا، كَهيرقليطس والمُعتقَد السائد (Doxa)، ولا هُو مُذعن تَمامًا لِهَذه الآثار والتَأثِيرات، إذْ يَتجاذبُه القَصْدُ واللَّا- قَصْد، ما يَعِيه وما لا يَعِيه فِكْرًا، كحَيْرته الأُسْلُوبِيَّة أَيْضًا بَيْن عَجِيب السَرْد وحُلْمِيّة الشِعْر ورَعْشة التفكير الفَلسَفِيّ الناشئ.
وَلِأنَّ مفهُوم الواحِد مُلتبِس اُضطُرَّ بارمينيدس إلى الاستِعانة بالاستِعارَتَيْن السَرْدِيَّة والشِعْرِيَّة. وهذا النَهْج شَبِيهٌ بالنَهج الّذِي اتَّبعهُ أفلاطون آنَ اعتِماده السَرْد الحِوارِيّ، وسارَ فِيه نِيتشه بَعْد قُرون، كَالماثل مَزْجًا بَيْن السَرْد والشِعْر في “كَذَلك تَحَدَّثَ زرادشت” ثُمّ هيدغر الّذِي اسْتَعانَ هُو الآخر بالاسْتِعارة الشِعْرِيَّة (هولدرلين وجورج تراكل وجورج ستيفان ونوفاليس…)، مع المُعْتَقَد التاوِيّ لِتَوْسِيع أُفُقه الفلسفِيّ عِنْد خَوْضه في الوُجود والزَمَن والعالم والأَشْيَاء والمَوْجُود والقَلق والمَوْت…
“يُوجد” (IL y a)، “الوُجود مَوْجُود” (être est)، الهُوَوِيّ (L’identique)، وِحْدَة الاختِلاف أو الاختِلاف بالوِحْدَة، الوُجود مُقابل اللَّا- وُجود هِي مُصْطلحاتٌ- مَفاهِيم فَلْسَفِيَّة ناشئة لدى بارمينيدس، وقد حَرص أفلاطون على مَزِيد تَوْضِيحها في كِتابه الحِوَارِيّ “بارمينيدس” عِنْد تَفْصِيل القَوْل، بَل الأقوال فِيها مُسْتحضرًا قُرَّاء بارمينيدس مِن الزَمن الإغرِيقيّ القَدِيم.
وَكَذَا الاستقبالُ الهيدغريّ المُسْتَفِيد مِن قِراءَة القُدَامَى ونيتشه في اللَّاحق مِن الزَمَن.
هِي، في المُحَصّل، ارْتِحالات نُصوص إلى نُصوص، وبَدْؤُها النَصّ البارمينيدسيّ بِأُفُقِهِ الفَجْرِيّ الناشئ يفتح على آفاق لِقِراءات قادمة.
إنَّ المُشْتَرَك بَيْن هذه القِراءات ماثِل في التَأوِيلات المُحايِثَة، وآخِرُهَا التَأوِيل الهيدغريّ الّذِي مَفاده السُؤال الخاصّ بالتفكير في التفكير ذاته بِسُؤال نَشأة الفَلْسَفة تَخْصِيصًا بالغَرْب، والغَرْب الأُوروبِيّ، وبالإغريق القُدَامَى في بَيَان لَحْظة البَدْء إثباتًا لِلحَقِيقَة الّتِي مفادها أنَّ الفلسفة غَرْبِيَّة أُوروبِيَّة إغريقِيّة المَنْبَت.
إلَّا أنَّ سُؤال الإنسان فَلْسَفَةً بالوُجود يَذهب في المَاهِيَّةَ إلى التَشْمِيل، لِيَظْهر وَجْهٌ آخر للسُؤال: هَل للتفكير الفَلْسَفِيّ ابْتِداءٌ بِبَارمينيدس الإغريقيّ أَم لَهُ ابْتِداءات أُخرَى قَدْ تفتح على مَا- قَبْل أَبْعد زَمَنًا في المَاضِي مِن الإغريق والإيونيّين (Les ioniens)، وذلك بالعَوْد إلى الفُرْس والمِصْرِيّين القُدَامَى والبَابليّين والهُنود والصِينِيّين..؟ أَلَيْسَ في الوَصْلِ بَيْن الفَلسفَة والأَدَب بَعْضٌ قَلِيل مِمَّا يدفع البَحْث في ذاكِرَة النَصّ الفَلْسَفِيّ بالتَناصّ العَمِيق الّذِي به يَتَعَسَّر وقَد يَسْتَحِيل الحَسْم في القَوْل بالبَدْء الأَوّل؟

الهَوَامش:
1 – Roland Barthes, “Texte”, in Encyclopeadia Universalis.
2 – Julia Kristéva, “Révolution du langage poétique”,
Seuil, 1974, p356-357.
3 – Julia Kristéva, “Semiotiké : recherche pour une sémanal
yse”, Seuil, 1969, p84.
4 – Philippe Sollers, “Niveaux Sémantiques d’un texte
moderne”, Tel quel, 1968.
5 – Michaïl Bakhtine, “Esthétique et Théorie du roman”,
Gallimard, 1978.
6 – Tiphaine Samoyolt, “L’intertextualité, mémoire de la
littérature”, France : Nathan, 2001, p8.
7 – ابْن مَنْظُور، “لِسان العَرَب”.
8 – Nathalie Piégay-Gros, “Introduction à l’intertextualité”,
France : Nathan, 1996, p7.
9 – Ibid, p10.
10 – Jacques Derrida, “La dissémination”, Seuil, 1972.
11 – “Le même, lui, est à la fois penser et être”, le
poème de Parménide.
12 – والمُلاحَظ أنَّ تَرْجمة ديمون (Jean Paul Dumond) للشَذْرة الثالثة مُختلفةٌ عن تَرْجَمة كُلّ مِن بوفري (Jean Paul Beaufret) وبولاك (Jean Bollack).
13 – “Peu n’importe d’où je commencerai, en effet là
même je viendrai à nouveau…”
Le Poème de Parménide (Fragment 5).
14 – انتقلت هذه المَعانِي إلى أرسطو في اللَّاحق، وإلى لوكراس (Lucrèce)، على سَبِيل المِثال لا الحَصْر.
15 – فينوس، هِي مِن أَهَّمِ الإلهات في الأَسَاطِير الرُومانِيَّة، إلَهة الحُبّ والجَمال، وأَصبحت في اللَّاحق تَرْمز إلى القُوَّة الخَلَّاقة في الحَيَاة، وأَصْلُهَا الأَوّل إغريقيّ بالدَلالَة الرَمْزِيَّة ذاتها.

16 – Platon, “Parménide, ou sur les idées, genre logique”,
Traduction Emile chambry, édition électronique, artyuiop.

17 – أُسْلوب تَعْلِيميّ اعتَمَده أفلاطون في مُجْمل مَا كَتبَ. وهو مُؤسّس الأَكادِيمِيَّة (مُؤَسّسة تَعْلِيمِيَّة) عَام 387 ق.م الّتي استَمَرَّ وُجودُها بَعْد وَفاته إلى 86 ق.م. عَلَّمَ بها مُؤسّسُها أفلاطون وأرسطو.

18 – Platon, “Parménide”, p14.
19 – Ibid, p23.
20 – Ibid, p35.
21 – Ibid, p44.
22 – Ibid, p107.

23 – جُلّ الحِوَار في هذا المَوْضُوع دائرٌ بَيْن بارمينيدس وأرسطو. وبارمينيدس هُو المُتكلّم غالبا، أَمَّا أرسطو فَهو المُنصت.

24 – Martin Heïdegger, “Parménide”, in “Œuvres Complètes”,
Gallimard, 1982.
25 – Martin Heïdegger, “Qu’appelle-T-on penser ? “, Traduit de l’Allemand par Aloys Becker et Gérard Grauel, presses Universitaires de France, 1973. (Epyméthée, collection fondée
par Jean Hyppolite), p5.

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟